ما أن وطأت قدمايا أرض الجزائر الحبيبة حتى رحت أقبل الأرض، فكم هي جميلة بلدي، وكم شعبها متخلق، وكم هو جميل علمنا الذي سقط من أجله مليون ونصف المليون شهيد، المهم الحمد لله الذي عدت إلى بلدي سالما معافى، وأتمنى أن يعود كل جزائري من مصر سالما حتى أولئك الذين يقيمون هناك، ماحدث للجمهور الجزائري عقب نهاية اللقاء، يبقى وصمة عار في جبين من يدعون أنهم من أبناء الكنانة، وعلى أنهم من أنقى جنس على وجه الأرض·
من الاستفزازات إلى الاعتداءات
فور وصول أولى أفواج الجمهور الجزائري إلى مصر، بدأ المصريون في استفزازالجزائريين، بطريقتهم الخاصة، بسبّ الجزائر بلدا وشعبا وحكومة، على أننا شعب غير متخلق وشعب همجي، وشعب يقتل بعضه البعض، وشعب شبابه يفضل أن يأكله السمك على أن يعيش في وطنه، لكن وبغض النظر عن كل هذه الاستفزازات إلا أن الجزائريين تحكموا في برودة دمهم، ولم يدخلوا في لعبة المصريين، رغم أن الكثير من محبي الخضر لجأ إلى إلصاق العلم المصري مع العلم الجزائري، ليبينوا للمصريين أن لا عداء بيننا وبينهم، لكن “المصري”، خان عربون المحبة بينه وبين الجزائري، واستعمل مختلف الألفاظ القبيحة في وجه الجزائري·
لم يكن هدف المصريين كسب تأشيرة المونديال، بقدر ما كان يهدف الكثير منهم إلى الاعتداء على كل من هو جزائري، وكانوا ينتظرون رد الجمهور الجزائري على الاستفزازات والإهانة التي كانوا يستعملونا، وقد فهم أنصار المنتخب الوطني، ما كان يقوم به “المصاورة”، الأمر الذي جعلهم لا يردون على كل الاستفزازات·
حين يتحول الجزائريإلى منبوذ في مصر
مع اقتراب اللقاء خاصة ليلة المباراة، بات الجزائري منبوذا في مصر، وكل من هو جزائري بالنسبة لكثير من المصريين ولا نقول الكل، يجب أن يضرب، حيث تغيرت طريقة معاملة المصريين مع الجزائريين، فبعد أن كانت قبل ذلك بالاستفزازات، تحولت إلى الاعتداءات وكل من يثبت أنه جزائري خاصة بالقرب من الأحياء والأسواق الشعبية·
وهنا أفتح قوسا لأروي لكم ما تعرضت له شخصيا بسوق دار السلام· “كانت الساعة الخامسة مساء من يوم الجمعة، فبعد أن أكملت كتابة مواضيعي للجريدة، فضلت زيارة سوق دار السلام، لأقتني بعض الحاجيات الشخصية، أول من سألته كان شاب في مقتبل العمر ما إن سألته عن السعر، رد عليّ، هل أنت جزائري، فقلت له جزائري ونصف، فقال لي بالحرف الواحد، أنت تريد أن تموت، ونصحني أن أكتم حقيقة انتمائي خشية أن أتعرض إلى مكروه من طرف بعض من شباب الأحياءالسكنية، وراح يقول الشاب المصري وبالحرف الواحد، هناك بعض من شباب هذا الحي يبحثون عن الجزائريين، من أجل قتلهم” حينها أوقفته عن الكلام وسألته: “ماذا فعل الجزائريون بالمصريين حتى يصل الأمر بقتلنا ونحن ضيوفكم؟، أجابني المصري قائلا: “أنتم من بدأ بإشعال الحرب، حرقتم علمنا وحرقناه ودنستم قميص منتخبنا، وطردتم عمالنا في الجزائر، وسممتم لاعبينا في مباراة الذهاب، ولم تحترموا علم بلادنا”·
فقلت له ومن أين لك كل هذه الأخبار الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة، فأجابني بنبرة حادة “روح ياكابتن، أنا لا أبيع للجزائري” وراح ينصحني أن لا أتكلم مع أي مصري كان حتى لا يكشفون أمري على أنني جزائري·
وبما أن هذا الشاب البائع كان فعلا جاد معي، فضلت الانصراف من محله لبيع الروائح ومواد التزيين، وقبل أن أخرج من محله، تقدم مني ثانية وهو يضع يده على كتفي “ما تتكلم ياكابتن، تريد أن تموت”·
تيقنت من الطريقة التي تعامل بها معي المصري ذو الـ03 سنة، أن كلماته فعلا تحمل في طياتها أمورا خطيرة، وعلى أنني فعلا معرض في أي لحظة إلى الموت من طرف المصريين”·
كلمات الشاب، أدخلت الرعب في جسمي، فانتابني نوع من الخوف، كانت خطواتي ثقيلة، الأمر الذي اضطرني أن أُوقف سيارة أجرة، المهم بالنسبة لي أن أخرج من حي دار السلام، فاخترت حي السيدة زينب، وهو حي شعبي كذلك جل ساكنيه من المشرق العربي، خاصة من الشام سوريا والأردن·
بين حي دار السلام وحي السيدة زينب، مسافة قد لا تتعدى 01 كيلومترات، ما أن أوقفت سيارة أجرة، وطلبت من صاحبها أن ينقلني إلى حي السيدة زينب، وإذا بصاحبها يجيبني قائلا: إركب ياجزائري إركب”·
ما إن ركبت السيارة، حتى راح صاحبها يوجه لي وابلا من الأسئلة، منها على وجه الخصوص، لماذا حرقتم قميص منتخبنا القومي، ولماذا دنستم علم بلادنا، ولماذا لم تحترموا النشيد المصريفي مباراة الذهاب؟”·
أسئلة سائق الحافلة جعلتني أقسم بأغلظ الإيمان عن اللحظة التي فكرت فيها المجيء إلى مصر، بعد أن وجدت نفسي وكأنني في محاكمة، متهم بارتكاب العشرات من الجرائم، هي نفس الأسئلة التي وجهها لي صاحب المحل، سمعتها ثانية من سائق سيارة الأجرة، أجبت هذا الأخير، “وما دخلي بما تقول”، فرد عليّ، “أنت دخلك ياجزائري”، ألم تأت إلى مصر لتشاهد منتخب بلدك”·
لم يكتف سائق الأجرة بكل هذا بل راح يقول لي “ستكسبوا إيه، تكسبون المونديال، سنهزمكم بأربعة، أبو تريكة يسجل هدفين وشوقي هدف ومتعب هدف، وسترى ذلك غدا بستاد ناصر”·
فأجبته، “الذي يلعب أحسن سيفوز، المهم أن الذي سيمثلنا في المونديال منتخب عربي” فأجابني: “تقول إيه، نحن سنكسب” “فأجبته نحن سنكسب؟”·
كلمة سنكسب الأخيرة التي قلتها له، غيرت من ملامح وجهه، ونظر إليّ نظرة تحمل في طياتها الكثير من معاني الشر، وبما أن السائقكان جادا في كلامه معي، على أنه إذا كسب منتخبنا اللقاء وتأشيرة المونديال سيتعرض كل جزائري للضرب والقتل، فضلت السكوت، لكن سكوتي دغدغ مشاعر السائق، فقال لي “ليه أنت ساكت يا كابتن، أتكلم” فأجبته قائلا: “نتكلم إيه”؟ فأجابني “نتكلم عن الكرة” قل مصر ستكسب، فطلبت منه أن نغير حديثنا عن هموم الشعب العربي ومعانا الفلسطينيين مع الإسرائليين والعراقيين مع أمريكا، فأجبني “مش لي دعوة مع السياسة، أحب الحديث عن الكرة بس”·
وقبل أن يكمل حديثه قال لي لقد وصلنا إلى حي السيدة زينب، أعطيني 51 جنيه، فأعطيته ورقة من نوع 02 جنيه، فقلت له احتفظ بالباقي، قال: شكرا ياجزائري أنتم ناس كويسين”·
في حي السيدة زينب انتحلت شخصية مغربي
ما أن دخلت سوق السيدة زينب، حتى وجدت مرة أخرى حديث الجميع إلا عن مباراة الجزائر، الجميع يردد كلمة “مصر مصر، سنكسب”·
ومما سمعته من طرف بعض من الشباب وأنا على أبوابالسوق، “الجزائريين جايين بكثرة لبلدنا”، لم أبال بكلام الشاب، حتى لا يكتشفون هويتي، أول محل دخلته كان محل تناول الوجبات السريعة لم يكن مكتظا، ما أن قلت السلام، حتى عرف الجميع هويتي على أنني فعلا جزائري وجئت خصيصا لأحضر اللقاء·
لم أبال بكلام أحد الشباب الذي قال لي “أنت جزائري”، فقلت له، “لا أنا مغربي، مقيم في الأردن، وعابر سبيل إلى بلدي”، وأنا أتحدث مع هذه الجماعة بعد أن تقدم مني البعض منهم، ليعرف إن كنت فعلا جادا في كلامي على أنني مغربي، وقد حمدت الله بعد أن انصرفت من هذا المحل بقولي أنني ليس جزائريا، كيف لا وقد قال لي بعض من الشباب “لو كنت جزائريا سنقتلك، وراح احد الشباب وهو يقول لي أنظر إلى ذلك السكين، سنذبحك لو كنت جزائري”·
وقلت له “ما ذنبي لو كنت جزائري” فرد عليّ قائلا: “الجزائريون شعب قذر لا يحترمون علم مصر ولا يحترمون نشيد مصر، يجب أن نعاملكم بالمثل”، وهو يتحدث معي هذا الشاب، وإذا بصاحب المحل، يطالب من هذا الشاب أن يترك حالي، بقوله، “وما بال هذا المغربي إنه ضيفنا المغاربة إخواننا”·
وبعد أن تأكد الجميع أنني فعلا مغربي، راحوا يسألونني عن حال المنتخب المغربي وسبب تراجع مستواه وأسباب إخفاقه في المونديال، وأشياء أخرى”·
صاحب المحل ذكرني بالعديد من المباريات التي جمعت منتخب مصر والمغرب، وهو يسرد ذكريات اللقاءات السابقة، وأنا ألعن هؤلاء الشباب وأطلب من العلي القدير أن يسترني من وحشية هؤلاء بل من وحشية المصريين الذين توعدوني بالقتل لو كنت جزائري”·
ما أن أنهيت الأكل، قال لي الجميع أنت آمن في مصر، لكن الجزائري غير آمن، علينا بقتله”·
كلام المجموعة الشبانية، جعلت درجة دمي ترتفع إلى أقصاها، ولعنت مرة أخرى اللحظة التي فكرت فيها المجيء إلى مصر، ورحت في ظرف وجيز، أتذكر ما قاله لي زميلي حسين لقرع عشية تنقلي إلى مصر، “ننصحكأن تبقى في الجزائر، وتشاهد اللقاء في البيت من الشاشة”·
كما تذكرت عنادي بالذهاب إلى مصر حين قلت له “رايح لمصر وربي كبير”·
في السيدة زينب نجوت من الموت
متاعبي مع المصريين تواصلت وياليتني لم أقصد حي السيدة زينب، بعد أن وجدت نفسي وللمرة الثالثة بين الحياة والموت·
فبعد أن غادرت محل المأكولات بمدخل سوق حي السيدة زينب، دخلت محلا بجانبه مختص في بيع ملابس الأطفال، لاقتناء بعض الحاجيات لابني رامي ذي الخمس سنوات وابنتي ريهام ذات الأربعة أشهر، وإذا بي أصطدم مع مجموعة شبانية بداخل المحل، جميعهم كانوا يتحدثون إلا عن اللقاء وبس، ما قلت لهم السلام، فأجابني أحدهم، “جئت بالجزائري إلى أيدينا، ونحن الذين كنا نتكلم منذ قليل عن الجزائريين، إذا وجدنا أحدهم نقتله” فأجبته، وما بالي بالجزائريين، ومرة ثانية انتحلت الجنسية المغربية، فأجبتهم “أنا مغربي” فقال لي أحد الشباب، أنت والله محظوظ، فيما نصحني آخر بقوله “ما تتكلم هنا في مصر” وحين أردت معرفة نصيحته لي أجابني “لهجتك تشبه اللهجة الجزائرية، وقد تذهب ضحية هذا التشابه، ويقتلوك”·
“صاحب المحل، وعلى عكس العادة لم يرحب بي، رغم أنني قلت له أنا مغربي”·
كلام المجموعة الذين توعدوا كل من هو جزائري بالقتل، جعلني أشتري بعض الحاجيات لأبنائي وأنا غير راض على النوعية وعلى السعر المرتفع، المهم أن أشتري وأخرج حتى لا يكتشفون هويتي على أنني مغربي·
حمدت الله وأنا أغادر المحل، خوفي الشديد أن أتعرض إلى مكروه، جعلني أعود من حيث أتيت إلى حيث كنت أقيم بإحدى العمارات السكنية بحي عباس العقاد بمدينة نصر·
متاعبي مع المصريين تتواصل حتى مع أصحاب سيارات الأجرة
نفس المشهد الذي حدث لي مع سائق الأجرة الذي نقلني من حي دار السلام إلى حي السيدة زينب، تكرر مع سائق الأجرة الذي نقلني من حي السيدة زينب إلى حي عباس العقاد بمدينةنصر على بعد حوالي 51 كيلومترا·
لم يكن يهمني قيمة المبلغ الذي سأدفعه لصاحب سيارة الأجرة الذي أوقفته لينقلني إلى مدينة نصر، المهم أن أستعيد سلامتي وأن أستعيد أنفاسي بعد أن رأيت الموت بين عيني، وبعد وعيد الشباب المصري بقتل كل من هو جزائري·
ما أن ركبت السيارة باتجاه مدينة نصر وإذا بصاحبها يبادرني بالحديث عن اللقاء، فقلت له، “اللعنة على الكرة، وما باليش فكرة عن الكرة وعن الماتش”·
فأجابني صاحب السيارة بضحكة ممزوجة وكما يقال بالعامية “الضحكة الصفرا”، “أنت جزائري وبتكذب عليّ وتقول ماليكش دعوة بالماتش”·
وللمرة الثالثة أجد نفسي أكذب، حيث انتحلت جنسية مغربية، ورحت أتحدث باللهجة المغربية لصاحب السيارة، ورغم ذلك فقد شك في هويتي على أنني فعلا جزائري، ورحت أتعمق في كلامي باللهجة المغربية، المهم بالنسبة لي أن أصل بسلام إلى حيث أقيم بحي عباس العقاد بمدينة نصر، لا لشيء خشيةأن يأخذني هذا السائق إلى مكان يتواجد فيه المصريون المتعصبون ويدفعون له بضع جنيهات، مقابل أن يقدم لهم مواطن جزائري، خاصة بعد أن حذرني زميلي الليبي عادي توفيق من أن أكشف هويتي الجزائرية، وقد نصحني زميلي الليبي أن أتمسك بكلامي على أنني مغربي، وقد نصحني أن أترك جميع أوراق هويتي بالشقة التي كنت أقيم فيها، حتى إذا قدر الله وأراد المصريون تفتيشي إن كنت فعلا مغربي، لن يعثروا على شيء، وسيصدقون كلامي على أنني مغربي·
صاحب سيارة ونحن نتحدث عن هموم الكرة، قال لي: “إن الجزائريين شعب مشي كويس”، شعب همجي ولا يمكن حسب قوله مقارنة الشعب الجزائري بالشعب الليبي أو التونسي وحتى أنتم المغاربة، شعب “كويس”·
وواصل كلامه وهو يقول: “الجزائريون حرقوا علم بلدنا ودنّسوا قميص منتخبنا ولم يحترموا نشيد وطننا، يجب أن نمنع منتخب بلادهم من التأهل إلى المونديال بشتى الطرق”·
وحين سألته عن تكهناته في اللقاء؟ أجابني قائلا: “سنكسب خمسة”·
كان كلامي مع صاحب سيارة الأجرة ثقيلا، وقد تنبه لذلك بقوله: “بك حاجة” فقلت له: “لا أنا تعبان من السفر”·
وحمدت الله بعد أن وجدت نفسي قبالة الشقة التي أقيم فيها بحي عباس العقاد بمدينة نصر، وقبل أن أنزل دفعت له مبلغ 002 جنيه، وكم كانت فرحته وهو يستلم الورقة النقدية، قائلا لي أنا تحت خدمتك ياباشا، أنتم المغاربة شعب طيب، أما الجزائريين شعب قذر وسخ”·
الخروج من مدينة نصرمحفوف بالمخاطر
بعد أن تأكد لي أن المصريين جادين في كلامهم مع الجزائريين بقتلهم والتنكيل بجثثهم، وعلى أن كل جزائري يجدونه منعزلا سيكون مصيره الموت، انتابني رعبا شديدا·
لكن سرعان ما كان يزول هذا الرعب فور عودتي إلى مقر إقامتي بإحدى العمارات بحي عباس العقاد بمدينة نصر، على اعتبار أن جل ساكني هذا الحي بل هذه المدينة من “العسكر” ورجال الأمن” ومن أصحاب المال·
كان زميلي الليبي لا يفارقني، خاصة في المساء، لكن حدث لي ذات مرة أنني أردت أن أتجول بمفردي بالبعد من الحي الذي كنت أقيم فيه على بعد 01 كيلومتر تقريبا، وإذا بي أجد نفسي محاطا بمجموعة شبانية، قال لي أحدهم أنت جزائري، فأجبته ومابالي بالجزائريين أنا مغربي، وبما أن المكان كان نوعا ما مظلم طلب مني أحد الشباب أن أظهر له جواز سفري، فقلت له، موجود عند زميلي مصري يقطن في حي عباس العقاد، وقد ذكرت له اسم صاحب الشقة التي استأجرتها منه مدة أربعة أيام·
بعض من المجموعة الشبانية، شككت في هويتي الحقيقية، وقال لي أحدهم، لو كنت جزائري سنذبحك من هنا وهو يشير من الجهة العليا لرقبة صديقه·
مرة أخرى ينتابني شعورا بالخوف الشديد، خاصة وأن بعض المصريين ولا نقول الكل تأكد لي جليا مدى بطشهم، ونيتهم بقتل كل من هو جزائري، فلو كنا يهود لرحبوا بنا أحسن ترحيب، وقد يفتحون بيوتهم للإقامة معهمدون حريم، لأن الاسرائلي بالنسبة لبعض المصريين تربطهم علاقات النسب، وكم من مصري متزوج بإسرائيلية وإسرائيلي متزوج بمصرية، بدليل أن العلم داوود يرفرف في سماء مصر تحت رؤوس المصريين·
بعد أن تركتني المجموعة الشبانية المصرية، رحت أكلم زميلي الليبي عن مكان تواجدي، وحين قلت له أنني موجود في نهاية حي كرم شيخ، طلب مني العودة حالا إلى حي عباس العقاد، كون المكان الذي أتواجد فيه في نظر زميلي الليبي خطير ومعروف ببطش شبابه، خاصة هذه الأيام تجاه الجزائريين·
الصدفة جعلتني أوقف سيارة أجرة صاحبها من الأردن، قال لي أنه يحب الجزائريين، وراح يشيد بتأهل الجزائر، رغم أنني قلت له أنا مغربي، لا لشيء وإنما خوفي أن أجد نفسي في كمين قد يضعه لي المصريون مع أصحاب سيارة الأجرة·
قال لي صاحب سيارة الأجرة، بخصوص المغاربة، أنهم شعب مدمن على تناول “الزلطة”، نعم هكذا قالها لي رغم أن اسمها الحقيقي“الزطلة”، وحين سألته بخصوص الجزائريين، راح يشيد بكرم وضيافة الجزائريين، ومما قاله لي صاحب سيارة الأجرة أنه كانت تربطه علاقات حميمية بالكثير من الجزائريين الذين كانوا يدرسون هنا في القاهرة، حيث كان مكلفا بنقلهم إلى الجامعات التي يتابعون فيها دراستهم، وحسب هذا المواطن أنه كلما يعود الطلبة الجزائريين إلى مصر إلا ويقدمون إليه الهدايا·
كلام صاحب السيارة، ورغم أنه أعرب لي عن حبه الكبير والخالص للجزائريين، على عكس نظرته للمغاربة، لم أصدق كلامه، وبقيت متمسكا بهويتي على أنني مغربي، إلى درجة أنه تزامن وجودي بداخل سيارة هذا المواطن، إلى أن اتصلت بي زوجتي لتطمئن عن حالتي بعد أن قيل لها وجود وفيات وسط الجمهور الجزائري الذي تنقل إلى مصر·
لم تفهم زوجتي وأنا أحدثها باللهجة المغربية، حتى ظنت أنها أخطأت في الاتصال فقطعت المكالمة وأعادت الاتصال بي ثانية، لكن هذه المرة لم أكلمها، ففضلت قطع المكالمة، وعندما عاودت الكرة ثالثة، فضلت إقفال الهاتف، حتى لا أخطئ وأتحدث معها باللهجة الجزائرية، وقد أجد نفسي بعدها في عداد الموتى، خاصة بعد الذي سمعته من طرف أفواه العديد من المصريين الذين توعدوا كل من هو جزائري بالقتل·
راحتي كنت أجدها بمدينة نصرمع مواطن ليبي
راحتي الكبيرة كنت أجدها مع المواطن الليبي توفيق عادل، قدم من أقصى الجنوب الليبي إلى القاهرة رفقة شقيقته في مهمة عمل بإحدى المصحات الاستشفائية بالقاهرة· وجودي مع المواطن الليبي كما سبق الذكر، لم أكن أحس ولو للحظة واحدة بذلك الرعب والخوف الذي أحسست به في كل من أحياء دار السلام والسيدة زينب وكفر الشيخ، وبعض الأحياء الأخرى·
المواطن الليبي، من عشاق منتخبنا الوطني، وقد سعى جاهدا ليحصل على تذكرة لمشاهدة اللقاء من داخل ملعب ناصر، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، كون التذاكر بيعت بواسطة بطاقات الهوية، وبما أنه يحمل الجنسية الليبية فلا يمكنه الحصول على بطاقة الدخول، وحين أراد اقتناءها من السوق الموازية وجد سعرها يفوق خمسة أضعاف سعرها الحقيقي·
كنت أفضل الجلوس مع المواطن الليبي، قبالة محل التوحيد لبيع العصير، كون صاحب المحل والحق يقال ضد ما يقوم به أبناء بلده، ومما قاله لي كمال أنه يكره الكرة بسبب تعصب المصريين، وتمنى لو أقصي منتخب بلده قبل لقاء الجزائر، حتى لا تتحول هذه المباراة إلى معركة خارج إطارها الرياضي·
وجودي مع المواطن الليبي ومع صاحب محل التوحيد لبيع العصير، إضافة إلى بعض من زملاء المهنة الجزائريين الذين تنقلوا خصيصا لمتابعة اللقاء بمصر، خاصة صحفيين من الزميلة “البلاد” لم أكن أحس ببعدي عن الوطن، أو خوفي أن أتعرض إلى الأذى من طرف المصريين المتعصبين لمنتخب بلدهم·
صبيحة يوم اللقاء ··· زحمة في الطرقات والجميع يتجه إلى ملعب ناصر
وبما أنني اختلطت عليّ أمور التوقيت في القاهرة، فما أن أخرج من حيث كنت أقيم حتى أسمع مكبرات أصوات المساجد بآذان الظهر، كون المصريين بعضهم من ينام ليلا وبعضهم من ينام نهارا، فهناك مجموعتان مختلفتان، فالذي تراه في النهار لن تراه في الليل، حتى المحلات تجد الذي يعمل في النهار ليس الذي يعمل في الليل، خاصة وأن القاهرة شعبها لا ينام فالحركة ليلا ونهارا، والزحمة هي على مدار الـ42 -24 سا·
نحن الآن في صبيحة يوم اللقاء، مدينة نصر، تعج بحركة المارة، وزحمة لا بعدها زحمة، إلى درجة أن مسافة كيلومترا واحدا قد لا تقطعه في ساعة، الأمر الذي اضطرني إلى المشي على الأقدام، مسافة 7 كلم، رافضا ركوب سيارات الأجرة بعد أن سئمت من كلام أصحابها· الجميع كان يغني بحياة مصر، والجميع كان ينبذ منتخبنا الوطني، والكثير من الجماهير كان يضع على وجهه لون منتخب مصر، الأسود والأبيض والأحمر، حتى النسوة منهن كن حاملينالعلم المصري وهن يرددن بحياة مصر·
تعجبت من تعصب العديد من المصريين ومن طريقة أغانيهم لمنتخب بلادهم، حيث لا يعرفون من الغناء إلى كلمتين فقط “مصر، مصر”·
فشتان بين الغناء الجزائري الذي يمجد منتخبنا الوطني، وغناء المصريين، فقلت آه لو جرت هذه المباراة بملعب 5 جويلية أو بملعب “النصر” تشاكر بالبليدة، لألحقنا شر هزيمة بمنتخب مصر·
لم أحس من بُعد المسافة·
الوصول إلى الملعب
بعد وصولي إلى الملعب، فضلت الدخول من المدخل المخصص للجمهور الجزائري، رغم توفري على بطاقة الاعتماد التي طلب مني وضعها على الصدر، إلا أنني خضعت إلى رقابة شديدة من طرف رجال الأمن المصري، إلى درجة أن أحدهم أدخل يده بداخل سروالي، وحين منعته من ذلك قال لي نحن مأمورين ياكابتن· فقلت أحترم نفسك ولا تفتشني مابين رجليّ، ضحك “المأمور” من كلامي وقال لي أنتم الجزائريون تتنرفزون بشدة دمكم حار جدا·
قبل وصولي إلىالمدرج الخاص بالجمهور الجزائري وجدت الجزائريين يتغنون بحياة المنتخب الوطني، الجميع رحب بي بعد أن علموا أنني صحفي قادم خصيصا لتغطية اللقاء، وطلب مني الكثير منهم أن أكتب عن ما تعرضوا له منذ وصولهم إلى القاهرة من ضرب واستفزازات من طرف المصريين·
لقاء على الأعصاب اكتمل بجحيم
فور انطلاق اللقاء الذي تمكن المنتخب المصري فيه من فتح باب التسجيل في أولى دقائقه، حتى راح الجزائريون يعدون الثانية بالساعة خشية أن يتعرض منتخبنا لهدف يرغمه لخوض لقاء فاصل إذا انتهت المباراة بفارق هدفين لمصر، أو يقصيه من التأهل إلى المونديال إذا انتهت المباراة بفوز مصر 3 - 0·
59 دقيقة من اللقاء كانت بالنسبة لنا بملعب ناصر أشبه بضعف عمري الذي يفوق الثمانين سنة، وكم حزنها بعد تلقي شباك قاواوي هدفا ثانيا في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، وهو الهدف الذي سيرغم المنتخبين بخوض لقاء فاصل في العاصمة السودانية الخرطوم·
بعد أن اكتمل اللقاء، بفوز منتخب مصر 2 - 0، طلب رجال الأمن منا البقاء على المدرجات، خشية تعرضنا إلى مكروه من طرف الجمهور المصري·
بداية الجحيم
بعد حوالي 54 دقيقة من البقاء بداخل ملعب ناصر، عفوا بمدرجات الملعب، طُلب منا الخروج بهدوء، الجميع امتثل لقرارات رجال الأمن، خاصة وأن الطريق المؤدي إلى مخرج الملعب تم بحراسة أمنية مشددة، لكن ياليت لو استمرت الحراسة إلى ما بعد ذلك·
وبما أن كل شيء كان مخططا من طرف المصريين، حتى من كبار الدولة في حكومة حسني مبارك، تم إخلاء الجمهور الجزائري فور وصول عدد كبير من الجمهور الجزائري بمحاذاة الحي الذي يقابل ملعب ناصر، وهناك تم إخلاء سبيل الجمهور الجزائري·
فور تراجع رجال الأمن إلى الوراء وذهاب الكثير منهم تعرض الجمهور الجزائري إلى هجوم كاسح من طرف الجمهور المصري الذي كان ينتظر الجزائريين، حيث لم يرحموا صغيرا ولا كبيرا، النسوة الفتيات تعرضوا إلى طرق لا يمكن وصفها لكم، إنها مشاهد رعب حقيقية، فعلى مدار سبع ساعات كاملة لم يتحرك أي مسؤول جزائري إلى حيث كان فيه الجمهور الجزائري يتعرض إلى بطش المصريين، حيث تم اغتصاب كما قيل لي العديد من الفتيات، كما تم تجريد العديد من الجزائريين من لباسهم حتى الداخلي، ولم يكتف المصريون بذلك، بل راحوا يرفضون سيارات الأجرة لنقل الجزائريين المصابين للمصحات الطبية لتلقيهم الإسعافات، وبعد أن حدث الذي حدث، قدم سفير الجزائر بالقاهرة إلى مكان “الجريمة” لكن بعد فوات الأوان، بعد أن أشبع المصريون غليل بطشهم في الجمهور الجزائري، وبما أنني مصدوم لما شاهدته، أقول أنا على يقين لو يشاهد الجزائريون تلك المشاهد، سيقصدون مصر مشيا على الأقدام من أجل الثأر لما تعرضت له بناتنا ورجالنا وأطفالنا ونسائنا وتنديس علم بلدنا·
واعتذر لكم إن وضعت نقطة النهاية لأنني غير قادر على مواصلة الكتابة، لكن أعدكم لاحقا بنقل مشاهد الموت من أرض مصر·