أحكام التجويد
معرفة علم التجويد فرض عين على كل مسلم , لقوله تعالى ‘‘ ورتل القرآن ترتيلا‘ , وما شدني للتعرض إلى هذا الموضوع إلا ما سمعته من لحن فاحش في القراءة , ليس عند العوام فحسب , بل وأيضًا , وهذه هي الطامة الكبرى , عند عشرات الأئمة الذين تصادف أن صليت خلفهم في المساجد . فآليت على نفسي تلخيص الأحكام المهمّه في علم تجويد القرآن , علّها تكون عونًا لمن أحب أن يتقن تلاوة هذا الكتاب الخالد . ولكن إذا ظنّ أحد أن بإمكانه إحكام تلك ألأحكام من خلال حفظها نظريًا فقط , فمخطىء هو تمام الخطأ , بل لا بد , إلى جانب حفظ الأحكام , من التدرب والتمرن عليها فعليًا , قراءة وسماعًا , لمعرفة كيف يكون التطبيق العملي لكل حكم وحكم .
الدرس الأول
تعريفات مهمة
اللحن في القراءة قسمان ; جلي وخفي :
اللحن الجلي معناه أن يبدل القارىء حرفًا بحرف ( كأن يستبدل التاء طاءً في كلمات نحو ‘ أقنتي ‘ و ‘مقتصد‘ أو أن يستبدل الدال بضاد في مثل
‘ الصدور‘ , أو السين بالصاد في مثل ‘ المقسطين ‘ ) أو أن يستبدل حركة بحركه ( مثل كسر الذال في المنذ ََرين او فتحها في المنذ ِرين , أو ضم هاء الله وفتح همزة العلماء في ‘ إنما يخشى الله َ من عباده العلماء ُ ‘ ) وهذا اللحن حرام بالاجماع .
اللحن الخفي وهو ترك القارىء لأحكام التجويد من الإظهار والإدغام والإخفاء والغنّ والقلقلة , أو أن يفخّم المرقق ويرقق المفخّم . وهذا اللحن مكروه إجماعًا , محرم عند بعض العلماء , وعيب فاحش عند أهل فن التجويد .
معنى التجويد إعطاء حروف القرآن حقها ومستحقها من الإدغام , الغُنّ , الإقلاب , الإظهار , الإخفاء , القلقله , التفخيم , الترقيق , المد , الهمس وغيرها من الاحكام .
الحروف حروف اللغة 28 حرفًا , نصفها حروف شمسيه ونصفها الآخر حروف قمريه . والحرف الشمسي هو الحرف الذي لا تلفظ ” أل ” التعريف معه , بل تدغم فيه . مثل : حروف ش , ت , ز في كلمات : الشمس , التقوى , الزاد. امّا الحروف القمريه , فبعكس ذلك , مثل حروف : ف , ج , ه في كلمات الفأس , الجمل , الهره .
وللحروف مخارج . فإذا أردت أن تعرف مخرج حرف معين , فسكّنه أو شدده ثم أدخل عليه همزة ( هكذا : إب ْ , إف ْ , إع ْ ….. ) وأنظر أين ينتهي الصوت عند لفظك الحرف , فهناك مخرجه. وأنت إن طبقت هذه القاعدة , وجدت أن حروف :
الباء , الميم , الواو غير المديه والفاء كلها تخرج من الشفتين . فالباء والميم يخرجان عند انطباق الشفتين . والواو غير المديه تخرج عند انفتاح الشفتين وانطباقهما . وأما الفاء فتخرج من بطن الشفة السفلى. إذن في الشفتين مخرجان. ( الواو غير المديّه هي الواو المسبوقه بفتح – ولفظها يشبه لفظنا كلمة ” أو ْ “ مثل الواو في فرعَوْن , يسعَوْن . بينما الواو المدية تكون مسبوقة بضم , مثل في سجُون , يكتبُون ).
الهمزة والهاء , العين والحاء , الغين والخاء تخرج كلها من الحلق. فهي كلها حروف حلقيه . ( الهمزة والهاء يخرجان من أقصى الحلق , العين والحاء من أوسطه , الغين والخاء من أدناه إلى الفم ) .ففي الحلق إذن ثلاثة مخارج .
بقية حروف الهجاء , ما عدا الألف والواو والياء , تخرج كلها من مناطق مختلفه في اللسان , وفيه عشرة مخارج.
ألألف , الواو والياء تشذ عن القاعدة لأن لفظها لا يظهر , ولا تحتك بأي جزء من أجزاء الحلق أو اللسان او الشفتين , بل تخرج مع الهواء الخارج من الجوف . من هنا يكون مخرجها تقديري , وتسمى حروف جوفيه / هوائيه ( وتسمى , في سياق آخر , حروف مدّ لأنها تستعمل في المد . كما تسمى حروف علّة , لانها ساكنه ولكن سكونها غير ملموس ولا محسوس ). ولمعرفة مخارج الحروف ( وصفاتها أيضًا ) أهمية قصوى , لفهم موضوع ألإدغام , ومتى يكون.
التنوين عبارة عن نون ساكنة زائده تلحق الاسم لفظًا لا كتابة , ووصلا لا وقفًا.
الإدغام أي إدخال حرف ساكن بحرفٍ متحرك يليه , بحيث يصير الحرفان حرفًا واحدًا مشددا من جنس الثاني ( ولي عودة تفصيليه لهذا الموضوع , لتبيان شروط الإدغام) .
الغنّ هو صوت موسيقي لذيذ في السمع , يخرج من أعلى الانف , ولا عمل لغير الانف فيه , ويكون في الميم , النون والتنوين , بشروط وعلى تفصيل . ومقدار الغنّة , بشكل عام , حركتان , أي بمقدار ثانية زمنيه. ( وأمّا كيفية الغن ّ , ففي النون والتنوين , يشبه لفظك النون المشدده الممدوده , وفي الميم يشبه لفظك الميم المشدده الممدوده ) .
الإقلاب يعني تحويل النون الساكنه والتنوين ميمًًا خالصه مخفاة بغنّه , وذلك إذا كانا ملحوقين بحرف الباء ( مثلا : ’ ينْبغي’ تقرأ ‘ يمّبغي‘ , مع غنّه ; ‘ سميعًا بصيرا ‘ تقرأ ‘ سميعَمّبصيرا‘.
الإظهار معناه لفظ الحرف باللفظ المعتاد الذي نعرفه له ( وبغير غنّة طبعًا ).
الإخفاء معناه استبدال لفظ الحرف بغنّه كامله .
المدّ ويعني إطالة الصوت بأحد حروف المد الثلاثة وهي : الالف الساكنه المفتوح ما قبلها ( قال ) , الواو الساكنه المضموم ما قبلها ( يقول ) والياء الساكنه المكسور ما قبلها ( قيل ) . فإذا لم تستوف الاحرف الشرطين أعلاه ( الفتح , الضم والكسر قبلها , وهي ساكنه فلا تحسب أحرف مد ). والمد العادي هو بمقدار ثانية زمنيه . مثل : ‘ قالوا يا مريم ‘ , ‘ قال يا ليت قومي‘ , ‘ قيل ادخل الجنه‘. أمّا المد الزائدً – أي الأطول من المد الطبيعي - وهو الذي يعنينا هنا , فيقع في حالات ستفصل لاحقًا في أحكام المد.
أحكام الميم والنون المشددتين
يجب غنّهما في جميع الحالات , وقفًا ووصلا. أمثلة :
النون في الوصل – ‘ يآ أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم‘
الوقف – ‘ يآ أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنّ ‘ .
الميم في الوصل - ‘ نبذناهم في اليم ّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين‘ .
الوقف – ‘ فنبذناهم في اليم ّ‘ .
أحكام الميم الساكنه
لها ثلاثة أحكام :
الإدغام وذلك عندما تكون ملحوقة بميم متحركه , فتدغم , أي تدخل فيها , وتصيران ميمًا واحده مشدده , مع غنّه. مثلا : ‘ لكمْ مَا كسبتم‘ , فتلفظ
‘ لكمّا كسبتم ‘ ( مع غن الميم المشدده ) .
الإخفاء أي إخفاء لفظ الميم الساكنه , مع غنّها بمقدار حركتين , وذلك عندما تكون ملحوقة بحرف الباء. مثلا : ‘ يعتصمْ بالله ‘ ; ‘ وقضي بينهمْ بالحق‘ .
الإظهار أي لفظ الميم واضحة ومن غير غنّه وذلك ما لم تكن ملحوقه بالباء او بالميم المتحركه , ( ويجب مراعاة إظهارها خصوصًأ قبل الفاء والواو ) . مثل :
‘ ألم ْ تر‘ , ‘ لمْ يلد ولمْ يولد ‘.
أحكام النون الساكنه والتنوين
لهما أربعة أحكام :
الإدغام وهو هنا على نوعين:
الاول ويكون إذا تلاهما , ولكن كبداية كلمه أخرى وليس في نفس الكلمه, أحد الاحرف ‘ ي ن م و ‘ ( مجموعه في لفظة ينمو ) وهنا يكون الإدغام بغنّه . مثلا : ‘ فمن ْ يَعمل صالحًا ‘ , تقرأ ‘ فميّعْمل صالحا ‘ ; ‘ رحيمٌ ودود‘ تقرأ ‘ رحيمُوّدود‘ .
الثاني يكون إذا تلاهما أحد حرفي ‘ ل ر‘ وهنا يكون الإدغام بغير غنه . مثل :
‘ منْ لدنا ‘ فتلفظ ‘ ملّدنا ‘ ; ’ أن رآه ‘ تلفظ ‘ أرّآه ‘ .
* إنتبه :
1. لا يجوز الإدغام إذا وقعت النون الساكنه وحرف الإدغام في نفس الكلمه , فهنا يجب إظهار النون بغير غنّه . مثل في : بنْيان , الدنْيا , صنْوان , قنْوان .
2. النون الساكنه التي قبل الواو في ‘ يسنْ والقرآن الحكيم‘ والتي في ‘ نْ والقلم وما يسطرون ‘ تشذ عن القاعدة , فلا تدغم , بل تظهر وبغير غنّه .
الإقلاب ويعني قلب النون الساكنة والتنوين ميمًا بغنّه , وذلك إذا جاء بعدهما حرف الباء . مثل : ‘ ينْبغي’ تلفظ ‘ يمّبغي‘ ; ‘ سميعًا بصيرا ‘ تقرأ ‘ سميعَمّبصيرا‘.
الإظهار أي أن يظهر النطق بهما واضحًا من غير غنّه , وذلك إذا تلاهما أحد أحرف الحلق :‘ ء ه ع ح غ خ ‘ ( وهي لتسهيل حفظها , أول أحرف عبارة
” أخي هاك علمًا حازه غير خاسر” ). أمثلة : ينْأون , عذابٌ أليم , إنْ هذا , سلام ٌ هي , أجر ٌ عظيم , قويًا عزيزا , تنْحتون , عليمًا حكيما , من ْ غل , عفو ٌ غفور , من ْ خير , المنْخنقه , يومئئذ ٍ خاشعه .
الإخفاء أي ان يُخفى لفظهما ويحل محله غنّة كامله ( أي مقدار حركتين ) , وذلك اذا تلاهما أي حرف من بقية حروف الهجاء غير حروف الإدغام , حرف الإقلاب وحروف الإظهار المذكورة اعلاه. مثل : ينْصركم , قولا كريمًا , كأسًا دهاقا , ينْطق , الانْسان , منضود