دار الحياة - أحمد مغربي
ثمة خيط مأسوي يمتد بين حادث "العيّاط" المأسوي وبين الكلام الحكومي الوردي والتمجيدي والمتفاخر عن إدخال نظام التوجيه عبر الأقمار الاصطناعية، بنظام التحديد الشامل للمواقع على الأرض، المشار إليه باسم "جي بي أس" gps، وقبلها بالإنترنت السريع والمجاني، وقبلها... بشبكات إتصالات الخليوي من الجيل الثالث "جي 3"، وقبلها وبعدها بنشر شبكات الخليوي في مصر... وغيرها.
ولننس وقتياً الكلام غير المسموح به، إلا همساً وسراً، عن صفقات متنوّعة رافقت تلك الخطوات وغيرها، بما فيها "الكلام الغائب" عن الرسوم الفائقة التدني التي تحصّل كبدل عن مرور ألياف الإنترنت في قناة السويس، وفي المياه الإقليمية في الساحل الشمالي.
لننس أموراً كثيرة، ولنركّز على الإتصالات، التي أدى تخلّفها وغيابها عن أبجديات التقدم العلمي، الى موت عشرات المصريين وجرح مئات منهم. كيف يًسمح بأن تسير قطارات مصر في ظل نظام اتصالات متخلّف، موروث منذ عقود سحيقة.
ألا يبدو متناقضاً أن بلداً أشبعت سلطاته موجات الراديو والتلفزيون بـ"أفراح" دخول شبكات الإتصالات اللاسلكية للخليوي، وكذلك وصولها الى الجيل الثالث، ما زال نظام توجيه القطارات فيه متخلّفاً الى حدّ أن انصرافاً غير متوقعاً لموظف من أحد الأبراج المنتشرة قرب الخطوط، يؤدي الى كارثة تصادم؟ أين هي الشبكة المركزية التي تصل مراكز القطارات وأطرافها وخطوطها؟ هل يعقل ان تُشبَع الشاشات المصرية بالإعلانات عن مشاهدة مباريات كرة القدم على الخليويات في طول البلاد وعرضها، فيما الاتصالات بين القطارات لا تزال غافية في التأخر؟ ألم يخطر في بال الوزير، عند تسلمه مهماته، أن يسأل عن الطريقة التي تتابع بها القطارات في بلاد النيل، خصوصاً ان حوادثها لم تكف عن التتابع في الآونة الأخيرة؟
من الطريف، أن تلك الوزارة عينها، تمطر الشاشات بإعلانات تطلب فيها من المواطن تحمّل مسؤولياته حيال القطارات الجديدة والنظيفة التي اشترتها، وتلقي عليه المسؤولية عن عدم نظافة الكراسي وتخريب الفُرُش والكتابة على الجدران وغير ذلك. ماذا عن المسؤولية عن سلامة أجساد الركاب وأرواحها؟ الطريف أيضاً أن مطلع السنة الحالية، تميّز بـ"عرس" هُلل له وطُبّل، بالسبق الذي أحرزته البلاد بالسماح باستخدام نظام التتبع عبر الأقمار الاصطناعية، عبر نظام "جي بي أس".
ومعلوم أن ذلك النظام طُبّق على نطاق واسع في بلدان الغرب، على المواصلات بأنواعها أولاً. فلماذا بقيت تلك القطارات النظيفة والأنيقة، متخلّفة في نظام إتصالاتها، ولم يصلها نظام الـ"جي بي أس" المُتمجّد على الألسن المتفاخرة بالتقدم الذي تحمله السلطة على طبق من ذهب، للغافلين من المواطنين؟ وإذا كان مطلب الـ"جي بي أس" متعذّراً، والأرجح أنه ليس كذلك أبداً لأنه سهل وبيد السلطات الرسمية، فلماذا لم يوظّف غيره من أنظمة الاتصالات المتطورة؟ ومن يتحمّل المسؤولية عن عدم الالتفات الى النظام المتخلف في الاتصالات الذي لا يزال يهيمن على القطارات في مصر؟
أسئلة لا تنتهي...