رواية فيروس نحن ..رؤية زين العابدين عبد المنعم
مقـــــدمة
في هذه الرواية اراء قد نتفق او نختلف معها وشخصيات نغرم بها واخري نكرهها
وحوارات جيده واخري ليست علي المستوي الذي نتمناه ..واسلوب كتابه يدمر ما
في مخيلتنامن احلام ورؤي حول الواقع الذي نعيشه ..وقد يكون في الرواية ما يجذبنا
نحوها وقراءة كل حرف فيهاوالاستمتاع بها وربما فيها ما يجعلنا نرفضها جملة وتفصيلا
لان في بعض الحوارات بين الابطال ما يحطم المثل العليا لدينا او يكون العكس ولكنها في
النهاية لاتعبر عن راي كاتبها في كثير او قليل ولكنها بعض الصفحات المنسية والاراء المتناثرة
حول حياتنا التي نجوب فيها اركان الدنيا لنعلم انه ليست هناك حقيقه لاي راي او اسلوب حياة
سوي ما نراه باعيننا وان الشخصيات الزائفة والحقيقية ليست سوي رتوش من حياة مريضه
نحياها سواء اردنا او لم نرد لان الشريط الذي يدور في الماكينه لابد ان يلتف واننا بعض صوره
المنسوخة لان طريقا ما يجب ان ينتهي عنده الشريط الذي مع التفافه تدور معه حياتنا بسعادة
بشقاء لا يهم ما دمنا نعيش .. ما دمنا ننعم بفضل الله
زين العابدين عبد المنعم
تحت رقم 15690 _ 2011
رؤية .. زين العابدين عبد المنعم
البــاب الاول
د/هشام عالم في المجال الزراعي سافر الي امريكا ورجع , كان من قبلها قد سافر الي اليابان وقصد
اوروبا في جولة بدولها ورغم ما رأه وسمع عنه من التقدم العلمي الرهيب الذي لمسه بعينيه وجاب
اطرافه من الشمال والجنوب والشرق والغرب الا انه لم يستطع ان يقدم شئ ذي قيمه لانه لم تكن لديه
القدرة علي التفكير في غير بلده ، لم يكن المناخ المتاح له حتي يبدع
ويخرج ما في جرابه من افكار ورؤية ربما لان الجو المشبع بالطاقة والافكار المتجددة لم تنمو بعد عند
النفسية الخاصة لد/هشام
فالرغبة في انتاج المزيد تعطلت وتولدت لديه تلك الحالة الشعورية برفض الواقع العلمي الذي يعيش فيه
هناك للبعد الشاسع بين ما يراه والواقع الذي زرع فيه ، قد تكون الافكار وليدة الصدفة بل غالبية
الاختراعات وليدة تلك الصدفة والذي يحقق هذه الصدفة يحقق التوازن النفسي والاخلاقي لنفسه قبل
ان يحققه للمجتمع والناس الموجودين حوله لان هذا الاختراع او ذاك حقق
لهم الهدف من البحث
هل العلم حقا هو نتاج فكر .. او عبثية فكر يحاول كشف منتج خلاق ..وحين يتم الاكتشاف وتتضح
الامور ان الاختراع لذي تم انما هو نتاج انساني وانه من المفترض انه يخدم الانسان ولكن حين يصطدم
أي انسان ان الخدمه الموجة اليه هي تدميره واننا حين وضعنا الاسس التي تحقق ذلك كان بغرض هذه
الخدمة الجيدة لنبحث عن السؤال ، هل هو عالم حقا من يخترع ما يدمر
هل الذي اكتشف القنبلة النووية عالم تم له ما اراد ام ما اراده المجتمع ..العالم له فكر خاص به لا
يستطيع احد ان يتجه به الي حارات واتجاهات سوي ما يريده العالم لنفسه ورغم قصر هذا التفكير عن
الحاضر الا ان احيانا يصيب ولا يخطئ
عندما عاد د/هشام اخيرا الي مصر احتضن اولاده وزوجته وهم يهنئونه علي سلامة الوصول بعد هذا
الغياب الطويل .. وفكرالاولاد في نوعية الهدية التي سوف ياخذوها من الوالد ...وكانت المفاجأة جري
الاولاد بشدة الي الحقيبة ليستطلعوا ما فيها من الهدايا قال لهم وهو يضحك
: علي مهلكم يا اولاد هوه فيه ايه
: قالت ايمان زوجته : سيبهم بقالك شهور بره ولم يروك
: هوه انا قلت حاجه بس فيه اوراق خايف عليها
: اوراق .. اوراق.. هوه انت ما فيش فايده فيك ..حد يذهب لاوروبا كل المده ديه ويرجع باوراق بس لاشئ
مهم للاولاد لغيتهم في رحلتك
: انا كنت في رحلة عمل ولم يكن لدي أي وقت للبحث عن هدوم او أي حاجه للاولاد وكانت كل الرحلات
الي معاهد البحوث والي المصانع وكله كان علي حساب اننا نقدر نعيش
: المهم فيه فلوس في الرحله دي ؟
: طبعا فيه فلوس ولو انها مش كتيره الا انها تكفينا
: كام مليون ولا حتي كان الف
: مليون ايه والف ايه دا كلهم خمسه
: خمسة الاف طبعا هوه انت الفلوس تشوفك تغور من وشك
احترميني شويه هوه كله هجوم هجوم :
: اعملك ايه ما انت تجنن كل الرحلة دي وكله خمس الاف بس
ضحك هشام ولكنه عندما رأي وجهها العبوس سكت واضاف
: انا اسف مش خمسة الاف .. دول دول خمسة بو ... خمسة بحوث
احست ان الدنيا تدور بها وكادت ان تسقط مغمي عليها وهي تردد
: خمسة بحوث .. يانهار خمسه ..وبكام الكيلو منها ؟ طبعا ولاتسوي قرش صاغ ماانا عارفه كل البحوث
في البلد دي بتسوي ايه
هيه دي مسئوليتي ؟ مسئوليتي تنتهي بانتهاء البحث ووضعه موضع التنفيذ :
: وانت مالك ومال التنفيذ انشالله ما اتنفذ .. هو احنا ح نعتل هم الناس كمان ..وبكام الكيلو منها
لو فيه شوية حظ يبقي الكيلومنها بملايين :
واندهشت وهي تنصت بانتباه الي حديث الملايين، كانما افاقت من اغمائة قصيرة
: ملايين .. ملايين ازاي.. دا حقيقي ؟ لاتكذب عليه معقوله انت يجي من وراك مليون ..حتي مليون مليم
: صدقيني
: : لا طبعا انا اصدقك بعد العمر دا كله معاك ..كنت فاكره ان يوم ما اخذت الدكتوراه انك ح تجيب الديب من
ديله .. لاجه الديب وحتي ديله خاف منك
: بكره تصدقي
يلتمس د/هشام كل العذر لزوجته فهي تربي خمسة اطفال يريدون ملابس وطعام ولعب وحلوي
ومصروف يد وهي تتحمل كل هذا بمفردها كثيرا ما طالبته بخادمه تساعدها في حربها الخاصة التي تبدأ
منذ الخامسة صباحا حتي العاشرة مساءا بتواصل دون انقطاع يسقط مجهودها ويستنزف
يوميا وبلا مقابل وتتحطم عوامل مقاومته اليومية تستسلم احيانا واحيانا تسقط كوابح مقاومته
وتتهاوي مفردات القوة والمنعة التي تتفرد بالموقف الصعب الذي تحاول ان تخرج منه ولكنها اسيرة
قضبانه الذي افرد لها وحاصرها في الواجب الذي يجب ان تقوم به وان تكمله بالواجب المقدس الذي
يتحطم يوميا لان الطاقة التي تنفد لم يعد لديها الامداد من جديد لاعادة الشحن فتغرق يوميا في التوجيه
للاولاد وتقصي دروسهم وواجباتهم اليوميه المملة التي تقضي علي الامل فيهم فضلا عن ايجاد الحل
المستقبلي للخروج من المأزق .. دوام الحال هكذا جعل ايمان غير مدركة لدور الزوج الذي يحاول هو
الاخر ايجاد الحل ربما لها ايضا ولكن عذره الرهيب انه وامثاله من العلماء لن يضيفوا جديد الي الحاله
المستعصية التي تدعم وتؤيد يوميا بخطوات داعمة للانبطاح في كافة المجالات الحياتيه التي توسمت بها
حياتنا الكئيبة .. اما هشام رغم انه يعيش غالب وقته بعيدا ويتصل يالتليفون ليطمئن عليهاوالاولاد ورغم
الحالة البائسة التي هو فيها لعدم فائدة بحوثه ورغم البحث الجاد والمضني الذي يواصله ويتابع ما يرد
اليه من جديد البحث ليستفيد منه ورغم قله الجديد بالنسبة له لانه يتفوق عليه ويكتسب
ثقتة منة بانه الافضل وان ما يرد اليه انما هو اضغاث ابحاث تتساقط عند قدميه بلا فائدة سوي انه يحقق
مكتسبات يوميه ..
عندما رجع د هشام الي مصر كانت رحلته مثار جدل في معهده ..ليقول البعض بانه مقرب من رئيس
المعهد البحثي لذلك قام باجراء اتصالاته ليمده بهذه الجولة العريضه علي نفقة المعهد .. ومنهم من اراد
هذه الجولة لنفسه خصوصا انه اقدم منه في الدرجة العلمية ومنهم من وصف الجوله بالكوسة
والمحسوبية وعدم توخي المصلحة من هذه الرحله .. اما اخطر التعليقات هو
مدي اهمية الابحاث التي تقدم بها سابقاليحصل علي درجاته ولماذا يتقدم هو ويتاخروا هم ..
في هذا المناخ المشحون بالكراهيه والحقد الذي اضاف الي د هشام هما علي همه انه لم يجد بعد
البحث المفتاح ..وفي هذا المناخ مفروض ان ينتج .. ان يبدع ..ان يبتكر ..ان يحقق لنفسه علي اقل تقدير
طموحه او جموحه
رغم قلة الدخل المادي انشئ معمل خاص به في شقته الصغيرة .. ليقوم ببعض التجارب الخاصة ..وقد
حصنه جيدا حتي لا يدخله احد سواه ويتقي عبث اولاده ويحذر شر بعض التسربات الغازية الضارة للجيران
او الاولاد الا انه عاهد نفسه للانتقال من هذا المعمل الي احدي البيوت المهجورة في منطقة صحراوية
ليست بعيدة عن مسكنه ليخرج من المنطقة السكنية ..باعه
صاحبه بثمن بخس الا انه غال جدا علي هشام اعطاه نصف الثمن ووعده بالنصف الاخر بعد ستة اشهر ..
بيت واسع فسيح محاط بسور ضخم بالجريد .. بعض الاموال تبقت مع د هشام اشتري بعض الحجارة
ليدعم سور البيت .. بالداخل شيد جدار خرساني ضخم واحضر ابواب حديدية ليقيم ما يشبه الخزينة
الجدارية ليضغ فيها المواد القابلة للاشتعال .. وفي جانب محصن خرساني يضع الابحاث ..هذا بالدور الاول
..رغم ذلك احضر خزينة اخفاها بالدور الثاني ليضع فيها كنوزه البحثية .. التي اذا عرضها للمؤسسات
الخاصة بذلك ما اشترتها بجنيه واحد ..هذه المصاريف الضحمة انكرها عن ايمان نظرا لانها لن توافق ابدا
علي شراء أي شئ من هذا .. الاولاد اولي من هذا المعمل بالمصاريف.. رغم هذا المجهود المضاعف لم
ينس ان يتفقد اولاده، ان يراهم وهم نيام ، انه ليقدر هذا العمل الشاق الذي تقوم به ايمان في راب
الصدع بغيابه المزمن عن البيت ..وان لها كل
العذر في عدم التقدير لدوره لان المردود منه قليل جدا لايستحق منها أي شكر له
في مفاجأة خطيرة له.. كان كعادته مشغولا بالبحث عن نوعية جديدة من الحبوب التي تجود زراعتها
بالارض الصحراوية بالاضافة علي عدم حاجتها الماسة الي المياه ..وجودة تلك الحبوب ، اذا به يفاجئ
بمادة تؤثر بشكل واضح علي درجة نمو النبات فتجعله بوضع غير طبيعي عن النبات العادي .. بدا باجراء
تجاربه الكثيرة والمريرة ، لهذه المادة علي الحيوان لم يظهر لها
تاثير مرضي علي أي من حيوانات التجارب او أي اثر جانبي ولو ضعيف علي وجود خطر ما ..
من عادة د هشام انه عندما ينتهي من بحث ما وينجح هذا البحث ان يضع اموالا لعدد من الفقراء رغم انها
ليست كثيرة الاانها ترضي نفسه القلقة دائما.. في طريقه الي ذلك تفاجئ باحدي النساء تبحث باحدي
صناديق الزبالة للبحث عما يؤكل توقف يراقبها من بعيد وحتي لايلفت الانتباه سألها
هشام : بتبحثي عن ايه ؟
كانما لدغت بالسؤال الفجائي .. ثم نظرات باحتقار مشوب باستخفاف ولم ترد .. فلم يكن منه الا
الاستفسار لكنها بنفس الاجابة والقاء النظر ثم عدم الرد .. اكثر من محاولة لجذب أي رد منها دون جدوي
ثم اخيرا
قالت : ماليكش دعوه .. انت واللي زيك سبب اكلنا من الزباله .. الله ينتقم
ولم تكمل الحديث وظلت تبحث بكد لان الوقت قد اوشك علي الذهاب بشمسه ليوشك الظلام علي
الاسترسال
قال : ياامي انا عايز ليكي الخير وعايزك تيجي معايا
عندما قال لها ياامي ضحكت ولكنها صمتت ونظرت باحتقار وربما بحقد ولم تجب فاضاف
قال : انا عايزك تيجي معايا ..ممكن لوسمحت ..ممكن تيجي معايا ياامي
نظرت اليه مرة اخري ولم تجب ..
حار هشام في امر هذه المرأة كيف يخاطبها كيف له ان يقنعها هي لم تر أي شخص منذ ان ولدت
علي ما يعتقد لم يمد لها أي يد للمساعدة ..هي لاتصدق انه من الممكن ان يساعدها احد الان ..بعد ان
تعودت علي تلك المائدة التي يقولون عنها انها زباله
.. انها كنز لها ..فكثير من بائعي الفاكهة يلقون ببقايا الفاكهة التي قد تكون فاسدة الا ان بعضها لم
يكن قد فسد بعد ..عينها الخبيرة تعلم الفاسد من الغير فاسد ..والعمر الطويل هكذا قد ضاع في البحث عن
الطعام الغير فاسد فقط الطعام ..
ظل هشام يخاطبها: ياامي ..ياامي وهي لاتجيب
وبهدوء وفي شبه رجاء قال لها
: ارجوك ياامي ردي علي ..ممكن
قالت : انت عايز ايه مني ..انا ست كبيره في السن ..انت عايز ايه ؟
قال لها : ماتخافيش انا عايزك تيجي معايا من الشارع دا للشارع اللي هناك وح نمشي في الشارع
قالت : بس يكون مشي مش في عربيه .
ضحك وقال لها : عربيه ياريت يكون عندي عربيه .. ادعي ليه يكون عندي عربيه
لم تهتم لكلامه .. تركت الزبالة والبحث فيها وذهبت خلفه، مرة تسير خلفه ومرة تسير امامه واحيان الي
جانبه بمسافه كبيرة والناس تنظر الي هذا الشكل الغريب رجل رغم انه غير وسيم ولكن عليه وقار شديد
.. وهذه الشاكلة الغريبة من القمامة التي تمشي علي رجلين.. هل لانها مكثت كل عمرها تبحث فيها
فاصبحت علي شاكلتها؟ كئيبه مثلها حتي اكتسبت رائحتها ..
ذهب د هشام الي محل الجزارة ..نظرت باهمال وهي تري هذا المحل
قال هشام : السلام عليكم ..هذه السيدة ستأتي لك كل شهر مرتين اعطها كيلو كل مره .. هوه العدد اللي
معاكي كام ؟
ردت في تردد غير مصدقه
لا.. لا انا .. انا يابني انا لوحدي :
قال للجزار : طب سوف تاتي لك ثلاث مرات في الشهر كل مره اديها كيلو لحم ..والحساب عندي .