بمرور الزمن وازدياد خبرة الإنسان البدائي، أخذ يحاول تقليد أشكال هذه الحجارة، فنجح في ذلك فكانت خطوته الثانية. وساد الاعتقاد : بأنه عندما يقلد هذه الأحجار فان أحجاره التي صنعها بنفسه ستمتلك هذه القوى الخفية.
يوجد رسم لم أتمكن من تحميله
a- من أقدم الأدوات الحجرية المعروفة أداة قطع مصنوعة من حصى البازلت البركاني تعود إلى 2.6 مليون سنة. b- أدوات حجرية من المرحلة العليا للعصر الحجري القديم. قبل حوالي 35000 سنة.
بعض الأشكال الحجرية التي استخدمها الإنسان القديم.
بهذا امتلك الإنسان لأول مرة تكنولوجيا خاصة فيه، انعكست بوجود وعي وفكر خاص فيه، فأصبحت لديه القناعة بأنه إذا قلَّد ظاهرة طبيعية فإن هذه الظاهرة ستقع.
أخذت هذه المعتقدات بالانتشار والتوطد، بعض هذه المعتقدات مازالت موجودة حتى الآن لدى بعض الشعوب البدائية. قبل الخروج إلى الصيد يقوم صيادو القبيلة بتمثيل عملية الصيد على تمثال أو رسم يشبه الحيوان المراد صيده، فإذا كانت إصابة الرماح جيدة وفي منطقة محددة من جسم الحيوان, خرج الرجال إلى الصيد معتقدين أن الصيد محقق وناجح. أما إذا كانت الإصابات غير دقيقة، فيتم إلغاء عملية الصيد. فتقليد هطول المطر وصوت الرعد سيؤدي بدوره إلى هطول المطر (إذاً .. من تقليد الحجارة إلى تقليد الظواهر الطبيعية). وهكذا ساد فكر وفلسفة جديدة، ومن خلالهما أخذ الإنسان يحاول فهم العالم.
يعد اكتشاف الإنسان البدائي للنار الخطوة الهامة في تطوره. فبواسطة النار استطاع الإنسان طهي اللحم الذي أصبح أطيب وأسهل هضماً. واكتشف بواسطتها أعماق الكهوف المظلمة التي لم يجرؤ قط على دخولها. كما استطاع قهر أعداءه بها، وإبعاد الحيوانات المفترسة عنه، وتبديد ظلام الليالي المخيفة.
استطاع الإنسان لأول مرة تحرير هذه القوى الكامنة من الطبيعة، التي كانت فيما مضى قوى عاتية. فباكتشافه للنار اكتشف المعادن وبواسطتها صنع أسلحته من رماح وسيوف. وبدأ الإنسان يغزو الطبيعة، شيئا فشيئا يضع يده على أسرارها محاولاً تسخيرها.
• عصر السحر (التقليد)
أدرك الإنسان البدائي ضمنياً أنه قادر على تسخير الطبيعة لغاياته، إلا أن أموراً كثيرة وظواهر وأخطار شتى كالعواصف والفيضانات والزلازل، لم يستطع السيطرة عليها أو التحكم بها فلجأ إلى السحر. يعمل الساحر على إجبار قوى الطبيعة لتحقيق رغباته ضمن طقوس معينة يمارسها معتقداً أن هذه الطقوس هي السبب الرئيسي في إخضاع قوى الطبيعة
يعتبر السحر من الناحية الشكلية أقرب إلى الأسلوب العلمي، فممارس السحر الذي يحاول تقليد الظواهر الطبيعية ومحاكاتها بغية وقوعها. لا يعرف السبب الخفي وراء وقوع هذه الحوادث، فهو لا يمتلك الوسائل والخبرات اللازمة لذلك. فهو يعتمد على التقليد وهي أسس وبدايات التفكير البدائي.
• عصر الدين
بازدياد خبرة المجتمعات البشرية وازدياد اعتمادها على الطبيعة وإلى ضرورة التحكم بها خاصة عند المجتمعات الزراعية البدائية ؛ وبازدياد تأثير الظواهر الطبيعية على تركيبة هذه المجتمعات وطرق إنتاجها لحاجاتها البشرية ؛ بقيت المجتمعات البشرية غير قادرة على التحكم بأساليب حياتهم ومعيشتهم، الطبيعة والظواهر الطبيعية كان لها الدور الفصل في التحكم بمصير هذه المجتمعات. بدا الإنسان ضعيفاً عاجزاً أمام قوى الطبيعة العاتية، ومازال حتى الآن عاجزاً بشكل من الأشكال.
فظهر الدين أو ما يعرف بالفكر الديني، أخذ البشر بالاعتقاد بوجود كائنات غير مرئية، أو كائنات تعيش في أماكن بعيدة، تتحكم بمصير المجتمعات البشرية فكان لابد من استرضاء هذه الكائنات وطاعتها وتقديم القرابين لها، لتحميهم وتمنع الأخطار عنهم. وبهذا ظهر ما يعرف بالدين أو الفكر الديني.
• عصر العلم
العلم عند قدماء اليونان
ظهر العلم أول ما ظهر عند قدماء اليونان، فكانت الخطوة الحاسمة للإنسان لفهم العالم والاعتماد على الفكر (العقل) في المعرفة. يعرف سقراط بأنه أبو العلم وبمقولته الشهيرة : "أنا أعرف أنني لا أعرف شيئاً". إلا أن العلم عند قدماء اليونان لم يأخذ المكانة المرجوة منه، فقد بدا أسير فلسفة خاطئة : "يمكن الحصول على المعرفة عن طريق الفكر الخالص فقط دون اللجوء إلى التجربة".
العلم في عصر النهضة ( القرن السادس عشر ) عصر المعرفة
بدأ العلم منذ القرن السادس عشر يأخذ مكانته المرموقة شيئاً فشيئاً على يد كل من كبرنيق، غاليله، ومن بعدهم نيوتن واضع أسس وقوانين علم الميكانيك (mechanics)، الذي عرف فيما بعد بالميكانيك التقليدي (النيوتني). أثر الميكانيك النيوتني على عقول وأفكار غالبية علماء وفلاسفة تلك الفترة وما بعدها. حيث سادت النظرة الميكانيكية للعالم. واعتبر العالم (الكون) آلة كبرى يمكن التنبؤ بحركتها المستقبلية، إذا استطعنا معرفة مواضع جميع أجزائها في لحظة معينة من الزمن. أي أن العالم حتمي فبمعرفة الأسباب يمكن معرفة النتائج بدقة.
ميكانيك الكم
في بداية القرن الماضي أخذت تبرز إلى الوجود، نظرية جديدة عرفت فيما بعد باسم ميكانيك الكم Quantum mechanics. حيث نشأت أفكار ومفاهيم جديدة غيرت من نظرتنا إلى العالم، فبدا الميكانيك التقليدي نظرية غير متكاملة. وأصبح العالم بنظر العلماء أكثر احتمالية. فأخذ الراصد للكون يتحول من راصد حيادي إلى راصد متفاعل معه، يؤثر في التجربة ويتأثر بها، فتراجعت النظرة الحتمية للعالم. وأصبح المستقبل أكثر ضبابية (احتمالي) لا يمكن التنبؤ به بدقة.
خلدون محمد خالد