شن مسئولون جزائريون هجوما حادا ضد مصر حكومة وشعبا وذلك على خلفية الأحداث الأخيرة التي شهدتها مباراة كرة القدم بين منتخبي البلدين يوم الاربعاء الماضي في السودان ، حيث تعرضت الجماهير المصرية التي حضرت المباراة لهجوم بالأسلحة البيضاء من جانب الجماهير الجزائرية، مما تسبب في حالة من الذعر والقلق لكل المصريين، بمن فيهم بعض القيادات السياسية التي كانت في الملعب.
فقد أعلن عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية ان الجزائر لن تسمح بأي إهانة أو تطاول أو طعن في تاريخ شعبها، مؤكدا أن النظرة الاستعلائية لدى المصريين مرفوضة.
ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن بلخادم قوله في تصريح للصحافيين على هامش الاستقبال الذي خص به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لاعبي المنتخب الجزائري بعد عودتهم ببطاقة التأهل للمونديال من السودان، ليلة الخميس، ان ما يربط الشعبين الجزائري والمصري "أكبر بكثير من أن يتأثر بانفعال بعض المصريين".
وأشار إلى أنها في النهاية مجرد مباراة كرة قدم وما يربط الشعبين أكبر بكثير من ذلك، مشددا على أن الجزائريين كانوا ضيوفا على مصر في مباراة السبت الماضي ولم يكونوا معتدين.
وأكد أن "النظرة الاستعلائية ليست مقبولة"، موضحا أن الشعب الجزائري "يقدر كل شيء، لكن لا يقبل أن يهان أو يطعن في تاريخه وفي رموزه".
وبشأن المباراة التي فاز فيها المنتخب الجزائري على نظيره المصري، أشار بلخادم إلى أن "لاعبينا أثبتوا باحترافية في الميدان أنهم الأفضل والأقدر والأقوى في الكرة، وفي التعامل مع الآخر".
أما فيما يتعلق بإقدام الجزائر على تسهيل نقل أنصار "الخضر" إلى السودان، قال الوزير أن ذلك كان "بهدف الفوز في ميدان كرة القدم لا أكثر، بدليل أن المباراة كانت نظيفة والتحكيم كان نظيفا أيضا، وحتى الجمهور كان أيضا نظيفا ولم يقع أي شيء".
من جهة أخرى ندد مصدر دبلوماسي جزائري رفيع بعملية اقتحام السفارة الجزائرية في القاهرة، مؤكدا أن الجزائر لن تتسامح مع الذين أساؤوا إليها.
وأوضح المصدر لـ "القدس العربي" أن السلطات الجزائرية بصدد إعداد "قائمة سوداء" تتضمن أسماء إعلاميين وسياسيين وفنانين أساؤوا للجزائر حكومة وشعبا وتاريخا عبر الفضائيات المصرية التي تحولت إلى أبواق لشتم الجزائر، وأنها ستمنع هؤلاء من دخول الجزائر مستقبلا.
وأضاف المصدر ذاته أن الحكومة الجزائرية تدرك أن هناك محاولة لجرها إلى جدل عقيم، يريد البعض استغلاله لتغطية انهزام المنتخب المصري وفقدان بطاقة التأهل إلى المونديال، التي كانت ستمنح النظام المصري جرعة من الأكسجين، مشيرا إلى أن حكومة بلاده تدرك هذا الأمر وتعتقد أن كل هذا الضجيج شأن داخلي مصري لا علاقة للجزائر به.
وأشار إلى ان التهديدات التي يطلقها الإعلام المصري لا تخيف ولا تقلق، وأنه حتى وإن كانت الجزائر متمسكة بالعلاقات مع مصر، فإنها "لن تتحايل على القاهرة للإبقاء عليها إن شاءت هذه الأخيرة قطعها".
أما من الناحية الاقتصادية فإن الجزائر "غير متضررة، لأن الاستثمارات التي يتم الحديث عنها لا تمثل شيئا والشركات المصرية الموجودة في الجزائر حصدت المليارات من الدولارات مستغلة ثغرات كانت في القوانين، وكذا حسن نية السلطات"، حسب المصدر.
أما فيما يتعلق بالأنشطة الفنية التي أعلنت بعض النقابات مقاطعتها، أوضح أن الكثير من الفنانين المصريين "حظوا بتكريم لم يحصلوا عليه حتى في القاهرة، والجزائر دفعت ثمن ذلك من خزينة الدولة، وب فإن هذه المقاطعة ستوفر لنا الأموال التي كانت تصرف في تلك المناسبات".
وأوضح أن الاتجاه العام داخل القيادة السياسية في الجزائر هو تجاهل الضجيج الواقع في مصر، لأن العالم بأسره غير مهتم به، مؤكدا أن الجزائر منشغلة بالاحتفالات وبالنصر الذي حققه المنتخب في السودان أمام نظيره المصري ونجاحه في العودة بالفوز والتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا، بعد 24 سنة من الغياب عن هذه المنافسة الكروية.
في السياق ذاته اعلنت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان ان الجزائر استدعت الجمعة سفير مصر في الجزائر واعربت له عن "استغرابها وقلقها الشديد" من "التصعيد" في الحملة الاعلامية في مصر.
وأضاف البيان الذي نقلته وكالة الانباء الجزائرية ان وزير الخارجية مراد مدلسي كلف سفير مصر بـ "ابلاغ سلطات بلاده استغراب السلطات الجزائرية وقلقها الشديد من تصعيد الحملة الاعلامية" في مصر.
كما اعرب مدلسي عن "الامل في انهاء هذه الحملة لانها لا تخدم مصالح البلدين والشعبين".
وتحولت التوترات بين القاهرة والجزائر حول مباريات في كرة القدم للتأهل لكأس العالم 2010، والتي فاز فيها الفريق الوطني الجزائري، الأربعـاء، الى ازمة دبلوماسية بعد ان استدعت مصر سفيرها من الجزائر "للتشاور".
الجزائر تعتقل بعض المتورطين
في هذه الأثناء، قال مصدر دبلوماسى مصرى فى الجزائر لصحيفة "الشروق" المصرية المستقلة إن السفير المصرى، الذى استدعته مصر للتشاور، لم يغادر العاصمة الجزائرية إلى القاهرة حتى ظهر أمس، وإنه قد لا يقوم بذلك قبل اليوم السبت.
وأضاف المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه، أن السلطات الجزائرية استجابت لمطلب مصرى بالقبض على بعض الأفراد المشتبه فى تورطهم فى أحداث الشعب والاعتداءات على مشجعى المنتخب الوطنى فى الخرطوم. وتابع: "السلطات الجزائرية أبلغتنا بأنها ألقت القبض عليهم بالفعل وأنه سيتم التحقيق معهم عبر القنوات القانونية هناك".
في نفس السياق، تلقى وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط اتصالا من وزير خارجية الجزائر مراد مدلسى. وقال المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية السفير حسام زكى بأن أبوالغيط أعرب عن رفض مصر التام للاعتداءات التى وقعت ضد الجماهير المصرية فى الخرطوم وأكد لشقيقه الجزائرى أن مصر لا يمكن أن تسمح بتعرض المصالح الجزائرية على الأرض المصرية أو المواطنين الجزائريين لأى اعتداءات، وذلك فى معرض إثارة الوزير الجزائرى لمسألة مظاهر الغضب التى أبداها بعض المصريين فى المنطقة المحيطة بالسفارة الجزائرية فى القاهرة.
كان قرابة 7 آلاف مواطن قد تجمعوا ليلة أمس الأول أمام سفارة الجزائر وهددوا بإحراقها مطالبين بإنزال علم دولة الجزائر عن المبنى فورا وطرد السفير الجزائرى عقب اعتداءات المشجعين الجزائريين على المصريين بالسودان عقب خسارة المنتخب المصرى أمام نظيره الجزائرى الأربعاء الماضى.
وأصيب فى المواجهات التى حدثت بين الجماهير الغاضبة وقوات الأمن أمس أكثر من 200 مواطن و50 رجل أمن "ضباطا وجنودا"، وحالت قوات الأمن، التى بلغ قوامها 3 آلاف جندى و60 ضابطا وعددا من قوات منع الشغب، دون وصول أى من الجماهير إلى مبنى سفارة الجزائر الواقع فى شارع حسن صبرى بالزمالك.
وأصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه إن أجهزة الأمن المصرية سمحت للمواطنين المصريين الغاضبين بالتوجه لمقر السفارة الجزائرية بمنطقة الزمالك رافعين الأعلام المصرية "بأسلوب متحضر وملتزم إعرابا عن غضبهم واستنكارهم للأحداث المؤسفة التى أقدم عليها عدد من مشجعى فريق الجزائر خلال مباراتى مصر والجزائر".
وقال مصدر أمنى إن أجهزة الأمن حرصت على إتاحة الفرصة للتعبير عن غضبهم على مسافة تبعد عن مقر السفارة بحوالى نصف كيلومتر، واستمر ذلك حتى فجر 20 الحالى.
"إلا أنه مع إصرار عدد من المصريين التقدم مباشرة إلى مقر السفارة وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة نحو قوات الشرطة.. مما أسفر عن إصابة أحد عشر ضابطا، وأربعة وعشرين من أفراد الأمن، وحدوث تلفيات بخمس عشرة سيارة خاصة وشرطة، وكذا تهشم واجهات أربعة محال، ومحطة وقود، واثنتى عشرة لوحة للإعلانات، مما اضطر قوات الشرطة لتفريق المتظاهرين، وضبط متزعمى أعمال الشغب وجار مباشرة النيابة التحقيق معهم"، على حد تعبير المصدر الذى طلب عدم نشر اسمه. وتقدر الخسائر الأولية بعشرة ملايين جنيه.
وأشارت الداخلية إلى أنه "التزاما بموقف مؤسسات الدولة وتقديرا لمشاعر جموع المصريين إزاء ما تعرض له مشجعو الفريق المصرى من أعمال إجرامية وغير متحضرة من مشجعى الفريق الجزائرى، فإنه فى ذات الوقت لا يمكنها التغاضى عن دورها بحماية المصالح الخاصة والعامة والهيئات الدبلوماسية على أراضيها".
عودة 115 مصريا من الجزائر
في غضون ذلك، عاد إلى القاهرة مساء امس الجمعة 115 مصريا قادمون من الجزائر بعد الاعتداءات التي طالت الجالية المصرية هناك قبل وبعد مباراة منتخبي مصر والجزائر في كرة القدم التي استضافتها الخرطوم .
وذكر المصريون العائدون في مطار القاهرة أن هناك المئات من العاملين المصريين فى انتظار فرصة للعودة إلى مصر, وأشاروا إلى أن عشرات المصريين ينتظرون أمام المطار في الجزائر على أمل العثور على مقعد فى الطائرات المغادرة .
وحسبما ذكر موقع "اخبار مصر" الالكتروني، قال أحد العاملين فى شركة التنمية العقارية بالجزائر إن مئات من الجزائريين حاصروا مقر الشركة بالجزائر وأخذوا يقذفون العمال المصريين بالحجارة وكرات النار المشتعلة .
وأشار إلى أن "مجموعة العاملين بالشركة الذين عادوا اليوم يبلغ عددهم 68 عاملا تم نقلهم من مقر إقامتهم وحتى المطار تحت حراسة الشرطة بعد الحصار الذى استمر أكثر من سبعة أيام عانوا خلالها من عدم توفر المواد الغذائية بسبب عدم امكانية الوصول إلى المحال ورفض المتاجر بيع بضائعها إلى المصريين, وإذا باعوا يبيعون بأكثر من عشرة أضعاف الثمن الحقيقى" .
وكان قد عاد إلى القاهرة الجمعة من الجزائر فى وقت سابق 300 مصري نجحوا فى الخروج من البلاد بعد الأحداث المؤسفة التى قام بها عدد من الجزائريين قبل وبعد لقاء مصر والجزائر فى كرة القدم .
وكان من بين العائدين الذين وصلوا على طائرات الخطوط التونسية والفرنسية ومن إيطاليا وتركيا والجزائر 46 مصريا من العاملين بشركة أوراسكوم بالجزائر ، حيث أشاروا إلى أنهم واجهوا المطاردات والحصار لهم فى مقر إقامتهم حتى نجحوا فى الوصول إلى المطار .
وأضافوا أن المئات من المصريين ينتظرون فى مطار الجزائر على أمل الحصول على مقعد للعودة إلى القاهرة سواء على الخطوط المباشرة أو ترانزيت عبر أى دولة أخرى .
وقد طالب العائدون من المسئولين بالتحرك لحفظ حقوقهم لدى الجزائر حيث يعملون لدى شركات أوراسكوم والمقاولون العرب وبتروجيت وبعض الشركات الأخرى .