إذا خفت اطمئن :
إن الله قريب منك قرب كفيك لجسدك ، مُدّهُما أمامك والجأ إلى الله بالدعاء فقد وعد بالإجابة ، حين قال تعالى
( ادعوني استجب لكم ) .
إذا خفت تذكر :
إن خوفك ما لم يكن خشية لله عز وجل ، فأنت تخاف مخلوقا من خلق الله ، فإذا تذكرت قدرة الله عز وجل أمنت غيره ، فيما يكون طبيعة للنفس الإنسانية ، كخيفة موسى عليه السلام حينما خرج خائفا يترقب فدعا الله عز وجل ( رب نجني من القوم الظالمين ) فأجابه الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) ، وكذلك حينما ألقى عصاه ( فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) فناداه الله عز وجل ( يا موسى اقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) ثم حين ألقى السحرة عصيهم ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فكان الرد من الله عز وجل ( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) أي إن موسى حينما خاف ولجأ إلى الله ، نجاه الله عز وجل ، وأمنّه ، وأعلاه ، فأبشر بالخوف وسيلة للجوء لله تعالى .
وفي هذا يقول الحسين بن علي :
من يأمن الله يخف وخائف الله أمِنْ
اعلم حين تخاف :
أن الخوف شيء من البلاء ، وفي البلاء صبر واحتساب ، قال تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف ) وإذا ابتلانا الله فهو اختبار يميز فيه الخبيث من الطيب ، فاعرف نفسك وأصلحها وكن ممن ختمت بهم الآية ( وبشر الصابرين )
و أبشر :
أغلب مخاوفنا لا مبرر لها ، إلا أنها تصورات وخيالات في فكرنا ، تتراءى لنا ، فالشخص الذي ينام براحة كل يوم ، قد يخاف إذا سمع قصة مرعبة ، حينها يصبح لكل حركة وصوت تفسير يفزعه ، والطفل إن لم نخوفه بقصص الغول الخرافي مثلا لن يخافه ، فالخوف فكرة نزرعها في عقولنا ثم نصدقها وتصبح عقبة في حياتنا اليومية ، رسب طالب في امتحان لأنه سمع قصصا عن صعوبة الامتحان ، وقلة الوقت ، وتعقد الأسئلة فدخل الامتحان خائف يترقب، إن استطاع مسك القلم لم يستطع التفكير بالحل ،فإذا سيطرت مخاوفك عليك وقعت في شراكها ، وهي أفكار لو غيرتها لتغير خوفك أمنا ، وقلقك اطمئنانا .
كيف ؟
فكر في كل شيء لا يخيفك ، تفكر في خلق الله ، سيغدو دوي الريح تسبيحا ، والأشجار التي تريد التهامك أغصانا تحمد الله عز وجل ، والقمر الذي اختطفته الغيوم السوداء عابدا في محرابه .
فكر في حنان أمك عليك ، فكر في أهلك ، أصدقائك ، فكر في المواقف السعيدة ، وتذكر كيف كنت تمرح مع أصحابك ....
كيف ؟
أقرأ القرآن ، تفكر في سورة الفاتحة ، (الرحمن الرحيم ) ( مالك يوم الدين ) تفكر، فإن يوم الدين لأولى بالخوف مما تخاف منه في تلك اللحظة ، ورتل قراءتك ، وابشر فإنك محروس الآن من عشرات الملائكة التي اجتمعت لتسمع منك .
أبشر إن للخوف منافع :
عدا عن الدراسة التي أعدت في الغرب وبينت أن الخوف مفيد صحيا ، فالخوف على صغارها يخرج الحمامة لتطعمهم ، وخوف النمل من فصل الشتاء يدفعهم للعمل صيفا ، وخوف الطالب من الفشل يدفعه للجد والاجتهاد ، وخوفك أنت إن لم يصنع لك خيرا ، فخير لك أن تذهبه .
قد يكون الخوف قلقا :
أُلفت كتبٌ عدة في معالجة القلق ، وعالجها القران الكريم في قوله تعالى ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمان وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) فكانت النتيجة ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله) لأن الإنسان الذي يتوكل على الله عز وجل ، ويؤمن بقدره ، لن يقلقه شيء .
إذا كان الله حسبك فقل للقلق حسبك
اغتنم خوفك:
هي فرصة حقيقية لتعرف أسرار نفسك وضعفها ، فحينما تحاول القفز من أعلى المسبح ، ستجد أن هناك جدارا من الخوف يمنعك ، وتبقى تتأرجح بين القفز وبين الرجوع ، تعلم أنك لن تموت جراء هذه القفزة ، المدرب ينتظرك ، الهواء في رئتيك سيرفعك ، أصدقاؤك معك ، ولكن القرار يعود إليك ، فقفزة واحدة بدون أن تفكر في مخاوفك وقلقك ستجعل من السباحة لونا مفضلا لك ، وما أصعب أن تعود وتنزل على درج السلم ثم ترى طفلا صغيرا ، يصعد ويقوم بقفزة جميلة أمامك .
فكر بالأكل ستجوع ، فكر بالمرض ستمرض ، وكذلك فكر بالخوف ستخاف وقديما قالو ( لا تمارضوا فتمرضوا ) ، لذا حينما تريد القفز عليك الذهاب سريعا وأن تسبق أفكارك ومخاوفك ، حينها ستجد نفسك أمام متعة حقيقية وعندما ستتذكر مخاوفك ، ستضحك من نفسك .
وفي قصة طريفة ، يقال أن حاكم قرية أراد تزويج ابنته ، فأقبل الفرسان من كل بلدة ، فقام الحاكم بصنع بحيرة صغيرة عبأها بالتماسيح ، ووضع الأميرة على الضفة الأخرى ، فحين قدم الفرسان ، ورأوا الأميرة ، استعدوا للسباحة ، كل يظهر عضلاته متفاخرا ، لكن الحاكم حذرهم أن البحيرة مملوءة بالتماسيح ، وحينما رآها الفرسان انسحب أغلبهم ، وظلت البقية في خوف وتردد ، فجأة قفز فارس في البحيرة ، فأخذ يسبح ويسبح هاربا من التماسيح المفترسة ، حتى وصل للأميرة ، ففرح الناس به ، وهتفوا له ، وحملوه وهو
يقول : أنزلوني ، أنزلوني ، من اللئيم الذي دفعني للبحيرة ؟
هذا الفارس وقف متهيبا وهو يرى مخاوفه أمامه ، ولكنه في اللحظة التي واجه فيها مخاوفه ، حتى وإن كانت دون قصد منه ، استطاع الوصول .
واجه خوفك ، واعلم أن الشجاعة في قهر الخوف ، ولذا لا يطلق على سوبرمان تلك الشخصية الخيالية صفة الشجاعة ، لأنها لا تعرف الخوف .
إن خفت ففي الخوف منافع ، ولكن الجأ إلى الله تعالى ، وتفكر فيما يطمئنك ، وإن كان ولا بد واجه خوفك ، وكن شجاعا .
لكن إن كان الخوف من الله فهو المطلوب ، وفيه الخير كله ، مبعث للصلاح ، مانع للشر ، مفتاح للجنة ،بل لجنتين( ولمن خاف مقام ربه جنتان )