الخلايا السرطانية موجودة في أجسامنا جميعاً، تظهر بشكل متكرر، كنتيجة ثانوية لعملية الأكل، التنفس وكل ما نقوم به تقريباً لنعيش. لكن جهازنا المناعي، عندما نكون بصحة جيِّدة، يُسارع إلى القضاء على هذه الخلايا حال ظهورها، مؤدياً بذلك واحدة من وظائفه الأساسية، وهي القتل المبرمج للخلايا.
تقضي وظيفة القتل المبرمَج للخلايا، بدفع الخلايا غير المرغوب فيها إلى تدمير ذاتها، وهي أواليّة طبيعيّة يستخدمها الجسم لوقاية نفسه من السرطان. لكن المشكلة تبدأ عندما تجتمع خلايا سرطانية عديدة، وتجد طريقة للتفوّق على وسائل دفاع الجسم الطبيعية.
ويُشبّه الأخصائي الأميركي في علم الأورام، الدكتور رونالد أبرامز، السرطان بـ"الأعشاب الضَّارَة". يقول، إنّه يتوجّب علينا الإهتمام بتنظيف حديقتنا جيِّداً لنجعل من تربتها أرضاً غير مضْيَافة، بحيث لا تتمكن هذه الأعشاب الضارة من غرس جذورها فيها أصلاً. وإلى جانب التنظيف الجيِّد، علينا أن نتفادى تزويد التربة بأنواع السّماد الذي يساعد أي أعشاب ضارة، قد تجد طريقها إلى حديقتنا، على النمو والتكاثر. ومبادئ العناية بالحديقة، تنطبق على أجسامنا ونظامنا الغذائي. وتتمثل الخطوة الأولى، التي يتوجّب علينا اتّخاذها، في وضع واتّباع نظام غذائي قوي مضاد للسرطان، والحرص على خلوّه من "السماد" الذي يُساعد على نمو الأعشاب الضارة. وأبرز أنواع هذا "السماد" في غذائنا هو السكر، مشتقات الحليب، الدقيق المكرر، واللحوم الحمراء. والواقع أنّ هذه الأطعمة لا تشكل أسمدة تشجع الخلايا غير المرغوب فيها على النمو والتكاثر فحسب، بل هي تعمل كذلك على رفع إمكانية الإصابة بالسرطان بطريقة غير مباشرة. فهذه الأطعمة غالباً ما تتسبب في زيادة أوزاننا، ما يُسهم بدوره في زيادة خطر الإصابة بالسرطان. وتؤكد الأخصائيّة الأميركية في التغذية والنشاط البدني، كولين دويل، أنّ التخلص من الوزن الزائد قد يكون أفضل ما يمكننا القيام به للتخفيف من خطر إصابتنا بالسرطان. تُضيف، إنّ مستويات "الأستروجين" و"الأنسولين" تكون مرتفعة لدى صاحبات الوزن الزائد، والمعروف أن كلا الهرمونين يلعب دوراً مُحفّزاً في ظاهرة نمو الأورام. إضافة إلى ذلك، فإنّ الدهون المزائدة تُفرز "السيكوتينز"، وهي مواد مُسبّبة للإلتهابات في الجسم. والواقع، أنّ الدراسات المتكررة تشير إلى أنّ الإلتهابات المزمنة، يمكن أن تسبّب السرطان، لأنّها تعطّل الجهاز المناعي، وتُضعف عملية القتل المبرمج للخلايا غير المرغوب فيها. أمّا أبرز أنواع السماد التي يجب حذفها من نظامنا الغذائي فهي:
1- اللحوم الحمراء:
جاء في دراسة نشرتها مجلة "أرشيف الطب الباطني" الأميركية، في عام 2006، أنّ النساء اللواتي يأكلن حصة ونصف الحصة، أو أكثر من لحم البقر أو الخروف في اليوم، يضاعفن تقريباً من خطر إصابتهنّ بسرطان الثدي بالغ التأثر بالهرمونات، مقارنةً باللواتي يأكلن اللحم الأحمر 3 مرات فقط في الأسبوع. ويزداد هذا الخطر إذا كانت اللحوم مُصنَّعة، مثل: "المقانق" والـ"هوت دوغ"، واللحوم المقدَّدة، أو تلك التي تحتوي على النّيترات والصوديوم. لذلك من الضروري التخفيف من تناول اللحوم الحمراء، والإستعاضة عنها بالأسماك والدواجن.
2- السكر:
يجب الإمتناع عن تناول السكر المضاف بأشكاله كافة، بما في ذلك مواد التحلية الصناعيّة والمنتجات الغذائيّة والمشروبات المصنَّعة. وتقول المتخصصة الأميركية كولين دويل، إنّ العلاقة بين السرطان والسكر غير واضحة، غير أن هناك صلة غير مباشرة أكيدة، تتمثل في أنّ الأطعمة الغنية بالسكر، تكون عادة غنية بالوحدات الحرارية، ويمكن أن يؤدي تناولها إلى زيادة الوزن. وقد تَبيّن أنّ الأشخاص الذين يتناولون الكثير من السكر (الموجود عادةً في منتجات مصنَّعة مكرَّرة ذات قيمة غذائية متدنية)، يفتقرون إلى الفيتامينات والمعادن والألياف والعناصر المغذية الأخرى، المتوافرة في الأطعمة الكاملة، والتي تلعب دوراً مهماً في الوقاية من السرطان.
3- الحليب ومشتقاته:
من الواضح أنّ الكعك والبسكويت والدّونات، تنتمي جميعها إلى فئة المنتجات الغذائية الغنية بالسكر، لكن أبرامز، يضع الحليب ومشتقاته أيضاً في هذه الفئة نفسها. يقول، إنّ الحليب ومشتقاته تحتوي على سكريات بسيطة، لم يكن يفترض على جسمنا هضمها بعد سن الفطام. ولأنّنا لا نهضم مشتقات الحليب جيِّداً، ينتهي بها الأمر إلى الإسهام في التسبب بالتهابات في الجسم. وقد أظهرت بعض الدراسات أنّ هناك علاقة بين الحليب بشكل خاص وسرطان الثدي، "البروستاتا"، والمثانة، إضافة إلى الأورام اللمفاوية.
4- الكحول:
تقول الأخصائيّة الأميركية في التغذية، كارولين لامرسفلد، إنّ سرطان الثدي بشكل خاص، يستجيب للكحول بشكل سلبي، وربّما يعود ذلك إلى أن زيادة الكحول في الجسم، ترتفع من مستويات "الأستروجين" في الجسم. إضافة إلى ذلك، فإنّ الكحول تحتوي على مجموعة من المواد الكيميائية المختلفة، التي يمكن أن تكون لها تأثيرات مُسبِّبة للسرطان.
وفي مقابل الإمتناع عن الأطعمة والمشروبات المذكورة أعلاه، والتي تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، يجب علينا التركيز على تناول الأطعمة التي تخفّف من هذا الخطر وتساعد على مقاومة هذه المرض الخطير. ويُجْمع الخبراء على القول، إنّ النظام الغذائي الذي تُشكّل النباتات قاعدته الأساسية، والغني بالخضار والفواكه العضوية والحبوب الكاملة، يُعتبر الأفضل للحفاظ على صحة جيِّدة. يقول أبرامز، إنّ هذه المنتجات الطبيعية، هي الأغنَى بالعناصر المغذية الضرورية التي تشكل وقوداً للجهاز المناعي. فكل نبتة تنمو في الهواء الطَّلق باعتماد الزراعة العضوية، هي نبة عليها أن تكافح لتضمَن بقاءها، وتضطر في ذلك إلى إنتاج مواد كيميائية نباتية، تحميها من الطيور والحشرات وأشعة الشمس. وقد تَبيّن أنّ هذه المواد نفسها، المواد الكيميائية النباتية المغذية، مفيدة لنا أيضاً، وتساعدنا على مكافحة الأمراض. ويقول الخبراء، إنّ هناك بعض الخضار والفواكه أفضل من غيرها، عندما يتعلق الأمر بالوقاية من السرطان. وتقول الأخصائية الأميركية في التغذية ومكافحة السرطان، كارولين كاتزين، إنّها تنصح الناس بالتركيز على المضادات الثلاثة: مضادات المواد المسرطنة، ومضادات الأكسدة ومضادات الإلتهابات. وهي متوافرة عادةً في المنتجات الطبيعية ذات الألوان الساطعة، مثل الجزر، البرتقال، التوت الأزرق. من جهته، يقول الأخصائي الأميركي في التغذية، دافيد غروتو، إنّ مضادات الأكسدة تكمن في المواد الملونة داخل هذه المنتجات. وهو ينصح بتناول مجموعة متنوعة منها يومياً، إلى جانب الأطعمة المعروفة بقدرتها على مكافحة السرطان، وأبرزها:
1- الشعير:
الألياف الموجودة في العديد من الحبوب الكاملة تُسهم في كبْح نشاط بعض المواد المسببة للسرطان، وتُعزز ظاهرة تميُّز الخلايا، ما يسهّل على الجسم التعرّف إلى الخلايا التي يجب إستهدافها في عملية القتل المبرمج. ويُعتبَر الشَّعير أفضل مصادر هذه الألياف، يتبعه الشُّوفان، الذرة والأرز الكامل.
2- الفاصولياء السوداء:
أنواع الفاصولياء كافّة، غنية بالألياف الغذائية، لكن السوداء تتميّز باحتوائها على أعلى نسبة من مضادات الأكسدة في قشورها. ويقول غروتو، إنّ هذا النوع من الفوصولياء، يمكن أن يُسهم أيضاً في كبح انسياب "الأستروديول" في الجسم، وهو شكل من أشكال "الأستروجين"، الذي قد يسبّب مشاكل لدى النساء المعرَّضات للإصابة بسرطان الثدي، الذي يتأثر بمستويات "الأستروجين". ويعتقد العلماء، أن نوع النشاء الموجود في الفاصولياء يُحاكي "الأستروجين"، لدرجة أنّه يلتصق بمواقع إستقبال "الأستروجين"، ما يسمح بالتخلص من أشكال "الأستروجين" الضارة والزائدة، وإخراجها من الجسم.
3- التوت الأسود:
ثمار العلّيق الحمراء، جميعها جيِّدة للوقاية من السرطان، لكن التوت الأسود هو الأفضل بينها. فهو يحتوي على الكثير من مضادات الأكسدة والإلتهابات والمواد المضادة للسرطان، إضافة إلى غناه بـ"الأنثوسيانين". وتقول كاتزين، إنّ التوت الأسود يحتوي على نوع خاص من "الأنثوسيانين" الذي أظهرت دراسات عديدة، أنّه يلعب دوراً في التخفيف من خطر الإصابة بسرطان جهازي التنفس والهضم.
4- البروكولي:
يقول غروتو، إنّ هناك أكثر من 300 دراسة، تؤكد فاعليّته في مكافحة السرطان. فـ"البروكولي" واحد من أغنَى المصادر الطبيعية بـ"السولفوروفان"، وهي مادة تَبيَّن أنّها تلعب دوراً مهماً في كبح الخلايا السرطانية. وقد أظهرت الأبحاث أنّ "السولفوروفان" تحفّز الجسم على إفراز الأنزيمات التي تكافح السرطان، وتُبطئ من سرعة نمو الخلايا السرطانية في الثدي و"البروستاتا".
5- الشاي الأخضر:
الإستعاضة عن فنجان القهوة الصباحي بنفجان من الشاي الأخضر، يمنح الجسم دفعة جيِّدة من الدعم لعملية القتل المبرمج للخلايا. ويحتوي الشاي الأخضر على مواد فاعلة، تلعب دوراً في إطلاق إشارات محفزة لعملية القتل المبرمج للخلايا. وتقول الأخصائية الأميركية في الطب الطبيعي، كريستين ستايلز، إنّ احتساء الشاي الأخضر يساعد الخلايا على الموت، مع إنتهاء دورة حياتها الطبيعية، وهذا أمر مهم جدّاً، لأنّ السرطان يحدُث عندما تستمر بعض الخلايا في النمو والتكاثر، بعد إنقضاء فترة حياتها الطبيعية. وهي تنصح باحتساء ما بين فنجانين وأربعة فناجين من الشاي الأخضر العضوي، المحضَّر في المنزل يومياً.
6- الفطر:
يقول الأخصائي الأميركي في الطب المتكامل، الدكتور اندرو ويل، إنّ الفطر يحتل المرتبة الأولى على لائحة العلاجات الطبيعية ضد السرطان، في البرازيل واليابان. من جهته، يؤكد أبرامز، أنّ الفطر يتمتع بخصائص مضادة للإلتهابات والأورام. وكانت دراسة نشرتها المجلة الدولية للسرطان، قد أفادت أن إمكانية الإصابة بالسرطان تنخفض بنسبة 64 في المئة لدى النساء اللواتي يأكلن 10 غرامات من الفطر يومياً، مقارنةً بالأخريات اللواتي لا يفعلن ذلك. وهو ينصح بإدخال الفطر إلى أطباقنا اليومية كلما أمكن ذلك، ويمكن أيضاً تناول أقراص مكمّلة تحتوي على خُلاصة الفطر، خاصة من نوع "مايتاكي" و"ريشي".
7- الصويا:
تُشير بعض الدراسات إلى أن تناول الصويا ومشتقاته يمكن أن يخفف من خطر الإصابة بسرطان الثدي و"البروستاتا". ويعود ذلك إلى احتوائها على مواد كيميائية نباتية طبيعية عديدة، يتمتع بعضها بنشاط خفيف يشبه نشاط "الأستروجين" ويُنافسه، ما يخفف من مجمل كمية "الأستروجين" ويُنافسه، ما يخفف من مجمل كمية "الأستروجين" الطبيعي التي تناساب في الجسم. وهي لا تنصح بتناول أقراص الصويا المكمّلة، بل تدعو إلى تناول الأنواع الكاملة من الصويا، على شكل حبوب فول الصويا، أو التوفر أو التمبة.
8- الكركم:
إذا كان هناك طعام سحري لمكافحة السرطان، فهو الكركم. فقد أظهرت الدراسات، أنّ هذا النوع الأصفر من البهارات، يتمتع بفاعلية كبيرة في مجال الوقاية من السرطان وعلاجه، خاصة سرطان البنكرياس، الذي يتميّز بصعوبة علاجه. كذلك فإنّ الكركم مفيد جدّاً كعلاج مُوازٍ ومساعد لدى المرضى، الذين يخضعون للعلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة. ويقول البروفيسور باهرات أغاروال، إنّ الكُركُم يكافح الإلتهابات ويخفف من فاعلية إحدى المواد الكيميائية، التي تحفّز نمو الخلايا السرطانية. ويُستحسن تناول الكركم مع الفلفل الأسود، الذي يزيد من تأثيره وفاعليته.
9- البَقْلة:
البَقْلة تُعزز نشاط الكبد، وهو أمر أساسي للوقاية من السرطان، وللتمتع بحالة صحية عامة جيِّدة. وتختم كاتزين قائلة: إنّ تناول 3 أغصان من البقلة يومياً، يمكن أن يُخفف من إمكانية الإصابة بسرطان الرئة، لدى الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به.