{ الم{1}
يستفاد منها فوائد :
( الفائدة الأولى )
أن هذه تسمى عند العلماء بالحروف المُقَطَّعة "
وهذه الحروف المقطعة وردت في :
" تسع وعشرين موضعا من كلام الله عز وجل "
أولها سورة " البقرة " كما هنا .
وآخرها سورة " ن " .
( الفائدة الثانية )
" أن هذه الحروف المقطعة منها أحادية ، وحروف ثنائية ، وحروف ثلاثية ، وحروف رباعية ، وحروف خماسية "
أحادية " مثل قوله تعالى :
{ق }ق1 ، {ص }ص1 ، {ن }القلم1 .
" ثنائية " مثل /
{حم }غافر1 ، {يس }يس1 ، {طس }النمل1 .
" ثلاثية " مثل /
{ الم } ، {طسم }الشعراء1،
" رباعية " مثل /
{المص }الأعراف1
" خماسية " مثل /
{كهيعص }مريم1
( الفائدة الثالثة )
هل هذه الحروف المقطعة آية أم أنها غير آية ؟
يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرحه على الطحاوية : " إن غالب من كتب القرآن ممن سبق لم يذكرها على أنها آية ، وإنما هي من ضمن الآية التي تليها "
وب فإنه لا يحتاج إلى تفسيرها .
لكن المعمول به والمعروف لدينا أنها آية ، وإذا كانت آية فهل لها معنى ، أم أنه لا معنى لها ؟
قال بعض العلماء : لا معنى لها .
ولا يمكن أن يكون هذا ، لم ؟
لأن الله عز وجل أمرنا بالتدبر ، قال تعالى
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }ص29 .
وهي من ضمن الآيات ، إذاً لابد أن نتدبرها ، فإذا لم يكن لها معنى ، فكيف نتدبر ها .
إذاً هذا القول يرد بهذه الآية .
إذاً / ما معناها ؟
هل هي ترمز في حروفها إلى أسماء للملائكة ؟
هل هي قَسَم ، أقسم الله عز وجل بها في أول السورة ؟
هل هي حروف هجاء لا معنى لها ، مثل ما تقول " ط " ، " ف " هذه لا معنى لها ؟
هل لها معنى ولكن الله عز وجل استأثر بعلمها ؟
هل هي أسماء للسور ؟
أو أسماء لله عز وجل ؟
أو أسماء للرسل ؟
كل هذه أقوال ، كثير من العلماء يقول هي " لها معنى ، لكن الله عز وجل استأثر بعلمها ، فنكل علمها إلى الله عز وجل .
ولكن هذا يشكل على أن القرآن ما نزل إلا للتدبر .
ومن ثمَّ / فإن أقرب الأقوال كما ذكر القرطبي وابن كثير رحمهما الله : ذكروا من ضمن الأقوال " أنها حروف هجاء " لكنهم لم يرجحوا هذا .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إنها حروف هجاء "
مثل ما تقول : " ط – ف " لكن لها فائدة ولها معنى .
كيف ؟
إذا قلت " ف – ط " فيه تحدٍ للكفار الذي زعموا أن هذا القرآن قد أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقال لهم : هذا القرآن قد أُلِّف من مثل هذه الحروف ، وأنتم بلغاء فصحاء ، فأنشئوا مثله !
تحداهم الله عز وجل أن يأتوا بمثله ، قال تعالى :
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ }الطور34
فعجزوا .
تحداهم بعشر سور ، قال تعالى :
{ ُقلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ }هود13
فعجزوا .
تحداهم بسورة واحدة ، قال تعالى :
{ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ }البقرة23
ومع ذلك عجزوا .
ومن ثم فإن هذا القول لو تأملت معي في غالب هذه الحروف المقطعة إذا أتت أتى بعدها ذكر القرآن .
قال تعالى :
{ الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ }
{ المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ }
{ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ }
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ }ص1
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }ق1
بمعنى / أن هذا القرآن أُلِّف من مثل هذه الحروف ، فألِّفوا مثله ، فإذا عجزتم فآمنوا به ، فإذاً هو ليس من عند محمد – صلى الله عليه وسلم – وإنما هو من عند الله عز وجل .
وقال بعض العلماء : هذه الحروف لها فائدة أخرى ، ما فائدتها ؟
" أنها تستقطب أذهان الكفار "
الكفار يتواصون فيما بينهم ألا يستمعوا لهذا القرآن {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26 .
وقال عز وجل :
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }
يهربون من أن يسمعوا هذا القرآن
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ }
{ حُمُرٌ } جمع " حمار "
{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ }المدثر51
يعني فرت من أسد أو من صائل .
فلما أتت هذه الحروف { الم } { طه{1} {ق } حينها يتطلعون إلى ما بعدها ، وب يستمعون إلى القرآن فيؤثر فيهم .
وهذا في الغالب ، لم ؟
لأن بعض السور مدنية – كسورة البقرة – لكن في غالب السور التي نزلت في مكة هي استقطاب لأذهان الكفار .
( الفائدة الرابعة )
وهي فائدة لطيفة وجميلة جدا ذكرها ابن القيم رحمه الله في هذه الحروف ، وابن القيم رحمه الله معلوم عمق فهمه .
وسبحان من يمنّ على عباده بفضل منه وكرم ، كان صوفياً ، فمنَّ الله عز وجل عليه فهداه بصحبة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ستة عشر عاماً فقط أخذ هذا العلم الغزير ، حتى قال ابن حجر رحمه الله :
" لو لم يكن من حسنات ابن تيمية إلا ابن القيم لكفى "
فماذا يقول ابن القيم رحمه الله ؟
يقول رحمه الله : اعلم أن كل سور فيها حروف مقطعة للسورة ارتباط بها "
كيف ؟
قال : إذا أتتك السورة مبدوءة بـ { الم }
يقول : إن مخارج الحروف ثلاثة [ الحلق – اللسان – الشفتان ]
الألف " من الحلق " وهو من الآخر .
اللام " من اللسان " وهو من الوسط .
الميم " من الشفتين " وهو من الأول .
فيقول رحمه الله – وتأملوا هذا – أي سورة ابتدأت بـ { الم } فاعلموا أنها تكلمت عن " أول الخلق ووسط الخلق وآخر الخلق "
تأمل هذا في سورة البقرة .
تأمل هذا في سورة العنكبوت :
{ الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2}
تأمل ذلك في سورة الروم :
الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2}
تجد أن هذه السور تحدثت عن أول الخلق ووسطه وآخره .
هذا من حيث المعنى
مثال آخر
يقول: سورة ( ص ) تدل على ماذا ؟
لو نظر إلى هذه السورة وتؤمل فيها وجد فيها أن " الصاد " ارتبط بالخصام المتكرر في هذه السورة .
" خصام النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش "
{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }ص6.
" خصام داود عليه السلام مع الملائكة "
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ }ص21
" خصام أهل النار "
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }ص64
" خصام الملأ الأعلى "
{مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ }ص69.
قال رحمه الله : قد تكو ن هذه الحروف لها ارتباط ليس بالمعنى ولكن من حيث اللفظ "
مثال / سورة " ق " فمن تأمل سورة " ق " وجد أن لها ارتباطا من حيث اللفظ بهذا الحرف الذي هو " قاف " كيف ؟
قال : " معظم كلمات هذه السورة قافية "
مثال /
{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }
{ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ }
{ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ }
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ }
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ }
{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ }
{ وَقَالَ قَرِينُهُ }
فيقول رحمه الله : لو تأملت هذه السورة وجدت أن معظم كلماتها كلمات قافية "
إذاً / هذا ما يتعلق بهذه الحروف المقطعة ، خذْ هذا الكلام كله وإذا تحدثت عن سورة الأعراف {المص }الأعراف1 ، أو سورة الرعد { المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ }
خذ هذا الكلام كله وقله هناك ، وبهذا فهمنا الحروف المقطعة .
وإليك هذا المقطع يبين فوائد الحروف المقطعة :