في أول أيام شهر رمضان المبارك ركب الملتزم ميكروباص في طريق عودته من عمله أو كليته أو مدرسته فإذا بالسائق الروش كما يسمونه يدور كاسيت السيارة بأعلى صوت بأغاني روشة كما يسميها وتراه يتراقص قلبه معها ويحفظها عن ظهر قلب.
الملتزم(م):ممكن تخفض الكاسيت شويه؟
الروش(ش) يخفضه وهو متأفف.
(م): يا آخي أنت ما بتسمعش قرآن ليه؟
(ش): لسة مخلص شريط قبل ما تركب.
(م): وبعد كلام الله تسمع أغاني؟
(ش): ساعة لقلبك و ساعة لربك هو مش النبي قال كده )هذه هي أول شبهة تجرى على لسان الكثيرين (..
(م): لا يا آخي ليس المقصود بها ذلك ، وهل من المعقول أن يكون المقصود أن تعبد الله شوية وتعصيه شوية ؟ ، يا آخي أصل ذلك الحديث أن" أبا بكر الصديق- رضى الله عنه - مر بحنظلة الصحابي- رضى الله عنه- فإذا هو جالس إلى جنب حائط يبكى ، قال ما يبكيك؟ ، قال نكون عند رسول الله_صلى الله عليه وسلم_فيذكرنا الجنة والنار فكأنآ رأى عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا الزوجات( جامعنا أو جالسنا ) وعالجنا الضيعات ولاعبنا الأولاد ونسينا كثيرا نافق حنظلة ،فبكى أبو بكر وقال والله إني لأجد الذي تجد أنطلق بنا إلى رسول الله_صلى الله عليه وسلم_"وعندئذ قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_لحنظلة "يا حنظلة إنما هي ساعة و ساعة"...أي ساعة تفكر في الجنة والنار أو تقرأ قرآن ويذكرك الله فيها وتغشاك السكينة والرحمة و ساعة ملاعبة الأولاد أو مجامعة الزوجة أو الجلوس معها ولا شك أن في ذلك يخف الإيمان وكل ذلك حلال وحنظل يقول نافق فما بالك بالحرام؟؟؟؟
(ش): طيب الشيخ (فلان) قال حلال وهناك شيوخ غيره قالوا ذلك أيضا وآخرين قالوا حرام فهم اختلفوا واختلافهم رحمة عشان كل واحد يختار الذي يناسبه )هذه هي الشبهة الثانية( وبعدين الأغاني دي مزاج ويقول المفكرون أنها علاج نفسي وترويح وترويض )هذه هي الشبهة الثالثة( .
(م): أولا: لا يصح الاختلاف إلا فيما اختلف فيه الصحابة وليس الشيوخ واختلاف الصحابة رحمة أما اختلاف الشيوخ فليس ذلك والصحابة لم يختلفوا في تحريم الغناء.
ثانيا: فهم الصحابة مقدم على فهم الشيوخ وكلام الصحابة مقدم على كلام الشيوخ والدليل على ذلك قول الله-تعالى-في سورة البقرة آية(137):"فان ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق"....أي أن إيماننا يجب أن يكون مثل إيمان الصحابة (بنفس الكيفية) وإلا نكون في شقاق ولعياذ بالله ،وقول الله-تعالى-"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" إذن لابد من إحسان الاتباع.وطبعا نحن في زمن الفتنة ؛فليس كل من ادعى أنه شيخ يكون كذلك وان كان كذلك فقد يخطئ في بعض أقواله أو فتاواه بسبب الجهل أو الخطأ وإلا لما نبهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم –إلى أنه سيأتي زمان يموت فيه العلماء ويسئل الجهلة الذين يظهرون أنهم علماء فيفتوا بدون علم فيضلوا ويضلوا الناس،ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - :"انه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا ؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم و محدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"وقال أيضا:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكثر الخبث"وأيضا:"لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حديث انس في البخاري) لذلك فالعلماء متفقون على وجوب اتباع الصحابة ثم الأقدم فالأقدم ،وقال ابن القيم في كتاب إغاثة الله فان من مصائب الشيطان:"كلام الصحابة لا ينبغي أن ينظر إلا كلام بعده إطلاقا لأنهم هم الذين فهموا الشرع من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك:"ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند"وقال في موضع آخر:"هو عندنا في حكم المرفوع" ، ويقول ابن القيم:"وهذا وان كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول ممن بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله ؛ فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا تفسيره من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علما وعملا وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل"
ثالثا: أما المفكرون فكل منهم يقول ما يهواه فمنهم كثير ضالون لأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الشريف:"من اعتمد على ماله قل ومن اعتمد على عقله ضل ومن اعتمد على سلطانه ذل ومن اعتمد على الله فلا قل ولا ضل ولا ذل"فهؤلاء يعتمد الضالون منهم على عقولهم،ومن المستحيل أٌن تكون الأغاني فيها ترويح لنفسك أو ترويض لها أو تعود بالنفع عليك وإلا لما كان الله حرمها واسمع قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- حين قال :"ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها" ، إذن الأغاني لها ضرر مؤكد عليك.
(ش): طيب ، ليه الأغاني حرام؟ (يقصد ما هي الأدلة؟)
(م): يا آخي أنا أعرف سبعة أدلة شرعية على تحريم الغناء ؛ واحد من القرآن وستة من السنة: -
الدليل الأول: من القرآن في سورة (لقمان):"ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين-6-وإذا تتلى عليه ءايتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم-7". ( الآيتان السادسة والسابعة من سورة لقمان) ؛ قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية:"والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء"(يعنى لهو الحديث) ، وقد صح ذلك عن ابن عباس وابن عمر-رضى الله عنهم أجمعين-وكما قلت لك أن فهم الصحابة مقدم على فهم الشيوخ حتى لو كانوا كباراً في علمهم وهذا الأصل في الدين كله وليس الغناء فقط ، ومدمن الغناء لابد وأن يصل إلى الاستهزاء بآيات الله والاستهزاء بآيات الله كفر، والأمثلة على ذلك كثيرة ومن الواقع فهناك مغنية فيما مضى اتفقت مع ملحن أن تغنى سورة الرحمن ومنعها الأزهر وآخر كتب كتاباً في فهم النصوص يرد به على القرآن ونال حكماً من القضاء وغيرهم كثير ممن أدمن واستحل الغناء.
الدليل الثاني: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه علقه بصيغة الجزم محتجاً به:"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم الفقير لحاجة ؛ فيقولون ارجع إلينا غداً ؛ فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" يستحلون:أي أنها كانت حراماً فأحلوها.الحرى:هو الزنا.المعازف:كل ما يعزف به سواء من القديم أو من الحديث مثل البيانو-الأرج-العود-الكمان-الطبلة-الدف(حلال للنساء فقط دون الرجال)-الجيتار-الربابة-الإكسليفون-الأكورديون.......الخ من الآلات وقال ابن القيم:"فمن لم يمسخ في الدنيا مسخ في قبره ولابد"
الدليل الثالث: قال رسول الله-صلى الله ليه وسلم-في الحديث الذي أخرجه البزار في مسنده وصححه الشيخ الألبانى في السلسلة الصحيحة رقم (427) :"صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة".عند نعمة:عند الزواج مثلا ً.
و روى الحديث مفسراً :"إني لم أنهى عن البكاء ولكنى نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين ؛ صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان"
الدليل الرابع: عن عبد الله بن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
"إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام" ، قال سفيان قلت لعلى ما الكوبة؟ قال الطبل.(وعلى ذلك تكون الأغاني الإسلامية التي على الطبل والدف حرام مثل أغاني عماد رامى وطارق أبو زياد المنتشرة في الأسواق)
-هذا الحديث في السلسلة الصحيحة في المجلد الرابع-حديث رقم(1708)
الدليل الخامس: عن عمران بن حصى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف قيل يا رسول الله ومتى ذاك ، قال إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور" ، أخرجه الترمذى وابن أبى الدنيا وأبو عمرو الدانى وصححه الشيخ الألبانى في السلسلة الصحيحة رقم (1787) في مصنف ابن أبى الدنيا.
قذف: أي تأتى طيور أو غيرها تقذف بالحجار ( مثل ما في سورة الفيل(
مسخ: أي يمسخ ناس ويحولوا قردة أو خنازير.
خسف: أي تشق الأرض وتبتلع الناس مثل ما يحدث في الزلازل العنيفة بل أكثر فعقاب الله شديد.
الدليل السادس:عن عائشة-رضى الله عنها-قالت:"دخل على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وعندي جاريتان من جواري الأنصار في أيام منا تدفقان وتضربان تغنيان بغناء الأنصار يوم بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال أمزمارة شيطان عند رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مرتين ؛ فأقبل عليه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وقال:"دعها يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا"
هذا الحديث دليل على أن الأغاني حرام وليس الدليل على أنها حلال كما يدعى البعض لأن أبا بكر سمى الدف مزمار شيطان مع أنه حلال بالنسبة لعائشة(والدف حلال للنساء فقط دون الرجال، والدف يختلف عن الطبلة فهو عبارة عن طار كبير مشدود عليه جلد والضرب عليه مثل الضرب على الحائط) ، ولذلك الرسول-صلى الله عليه وسلم-أضطجع على الفراش وحول وجهه ، أي وضع الوسادة على رأسه ونظر الجهة الأخرى ؛ فلا يسمع ولا يرى ، ولم ينكر الرسول-صلى الله عليه وسلم-على أبى بكر مقولته (مزمار شيطان) ، ولم يقل هذا ليس مزماراً للشيطان ؛ ولكن فعل ما فعل لحسن رفقه –صلى الله عليه وسلم-لاسيما في يوم العيد ولاسيما أن عائشة كانت صغيرة ؛ فلقد دخل بها الرسول-صلى الله عليه وسلم-وعندها تسع سنين، ولم ينقل عنها بعد بلوغها أن هذا حصل أبداً ، ويمكننا أن نسأل : من أين جاء أبو بكر بهذا الأصل (مزمار الشيطان) بين يدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والرسول يقره ، لا شك أنه جاء به من التعاليم الكثيرة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-في تحريم الغناء وآلات الطرب ولولا علم أبو بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وفى بيته بمثل هذا الإنكار الشديد.
الدليل السابع: عن أبى هريرة-رضى الله عنه-عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:
"يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير"قالوا يا رسول الله ، أليسوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، قال:"بلى ، ويصومون ويصلون ويحجون " ، قيل فما بالهم ، قال :"اتخذوا المعازف والدفوف والقينات ، فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير." إغاثة الله فان ص(262) ج1.
المذاهب الأربعة أجمعت على أن الغناء حرام:
الإمام أبو حنيفة:هو أشد الناس تحريماً ، يقول:"الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فوراً."
الإمام مالك: يقول :"هل من عاقل يقول أن الغناء حق ، إنما يفعله عندنا الفساق." ، وسئل عن الغناء فقال:"أرأيت إن جاء الغناء أيكون مع الحق أم مع الباطل قال السائل مع الباطل قال أرأيت إن جاء الحق والباطل يوم القيامة أيكون الباطل في النار أم في الجنة قال السائل فالنار قال الإمام قد افتيت نفسك."
الإمام الشافعي: قال:"الغناء حرام يشبه الباطل ومن استكثر منه أي عرف عنه الغناء واستماعه فهو سفيه فاسق ترد شهادته." ، وقال أيضاً :"تركت خلفي في بغداد شيئاً أبتدعه الزنادقة اسمه التغبير يصدون به عن كتاب الله" ، التغبير:مثل طبلة المسحراتى وجلدة يضرب بها على الطبلة.
الإمام أحمد بن حنبل: "الغناء حرام وهو من الكبائر لإنه ينبت النفاق في القلب."
آخي الحبيب انتهى الحوار ، ولقد جئت فيه بأدلة تحريم الغناء من القرآن والسنة ، ولقد بدأت بالأحاديث الصحيحة (المخططة بالخط الثقيل) وتلوتها بأحاديث بعضها ضعيف ولكنها شواهد لتقوية الأحاديث الصحيحة وذكرت أسماء بعض الكتب وأرقام صفحاتها وأضيف عليها كتاب (نصائح لشباب) لمن أراد أن يستزيد في موضوع الغناء.
* هذا الحوار نقلا ًعن شريط كاسيت .. حكم الغناء) لفضيلة الشيخ /محمد حسين يعقوب )