انطلقت تجربة علمية جديدة تهدف إلى فهم أصل الكون، وأعلن علماء عن تشغيل ماكينة بلغت تكلفتها نحو 10 مليارات دولار، وبحسب المعلومات فإن الخبراء نجحوا أخيراً في إحداث صدامات بروتونية منخفضة الطاقة، يمكن أن تقدم في نهاية المطاف مفاتيح تساعد في فهم "الانفجار الكبير".
لندن: بعد اخفاقات محرِجة ساهمت فيها طيور ألقت قطعا من الخبز داخل معدات حساسة وتصليحات باهظة الكلفة، انطلقت من جديد أكبر تجربة علمية في العالم ـ صادم هادرون الكبير ـ بدفع حزامات من البروتونات الى التصادم في ما بينها لأول مرة.
واعلن العلماء المسؤولون عن تشغيل الماكنة التي كلف بناؤها نحو 10 مليارات دولار في المنظمة الاوروبية للأبحاث النووية (سيرن) قرب جنيف انهم نجحوا أخيرا في إحداث صدامات بروتونية منخفضة الطاقة، يمكن ان تقدم في نهاية المطاف مفاتيح تساعد في فهم "الانفجار الكبير" وأصل الكون.
ونقلت صحيفة "الاندبندنت" عن مدير المنظمة رولف ديتر هوير وصفه نتيجة التجربة بـ"الانجاز الكبير". وقال ان النتائج ايجابية للغاية إذا أخذنا في الاعتبار ان الماكنة لم تُشغل من جديد إلا يوم الجمعة الماضي. واضاف "ان التجربة قطعت شوطا بعيدا في مثل هذا الوقت القصير" ولكنه دعا الى التحلي بالنظرة الواقعية قائلا انه ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله.
وكان العلماء احتفلوا ورفعوا الأنخاب تحية لنجاحهم بعد رصد الصدامات الاولى بين حزمات من البروتونات ليل الاثنين الماضي. وقال المتحدث باسم المنظمة الاوروبية للأبحاث النووية جيمس جيليز "ان الفرحة كانت غامرة برؤية هذه الماكنة تعمل على الوجه المطلوب لأول مرة".
يشغل صادم هادرون الكبير نفقا طوله 27 كيلومترا على عمق نحو مئة متر تحت سطح الارض على الحدود بين سويسرا وفرنسا. وقال علماء فيزيائيون انهم احدثوا الصدامات باطلاق مجموعتين من الجسيمات تحت الذرية حول النفق باتجاهين متعاكسين في وقت واحد. وسُجلت صدامات البروتونات في غضون ثلاث ساعات يوم الاثنين خلال تجارب أُجريت في غرف الرصد الأربع التابعة للصادم والتي يضاهي حجم كل غرفة منها مبنى كاتدرائية. واستخدمت حزمة تجريبية من البروتونات منخفضة الطاقة.
لاقت نتائج التجربة ترحيبا حارا رفع معنويات العلماء في هذا المشروع الطموح بعد بدايته المخيبة. وكان علماء "سيرن" انتظروا 15 عاما لبناء الماكنة ولكن ما إن بدأ تشغيلها في ايلول/سبتمبر الماضي حتى أُصيبت بأضرار كبيرة نتيجة انفجار. وكلفت التصليحات اللاحقة ونصب منظومة سلامة جديدة عشرات ملايين الدولارات.
وفي وقت سابق من تشرين الثاني/نوفمبر وقعت كارثة أخرى عندما اسقط طير قطعة خبز في احدى محطات الصادم الثانوية قال العلماء انها السبب في حدوث عطب كهربائي أدى الى وقف العمل مرة اخرى. يهدف صادم هادرون الكبير الى معرفة الطريقة التي نشأ بها الكون بإحداث صدامات بروتونية تحاكي "الانفجار الكبير" الذي حدث قبل 13.7 مليار سنة.
ولكن الناطق باسم "سيرن" اوضح ان الحزمة التجريبية التي استُخدمت لاحداث الصدام الأخير كانت صغيرة بالمقارنة مع الحزمة التي سوف تُستخدم في نهاية المطاف خلال تنفيذ البرنامج الفيزيائي بأكمله. وقال ان "الحزمة التجريبية احتوت على نحو مليار جسيم والحزمة التي نأمل باستخدامها في الماكنة في غضون عام ستحوي زهاء 300 مليار جسيم".
بعد احداث الصدامات الاولى بين حزمات البروتونات بنجاح سيبدأ العلماء بزيادة كثافة الجسيمات تدريجيا في هذه الحزمات. وتهدف المنظمة الاوروبية للابحاث النووية الى بلوغ مستوى من الطاقة قدره 1.2 تيف (تيرا الكترون فولت) قبل اعياد الميلاد. ومن شأن هذا المستوى ان يجعل صادم هادرون الكبير اقوى صادم متفوقا على منافسه الأميركي "تيفاترون" في مختبرات "فيرميلاب" في ضواحي شيكاغو.
ثم سيزيد العلماء مقدار الطاقة تدريجيا الى نحو 3.5 تيف، وهو المستوى الذي تشير التقديرات الى انه سيكون المستوى المطلوب لأي اكتشافات جديدة مثيرة. وبعد كانون الثاني/يناير ستُتخذ اجراءات وقائية شاملة لإبقاء اي اضرار ناجمة عن حزمات طائشة في الحدود الدنيا.