إبراهيم عيسى يكتب: الكرامة المهدرة
مَنْ المسئول عما حدث للجماهير المصرية في السودان ؟
-النظام المصري هو المسئول عن كل لحظة توتر وليس فقط ذعر أو رعب أو إهانة أو إصابة مر بها أي مشجع مصري في الخرطوم، وذلك لأنه الذي شحن آلاف المصريين إلي هناك متفاخرا بأنه سيقيم جسرًا جويًا، وكأننا نذهب للحرب وليس لمباراة، ثم تباري منافقون كثيرون في الحشد والتعبئة وانساق الآلاف من الذين تصوروا أنهم ذاهبون لمهمة وطنية، فإذا بالنظام المصري لا يهمه إلا تأمين جمال مبارك وأحمد عز وليذهب الجميع إلي الجحيم (وقد ذهبوا إليه فعلا).. منتهي الفوضي والإهمال والعبث وغياب التنسيق والعشوائية وكأن هذا النظام ومسئوليه شخصيات مغيبة وبلا حول ولا قوة ويتعاملون مع المواطن المصري باسترخاص لقيمته وإهانة لقدره ويتحرق أو يولع، فلا أحد يرعاه ولا يطمئن عليه ولا يتابعه ولا يصونه أو يحميه، ما يهمهم هو السيد النجل والسادة المسئولون، لكن فين فرق الأمن التي ادعوا أنها ذاهبة لحماية الجماهير؟!، فين القوي الأمنية التي قيل إنها ذاهبة لتحصين وتأمين المواطنين المصريين في الخرطوم؟! أين جهازنا الأمني في أهم عاصمة عربية بالنسبة إلينا حين تنهال شائعات عن طبيعة خاصة لبعض الجماهير الجزائرية فكيف لم يحصل علي معلومات دقيقة وحقيقية؟!..
النظام المصري هو سر رخص المواطن المصري في عين الجميع، صرنا بلا قيمة ولا مكانة ولا هيبة ولا رهبة لأن حكمنا أهدر كرامتنا وهان المصري علي حكومته فهان علي الجميع، أليس نفس هذا الحكم بأشخاصه ومسئوليه هو الذي سكت تمامًا عن عشرات التوابيت التي كانت تحمل المصريين العائدين من عراق صدام حسين جثثًا وموتي دون أن يفتح فمه؟، أليس هذا النظام هو من تلقي مقتل سفيرنا في العراق دون رد فعل وبلا ردع سياسي علي الإطلاق، أليس هذا النظام هو الذي يصدِّر الخادمات والشغالات المصريات لدول الخليج ويسكت عن حوادث علي المصريين هناك بدعوي الحفاظ علي أكل عيشهم حتي تعود المصريون علي أكل عيش مغموس بالذل؟! فصار المصريون في الخارج أسوأ جاليات في التعامل داخلها وفي كم الأحقاد والغل والتفكك في علاقاتهم بعضهم ببعض وتنافسهم علي إرضاء الكفيل علي حساب الكرامة وبالب في زملائهم المصريين، واحترف المصريون دق الأسافين لبعض في الغربة، أليس النظام المصري بنفس شخوصه ومسئوليه هو الذي سكت سكوتا مخجلا ومهينا عن جلد المصريين في السعودية دون تدخل أو حتي تلمس التخفيف، حيث كان الحكم بالجلد مخالفًا حتي لمفهومهم عن الشريعة الإسلامية، أليس النظام المصري هو الصامت الساكت دوما عن إهانة المصريين في السعودية بالسجن والاحتجاز والفصل التعسفي وأصيب بالصمم والخرس عند طرد ليبيا مئات المصريين إلي الحدود ورميهم في معسكرات احتجاز؟!.. إن الحكم الرشيد هو الذي يقف داعماً لحق مواطنه المخالف والمخطئ قبل مواطنه المسالم، النظام المحترم هو الذي يصون حق السجين قبل أن يصون حق الحر، هو الذي يرعي مشجعًا ذهب ليرفع علم فريقه كما يرعي جندياً ذهب ليرفع علم بلاده.
سكت النظام إذن عن المقتولين المصريين في العراق والمجلودين في السعودية والمطرودين في ليبيا وعن الموبين في الجزائر.. فكانت الخرطوم ، لكن هذه الإهانات التي تلقاها المواطن المصري في الجزائر وفي السودان هي تعبير عادي وطبيعي عن إهانة النظام للشعب المصري نفسه، فالنظام الذي يعذب مواطنيه في الأقسام ويترك مواطنيه تحت خط الفقر ويرمي بمواطنيه في المعتقلات سنوات طويلة بلا محاكمة، والنظام الذي يهتك عرض مواطنيه في المظاهرات ويفخت عين شباب معارضيه، والنظام الذي يحكم بقانون الطوارئ مستخفا بكل الحقوق والقواعد القانونية، والنظام الذي ترك مواطنيه يشربون مياها ملوثة بالمجاري.. هل تتوقع أن يصون ويحمي ويرعي مواطنيه في الخارج؟!
إن اختيار مسئولينا الرياضيين الغُفل السودان في حد ذاته مكانًا للعب المباراة المحايدة تأكيد لانعدام التخطيط والقدرة علي قراءة الواقع الجغرافي والأمني لهذا البلد الشقيق الذي لم يكن مجهزًا لحدث متوتر وعصبي ومجنون، ثم الإهمال الفظيع والوضيع لحماية المصريين في السودان دليل آخر علي غياب العقل المنظم والاستراتيجي، فهؤلاء الذين شحنوا الجماهير عبر جسر جوي لم يقوموا بتأمين عودة جماهيرهم ولا مواعيد سفرهم ولا سعة مطار الخرطوم وإمكانياته، (بمناسبة السودان حكي لي مواطن مصري عن سودانيين وسط زحمة الرب والحصار وقذف الطوب قالوا للمشجعين المصريين: فاكرين مصطفي محمود، فظن المصري أنه يتكلم عن كاتبنا العظيم الراحل لكن السودانيين قالوا: ميدان مصطفي محمود، إشارة إلي ب المصريين للاجئين السودانيين في شارع جامعة الدول العربية والتعامل مع هؤلاء اللاجئين بفظاظة العنف وتعالي الغطرسة !!) وتتحرق الجماهير المصرية في الخرطوم وأعصاب أهاليها في مصر وكرامتنا التي تتم إهانتها في كل دقيقة أمام العالم كله، حيث يصرخ مصريون في ذعر ورعب من حصار جماهير جزائرية لهم في الشوارع وكأن صوت الاستغاثة هو ما سعي إليه البعض كي يظهر أنين المصري وخوفه وضعفه علامة علي اهتزاز دولة وتراجع وطن وهزال مواطن !
الذي يبعث علي الغم في هذا كله أكثر وأعمق هو أن يدير الإعلام الفضائي المصري مجموعة من محدودي الثقافة والذين يفخرون أمام الشاشات بأنهم لايفهمون في السياسة وتعاملوا مع الحدث الرياضي باعتباره حدثا وطنيا وذهبوا لنفس ما ذهب إليه الإعلام الجزائري من حماقة وغباوة، فكان صراعًا محزنًا وبائساً بين الغباوة والجهالة، وها هي الغباوة قد فازت واحد صفر في شوارع الخرطوم أما في استاد الخرطوم فمبروك لمنتخب الجزائر وشكرًا للمعلم حسن شحاتة أعظم مدرب مصري في تاريخ الوطن ولجيل منتخب مصر الرائع الذي أمتعنا وأشعلنا فرحًا ..شكرًا يا رجالة.