نديم خيالك ـ إيمان القدوسي
قالت الأم : فهمنا لماذا لا تريدين استقبال العريس في البيت ليراك ، ووافقنا أن تذهبي لأبيك في الشركة وتلتقيان لتتم الرؤية وكأنها مجرد مصادفة غير مرتبة ، ولكن لماذا تصرين علي اصطحاب صديقتك ( عفاف ) معك ؟
قالت نجلاء : حتي تبدو كأنها غير مقصودة ، ذهبت وصديقتي لأطلب نقودا من أبي للتسوق ، شكلها أشيك .
قالت الأم ممتعضة : أشيك ، عشنا وشفنا .
قالت آية الأخت الصغري : اتركيها يا أمي ، أنا أفهم ما تريد .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
دخل الدكتور ( وليد ) مقر الشركة الفخم ، كان انطباعه أن والده محق فعلا في وصف ثروة ونجاح الحاج ( فؤاد ) ، وفي الحقيقة يشعر ( وليد ) بالامتنان الشديد للعروس التي فضلت اللقاء المدبربحيث يبدو عفويا ، فهو أيضا يحرج جدا من لقاء الصالونات ، اتجه لمكتب الحاج فؤاد ، فوجد بابه مغلقا ، في مكان الانتظار رأي فتاة تقرأ باستغراق ، قال في نفسه ليست بالجمال الذي وصفته أمي أبدا ، مجرد فتاة عادية غير متأنقة ، سألها في صوت روتيني : الحاج موجود ؟
رفعت رأسها عن كتابها في شئ من الدهشة وكأنها فوجئت فعلا وردت بابتسامة مطمئنة : ما دامت اللمبة الحمراء مضاءة فهو بالداخل لكنه مشغول .
تغير انطباع وليد علي الفور ، كأن شعاعا من النور يومض في عينيها ، ورنة مودة خالصة للعالم أجمع تميز صوتها ، وراحة نفسية تشده إليها ، ونبض هاتف في داخله يقول هذه فتاتي .
قال : مشغول حتي بالنسبة لابنته ؟
قالت : نعم والله حتي ابنته .
سألها : كنت مستغرقة في القراءة ؟.
قالت : القراءة هي حاستي السادسة وقدري وربما جزء من تكويني .
قال : هل يمكنني أن أسألك سؤالا خاصا ؟ من أين أتيت بهذه الطمأنينة العجيبة التي تحتويك ؟
قالت : لاحظ أنك سألت السؤال قبل أن آذن لك ، وهو سؤال لا أملك له إجابة .
ـ ـ ـ ـ ـ
في تلك اللحظة دخلت فتاة رائعة الجمال شديدة الأناقة في يدها موبايل حديث جدا قالت ( تصوري يا عفاف ماما لاترد و... ) ثم قطعت جملتها عندما وقعت عيناها علي ( وليد ) الذي قدم نفسه بسرعة ( الدكتور وليد مصطفي لدي موعد مع الوالد ) ظهر علي نجلاء بعض الاضطراب خاصة أنها شعرت بشئ من القبول تجاهه ، فهو وإن لم يكن وسيما جدا إلا أنه واثقا بنفسه معتدا بنجاحه بغير غرور .
كانت المقابلة مع الحاج (فؤاد ) روتينية للتعارف ولم تتطرق لأي حديث عن الزواج أو الأمور الخاصة وكأنها زيارة عابرة من شاب لصديق والده ، وعندما عاد ( وليد ) للبيت كان أهله متلهفين علي النتيجة فقال ( نجلاء ابنة الحاج فؤاد فتاة رائعة الجمال شديدة الأناقة كما قالت أمي فعلا ، ووالدها رجل أعمال داهية ويستحق ما وصل إليه وأكثر ولقد سعدت بمعرفته حقا ، ولكن لا أريد الزواج بابنته ، فهي فتاة فاخرة أكثر مما أحتمل ،وثرية أكثر مما أحتاج ،ولكن الجانب الجيد في الأمر أنني التقيت بصديقتها ( عفاف ) وهي التي تناسبني وأتمني الارتباط بها ، فهي بسيطة المظهر وتتمتع بالعمق الإنساني الذي طالما أسرني وسحرني كلما عثرت عليه داخل نوعية نادرة من البشر ، جوهرة ثمينة لا يعرف قيمتها الكثيرون )
بعد أخذ ورد وشرح واعتراض قال والده مبتسما وهو يربت علي كتفه ( طالع فقري مثل أبوك )
ـ ـ ـ ـ ـ
لم تطل فترة الخطوبة وفي كل يوم كان انطباع (وليد ) الأول يتأكد ، هناك رابط رباني يجمعه بتلك الفتاة ، كلامها ترجمة لأفكاره ، أحلامها راودته سابقا ، رؤيتها للحياة تكمل وتعمق رؤيته ، حتي الاختلافات بينهما تعبر عن تنوع يحدث ثراء ويشيع البهجة في نفسه ، أما المدهش فهو أن يفكر أو يتخيل شيئا فيجدها تقوله كأنما تشاركه حتي الخيال ،( نديم خيالك ) أين قرأ أو سمع هذه الجملة من قبل ؟ يراوغه التذكر ربما كانت شطرا من بيت شعر أو وصفا رومانسيا لبطل روائي ، المهم أنه يشعر بالمعني اليوم وأن المقصود به هو ( عفاف ) حتي اسمها له وقع مميز في سمعه.
في حفل زفاف ( عفاف ) و( وليد ) تألق جمال عفاف بعد أن كستها السعادة بريقا محببا ،
حضرت ( نجلاء ) ووالدتها وأختها ( آية ) الحفل فهم في الحقيقة أسرة متسامحة ولم يكن هناك مبررا لغير ذلك .
بعد انتهاء حفل الزفاف والعودة للبيت سألت الأم ابنتها الصغري ( آية ) ( لمجرد العلم بالشئ يا ابنتي ، قلت لي أنك تعرفين سبب إصرار أختك علي اصطحاب صديقتها في مقابلة التعارف فما هو ؟ )
قالت آية في شئ من الخجل ( تعرف نجلاء أنها جميلة ومميزة جدا ولذلك كانت تحب الظهور بجوار (عفاف ) لتظهر جمالها وتميزها وقالت لي يومها (( عفاف ) مجرد برواز يظهر محاسني ويبين الفرق بيننا في كل شئ )