النص الكامل لكلمة منتظر الزيدي خلال المؤتمر الصحفي
بمقر قناة البغدادية في بغداد بعد الإفراج عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤتمر الصحفي للبطل منتظر الزيدي
بغداد بعد الإفراج عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ها أنا ذا حر .. وما زال الوطن أسير .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البدء أحيي وأشكر كل من وقف إلى جانبي من الشرفاء في وطني وفي الوطن العربي الكبير وفي العالم الإسلامي والعالم الحر. لقد كثر الحديث عن الفعل والفاعل والبطل والبطولة والرمز والصنيع, لكنني بكل بساطة أجيب أن الذي حررني للمواجهة هو الظلم الذي وقع على شعبي، وكيف أن الإحتلال أراد اذلال وطني بوضعه تحت جزمته وسحق فوق رؤس أبناءه من شيوخ ونساء وأطفال ورجال وعلى مدى الأعوام الماضية سقط أكثر من مليون شهيد برصاص الإحتلال واكتظت البلاد بخمسة ملايين يتيم ومليون أرملة ومئات الآلاف من المعاقين ونحو خمسة ملايين من المشردين داخل البلاد وخارجها.
كنا قوما يقتسم العربي مع التركماني والكردي والاشورى والصابئي والايزيدى رغيف الخبز ويصلي الشيعي مع السني في صف واحد، ويحتفل المسلم مع المسيحي في عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ورغم أننا كنا نجوع يوميا في حصار أمريكا لأكثر من عشرة سنوات فإن صبرنا وصمودنا لم ينسنا الإستبداد والقمع حتى اجتاحنا الإحتلال بوهم التحرير لدى البعض، ففرق بين الأخ وأخيه والجار وجاره والولد وخاله وجعل بيوتنا صناديق عزاء لا تنتهى ومقابرنا صارت في الشوارع والمنتزهات، إنه الطاعون .. إنه الإحتلال الذي يفتك بنا ويدنس دور العبادة وحرومات البيوت ويغتصب الحرائر ويزج بالآلاف كل يوم في سجون مرتجلة. أنا لست بطل وأعترف بذلك .. لكنى صاحب رأي وموقف لقد أذلني أن أرى بلادي تستباح, بلادي تحرق وأهلي يقتلون, ألآف الصور والمشاهد المأساوية ضلت عالقة في ذهني وهي تضغط على كل يوم مشيرة إلى طريق الحق .. طريق المجابهة .. طريق رفض الباطل والزيف والخداع، وكنت لا أنام معها ليلاً هانئاً, عشرات بل مئات الصور والفضائح والمجازر التي يشيب لها الجنين .. كانت تبكيني وتجرحنى فضيحة أبو غريب، مجزرة الفلوجة, النجف, حديثة ، مدينة الصدر, البصرة, ديالى, الموصل, تلعفر, وكل شبر من أرضنا الجريحة، كنت أجول طوال السنوات الماضية بأرض محترقة وكنت أشاهد بأم عيني ألآم الضحايا وأسمع صرخات الثكالى والأيتام وكان العار يلاحقني كإسم قبيح لقلة حيلتي وحين أكمل واجبى المهني في نقل كوارث العراقيين اليومية وأنا أغتسل من بقايا غبار المنازل المهدمة أو من بقايا دماء الضحايا العالقة في ثيابى .. أعض على أسناني معاهدا ً ضحايانا بالثأر لهم وقد حانت الفرصة ولم أفوتها وفاءً لكل قطرة دم بريئة سقطت من الإحتلال أو من جرائه لكل صرخة ثكلى أو أنين جريح أو حزن مختصبة أو دمعة يتيم, لو علم اللائمون كم وطأت الحذاء التي قذفتها منازل مهدمة بفعل الإحتلال .. وكم مرة إختلط بدماء الأبرياء النازفة .. وكم مرة دخلت بيوتاً إنتهكت حرمات حرائرها ولعلها كانت الرد المناسب حين تنتهك جميع المعايير.
أردت بقذفي الحذاء في وجه مجرم الحرب بوش أن أعبر عن رفضى لكذبه .. رفضي لإحتلاله لبلادى .. رفضي لقتل شعبى .. رفضي لنهب خيراته وتهديم بناه التحتية وتشريد أبنائه في الشتات .. وبعد 6 سنوات من الذل والقتل وإنتهاك الحرمات وتدنيس دور العبادة يأتي القاتل متبجحا بالنصر والديمقراطية ويريد توديع ضحاياه ويريد منا الورود، ببساطة كانت تلك وردتي للمحتل ومن أراد التواطؤ معه واستغفال التاريخ سواء بنشر الأكاذيب قبل الإحتلال أو بعده, أردت الدفاع عن شرف المهنة وعن الوطنية المستضامة يوم دنست البلاد واستبيح الوطن وذهب الشرف الرفيع.
يقول البعض لماذا لم يسأل بوش سؤال يحرجه فيه في المؤتمر، وأنا هنا أجيبكم أنتم يا معشر الصحفيين, كيف لي أن أسأل بوش وقد أمرنا قبل بدء المؤتمر بأن لا نطرح السؤال عليه, ممنوع أي شخص أن يسأل بوش، وكنا نكتفي بالتغطية فقط كخبر، أما عن المهنية فإن المهنية التى يتباكى عليها البعض في ظل الإحتلال ولا أظن أن صوتها يطغى على صوت الوطنية وإذا تحدثت الوطنية ستجد المهنية رديفاً لها, وبهذه المناسبة إذا كنت قد أسأت بغير قصد والله العالم للإعلام والصحافة .. أود الإعتذار منكم لما سببته من إحراج مهني للمؤسسات ولأن كل ما قصدته هو التعبير بوجدان حي وضمير يقظ عن مكنونات مواطن يرى بلده يستباح كل يوم، كما أن التاريخ يذكر كثير من القصص التي دنست فيها المهنية بيد ساسة أمريكا سواء في محاولة إغتيال الثائر الكوبي فيديل كاسترو من خلال تفخيخ كاميرا تلفزيونية كان يحملها عملاء لل سي آي أي حينما إدعوا أنهم من التليفزيون الكوبي، أو ما فعلوه في حرب إحتلال العراق من تضليل الرأي العام بما يجري وأمثلة كثيرة لا يسعني أن أذكرها هنا.
لكن الشيء الذي أود أن ألفت إليه الإنتباه هو أن هذه الأجهزة المريبة، أي المخابرات الأمريكية والأجهزة الأخرى التابعة لها، لم تدخر جهداً في ملاحقتي كثائر متمرد على إحتلالها في محاولة لقتلي أو تسقيطي، وهنا ألفت إنتباه المقربين إلى مصائد المخابرات تلك للإيقاع بى وقتلي بشتي الطرق جسدياً وإجتماعيا ً ومهنياً وفي الوقت الذي خرج به رئيس الوزراء العراقي في الفضائيات ليقول أنه لم ينم إلا بعد أن اطمئن على وأنني قد وجدت فراش وفيراً وغطاء, في تلك اللحظات التى كان يتحدث بها رئيس الوزراء العراقي كنت أعذب بأبشع أنواع التعذيب، صعق بالكهرباء .. ضرب بالكيبلات .. ضرب في القضبان الحديدة .. وفي الباحة الخلفية للمؤتمر الذي كان يجري .. وما زال يجري .. وأنا أسمع أصوات المؤتمرين .. وربما كانوا يسمعون صراخ أنيني .. وتركت في الصباح مكبلاً في مكان لا يقيني برد الشتاء القارص بعد أن أغرقوني في الماء منذ الفجر، لذلك أطلب بالإعتذار عن حجب الحقيقة عن الناس من السيد المالكي، وسأتحدث لاحقاً عن الأسماء التي تورطت بتعذيبي .. وبينهم بعض المسئولين الكبار في الدولة وفي الجيش.
لم أبلغ من فعلتى هذه دخول التاريخ أو الحصول على مكسب ما .. وإنما أردت الدفاع عن بلدى وهو أمر مشروع تقره القوانين والأعراف السماوية والأرضية والدولية، أردت اللذود عن بلد عريق وحضارة أستبيحت .. وأظن أن كتب التاريخ الأمريكية وغير الأمريكية ستذكر كيف جعل المحتلون العراق العريق يخضع لسيطرتهم ويذعن لهم وإلى الأساليب الوحشية التي إستخدموها بحق أبناءه متبجحين بذلك متذكرين ما كان يحدث للسكان الأصليين في أمريكا الجنوبية والشمالية على يد المستعمرين، ولكنني أقول هنا لهم ولكل من حذا بحذوهم وكل من آزرهم وتباكى عليهم, هيهات فنحن شعب نموت ولا نذل.
وأخيراً أقول أنني مستقل وغير متنتمي إلى أي حزب كما ظهر كثيرا وفي أثناء التحقيق والتعذيب أنني أنتمي إلى جهات يمينية ويسارية, لكنني مستقل من أي جهة سياسية كانت وسأسخر إن شاء الله كل جهدي القادم في الخدمة الإنسانية المدنية لشعبي وكل من هو بحاجة إليها دون الخوض بغبار السياسة وليس غمار السياسة كما أطلق البعض إشاعات عني، وسأعمل على رعاية الأيتام والأرامل وكل من تضرر بالإحتلال.
الرحمة للشهداء والشهيدات الذين سقطوا في العراق الجريح، والعار لمن إحتل العراق ومن ساعد فى فعلته النكراء، والسلام على المعفرين في غياهب القبور، وعلى المقهورين في سلاسل الإعتقال، والسلام عليكم أيها الصابرون المحتسبون في بلادي الحبيبة الجريحة، فإن ليل الظلم وإن طال .. فإنه لن يحجب شمساً خططناها بأيدينا أن تبقى شمساً للحرية.
وكلمة أخيرة أوصاني بها رفاقي وزملائي في المحنة في السجون هناك, قالوا يا منتظر .. إذا خرجت فاذكرنا عند ربك, إن ربي واحد سبحانه وتعالى .. وأذكرهم عنده في كل صلاة، لكن أرباب الدولة والسياسية أذكرهم بأن هناك في السجون المرتجلة وغير المرتجلة مئات بل ألآف الضحايا بسبب مخبر سرى بسبب وشاية وهم يقبعون في هذه الزنازين منذ سنوات، ولا محاكمة ولا مراجعة لهم، فقط جلب من الشوارع ومن البيوت وزج في هذه السجون، فأنا أمامكم وأمام الله وأمامهم الآن .. الذين ربما يستمعون لي ويشاهدوني فقد برأت ذمتي، فأبرؤا ذمتكم أيها السياسيون والمسؤولين في الدولة عما يجري في السجون، من ظلم بسبب تأخير القضاء العراقي.
شكرا ً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله