أرسل الله رسوله الكريم لا لتأسيس دولة إسلامية فحسب؛ بل لبناء قواعد دولة تتناول شئون الدولة،وكان الرسول الكريم مؤسس أول حكومة إسلامية، وهنا نؤكد أن الدين الإسلامى ينظم العلاقات بين العبد وخالقه، وبين الإنسان وأخيه، وبين الناس جميعا ...ومسائل الدين جاءت نقلية من السماء ،ومسائل الدنيا تحتمل التطور بتطور الزمان والمكان، لذا كان الرسول الكريم يستشير أصحابه فى الشئون الدينية، اعتمادا على إعمال العقل، وعلى قاعدة الشورى، فالأحكام الدينية تتطور فالإسلام دين شامل فى تعاليمه، فالدين والدولة فى الإسلام شيئان مجتمعان، ومع ذلك فالتمييز بينهما له ضروراته وذلك واضح فى الفقه الإسلامى.
والمتأمل لمصادر التشريع الإسلامى يجد أن الفقهاء فسحوا مجالا عظيما لإعمال العقل المسلم مثل الإجتهاد، والقياس ،والإستحسان وهذا كله يفضى إلى أن الفقهاء المسلمين أدركوا حقيقة الشمولية الإسلامية، واتساع دائرة التشريع بإعمال العقل فى دائرة النص الإسلامى ،ولو فرقوا بين أمور الدين والدنيا لتوقفوا عند حدود النصوص النقلية.
فالاعتقاد بأن الله وحده الخالق الرازق، وأنه وحده القائم بتدبير نظام هذا الكون يستلزم أن يكون التشريع والمنهج الذى تقوم عليه شئون الحياه بأمره وحده ،كذلك فإن الخلق والرزق والإحياء وتسخير الشمس والقمر، والحكم والملك والأمر كل هذه وجوه مختلفة بسلطان الله وقيوميته على أمور خلقه.
ووجوب العمل بالشريعة وتحكيم شرع الله هو حق وواجب ، فالله سبحانه وتعالى ما أرسل رسوله بهذا الدين القيم إلا ليطاع فى دعوته، ويحتكم إلى شريعته، والاحتكام إلى غير شريعته هو ارتضاء لحكم الجاهلية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )}المائدة :50.{وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) } النساء :60{
وقد أخرج الله اليهود من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر عندما جحدوا نور الله فى التوراة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)المائدة:44.والنصارى كذلك اعرضوا عن تحكيم الإنجيل (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)}المائدة :44.{
ومن مقتضى اناطة الحكم به وحده (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)} يوسف:40{
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)} الأنفال: 24 {( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) }الجاثية :18{
والإسلام دين كامل أتم الله به نعمته على البشر فقال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) }المائدة:3{
فهو نظام ربانى متكامل ليس عرضة للأهواء والملابسات والتغيرات ،وهو شامل لكل ظواهر الحياة (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) }المائدة:50{
والاستجابة لأحكام الله أساسية فيه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) }ال عمران :83{
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)}الأنفال:24{
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)} النساء:65{
والإسلام دين ودولة، فلا يمكن للدين أن يقوم بغير دولة ،كما أنه لا يقر قيام دولة بغير دين ،لأنه عقيدة وشريعة معا، ولابد للعقيدة من حمابة ولابد للشريعة من قيام، ومن ثم لابد للإسلام من سلطة ودولة فإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن
وفصل الدين عن الدولة معناه – فصل الدين عن الحياة فى كل مرافقها فيكون للمجتمع تشريع موضوع وللسلوك عرف مصنوع وللأخلاق مقاييس جديدة لا تستقر على حال
وهذه الدعوة مخالفة للقرآن الكريم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة:44.( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) }المائدة:45{( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) }المائدة: 47{
ويأمر الله تعالى نبيه الكريم (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) }المائدة:48{( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)}المائدة :49{
ومن السنة النبوية قوله عليه السلام ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فأولها نقضا الحكم ، وآخرها الصلاة).} أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه{
وللمقال بقية إن شاء الله تعالى نتحدث فيه عن شمولية الشريعة الإسلامية وعلاقتها بمختلف مناحى الحياه
د /أحمد عبده عوض
الأستاذ بكلية التربية _جامعة طنطا