مسألة
قال: [ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته, مقدار ما يكفر به]
وجملة ذلك أن كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيبا فيتخير بين الخصال الثلاث, فإن لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام ويعتبر أن لا يجد فاضلا عن قوته وقوت عياله يومه وليلته, قدرا يكفر به وهذا قول إسحاق ونحوه قال أبو عبيد وابن المنذر وقال الشافعي: من جاز له الأخذ من الزكاة لحاجته وفقره أجزأه الصيام لأنه فقير ولأن النخعي قال: إذا كان مالكا لعشرين درهما, فله الصيام وقال عطاء الخراساني: لا يصوم من ملك عشرين درهما ولمن يملك دونها الصيام وقال سعيد بن جبير: إذا لم يملك إلا ثلاثة دراهم كفر بها وقال الحسن: درهمين وهذان القولان نحو قولنا ووجه ذلك, أن الله تعالى اشترط للصيام أن لا يجد بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} ومن وجد ما يكفر به فاضلا عن قوته وقوت عياله فهو واجد, فيلزمه التكفير بالمال لظاهر الآية ولأنه حق لا يزيد بزيادة المال فاعتبر فيه الفاضل عن قوته وقوت عياله, يومه وليلته كصدقة الفطر.
فصل
فلو ملك ما يكفر به وعليه دين مثله, وهو مطالب به فلا كفارة عليه لأنه حق آدمي والكفارة حق لله - تعالى فإذا كان مطالبا بالدين, وجب تقديمه كزكاة الفطر فإن لم يكن مطالبا بالدين, فكلام أحمد يقتضي روايتين إحداهما تجب الكفارة لأنه لا يعتبر فيها قدر من المال فلم تسقط بالدين كزكاة الفطر والثانية لا تجب لأنها حق لله تعالى, يجب في المال فأسقطها الدين كزكاة المال وهذا أصح لأن حق الآدمي أولى بالتقديم لشحه, وحاجته إليه وفيه نفع للغريم وتفريغ ذمة المدين, وحق الله - تعالى - مبني على المسامحة لكرمه وغناه ولأن الكفارة بالمال لها بدل ودين الآدمي لا بدل له, ويفارق صدقة الفطر لكونها أجريت مجرى النفقة ولهذا يتحملها الإنسان عن غيره كالزوج عن امرأته وعائلته ورقيقه ولا بدل لها, بخلاف الكفارة.
فصل
فإن كان له مال غائب أو دين يرجو وفاءه لم يكفر بالصيام وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه الصيام لأنه غير واجد, فأجزأه الصيام عملا بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وقياسا على المعسر والدليل على أنه غير واجد أن المتمتع لو عدم الهدي في موضعه, انتقل إلى الصيام ولو عدم الماء في موضعه انتقل إلى التيمم, ولو عدم المظاهر المال في موضعه انتقل إلى الصيام والانتقال في هذه المواضع مشروط بعدم الوجدان, ولأنه غير متمكن من التكفير بالمال أشبه هذه الأصول ولنا أنه حق مال يجب على وجه الطهرة, فلم تمنع الغيبة وجوبه كالزكاة ولأنه غير مؤقت, ولا ضرر في تأخيره فلم يسقط بغيبته كالزكاة, وفارق الهدي فإن له وقتا يفوت بالتأخير والتيمم يفضي تأخيره إلى فوات الصلاة وتأخير كفارة الظهار يفضي إلى ترك الوطء, وفيه ضرر بخلاف مسألتنا ولا نسلم عدم التمكن ولهذا صح بيع الغائب, مع أن التمكن من التسليم شرط.