لم تكن المغدورة نرجس تدري ما يخبىء لها القدر في تلك الليلة المشؤومة فقد ودعت زوجها المسافر ظهيرة ذلك اليوم وزارت أمها لساعات، وعادت إلى منزلها برفقة طفليها حيث تسكن في غرفة وسط عائلة الزوج الذي يؤدي خدمة العلم.
كانت نرجس قد أحكمت إغلاق باب غرفتها من الداخل قبل أن تنام، فهي تعلم أنها لم تكن آمنة على نفسها وسط عائلة تضم في أفرادها شابين شقيقين لزوجها، أقدما مرات ومرات على التحرش بها، وطلبا منها تمكينهما من نفسها أثناء غياب شقيقهما الأكبر، وفي كل مرة كانت ترفض رفضاً قاطعاً وتنهر الشابين وتهددهما بإبلاغ والدهما، ومع ذلك لا يملّ الشقيقان من مضايقة نرجس والتحرش بها ووصل الأمر بهما إلى التلصص عليها أثناء نومها أو في الحمام أو عند ممارسة حياتها اليومية، فهي شابة وجميلة في العشرين من عمرها، وتقضي معظم الوقت في رعاية طفليها الصغيرين والقيام بأعمال المنزل فيما الشقيقان يراقبانها ويلمحان إلى قضاء ليلة معها.. تحدثت نرجس إلى أمها بالأمر فطلبت منها الصبر وردع الشابين عن مرادهما وتهديدهما بإبلاغ أبويهما حرصاً منها على بيتها وزوجها وطفليها، ولم تبلغ نرجس زوجها خوفاً من وقوع جريمة أو أمر لاتحمد عقباه وأن تكون سبباً لتفريق عائلة بأكملها.
لم يخف أكبرهما سناً حقده على نرجس ولم يراع حرمة المنزل الذي يعيش فيه وسط مجتمع يعيش على الأخلاق والفضيلة وتسوده عادات وتقاليد يعتز بها أبناء محافظة درعا كمجتمع ريفي محافظ يعامل زوجة الأخ كواحدة من أفراد الأسرة ويعتبرها شقيقة وربما أكثر من ذلك، فالأخلاق الحميدة هي التي تميز أبناء تلك المحافظة، ومع ذلك كان الشاب الشاذ يتحرش بزوجة شقيقه مراراً وتكراراً دون جدوى، تارة بشكل مباشر وتارة أخرى بشكل غير مباشر إلى أن ملَّ من ذلك، ولسبب تافه أقدم على ضربها ضرباً مبرحاً وأحضر أسطوانة غاز إلى منزلها لكي يخنقها فتدخل الجوار وتم إنقاذها.
وكانت هذه الحادثة هي الأكثر خطورة، فقد أقدم قبل ذلك على ضرب زوجة أخيه عدة مرات بسبب أو من دون سبب، ومع ذلك كانت تزداد تمنعاً وتمسكاً بالعفاف ومنع شقيق زوجها من التمادي معها.
كان الأخ الثاني وهو الأصغر أكثر جرأة، أسرّ لأخيه بما يضمر حيال زوجة أخيهما فاتفقا على اغتصابها وسرقة ما لديها من أموال ومصاغ ذهبي وقتلها إن رفضت أو قاومت.
بعيد الظهر بقليل عالج الأصغر نافذة الغرفة الخشبية وفتحها فيما كانت نرجس في زيارة إلى منزل ذويها، بحث في أركان المنزل فلم يجد سوى مبلغ صغير من المال ومفتاح مطابق لباب الغرفة دسهما في جيبه وخرج كما دخل بهدوء تاركاً النافذة موصدة من دون رتاج.
قبيل منتصف الليل بقليل، فيما كان الأب خارج المنزل يقضي أوقاته مع أصدقائه كالعادة والأم والأخوات نائمات، اقترب الشقيقان من النافذة فتحاها بهدوء، رفعا بابها قليلاً ثم دفعاه إلى الخلف فتحركت نرجس قليلاً، كان طفلاها نائمين في سريرهما بقربها، صمت الشابان وأضاءا النور فاستيقظت المرأة مذعورة.
- ماذا تريدان؟
- نريد أن.....
- اخرجا فوراً وإلا صرخت وأيقظت الجوار.
- طولي بالك، لا نريد بك شراً.
- اخرجا.. وصرخت صرخة مخنوقة، فقد سارع الأصغر فوضع يده على فمها فيما كان الأكبر يحاول تثبيتها من قدميها، دقائق مرت في عراك نالت من الأصغر بأظافرها وأسنانها، أصابته في العين والوجه فتناول الثاني شالاً كان مرمياً بقرب ابني أخيه لفه بقوة حول رقبتها وشدَّ فيما كان الآخر يحكم يديه على فمها وأنفها.
مرت الدقائق بطيئة حاولت جاهدة وانكفأت جثة هامدة...
ماتت نرجس وهي تقاوم، ماتت خنقاً على سريرها بعد أن فعلت ما استطاعت تاركة آثار أظافرها على وجه أحد قاتليها.
وتناوب الشقيقان على اغتصاب الجثة ثم غطياها وخرجا من الغرفة..
في الصباح، لم تستيقظ الزوجة الشابة كعادتها، نادتها حماتها دون جدوى مراراً وتكراراً... عاد الأخ الأكبر إلى المنزل، فدفع الباب بقوة مرات متظاهراً بعدم معرفته بحالها، ودخل الجميع ليجدوا المغدورة جثة هامدة، وضعوها في سيارة وأسعفوها إلى المشفى، وهناك بدأت خيوط الحقيقة تتكشف...
لجنة طبية، وأمن جنائي، ومحاولات لطمس الحقائق انتهت بالفشل، واعترف الجانيان أمام المحقق بما فعلاه بالتفصيل وأحضرا دلائل وقرائن على فعلتهما...
لم تقبل العائلة بفعلة الشابين، استنكرتها أيما استنكار، فهي في علاقات قرابة مع عائلة المغدورة ومصاهرة، فاجتمع وجهاء العائلة وأقروا بوحشية الجريمة الشنيعة التي تستنكرها الشرائع السماوية، وكل القيم والأعراف الإنسانية، فأكدوا ضرورة القصاص العادل من الجناة، طالبين السعي الجاد مع كل الجهات القضائية المعنية لمحاكمة سريعة وعاجلة للجناة ومن له علاقة بالجرم طالبين لهم أشد العقاب .ربما هذا الطلب كان له الأثر الكبير في تهدئة النفوس بين العائلتين اللتين تجمعهما الشهامة والأخلاق الحميدة والعادات العربية الأصيلة، فلاقى الأمر استحسان الجميع بانتظار أن يقول القضاء العادل حكمه الفصل في هذين الجانيين ليكونا عبرة لغيرهما.
المصدر : جريدة البعث السورية