أوردت مجلة "سيكور ميموقاد" الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الإستراتيجية في عددها الأخير دراسة ذات توجهات وأهداف خاصة تتعلق بالرؤية الإسرائيلية لأي تغيير قادم في مصر، حملت عنوان "الصراع على القاهرة"، وشارك في إعدادها كل من ألون لفين، ويوفال بوستن، من كبار الباحثين في شؤون الشرق الأوسط. تعرض الدراسة الرؤية الإسرائيلية لما قد تشهده مصر مستقبلاً في حالة غياب الرئيس مبارك، وقد ركز الباحثان في مطلعها في الحديث عما يشاع في شأن الأوضاع الصحية للرئيس، وما يبذله من جهد من أجل القيام بعملية انتقال تدريجي للسلطة استعداداً لرحيله، في الوقت الذي ما زال يصر فيه على عدم اختيار وريث له بشكل رسمي. واشارا إلى أن مثل هذا الأمر يجعل هناك غموضاً في شأن مستقبل مصر في حال رحيله المفاجئ، وقالا إن الرئيس مبارك شخصياً يدرك جيداً أن مصر ستدخل في واقع جديد لا يريده يتمثل في وجود صراع على خلافته واندلاع حرب أهلية وربما ولادة ثورة جديدة إذا ما اقتضت الضرورة مثل هذا الأمر، على حد زعمهما. الوضع في مصر 2009 وفي حديثهما عن مصر عام 2009 قالا، إنها تشهد أزمات عميقة أكثر مما كانت عليه في السابق، حيث يتمزق المجتمع المصري بين المتدينين والعلمانيين، وبين المحافظين والليبراليين، في الوقت الذي تسعي فيه قوى خارجية إلى استغلال هذا التمزق بهدف مزيد من إضعاف السلطة في مصر، وذكرا أنه بناء على المعطيات والبيانات الرسمية فإن سكان مصر الآن وصلوا إلى نحو 80 مليون نسمة ومعدلات المواليد في زيادة رهيبة، الأمر الذي يزيد من صعوبة تحمل السلطة مزيداً من الإنفاق لرفع مستوى المعيشة لدى مواطنيها. وقالا "إن هناك أزمات تعاني منها الحكومة المصرية مثل أزمة رغيف الخبز، الذي يعتبر المواطن الحصول عليه واجباً دينياً، وغيابه أو نقصانه لا يعني سوى اندلاع موجات من الغضب بين المواطنين، وهو ما يماثل الأحداث التي شهدتها مصر إبان حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وأن ما حدث إبان ذاك الوقت يتكرر الآن". وأشار الباحثان الإسرائيليان في دراستهما التي نشرتها صحيفة الرؤية الكويتية إلى أن مكانة مصر الإقليمية هي الأخرى بات يكتنفها الغموض، فلم يعد لدى القاهرة القدرة على التأثير في السياسة الفلسطينية الداخلية، وبدأ تأثيرها يتضاءل تدريجياً في الوقت، الذي باتت فيه الفصائل الفلسطينية تشكل تهديداً أمنياً واقعياً على مصر، كذلك بات التهديد الإيراني أقوى، مما كان عليه في السابق، وباتت تشكل خطراً حقيقياً عليها، وهو الأمر الذي تكشف في أعقاب تمكن أجهزة الأمن المصرية من الكشف عن خلية تابعة لمنظمة حزب الله اللبنانية تتآمر ضد مصر مطلع هذا العام، فيما بات هناك مخاطر حقيقية تواجه مصر، نظراً لتنامي نشاط المنظمات، التي تصنف ضمن المنظمات المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في سيناء، الأمر الذي ولد شعوراً عام اًلم يكن موجوداً من ذي قبل بأن الأمن المصري في سيناء بات في خطر. وقالا، إنه على ضوء تلك التحديات التي تواجه مصر في الآونة الأخيرة بات سؤال الوضع الصحي للرئيس مبارك يفرض نفسه وبقوة من جديد، حيث يبحث الجميع عن إجابة لسؤال حول الشخص، الذي سيرث الحكم بعد غياب الرئيس، وأكدا أن هذا السؤال يجعل من الصعوبة بمكان على المقربين منه الخلود للنوم والراحة، تماماً مثل أولئك المهتمين بمعرفة مستقبل مصر ودورها في منظومات العلاقات الدولية بشكل عام، وفيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل بشكل خاص. الوريث القادم وفي معرض إجابتهما على هذا السؤال، قالا، إن الرئيس مبارك يتولى مقاليد السلطة منذ 28 عاماً، أي أكثر من أي زعيم مصري آخر بما فيمهم محمد على باشا والي مصر، ومؤسس مصر الحديثة، وأكدا أنه لا يوجد خلاف حول قدرة الرئيس مبارك على الإمساك بزمام السلطة أقوى من أي وقت مضى، لكن مسألة وضعه الصحي تثير فضول الجميع، وقالا، إنه بدا واضحاً خلال مشاركته في قمة الدول الصناعية الثمانية الكبرى في إيطاليا حسبما أشار من شاهده عن قرب أنه كان يجد صعوبة في صعود درجات السلم، من دون مساعدة، على حد قولهما. كما ذكرا أنه خلال زيارته الأخيرة لواشنطن كان الهم الشاغل للصحف الأميركية هو الحديث عن وضعه الصحي، كذلك حينما زار أوباما القاهرة لإلقاء خطابه فيها لم ينتظره مبارك في مطار القاهرة كما كان يفعل طوال أيام حكمه، وهو الأمر الذي أرجعه البعض إلى أوضاعه الصحية، وليس لأي أسباب سياسية أخرى. وأشارا إلى أن الحديث عن صحة الرئيس بات هو الآخر الهم الشاغل للجميع خلال السنوات الأخيرة وتحدثا في تلك النقطة عن حالة الرئيس الصحية منذ عام 2003 وحتى 2009 وأشارا إلى أنه كان هناك من أثر عليها كثيراً مثل رحيل حفيده الأكبر، حيث قلل من ظهوره العلني كما أنه بدا هزيلاً في المرات التي ظهر فيها أمام الجماهير يفتقد إلى التركيز، وبدا أكثر من أي وقت مضى لديه الرغبة في الإسراع باتمام عملية نقل السلطة لمن سيخلفه. وفي معرض حديثهما عن مسألة التوريث أوضح الباحثان الاسرائيليان، ألون لفين، ويوفال بوستن، أن "السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أي مصر يريد مبارك أن يتركها لمن سيأتي من بعده، وقالا، إن مبارك يريد أن يترك من ورائه سلطة مستقرة ودولة علمانية ذات مؤسسات حزبية وأمنية وعلاقات قوية مع أميركا، ولهذا فإنه زاد من نشاطه ضد المعارضة الإسلامية وضد التدخل الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، ساعياً من أجل الحفاظ على مكانة مصر كقوة إقليمية ودولة ذات أبعاد ليبرالية تعتمد على الانفتاح الاقتصادي يهدف إلى رفاهية المواطنين. وتحدثا عن إمكانية أن يكون جمال مبارك نجل الرئيس رئيساً للبلاد، وأشارا إلى أن هذا الأمر يتطلب من الرئيس مبارك أن يبذل ما في وسعه خلال السنوات المتبقية له في الحكم، من أجل تأهيل وإعداد نجله للحكم، خصوصاً أن عدم وجود خلفية عسكرية لجمال مثل ما عهدت عليه مصر منذ ثورة يوليو 52، وعلى الرغم من مكانته الحزبية، إلا أنه في أعين الكثير يبدو وكأنه نبته غريبة زرعت بضغط من الرئيس، لكن ذلك لا يمنع أن يحظى بتأييد قطاع واسع من رجال الأعمال في بلاده، نظراً لكونه رجل أعمال، وكونه قائداً لمسيرة التحرر الاقتصادي المصرية، ومادام بقي والده في الحكم فإنه يضمن بذلك إزالة أي عقبات تعترض طريقه في الوصول لسدة الحكم، ولهذا فإنه إذا ما قام مبارك الأب بنقل السلطة إلى نجله فإنه سيفعل ذلك عبر فرض هذا الأمر على المؤسسة الأمنية للدولة التي ستضطر للقبول بهذا الخيار رغبة منها في الحفاظ على استقرار السلطة، على حد قولهما. وأشارت الدراسة إلى أن هناك شخصيات تنافس جمال مبارك مثل الرجل الثاني في الدولة اللواء عمر سليمان، الذي يحظى من المؤسسة الأمنية، وبسبب ما لديه من تجارب في منطقة الشرق الأوسط وقدرته التفاوضية وثقة الرئيس مبارك فيه وكذلك قد يحظى بقبول من الحزب الوطني الحاكم، وفي حال عدم حسم الرئيس لمسالة من سيخلفه فإن سليمان سيكون الأوفر حظاً لتبؤ منصب الرئيس. عقبات التوريث ثم انتقلت الدراسة الإسرائيلية إلى الحديث عن بعض العقبات، التي تعترض عملية توريث السلطة في مصر، حيث أشار الباحثان الاسرائيليان ألون لفين، ويوفال بوستن، إلى أنه نتج عن انتخابات مجلس الشعب المصري في عام 2005 زيادة في قوة جماعة الإخوان المسلمين، ووصفها بالجماعة المتطرفة، التي نجحت بفضل ضغوط إدارة الرئيس بوش على مبارك من أجل إدخال إصلاحات في منظومة الانتخابات، وقالا، إنه من أجل استدراك هذا الأمر لاحقاً قامت السلطات المصرية بحملة اعتقالات ضد نشطاء الإخوان قبيل انعقاد انتخابات المحليات، حيث لم تحظ الجماعة سوى بالمنافسة على عشرين مقعداً من بين 52 ألفاً في سائر أنحاء الجمهورية، ثم قام قادة الجماعة بإطلاق دعوة لمقاطعة تلك الانتخابات. وقالا: إن الانتخابات القادمة من المقرر لها أن تجري في العام المقبل، في حال عدم حدوث أي تغيرات دراماتيكية تؤدي إلى تأجيلها، مثل تدهور حالة الرئيس الصحية، وقالا، إن الإجراءات التي قام بها مبارك تهيئ الفرص لفوز حزبه في انتخابات 2011 المقبلة، خصوصاً أن المرشح من قبل الحزب لا يتمكن أحد من منافسته سوى أحد من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يعني أن فرص جمال أقوى، خصوصاً أن اللواء سليمان ليس عضواً في الحزب، وهو ما يجعل فرص الابن أقوى. ثم أشارا إلى وجود إمكانية لقيام الرئيس مبارك بالترشح لفترة ولاية سادسة، وقد يستغل ذلك في تعيين نجله مستقبلاً نائباً له، وهو المنصب الذي لا يوجد في مصر حتى الآن، وقالا، إن البعض قد يتفهم في حينه هذا الأمر، وربما من شأنه أن يقلل من حدة التوتر المتعلق بمسألة البحث عن وريث مبارك الأب، على حد قولهما. وقالا: إن مصر شهدت في الأشهر الأخيرة حملة ضاربة لضرب الإسلاميين، وأكدا أنه وعلى ما يبدو فإن الرئيس مبارك قد توصل إلى نتيجة مفادها الحاجة لحسم المعركة مع الإسلاميين وكسر شوكتهم حتى يكون الطريق خلياً لوريثه، وذلك من خلال إدراكه أنه قادر على حسم تلك المعركة خلال وجوده، قبل مجيء الوريث الذي لما زال ضعيفاً، وزعما أن الكثيرين في مصر يعتبرون جمال شخصاً غير قادر على شغل منصب الرئيس، خصوصاً على ضوء المشكلات، التي تعاني منها مصر، ويرون في سليمان الأفضل نظراً لتجربته الرائدة خلال السنوات الماضية، ضد الأصوليين الإسلاميين. كما أشار إلى المخاوف، التي تنتاب نظام الرئيس من زيادة المد الشيعي في المنطقة، وما ترتب عليه من اكتشاف خلية تابعة لحزب الله الأمر الذي ولد احتقاناً بين مصر وبين حزب الله و«حماس» وإيران، وهو ما تمثل في تفهم مصر للحرب التي خاضتها إسرائيل ضد «حماس»، وما أعقبه من تنسيق أمني بين مصر وإسرائيل، وقالا، إن هذا التنسيق لم تشهده العلاقات بين الجانبين طوال 30 عاماً من السلام، وما ترتب عليه من تمكن بوارج حربية إسرائيلية من المرور في قناة السويس، وتلقي إسرائيل معلومات استخباراتية من القاهرة تتعلق بعمليات نقل الأسلحة من إيران إلى «حماس»، وقيام مصر بتدمير الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب الأسلحة من سيناء إلى رفح الفلسطينية، وقيامها بتشديد الإجراءات المتبعة ضد «حماس»، وقالا، إن القاهرة وإن كانت قد ظلت ترفض استقبال وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، فوق أراضيها، إلا أنها كانت على استعداد لإرسال رئيس المخابرات للتباحث مع ليبرمان، في شأن الترتيبات الأمنية بين الجانبين، وقالا، أنه يضاف إلى ذلك الكثير من الإجراءات الصارمة على حد زعمها. مستقبل العلاقات المصرية الأميركية ثم تطرقا الباحثان الإسرائيليان بعد ذلك للحديث عن مسألة العلاقات المصرية ـ الأميركية، وأشارا إلى أن تلك العلاقات قد شهدت إبان إدارة بوش أجواء من التوتر بسبب حرب العراق ومعارضة مصر لها، وكذلك معارضتها لسياسة أميركا الموالية لإسرائيل، وما ترتب عليه من رفض مبارك زيارة واشنطن منذ عام 2002، لكن وبعد مجيء أوباما للحكم قام بزيارتها، والتقى كبار المسؤولين هناك، وهو ما يشير بقوة إلى تحسن العلاقات بين البلدين. وأشارا إلى أن مصر باتت تدرك أن أوباما بات هو الآخر أكثر إصغاء لمطالبها، وهو ما يعني أنه قد يوافق على عملية انتقال السلطة،خصوصاً وسط رغبة منه في عدم وجود جهة متطرفة تحكم مصر. وأكدا أن إحدى العقبات، التي يريد أن يزيلها الرئيس مبارك من تحت أقدام وريثه هي المشكلة الفلسطينية، والتمزق الفلسطيني الداخلي، ووجود كيانين فلسطينيين، خصوصاً في ظل المخاوف من تنامي قوة الإسلاميين في غزة، وتمكن عناصر من القاعدة في التغلغل إلة هناك، كذلك سعي «حماس» لزيادة قوتها، وهو ما يخيف مصر، الأمر الذي دفعها إلى أن تعيد جهود الوساطة بين «فتح»، و«حماس»، التي تحظي بدعم الإسلاميين فيها، وقالا، إن هذا الأمر يشغل بال الرئيس مبارك، بسبب مسه بشدة المصالح القومية لبلاده، وعلى هذا الأساس يجد مبارك في حل الأزمة الفلسطينية مصلحة عليا لبلاده، ويسعي إلى التعاون مع أوباما في تحريك عملية السلام، لكن وعلى ما يبدو فإن الطريق ما زال طويلاً، وقالا، إن عدم وجود حل للأزمة الفلسطينية سيزيد من حجم الصعوبات، التي قد تواجه الوريث المقبل، الذي قد يجد ضغوطاً عليه تطالبه بقطع علاقات بلاده بإسرائيل. وعن الأوضاع الاقتصادية في مصر، أشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من النمو الاقتصادي، الذي شهدته نتيجة للإصلاح الليبرالي، وما قام به جمال مبارك في هذا المجال، إلا أنه ما زال هناك هوة شاسعة بين الأغنياء والفقراء، وتحدثا عن الفقر المدقع، الذي يعيش فيه نحو 43% من المصريين، وما يقال في مصر في شأن استحكام الفساد، وزيادة معدلات الهجرة، بسبب الأزمات الاقتصادية، كما أن هذا الوضع يتطلب من الرئيس مبارك توطيد علاقاته مع أميركا، وحل الأزمة الفلسطينية، ودفع علاقاته بالدول العربية الغنية، مثل السعودية، والإمارات، وتوسيع حجم التبادل التجاري مع أوروبا. واختتم الباحثان الإسرائيليان دراستهما بالحديث عن إمكانية عدم قدرة الرئيس مبارك على عدم إيجاد وريث له، وقالا، إن المنظومة الأمنية في مصر تشكل العمود الفقري للنظام، وأشارا إلى أن مصر بعد مقتل السادات مرت بظروف مشابهة، فيما يبقى الخطر رهيناً بما سيقوم به الإسلاميون الذين قد يمارسون أكبر قدر من الضغوط ربما السياسية منها والإرهابية من أجل إحداث تغيير في مصر، لكن مادامت المؤسسة الأمنية مسيطرة فإن هناك تطلعات بإمكانية وجود استقرار سياسي في الحكم، واستقرار في العلاقات مع أميركا وإسرائيل وهي علاقات إستراتيجية للطرفين، وتربطهما ببعضهما البعض، لكن أي فشل قد يترتب عليه أن تصبح مصر دولة معادية لإسرائيل ودولة مهددة للمصالح الغربية بشكل عام، بحسب قولهما. واشارا إلى أن أي تغيير غير منظم قد يسفر عنه مشكلات وأزمات، وقد تدخل مصر في صراع بين الإسلاميين والدولة، وأن الأمر المؤكد هو أن مصر سيتولى أمرها خلال السنوات القريبة المقبلة رئيس جديد، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل، هل ستبقي مصر كما هي أم ستتغير 180 درجة؟ وما يترتب عليه من تداعيات على سائر المنطقة، وعلى ميزان القوى في المنطقة العربية . |
مواضيع مشابهة: | ||||
› دراسة إسرائيلية: المتشددون اليهود أخطر على تل أبيب من العرب | ||||
› دراسة إسرائيلية تكشف: ألاسرى الإسرائيلين فى حرب 6 أكتوبر ضعفاء "جنسيًّا" بسبب الفزع من المصريين |