من كلام فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله فى كيفية صلاة النبى الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أما بعد: فهذه كلمات موجزة في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أردت تقديمها إلى كل مسلم ومسلمه ليجتهد كل من يطلع عليها في التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري.
وإلى القارئ بيان ذلك:
1- يسبغ الوضوء وهو أن يتوضأ كما أمره الله عملا بقوله -سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول رواه مسلم في صحيحه.
2-يتوجه المصلى إلى القبلة - وهي الكعبة - أينما كان بجميع بدنه قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة ولا ينطق بلسانه بالنية لأن النطق باللسان بدعة لكون النبي صلى الله علية وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابة _رضي الله عنهم_ويسن أن يجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماما أو مفردا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
3-يكبر تكبيرة الإحرام قائلا الله أكبر ناظرا ببصره محل سجوده.
4-يرفع يديه عند التكبيرة إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه.
5-يضع يديه على صدره اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد لورود ذلك من حديث وائل ابن حجر وقبيصه بن هلب الطائي عن أبيه - رضي الله عنهما-.
6-يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشاء قال بدلا من ذلك سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أتى بغيرها من الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة لأن ذلك أكمل في الإتباع.
ثم يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. ويقرأ سورة الفاتحة)، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ويقول بعدها: آمين جهرا في الصلاة الجهرية وسرا في الصلاة السرية، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن والأفضل أن تكون القراءة في الظهر والعصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي الفجر من طواله، وفي المغرب من قصاره، وفي بعض الأحيان من طواله أو أوساطه - أعني في المغرب - كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويشرع أن تكون العصر أخف من الظهر.
7- يركع مكبرا رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلا رأسه حيال ظهره واضعا يديه على ركبتيه مفرقا أصابعه ويطمئن في ركوعه ويقول: (سبحان ربي العظيم) والأفضل أن يكررها ثلاثا أو أكثر ويستحب أن يقول مع ذلك: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي).
8- يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلا سمع الله لمن حمده إن كان إماما أو منفردا يقول بعد رفعه: (ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء اللأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شىء بعد) وإن زاد بعد ذلك: (أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
فهو حسن لأن ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله علية وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة أما إن كان مأموما فإنه يقول عند الرفع: (ربنا ولك الحمد) إلى آخر ما تقدم ويستحب أن يضع كل منهم يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله علية وسلم من حديث وائل ابن حجر وسهيل بن سعد رضي الله عنهما.
9- يسجد مكبرا واضعا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلا بأصابع رجليه ويديه القبلة ضاما أصابع يديه ويكون على أعضائه السبعة: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر ويستحب أن يقول مع ذلك: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي).
ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله علية وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء). رواه مسلم في صحيحه.
ويسأل ربه له ولغيره من المسلمين من خير الدنيا والآخرة سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه ويرفع ذراعبه عن الأرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب. متفق عليه.
10- يرفع رأسه مكبرا، ويفش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويضع بديه على فخذيه وركبتيه ويقول: (رب اغفرلي وارحمني وارزقني وعافني واهدني واجبررني).
ويطمئن في هذا الجلوس حتى يرجع كل فقار إلى مكانه كاعتداله بعد الركوع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بطيل اعتداله بعد الركوع وبين السجدتين.
11-يسجد السجدة الثانية مكبرا ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
12-يرفع رأسه مكبرا ويجلس جلسة خفيفة مثل جلوسة بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة وهي مستحبة في أصح قولي العلماء وإن تركها فلا حرج وليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض قائما إلى الركعة الثانية معتمدا على ركبتيه إن تيسر ذلك، وإن شق عليه اعتمد على الأرض بيديه.
ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن بعد الفاتحة كما سبق في الركعة الأولى ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى ولا يجوز للمأموم مسابقة إمامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من ذلك ويكره موافقة الإمام والسنة له أن تكون أفعاله بعد إمامه من دون تراخ وبعد انقطاع صوته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبوا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد. الحديث متفق عليه.
13-إذا كانت الصلاة ثنائية أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى واضعا يده اليمنى على فخذة اليمنى قابضا أصابعة كلها إلا السبابة فيشير بها الى التوحيد عند ذكر الله سبحانه وعند الدعاء وإن قبض الخنصر والبنصر وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة.
فحسن لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله الا الله وان محمداً عبده ورسوله ثم يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
ويستعيذ بالله من أربع فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال). ثم يدعوا بما شاء من خير الدنيا والآخرة وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة.
لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد:ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو. وفي لفظ آخر: ثم ليختر من المسألة ما شاء. وهذا يعم ما ينفع العبد في الدنيا و الآخرة ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا: السلام عليكم ورحمة الله... السلام عليكم ورحمة الله.
14-إن كانت الصلات ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء قرأ التشهد المذكور آنفا مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه رافعا يديه حذو منكبيه قائلا الله أكبر ويضعهما - أي يديه - على صدره كما تقدم ويقرأ الفاتحة فقط وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا و الممات ومن فتنة المسيح الدجال ويكثر من الدعاء.
الدعاء المشروع في هذا الموضع وغيره: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. لما ثنت عن أنس -رضي الله تعالى عنه-قال:ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية لكن يكون في هذا الجلوس متوركا واضعا رجله اليسرى تحت اليمنى ومقعدته على الأرض ناصبا رجله اليمنى لحديث أبي حميد في ذلك ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا: السلام عليكم ورحمة الله.. السلام عليكم ورحمة الله، ويستغفر الله ثلاثا ويقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله الا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منت ولا ينفع ذا الجد منك الجد لا حول ولا قوة الا بالله لا إله الا الله ولا نعبد الا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون).
ويسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد مثل ذلك ويكبره مثل ذلك ويقول تمام المائة: لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ويقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ بري الناس، بعد كل صلاة، ويستحب تكرار السور الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب لورود الحديث الصحيح بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يستحب أن يزيد بعد الذكر المتقدم بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، قول: (لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير). عشر مرات لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان إماما انصرف إلى الناس وقابلهم بوجهه بعد استغفاره ثلاثا وبعد قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
ثم يأتي بالأذكار المذكورة كما دل على ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث عائشة-رضي الله عنها-في صحيح مسلم، وكل هذه الأذكار سنة وليست فريضة، ويستحب لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل صلاة الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين وبعد صلاة المغرب ركعتين وبعد صلاة العشاء ركعتين وقبل صلاة الفجر ركعتين الجميع اثنتا عشرة ركعة.
وهذه الركعات تسمى الرواتب لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يحافظ عليها في الحضر، أما في السفر فكان يتركها إلا سنة الفجر والوتر فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما حضرا وسفرا، ولنا فيه أسوة حسنة، لقول الله سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. وقوله، عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي). رواه البخاري.
والأفضل إن تصلي هذه الرواتب والوتر في البيت فإن صلاها في المسجد فلا بأس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة). متفق على صحته.
والمحافظة على الركعات من أسباب دخول الجنة لما ثبت في صحيح مسلم عن أم حبيبة-رضي الله عنها-أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة.
وقد فسرها الإمام الترمذي في روايته لهذا الحديث بما ذكرنا وإن صلى أربع ركعات قبل صلاة العصر واثنتين قبل صلاة المغرب واثنتين قبل صلاة العشاء فحسن لقوله، صلى الله عليه وسلم:رحم الله امرءا صلى أربعا قبل العصر. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وصححه، وإسناده صحيح، لقوله عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء). رواه البخاري، والله ولي التوفيق..