يزداد عدد مستخدمى التقنية فى الوطن العربى بمعدلات ضخمة ، وتتسارع وتيرة الحوكمة الإلكترونية بشكل غير مسبوق ، كما وتسعى قطاعات الأعمال الصغيرة والمتوسطة لإدارة مشاريعها وأرقامها إعتمادا على الحلول التقنية وبعيدا عن الأوراق ، ويسير كل هذا مدفوعا بمعدلات نمو كبيرة فى البنية التحتية لشبكات الأتصالات فى أغلب الدول العربية . ومع هذا الحراك الضخم الذى دارت عجلته فى السنوات العشر الأخيرة ، ثم تسارعت بشكل غير مسبوق فى السنوات الخمس الأخيرة ، تغيرت السوق التقنية العربية بشكل كبير وظهرت الكثير من الظواهر والسلوكيات التى أثرت ومازالت تؤثر على قطاع التقنية ككل فى الوطن العربى.
[ALT="سوق التقنية العربى بين الواقع والتحديات"]http://i222.photobucket.com/albums/dd226/isolde123456789/NMISR/Tech_zps626f8e2b.jpg[/ALT]
انطلقت السوق العربية إلى التقنية بشكل مفاجئ إلى حد كبير ، ما غير كثير من المفاهيم والأفكار والمتغيرات حول السوق التقنية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وجعل كل المتعاملين فى السوق يغيرون من خططهم وأساليبهم المختلفة سعيا لتحقيق مكاسب متنوعة.
لا يمكن أن نمر إلى السوق العربية ببساطة دون أن نستعرض بعض الخلفيات الهامة. ولعل أول تلك الخلفيات التى يجب أن نستحضرها هى بداية إنطلاق التقنية الحاسوبية فى الوطن العربى ، ففى منتصف التسعينات بدأت أجهزة الكمبيوتر الشخصى تظهر فى الأسواق بشكل كبير ، ولم تكن وقتها بتلك الجاذبية المبهرة ، فقد كانت أنظمة دوس وأنظمة ويندوز القديمة هى المتوفرة ، وكانت الأجهزة فى ذلك الوقت باهظة التكاليف ، وغير معلومة المكونات لعموم الناس. ومع اقترابنا من نهاية القرن بدأت الأمور تتطور بشكل أسرع وبدأ بعض العموم يفهم مكونات الحاسوب البسيطة كالقرص الصلب وسواقة الأقراص الضوئية والمعالج لكن لا تغفل أن التكاليف كانت ما تزال باهظة سواء عند الشراء أو التصليح ، واستعان التجار وقتها بمفهوم الغموض العبقرية ، والتى تعنى اللعب على أن هذه تقنيات معقدة وكأنها جاءت من عوالم فضائية ولا يعمل بها إلا خبراء لا يشق لهم غبار ، بل إن بعض فنيى الصيانة فى تلك الفترة كان يوهم العميل بأن عملية إعادة تثبيت نظام التشغيل هى عملية معقدة ، ولو فشلت فربما يضطر لإرسال الجهاز خارج الدولة. تلك المرحلة كانت أشبه بالعصر الحجرى للحاسوب فى الوطن العربى ، وكان يعيبها أن التجار وبائعى التجزئة لم ينقلوا المعرفة الصحيحة والمفيدة للمستهلكين ، واكتفوا بتحقيق مكاسب خيالية مبنية فى الأساس على قلة وعى المستهلكين.
مع انتشار الأنترنت وسعى الحكومات لتأصيل المعرفة الأولية بأنظمة الحاسب الإلكترونية ، وبدء الإنتقال التدريجى إلى الحكومات الإلكترونية ، وبدء تطبيق أنظمة إلكترونية بالكامل فى قطاعات عريضة فى الوطن العربى كبنوك وشركات استثمارية وعقارية وهندسية ، بدأت الرغبة الملحة من المستخدم لامتلاك جهاز حاسب منزلى ، ولعل الإحصائيات تشير إلى مدى تسارع نسبة من يمتلكون حاسبات شخصية فى الوطن العربى مطلع القرن الحالى ، وتلت تلك المرحلة جهود متسارعة وحثيثة من الحكومات العربية من أجل توفير بنية اتصال رخيصة بالإنترنت ، بل إن دولا مثل مصر قدمت أجهزة بالتقسيط لدفع المزيد من المواطنين لامتلاك حواسيب منزلية. وهذه الثورة التى شهدتها العشر سنوات الماضية كفيلة بتغيير كل المفاهيم والسلوكيات التى يسير عليها سوق التقنية فى الوطن العربى ، وأفرزت تلك الفترة الكثير من الظواهر بعضها جاء مصحوبا بظواهر عالمية ، وبعضها جاء مبنيا على ثقافتنا وكيفية تعاملنا مع سوق التقنية.
يلزم توافر الوعى التقنى لدى المستهلكين بما يضمن لهم القدرة على الشراء الجيد واختيار المنتجات الصحيحة بعيدا عن الأهوائية أو النصائح المشكوك فيها. وكذلك تقييم المنتجات بحيادية وفقا لاستهلاك صحيح وليس ضربا من ضروب الإشاعات والأحكام الأهوائية. ولعل ما يزيد من درجة وعى المستهلك العربى بشكل أو بآخر هو توفير منابر متعددة لتوفير هذا الوعى ، بأتى فى مقدمتها المواقع التقنية والمدونات ومجموعات المثقفين على الإنترنت ، والصحف والمجلات المطبوعة التى تعطى أرقاماً ونتائجاً صحيحة وحقيقية وليست مجرد صورا واختبارات تتماشى مع رغبات دافعى الإعلانات. كما ويجب أن يتوافر لدى البائعين ثقافة توفير المعلومة والنصيحة بشكل دقيق وموثوق. ولعل من المآخذ التى يتوقف عندها الكثير من المستهلكين هى أحجام البائعين عن ذكر النصيحة الحقيقية للمشترى ، فمثلاً قلما تجد البائع يضع للمستهلك توزيعة أو قائمة مشتريات تتوافق مع حقيقة استهلاكه ، لكنها فى الحقيقة تكون ضمن البحث عن ربح مادى محترم أو تصريفا لبعض المنتجات التى لا تحقق مبيعات بدعوى أنها الأفضل فى السوق. وهذه العوامل السابق ذكرها لو تم تنفيذها أو العمل ضمن إطارها بشكل صحيح فإنها قد تضمن بشكل أو بآخر توافر وعى جيد للمستهلكين يمكنه أن يوفر الكثير من الأموال التى تدار وتستنزف بطريقة خاطئة فى سوق التقنية.
لا يكاد المستهلك يشترى منتج جديد حتى يخرج إلى النور منتج آخر بقدرات أعلى وبثمن يقارب ثمن المنتج الذى اشتراه وبنفس الحال لا يكاد بائع التجزئة يعرض منتجات جديدة حتى تأتى منتجات أحدث وبسعر مقارب ، مما يفقد المنتج الأقدم سعره الحقيقى وقيمته الكلية. وهذه السياسات التى تتبعها بعض الشركات فى إصدار نسخ متعددة من المنتجات قد يضع المستهلكين عموما فى دائرة الحيرة وعدم القدرة على الإختيار الصحيح ، ولكن لأوضح هذه النقطة بشكل مفهوم أكثر دعنى أسألك سؤالا : ما هو أفضل جهازمحمول من سامسونج حاليا؟ الحقيقة أن الأجابة محيرة فى ظل مئات الموديلات التى تخرج علينا ربما كل يوم. ماذا لو انتقلنا إلى عائلات بطاقات الشاشة والذواكر واللوحات الأم. كم عدد المنتجات الذى تخرج علينا بشكل متسارع؟ وكم بائعا لديه القدرة على التصنيف وجمع معلومات استخدام صحيحة من السوق ليعطى لنفسه أرقاما تجارية تستحق المجازفة فى المستقبل من أجل منتج بعينه؟
إن تسارع وتيرة المنتجات أصبح يفرض الكثير من الحذر على تجاز التجزئة فى أغلب الاحيان خوفا من المخاطرة بشراء كميات كبيرة ، وفى ذات الوقت أصبح يضع عبئا إضافيا على مجتمعات التقنية المهتمة بعرض وتحليل وتقييم المنتجات لتوفير معطيات وأرقام صحيحة للمستهلك ، كما وأنه أصبح يضع المستهلك العادى فى حيرة كبيرة أمام عشرات الأختيارات التى تدور فى محور جهاز منزلى بتكلفة ألف دولار فقط.
كالمعتاد فإن الوجه الآخر للعملية يقول دائما أن تسارع وتيرة المنتجات وتعددها هو إنعكاس حقيقى لكم التطور الهائل فى التكنولوجيا الذى يظهر كل يوم ، مما دفع الشركات للتعجيل بإنتاج قطع هاردوير أو منتجات تقنية تحوى هذا الكم من الإكتشافات والتقدم ، إما من أجل تحقيق مكاسب بيع بالأسبقية ، أو لضمان التواجد المستمر فى السوق تحت شعار الأحدث والأقوى والأكثر تطورا ، ومؤيدى هذا التيار يؤكدون فى نقاشاتهم أن هذه الوتيرة المتسارعة فى ظهور المنتجات وتعددها تضع خيارات متعددة للمستهلك تتناسب مع كم احتياجاته وميزانيته المرصودة لعملية التحديث أو الشراء.
ربما وجهتا النظر متقاربتان لكن يبقى المستهلك هو المحور الاساسى فى العملية التصنيعية والترويجية بشكل أو بآخر ، ولعلنا لو استمرينا فى الأخد بنظرية الهواتف المحمولة للتقريب على القارئ لوجدنا أن انجذاب المستخدم لهواتف سامسونج وأبل أكثر من هواتف نوكيا ، تؤكد أن منتج واحد متعدد المزايا يظهر مرة واحدة أفضل بكثير من طرح كل ميزة جديدة فى منتج جديد فقط للحصول على سابقة قد لا تتعدى الصحافة.
طبعا السوق التقنية شديدة الإغراء ، ولو أننا تناولنا القصة منذ بداية ظهور الحواسيب فى المنطقة العربية لوجدنا أن حواسيب صخر الشهيرة كانت مغرية جدا ، وكنا وقتها نبحث عن الألعاب الجديدة لها رغم قلتها ، وحتى عند ظهور السواقات والاقراص الضوئية القابلة للكتابة فقد كنا نشعر وأن العالم أصبح فى متناول أيدينا وأننا حصلنا على أكثر بكثير مما نحلم به. لم تتوقف الأحلام ولم تتوقف الأختراعات ولم ولن تتوقف المغريات. حتى فى اليوم التالى لشراء حاسوبك الجديد ، ستظل تنظر بعين المقارنة إلى بطاقة الشاشة التى استغنيت عنها من أجل فارق سعر لم تسعفه ميزانتيك ، بل وربما قد لا تكون فى حاجة ماسة أحيانا إلى قرص صلب بمساحة 2 تيرا بايت ، إلا أن الأغراء يدفعك لامتلاكه ودفع تكاليف إضافية لهذا.
إن مغريات السوق التقنية تندرج ضمن أكثر المغريات إسالة للعاب المستهلك ، وتسير بالتوازى مع مغريات الأناقة والسيارات. ويعتبرها البعض وجها آخر للتميز الإجتماعى أو الطبقى ، فإمتلاك حاسوب قوى أو حاسوب محمول من أبل أو جهاز آيفون هى إحدى وسائل إثبات التميز لدى البعض رغم جهله أصلا بكم ما يحمله المنتج من خدمات ، وعدم استغلاله لأى من تلك المميزات الموجودة فى طيات هذه الإختراعات. والمغريات التقنية تلك أو غيرها تعتمد فى الاساس على سمعة المنتجات وجاذبيتها الشكلية أحيانا ، وكذلك على الترويج الجيد من قبل الشركات والوكلاء ، وأخيرا على الإنطباع السائد لدى عموم المستهلكين كألعاب الحاسب مثلا. وفى منطقتنا العربية تبقى مغريات السوق أحد أهم الأسلحة التى يلعب عليها تجار التجزئة لتحقيق مكاسب من الطرح الأولى للمنتج ، كما حدث مثلا عندما تم طرح أجهزة آى باد فى أسواق الإمارات بضعف سعرها الموجود فى أمريكا. ويمكنك القياس على هذا فى كثير من المنتجات التى كانت تباع بأضعاف ثمنها الحقيقى فور نزولها فى السوق المصرية منذ خمس أو ست سنوات. ولكن ربما زيادة وعى المستهلك قلل من تضخيم التجار فى تحقيق مكاسب خيالية من الطرح الأولى للمنتج ، خصوصا فى الأسواق المصرية.
إن المغريات التقنية وصلت ذروتها فى فترة ما قبل الأزمة العالمية عندما وصل السوق إلى قمة التضخم ، ولكن بعد أن حصدت البطالة والأزمة المالية كل الجيوب وبات المستهلك يفكر بجيبه قبل أن يفكر بغريزته ، فقد أصبح لزاما على الشركات إعادة التفكير فى طرق دعائية جديدة تلعب على غريزة المستهلك بشكل أكبر ، ولا يمكن تحقيق هذا دون توفير قفزات تقنية مباغته تفرض على المستخدم التفكير بضرورة التحديث أو الشراء مهما كانت التكاليف بدعوى أن هذه التقنية هى الشئ الذى كنا ننتظره منذ الحرب العالمية الثانية. وأنه قد أصبح سخيفا أن تعيش دون وجود هذه التقنيات الجديدة فى بيوتنا أو بين ايدينا. نعم هذا أحد الحلول التى أراها جوهرية مستقيا ذلك من ثورات تقينة ماضية كانت تجرنا جرا إلى الشراء دون تفكير ، كظهور أجهزة أتارى أو ظهور جهاز الووكمان من سونى الذى اشتراه الملايين حول العالم فقط لأنه أعطانا شيئا جديدا لم يكن موجودا من قبل ، والآن أرى الأجهزة اللوحية مثل آى باد وسامسونج نوت تحقق تلك المعادلة.
كما تحدثنا من قبل عن أن الوعى التقنى يعمل على تحسين وضع السوق التقنية فى الوطن العربى فإن الشفافية فى البيع لها دورها الإيجابى فى بيع القطع المناسبة للزبون المناسب ، بل والثقة التى يمكن أن يتبادلها البائع والمشترى على طول الخط ، ولكن كيف تحقق الشفافية ؟ هذا السؤال الذى يطرحه أصحاب المحلات والوكلاء , والأجابة تكمن فى استخدام أيد عاملة ماهرة تفهم المنتجات جيدا وتجيد التعامل مع العميل ، فغالبا ما يتظاهر خبراء الهاردوير بالغباء التقنى فقط ليعرف ما يقدمه البائع من معلومات ، بل إن أكثر أخطاء السوق العربية فحشا هو التعامل مع المستهلكين على أنهم قطيع من الخراف يمكن الضحك عليهم بسهولة ، واستنزاف مواردهم بحركات كتلك التى يقدمها بهلونات السيرك. رغم أن جهل بعض المستهلكين قد يتحول إلى سمعة سيئة فور معرفتهم بالمعلومات الحقيقية والأسعار الحقيقة يوما ما.
فى الفترات القليلة الماضية حققت بعض شركات السيارات فى منطقة الخليج قفزات هائلة فى أرقام البيع لأنها قدمت صيانة مجانية حتى 100 ألف كيلومتر ، وفى قمة الأزمة المالية حققت تلك الشركات التى تبيع سيارات فارهة معادلة يبحث عنها المستهلك كثيرا.
إن خدمة ما بعد البيع عموما هى الطريق الصحيح لقلب المستهلك. وإذا كانت شركات التقنية تسعى إلى الحصول على قاعدة عريضة من المستخدمين ذوى الولاء كما يقولون فعليها أن تعيد النظر بل وتخطط جيدا لخدمات ما بعد البيع ، وتتعدد تلك الخدمات ما بين التصليح المجانى واستبدال المنتجات التالفة ، بل وأحيانا استبدال المنتج القديم بآخر جديد بفارق مالى جيد ، وما إلى ذلك من تلك الأساليب الترويجية طويلة الأمد التى تضع الشركات على قائمة الشركات الموثوقة ، لأن المستهلك يريد من يتحدث معه بصراحة ، فهو على الرغم من العيوب الصناعية فى سيارات تويوتا إلا أنه سيظل يركبها ، لأن الشركة سحبت كل ما يمكن أن يضر بسلامته وتعاملت معه بشفافية ، واستبدلت منتجه بكل ثقة وأمانة. ولأن الشركة التزمت بسلامته حتى بعد البيع.
قد لا يكون واضحا لعموم المستهلكين مدى الصراع الذى يستعر بين تجار التجزئة وبعضهم أو بين الوكلاء ، لكن لعل صراع الشركات العملاقة يظهر بشكل أو بآخر عبر الصحافة وقنوات الإعلام المختلفة ، بينما صراعات الصغار تبقى دوما فى الكواليس. وهناك العديد من الأساليب التى ينتهجها بعض التجار كإساءة السمعة وتشوية منتجات الخصوم ، وقد يصل إلى حد إغراق المنتجات أو حرقها بثمن بخس.
إن صراعات التجار وبعضهم البعض قد تؤدى إلى وصول منتجات غير أصلية إلى المستهلك ، أو بيع منتجات دون ذكر لمواصفاتها الحقيقة ، أو حتى عزوف المستهلكين عن شراء منتجات محترمة نتيجة إشاعات وهمية ، ولهذه الأمور عدة تأثيرات سلبية على السوق بوجه هام نذكر منها : إنعدام الثقة بين البائع والمشترى ، إنعدام الشفافية فى عمليات البيع وإعتماد التجار على خطف الزبون مهما كان الثمن ، وكذلك تضاؤل المعلومات الحقيقية المتداولة فى أوساط السوق حول المنتجات كإظهار عيوب بعينها وإخفاء عيوب أخرى ، وينتهى الأمر إلى تقديم خدمات ما بعد البيع بطريقة مزرية تضر بقطاع التقنية عموما.
ولو أننا نظرنا إلى الأمور من الناحية المؤسسية ، فإن صراعات التجار فى السوق عندما تدخل فى مرحلة المناقصات والتورديات للقطاعات الحكومية أو الخاصة ، فإنك ستقف على مأساه حقيقة تحرم شعوبا كاملة من التمتع بتقنيات حقيقية ومن تقدم تقنى حقيقى ملموس. فتخيل توريد أجهزة لمدارس حكومية مثلا بمواصفات دنيا ، فلا يمكن استخدامها أو استغلالها بشكل صحيح أو تعرض معظمها لأعطال لرداءة مكوناتها ، وتخيل لو أن تلك الأجهزة هى أجهزة طرفية فى مصالح حكومية هامة ، وكم الوقت الذى سيقضيه الفنيون فى معالجة وإصلاح أجهزة فاسدة.
تم عمل بحث ميدانى حول رأى المستهلكين والتجار فى ما يجرى فى السوق الآن والحقيقة أن أغلب الردود كانت تتحدث عن السوق المصرى خاصة وأنه أكبر سوق عربى فى الهاردوير من حيث عدد المستخدمين. ولقد تباينت الردود فى بعض المواقف لكنها أجمعت على بعض النقاط الهامة التى تحتاج منا فعلا إلى وقفة هامة. أو تلك النقاط كانت الوعى التقنى ، والتى أجمع عليها كل المشاركين فى النقاش ، وأوضحت إلى أى مدى يعانى السوق من إنعدام المعرفة بالمنتجات والمواصفات بل أحيانا إلى الحد الأدنى من المعلومات لدى كل من البائع والمشترى ، بل اشتكى البعض من استمرار سيطرة الكثير من الشائعات القديمة على عقول المستهلكين.
كذلك فقد أجمع الكثيرون على إنعدام الثقة بين المتعاملين ، وهو أمر يمثل كارثة حقيقة فى أى سوق تقنى ، فإنعدام الثقة يعنى عزوف المستهلك عن الإستماع لنصائح البائع ، وعدم ثقته فى أى بدائل يطرحها البائع يمكنها أن تحقق فارق سعر أو أداء لمصلحة المشترى ، ما قد يعيد إلى الأذهان فترة عصر الإنفتاح فى مصر إبان السبعينات ، والتى سادت فيها معتقدات خاطئة بأن كل الباعة محتالون ، إن هذا لا ينفى تهمة الإحتيال عن البعض والتى اشتكى منها باعة شاركوا فى النقاش ، لكن إنعدام الثقة من شأنه أن يضع قيودا وعراقيل من أجل الإسراع أو المضى قدما فى مرحلة تحول البائع من مجرد جاهل إلى شخص مثقف جاهز للمساعدة والنصح ويمكنه أن يزيد من المعرفة التقنية للمشترى. إن هذه المشكلة التى تبدو مروعة قد تضطر أرباب الأعمال إلى البحث عن بائعى كلام وليس بائعى تقنية ، ما قد يزيد من الفجوة بين طرفى المستهلكين والبائعين.
إحدى المشكلات الأخرى هى الضمان ، فالبعض يتحدث عن فترات الضمان وكيف أنها مازالت دون المستوى سواء فى فترة الضمان نفسها أو حتى فى طريقة تعامل المستهلك مع الضمان واعتقاده بأن الضمان حق مكفول يجب أستغلاله حتى لو اضطر لاتلاف القطعة عمدا.
على الجانب الأبيض من النقاش كان هناك اجماع على تحسن السوق بشكل كبير ، خاصة مع وجود تنافس بين التوكيلات المختلفة ، ومع توفر قطع هاردوير متعددة ووصولها للأسواق فى مواعيد مناسبة جدا ، وكذلك تحسن نسبة الوعى التقنى ولو بشكل ضئيل عن السابق.
الجدير بالذكر أن آخر الإحصائيات أشارت إلى أن عدد مستخدمى الإنترنت فى الوطن العربى قد تجاوز 56 مليونا ، وأن مصر وحدها تحوى أكثر من 22 مليون شخص متصل بإنترنت ، ما يعنى بشكل أو بآخر أن هناك نموا غير مسبوق فى أعداد مستخدمى الحواسيب ، ونموا آخر بالتوازى فى عدد مستخدمى الإنترنت ، وهذا كله يضع على عاتق المواقع الإلكترونية التقنية وصناع المحتويات العربية كاهلا كبيرا من أجل نشر مزيد من الوعى التجارى بين أوساط المستهلكين والتجار ، استغلالا لهذا العالم مفتوح الآفاق.
[ALT="سوق التقنية العربى بين الواقع والتحديات"]http://i222.photobucket.com/albums/dd226/isolde123456789/NMISR/Tech_zps626f8e2b.jpg[/ALT]
قبل البدء
انطلقت السوق العربية إلى التقنية بشكل مفاجئ إلى حد كبير ، ما غير كثير من المفاهيم والأفكار والمتغيرات حول السوق التقنية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وجعل كل المتعاملين فى السوق يغيرون من خططهم وأساليبهم المختلفة سعيا لتحقيق مكاسب متنوعة.
لا يمكن أن نمر إلى السوق العربية ببساطة دون أن نستعرض بعض الخلفيات الهامة. ولعل أول تلك الخلفيات التى يجب أن نستحضرها هى بداية إنطلاق التقنية الحاسوبية فى الوطن العربى ، ففى منتصف التسعينات بدأت أجهزة الكمبيوتر الشخصى تظهر فى الأسواق بشكل كبير ، ولم تكن وقتها بتلك الجاذبية المبهرة ، فقد كانت أنظمة دوس وأنظمة ويندوز القديمة هى المتوفرة ، وكانت الأجهزة فى ذلك الوقت باهظة التكاليف ، وغير معلومة المكونات لعموم الناس. ومع اقترابنا من نهاية القرن بدأت الأمور تتطور بشكل أسرع وبدأ بعض العموم يفهم مكونات الحاسوب البسيطة كالقرص الصلب وسواقة الأقراص الضوئية والمعالج لكن لا تغفل أن التكاليف كانت ما تزال باهظة سواء عند الشراء أو التصليح ، واستعان التجار وقتها بمفهوم الغموض العبقرية ، والتى تعنى اللعب على أن هذه تقنيات معقدة وكأنها جاءت من عوالم فضائية ولا يعمل بها إلا خبراء لا يشق لهم غبار ، بل إن بعض فنيى الصيانة فى تلك الفترة كان يوهم العميل بأن عملية إعادة تثبيت نظام التشغيل هى عملية معقدة ، ولو فشلت فربما يضطر لإرسال الجهاز خارج الدولة. تلك المرحلة كانت أشبه بالعصر الحجرى للحاسوب فى الوطن العربى ، وكان يعيبها أن التجار وبائعى التجزئة لم ينقلوا المعرفة الصحيحة والمفيدة للمستهلكين ، واكتفوا بتحقيق مكاسب خيالية مبنية فى الأساس على قلة وعى المستهلكين.
مع انتشار الأنترنت وسعى الحكومات لتأصيل المعرفة الأولية بأنظمة الحاسب الإلكترونية ، وبدء الإنتقال التدريجى إلى الحكومات الإلكترونية ، وبدء تطبيق أنظمة إلكترونية بالكامل فى قطاعات عريضة فى الوطن العربى كبنوك وشركات استثمارية وعقارية وهندسية ، بدأت الرغبة الملحة من المستخدم لامتلاك جهاز حاسب منزلى ، ولعل الإحصائيات تشير إلى مدى تسارع نسبة من يمتلكون حاسبات شخصية فى الوطن العربى مطلع القرن الحالى ، وتلت تلك المرحلة جهود متسارعة وحثيثة من الحكومات العربية من أجل توفير بنية اتصال رخيصة بالإنترنت ، بل إن دولا مثل مصر قدمت أجهزة بالتقسيط لدفع المزيد من المواطنين لامتلاك حواسيب منزلية. وهذه الثورة التى شهدتها العشر سنوات الماضية كفيلة بتغيير كل المفاهيم والسلوكيات التى يسير عليها سوق التقنية فى الوطن العربى ، وأفرزت تلك الفترة الكثير من الظواهر بعضها جاء مصحوبا بظواهر عالمية ، وبعضها جاء مبنيا على ثقافتنا وكيفية تعاملنا مع سوق التقنية.
الوعى التقنى
يلزم توافر الوعى التقنى لدى المستهلكين بما يضمن لهم القدرة على الشراء الجيد واختيار المنتجات الصحيحة بعيدا عن الأهوائية أو النصائح المشكوك فيها. وكذلك تقييم المنتجات بحيادية وفقا لاستهلاك صحيح وليس ضربا من ضروب الإشاعات والأحكام الأهوائية. ولعل ما يزيد من درجة وعى المستهلك العربى بشكل أو بآخر هو توفير منابر متعددة لتوفير هذا الوعى ، بأتى فى مقدمتها المواقع التقنية والمدونات ومجموعات المثقفين على الإنترنت ، والصحف والمجلات المطبوعة التى تعطى أرقاماً ونتائجاً صحيحة وحقيقية وليست مجرد صورا واختبارات تتماشى مع رغبات دافعى الإعلانات. كما ويجب أن يتوافر لدى البائعين ثقافة توفير المعلومة والنصيحة بشكل دقيق وموثوق. ولعل من المآخذ التى يتوقف عندها الكثير من المستهلكين هى أحجام البائعين عن ذكر النصيحة الحقيقية للمشترى ، فمثلاً قلما تجد البائع يضع للمستهلك توزيعة أو قائمة مشتريات تتوافق مع حقيقة استهلاكه ، لكنها فى الحقيقة تكون ضمن البحث عن ربح مادى محترم أو تصريفا لبعض المنتجات التى لا تحقق مبيعات بدعوى أنها الأفضل فى السوق. وهذه العوامل السابق ذكرها لو تم تنفيذها أو العمل ضمن إطارها بشكل صحيح فإنها قد تضمن بشكل أو بآخر توافر وعى جيد للمستهلكين يمكنه أن يوفر الكثير من الأموال التى تدار وتستنزف بطريقة خاطئة فى سوق التقنية.
تسارع وتيرة المنتجات
لا يكاد المستهلك يشترى منتج جديد حتى يخرج إلى النور منتج آخر بقدرات أعلى وبثمن يقارب ثمن المنتج الذى اشتراه وبنفس الحال لا يكاد بائع التجزئة يعرض منتجات جديدة حتى تأتى منتجات أحدث وبسعر مقارب ، مما يفقد المنتج الأقدم سعره الحقيقى وقيمته الكلية. وهذه السياسات التى تتبعها بعض الشركات فى إصدار نسخ متعددة من المنتجات قد يضع المستهلكين عموما فى دائرة الحيرة وعدم القدرة على الإختيار الصحيح ، ولكن لأوضح هذه النقطة بشكل مفهوم أكثر دعنى أسألك سؤالا : ما هو أفضل جهازمحمول من سامسونج حاليا؟ الحقيقة أن الأجابة محيرة فى ظل مئات الموديلات التى تخرج علينا ربما كل يوم. ماذا لو انتقلنا إلى عائلات بطاقات الشاشة والذواكر واللوحات الأم. كم عدد المنتجات الذى تخرج علينا بشكل متسارع؟ وكم بائعا لديه القدرة على التصنيف وجمع معلومات استخدام صحيحة من السوق ليعطى لنفسه أرقاما تجارية تستحق المجازفة فى المستقبل من أجل منتج بعينه؟
إن تسارع وتيرة المنتجات أصبح يفرض الكثير من الحذر على تجاز التجزئة فى أغلب الاحيان خوفا من المخاطرة بشراء كميات كبيرة ، وفى ذات الوقت أصبح يضع عبئا إضافيا على مجتمعات التقنية المهتمة بعرض وتحليل وتقييم المنتجات لتوفير معطيات وأرقام صحيحة للمستهلك ، كما وأنه أصبح يضع المستهلك العادى فى حيرة كبيرة أمام عشرات الأختيارات التى تدور فى محور جهاز منزلى بتكلفة ألف دولار فقط.
كالمعتاد فإن الوجه الآخر للعملية يقول دائما أن تسارع وتيرة المنتجات وتعددها هو إنعكاس حقيقى لكم التطور الهائل فى التكنولوجيا الذى يظهر كل يوم ، مما دفع الشركات للتعجيل بإنتاج قطع هاردوير أو منتجات تقنية تحوى هذا الكم من الإكتشافات والتقدم ، إما من أجل تحقيق مكاسب بيع بالأسبقية ، أو لضمان التواجد المستمر فى السوق تحت شعار الأحدث والأقوى والأكثر تطورا ، ومؤيدى هذا التيار يؤكدون فى نقاشاتهم أن هذه الوتيرة المتسارعة فى ظهور المنتجات وتعددها تضع خيارات متعددة للمستهلك تتناسب مع كم احتياجاته وميزانيته المرصودة لعملية التحديث أو الشراء.
ربما وجهتا النظر متقاربتان لكن يبقى المستهلك هو المحور الاساسى فى العملية التصنيعية والترويجية بشكل أو بآخر ، ولعلنا لو استمرينا فى الأخد بنظرية الهواتف المحمولة للتقريب على القارئ لوجدنا أن انجذاب المستخدم لهواتف سامسونج وأبل أكثر من هواتف نوكيا ، تؤكد أن منتج واحد متعدد المزايا يظهر مرة واحدة أفضل بكثير من طرح كل ميزة جديدة فى منتج جديد فقط للحصول على سابقة قد لا تتعدى الصحافة.
مغريات السوق
طبعا السوق التقنية شديدة الإغراء ، ولو أننا تناولنا القصة منذ بداية ظهور الحواسيب فى المنطقة العربية لوجدنا أن حواسيب صخر الشهيرة كانت مغرية جدا ، وكنا وقتها نبحث عن الألعاب الجديدة لها رغم قلتها ، وحتى عند ظهور السواقات والاقراص الضوئية القابلة للكتابة فقد كنا نشعر وأن العالم أصبح فى متناول أيدينا وأننا حصلنا على أكثر بكثير مما نحلم به. لم تتوقف الأحلام ولم تتوقف الأختراعات ولم ولن تتوقف المغريات. حتى فى اليوم التالى لشراء حاسوبك الجديد ، ستظل تنظر بعين المقارنة إلى بطاقة الشاشة التى استغنيت عنها من أجل فارق سعر لم تسعفه ميزانتيك ، بل وربما قد لا تكون فى حاجة ماسة أحيانا إلى قرص صلب بمساحة 2 تيرا بايت ، إلا أن الأغراء يدفعك لامتلاكه ودفع تكاليف إضافية لهذا.
إن مغريات السوق التقنية تندرج ضمن أكثر المغريات إسالة للعاب المستهلك ، وتسير بالتوازى مع مغريات الأناقة والسيارات. ويعتبرها البعض وجها آخر للتميز الإجتماعى أو الطبقى ، فإمتلاك حاسوب قوى أو حاسوب محمول من أبل أو جهاز آيفون هى إحدى وسائل إثبات التميز لدى البعض رغم جهله أصلا بكم ما يحمله المنتج من خدمات ، وعدم استغلاله لأى من تلك المميزات الموجودة فى طيات هذه الإختراعات. والمغريات التقنية تلك أو غيرها تعتمد فى الاساس على سمعة المنتجات وجاذبيتها الشكلية أحيانا ، وكذلك على الترويج الجيد من قبل الشركات والوكلاء ، وأخيرا على الإنطباع السائد لدى عموم المستهلكين كألعاب الحاسب مثلا. وفى منطقتنا العربية تبقى مغريات السوق أحد أهم الأسلحة التى يلعب عليها تجار التجزئة لتحقيق مكاسب من الطرح الأولى للمنتج ، كما حدث مثلا عندما تم طرح أجهزة آى باد فى أسواق الإمارات بضعف سعرها الموجود فى أمريكا. ويمكنك القياس على هذا فى كثير من المنتجات التى كانت تباع بأضعاف ثمنها الحقيقى فور نزولها فى السوق المصرية منذ خمس أو ست سنوات. ولكن ربما زيادة وعى المستهلك قلل من تضخيم التجار فى تحقيق مكاسب خيالية من الطرح الأولى للمنتج ، خصوصا فى الأسواق المصرية.
إن المغريات التقنية وصلت ذروتها فى فترة ما قبل الأزمة العالمية عندما وصل السوق إلى قمة التضخم ، ولكن بعد أن حصدت البطالة والأزمة المالية كل الجيوب وبات المستهلك يفكر بجيبه قبل أن يفكر بغريزته ، فقد أصبح لزاما على الشركات إعادة التفكير فى طرق دعائية جديدة تلعب على غريزة المستهلك بشكل أكبر ، ولا يمكن تحقيق هذا دون توفير قفزات تقنية مباغته تفرض على المستخدم التفكير بضرورة التحديث أو الشراء مهما كانت التكاليف بدعوى أن هذه التقنية هى الشئ الذى كنا ننتظره منذ الحرب العالمية الثانية. وأنه قد أصبح سخيفا أن تعيش دون وجود هذه التقنيات الجديدة فى بيوتنا أو بين ايدينا. نعم هذا أحد الحلول التى أراها جوهرية مستقيا ذلك من ثورات تقينة ماضية كانت تجرنا جرا إلى الشراء دون تفكير ، كظهور أجهزة أتارى أو ظهور جهاز الووكمان من سونى الذى اشتراه الملايين حول العالم فقط لأنه أعطانا شيئا جديدا لم يكن موجودا من قبل ، والآن أرى الأجهزة اللوحية مثل آى باد وسامسونج نوت تحقق تلك المعادلة.
الشفافية فى البيع
كما تحدثنا من قبل عن أن الوعى التقنى يعمل على تحسين وضع السوق التقنية فى الوطن العربى فإن الشفافية فى البيع لها دورها الإيجابى فى بيع القطع المناسبة للزبون المناسب ، بل والثقة التى يمكن أن يتبادلها البائع والمشترى على طول الخط ، ولكن كيف تحقق الشفافية ؟ هذا السؤال الذى يطرحه أصحاب المحلات والوكلاء , والأجابة تكمن فى استخدام أيد عاملة ماهرة تفهم المنتجات جيدا وتجيد التعامل مع العميل ، فغالبا ما يتظاهر خبراء الهاردوير بالغباء التقنى فقط ليعرف ما يقدمه البائع من معلومات ، بل إن أكثر أخطاء السوق العربية فحشا هو التعامل مع المستهلكين على أنهم قطيع من الخراف يمكن الضحك عليهم بسهولة ، واستنزاف مواردهم بحركات كتلك التى يقدمها بهلونات السيرك. رغم أن جهل بعض المستهلكين قد يتحول إلى سمعة سيئة فور معرفتهم بالمعلومات الحقيقية والأسعار الحقيقة يوما ما.
الصيانه وخدمات ما بعد البيع
فى الفترات القليلة الماضية حققت بعض شركات السيارات فى منطقة الخليج قفزات هائلة فى أرقام البيع لأنها قدمت صيانة مجانية حتى 100 ألف كيلومتر ، وفى قمة الأزمة المالية حققت تلك الشركات التى تبيع سيارات فارهة معادلة يبحث عنها المستهلك كثيرا.
إن خدمة ما بعد البيع عموما هى الطريق الصحيح لقلب المستهلك. وإذا كانت شركات التقنية تسعى إلى الحصول على قاعدة عريضة من المستخدمين ذوى الولاء كما يقولون فعليها أن تعيد النظر بل وتخطط جيدا لخدمات ما بعد البيع ، وتتعدد تلك الخدمات ما بين التصليح المجانى واستبدال المنتجات التالفة ، بل وأحيانا استبدال المنتج القديم بآخر جديد بفارق مالى جيد ، وما إلى ذلك من تلك الأساليب الترويجية طويلة الأمد التى تضع الشركات على قائمة الشركات الموثوقة ، لأن المستهلك يريد من يتحدث معه بصراحة ، فهو على الرغم من العيوب الصناعية فى سيارات تويوتا إلا أنه سيظل يركبها ، لأن الشركة سحبت كل ما يمكن أن يضر بسلامته وتعاملت معه بشفافية ، واستبدلت منتجه بكل ثقة وأمانة. ولأن الشركة التزمت بسلامته حتى بعد البيع.
صراع التجار
قد لا يكون واضحا لعموم المستهلكين مدى الصراع الذى يستعر بين تجار التجزئة وبعضهم أو بين الوكلاء ، لكن لعل صراع الشركات العملاقة يظهر بشكل أو بآخر عبر الصحافة وقنوات الإعلام المختلفة ، بينما صراعات الصغار تبقى دوما فى الكواليس. وهناك العديد من الأساليب التى ينتهجها بعض التجار كإساءة السمعة وتشوية منتجات الخصوم ، وقد يصل إلى حد إغراق المنتجات أو حرقها بثمن بخس.
إن صراعات التجار وبعضهم البعض قد تؤدى إلى وصول منتجات غير أصلية إلى المستهلك ، أو بيع منتجات دون ذكر لمواصفاتها الحقيقة ، أو حتى عزوف المستهلكين عن شراء منتجات محترمة نتيجة إشاعات وهمية ، ولهذه الأمور عدة تأثيرات سلبية على السوق بوجه هام نذكر منها : إنعدام الثقة بين البائع والمشترى ، إنعدام الشفافية فى عمليات البيع وإعتماد التجار على خطف الزبون مهما كان الثمن ، وكذلك تضاؤل المعلومات الحقيقية المتداولة فى أوساط السوق حول المنتجات كإظهار عيوب بعينها وإخفاء عيوب أخرى ، وينتهى الأمر إلى تقديم خدمات ما بعد البيع بطريقة مزرية تضر بقطاع التقنية عموما.
ولو أننا نظرنا إلى الأمور من الناحية المؤسسية ، فإن صراعات التجار فى السوق عندما تدخل فى مرحلة المناقصات والتورديات للقطاعات الحكومية أو الخاصة ، فإنك ستقف على مأساه حقيقة تحرم شعوبا كاملة من التمتع بتقنيات حقيقية ومن تقدم تقنى حقيقى ملموس. فتخيل توريد أجهزة لمدارس حكومية مثلا بمواصفات دنيا ، فلا يمكن استخدامها أو استغلالها بشكل صحيح أو تعرض معظمها لأعطال لرداءة مكوناتها ، وتخيل لو أن تلك الأجهزة هى أجهزة طرفية فى مصالح حكومية هامة ، وكم الوقت الذى سيقضيه الفنيون فى معالجة وإصلاح أجهزة فاسدة.
رأى الناس
تم عمل بحث ميدانى حول رأى المستهلكين والتجار فى ما يجرى فى السوق الآن والحقيقة أن أغلب الردود كانت تتحدث عن السوق المصرى خاصة وأنه أكبر سوق عربى فى الهاردوير من حيث عدد المستخدمين. ولقد تباينت الردود فى بعض المواقف لكنها أجمعت على بعض النقاط الهامة التى تحتاج منا فعلا إلى وقفة هامة. أو تلك النقاط كانت الوعى التقنى ، والتى أجمع عليها كل المشاركين فى النقاش ، وأوضحت إلى أى مدى يعانى السوق من إنعدام المعرفة بالمنتجات والمواصفات بل أحيانا إلى الحد الأدنى من المعلومات لدى كل من البائع والمشترى ، بل اشتكى البعض من استمرار سيطرة الكثير من الشائعات القديمة على عقول المستهلكين.
كذلك فقد أجمع الكثيرون على إنعدام الثقة بين المتعاملين ، وهو أمر يمثل كارثة حقيقة فى أى سوق تقنى ، فإنعدام الثقة يعنى عزوف المستهلك عن الإستماع لنصائح البائع ، وعدم ثقته فى أى بدائل يطرحها البائع يمكنها أن تحقق فارق سعر أو أداء لمصلحة المشترى ، ما قد يعيد إلى الأذهان فترة عصر الإنفتاح فى مصر إبان السبعينات ، والتى سادت فيها معتقدات خاطئة بأن كل الباعة محتالون ، إن هذا لا ينفى تهمة الإحتيال عن البعض والتى اشتكى منها باعة شاركوا فى النقاش ، لكن إنعدام الثقة من شأنه أن يضع قيودا وعراقيل من أجل الإسراع أو المضى قدما فى مرحلة تحول البائع من مجرد جاهل إلى شخص مثقف جاهز للمساعدة والنصح ويمكنه أن يزيد من المعرفة التقنية للمشترى. إن هذه المشكلة التى تبدو مروعة قد تضطر أرباب الأعمال إلى البحث عن بائعى كلام وليس بائعى تقنية ، ما قد يزيد من الفجوة بين طرفى المستهلكين والبائعين.
إحدى المشكلات الأخرى هى الضمان ، فالبعض يتحدث عن فترات الضمان وكيف أنها مازالت دون المستوى سواء فى فترة الضمان نفسها أو حتى فى طريقة تعامل المستهلك مع الضمان واعتقاده بأن الضمان حق مكفول يجب أستغلاله حتى لو اضطر لاتلاف القطعة عمدا.
على الجانب الأبيض من النقاش كان هناك اجماع على تحسن السوق بشكل كبير ، خاصة مع وجود تنافس بين التوكيلات المختلفة ، ومع توفر قطع هاردوير متعددة ووصولها للأسواق فى مواعيد مناسبة جدا ، وكذلك تحسن نسبة الوعى التقنى ولو بشكل ضئيل عن السابق.
الجدير بالذكر أن آخر الإحصائيات أشارت إلى أن عدد مستخدمى الإنترنت فى الوطن العربى قد تجاوز 56 مليونا ، وأن مصر وحدها تحوى أكثر من 22 مليون شخص متصل بإنترنت ، ما يعنى بشكل أو بآخر أن هناك نموا غير مسبوق فى أعداد مستخدمى الحواسيب ، ونموا آخر بالتوازى فى عدد مستخدمى الإنترنت ، وهذا كله يضع على عاتق المواقع الإلكترونية التقنية وصناع المحتويات العربية كاهلا كبيرا من أجل نشر مزيد من الوعى التجارى بين أوساط المستهلكين والتجار ، استغلالا لهذا العالم مفتوح الآفاق.