مواقف ساخنة هذه مواقف متعددة سميتها : ( مواقف ساخنة ) ، لأنها أحداث ، ذات عبر ن وفيها من الحركة والحياة الشيء الكثير ، فهي تحمل الانفعالات ، والعواطف المتدفقة من جيل لن يتكرر ، إلا أن يشاء الله ، لعلنا نتوقف عندها ، ونأخذ من كل موقف منها عبراً ودروساً ، تكون زاداً لنا في طريق الهداية ، فإليكم إياها . الموقف الأول : عمر يجمع الصدقات أتي ( صلى الله عليه وسلم ) والحديث عند البخاري فأرسل عمر ، وعمر في تلك الفترة وبعد تلك الفترة تلميذ لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) . أرسله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ( اذهب اجمع الصدقات ) . ( أي : الزكاة ) . من أين يجمعها ؟ من المسلمين . أخذ عمر ، رضي الله عنه وأرضاه ، جهته ، وامتثل الأمر ، وطاف على المسلمين : ادفعوا الصدقة . لمن الصدقة ؟ أللقصور أللدور ؟ لا ، بل للفقراء ، وللمساكين وللمحتاجين . وعمر : صارم وهو يصلح لمثل هذه المهمات ، والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يعرف أن يضع الرجال ، فأبي بن كعب يضعه سيداً للقراء ، ومعاذ قاضياً إماماً ، وأبو بكر أستاذاً في الإدارة ، وأول خليفة ، وحسان للقوافي ، والمجالس الأدبية ، التي ينافح بها عن الإسلام ، وزيد بن ثابت للفرائض ، وخالد بن الوليد لفصل الرؤوس عن الأكتاف ، في سبيل الله ، وعلي بن أبي طالب قاضياً وللمهمات ، والزبير : الحواري ، وعثمان للإنفاق ، وابن عوف للبذل . وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم ذهب عمر يطرق على الأبواب : ادفعوا الزكاة . يقولون : من أرسلك ؟ فيقول : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا سمعوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) دفعوا الصدقة ؛ لأن عمر مهما أوتي من قوة ، لا يملك القلوب كما يملكها ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يقول فيه أحد الشعراء : محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة القلوب حتى العذارى في الخدر يتبعن كلامه ( صلى الله عليه وسلم ) . فذهب عمر ليطرق الأبواب ، ومر بالناس جميعاً ، فوصل إلى العباس والعباس : عم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له : ادفع الصدقة . قال : من أرسلك ؟ قال : الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . قال : لن أدفع . فذهب إلى خالد ، سيف الله المسلول ، أبي سليمان ، صاحب الغارات ، وقال له : ادفع الصدقة . قال : من أرسلك ؟ قال : الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . قال : لن أدفع ؟ فذهب لبن جميل ، قال : أدفع الصدقة . قال : من أرسلك . قال : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . قال : لن أدفع ؟ فرجع عمر بالأموال ، وقال : يا رسول الله ، دفع الناس جميعاً إلا ثلاثة . قال : ( من هم ؟ ) قال : عمك : العباس وخالد بن الوليد ، وابن جميل . قال : ( يا عمر، أما تعلم أن العباس عمي ، أما تعلم أن عمر الرجل صنو أبيه ، هي علي ومثلها لعامين) ( يقول : صدقته علي ومثلها، فأنا اقترضت منه صدقة عامين ، ولكن استحيا العباس أن يقول لعمر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) اقترض مني زكاة عامين ، وعلم أنه إذا رد عمر سوف يتذكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( أما خالد ، فإنكم تظلمون خالداً ، إنه قد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله ) ( عنده مائة سيف وعنده مائة رمح ، وعنده : مائة فرس ، قال : هي رهن ، وهي محبوسة في سبيل الله ) . وهل في الوقف صدقة ؟ وهل فيه زكاة ؟ لماذا يا عمر تطلب من خالد أن يزكي وهو قد وقفها ؟ يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد فيها فليتق الله سائله خالد إذا حضر المعركة ، دعا مائة فارس ، وأعطاهم مائة سيف ، ومائة رمح ، ومائة فرس ، فهي لله ، ولذلك لا يرثها أبناء خالد . خالد مات ، ولا يملك إلا ثوبه . خالد بن الوليد خاض مائة معركة . خالد بن الوليد ما في جسمه شبر إلا وفيه ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم . فماذا فعلت أنا وأنت للإسلام ؟ خالد قدم دموعه ودمه ووقته . تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها وما أتت بلدة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها خالد ، يوم اعتزل الجيش ، وهو كبير ، أخذ مصحفاً يقرأ من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر ، ويبكي ، ويقول : شغلني جهادي عن القرآن ، ونقول : يا أبا سليمان ، عندنا شباب ، شغلهم البلوت عن القرآن ، والمجلة الخليعة ، والأغنية الماجنة . يا أبا سليمان ، لقد شغلك الجهاد عن القرآن ، إن جهادك أعظم من قراءة القرآن ؛ لأنك رفعت لا إله إلا الله بجهادك . أتته سكرات الموت ، فقال : لقد خضت مائة معركة ، وها أنا أموت على فراشي ، كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء . يقول : اليوم يفرح الجبناء أني مت . يقول ابن كثير : قاتل خالد يوم مؤته ، فكسر تسعة أسياف في يده ، وما ثبت في يده إلا صحيفة يمانية . وكان جسيماً بديناً كالحصن ، وقتل بيده يوم مؤته خلقاً كثيراً . يقول عمر : لما تولى أبو بكر طلبت منه عزل خالد . فقام أبو بكر غاضباً على المنبر ، وقال : والله لا أغمد سيفاً سله الله على المشركين . فالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( خالد سيف الله المسلول سله على المشركين ) (50) . فلما تولى عمر كان أول ما أصدر : عزل خالد . فقال خالد : والله ما قاتلت بالأمس لعمر ، وما قاتلت اليوم لعمر ، وإنما قاتلت لله , أنا أقاتل لله قائداً أو مقوداً . إذا عذره الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ( إنكم تظلمون خالداً ) . وأما ابن جميل فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله ) (51) أي : أنه لا عذر له . قال الله في ابن جميل وأمثاله ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّه َ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) (التوبة:75-77) لا عذر لابن جميل ، أما العباس فمعذور وخالد معذور . الموقف الثاني : أسامة ولا إله إلا الله أرسل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) جيشاً ، قائده أسامة بن زيد ( وعمره آنذاك قيل : قبل الرابعة عشر والثالثة عشر ، إلى الخامسة عشر ) إلى الحرقات من جهينة على البحر الأحمر . أتدرون من في قيادة أسامة ؟ ومن هم الجيش ؟ أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلى بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، والقائد : أسامة عبد مولى ، وكلنا عبيد لله . وبعض شبابنا اليوم ، عمره : ثلاث عشر سنة ، ولا يعرف شيئاً ؛ لأن من يتربى على جمع الطوابع ، والمراسلة ، يأتي بعقلية مثل هذه العقلية . أما أسامة فتربى على لا إله إلا الله ، وتربى على الصلوات الخمس، وعلى قيام الليل ، وعلى تدبر القرآن . ذهب أسامة ، وقاد الجيوش ، فوصل إلى هناك في جهينة ، فخرجت جهينة تقاتل الصحابة ، فخرج رجل من الكفار فأتى للمسلمين ، لا يقصد مسلماً إلا قتله ، فانطلق إليه أسامة فهرب الرجل من أسامة واختفى وراء شجرة فخرج عليه فلما رفع السيف لقتله قال الرجل : لا إله إلا الله محمد رسول الله . فكأن لسان حال أسامة أن قال : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (يونس: 91- 92) فضربه فقتله . لمن ترفع القضية هذه ؟ قضية شائكة .. إنسان يقاتل ، ثم تذهب إليه فتطارده ، ثم يقول : لا إله إلا الله ، فتقتله . رفعت للمصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأتى الصحابة ، فأخبروا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فتغير لونه ، واحمر وجهه ، ورعد أمره ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأشرف أسامة ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يسلم : ( يا أسامة ، أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ) ؟. قال : يا رسول الله إنه قالها مستجيراً بعد أن قتل المسلمين . قال : ( ماذا تصنع بلا إله إلا الله ) ؟ قال : يا رسول الله قالها مستجيراً . قال : ( يا أسامة ما تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة ) (52) . موقف تشيب له الولدان . فقال أسامة : يا ليتني ما أسلمت إلا هذه الساعة ، أجاهد ، وأقتل مسلماً يا ليتني ما أسلمت إلا الآن ، يا ليتني ما ذهبت في الجيش . ( ماذا تصنع بلا إله إلا الله ) ؟ تأتى لا إله إلا الله في بطاقة فتنزل فتدافع عن صاحبها . لا إله إلا الله ، من أجلها أقيمت الأرض . لا إله إلا الله ، أثقل كلمة قالها الناس . لا إله إلا الله : مفتاح الجنة . ( ماذا تصنع بلا إله إلا الله ) ؟ قال : ليتني ما أسلمت إلا الآن . حنانيك يا أسامة ، وغفر الله ذنبك يا أسامة ، وعطف الله عليك القلوب ، وقد فعل . أما الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقد توقف ، وما أفتاه ، بل قال : ( ماذا تصنع بلا إله إلا الله ) ؟ يعني : احتكم أنت وإياه يوم العرض الأكبر . وفيه دليل على أن لا إله إلا الله محمد رسول الله مفتاح الجنة . وعلى أنها تنقذ العبد من القتل في الدنيا ، إن لم يترك الصلاة . وعلى أنها من أحسن الكلمات . وعلى أنها عظيمة ، دمرت الأرض من أجل لا إله إلا الله خمس مرات . الموقف الثالث : الصحابة يبحثون عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أبو هريرة : جلسنا في مجلس ، ثم بحثنا عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم نجده . فهم معه كل أمسية ، فبحثوا عنه ، فلم يجدوه ، فانطلقوا يبحثون . قالوا : يا أبو هريرة ، أنت عليك بمزرعة فلان ، وعمر هنا ، وأبو بكر هناك ، وكل في مكان . أبو هريرة وفق في البحث ، فهو الذي وجده ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجده أين ؟ وجده في مزرعة أحد الأنصار ، أتى إلى الباب ، فسأل ، فقالوا : الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وسط المزرعة . تخيل أنت بنفسك أن تذهب إلى مزرعة ، وتفاجأ بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ليس زعيماً ، بل سيد الزعماء ، وليس عالماً ، بل سيد العلماء ، فدخل ، فقال أبو هريرة : فتحفزت ( أبو هريرة : دعوب ، خفيف الدم ، دوسي ، زهراني ، من أهل الجبال ) قال : فتحفزت ، وجمعت ثيابي ، ثم دخلت ( وفي بعض الروايات كما يتخفز الثعلب ) . فدخل ، فإذا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يراه قال : ( من أين أتيت يا أبا هر ) ؟ ( مداعبة لطيفة ، رواية الإسلام يقول له الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يا أبا هر ) لأنه كان له هرة يلعب بها فسماه أهله أبا هريرة ) . قال : يا رسول الله ، فقدناك فأتينا نلتمسك . قال : ( يا أبو هريرة عد إلى الناس وأخبرهم أن من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة ، وهذا حذائي تصدق به ما تقول ) ( يعني : هذا علامة الصدق ) ، فأخذ الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الحذاء ، وأعطاه أبا هريرة (53). فخرج أبو هريرة فرحاً مسروراً بهذا الخبر العجيب ، ولأنه سوف يكون مبشراً للناس أجمعين ، ثم تحفز والحذاء معه ، فخرج ، فلما خرج في الطريق لقيه عمر ، الله أكبر ، عمر واقف أمامه . قال : من أين أتيت ، يا أبا هريرة ؟ قال : وجدت الرسول ( صلى الله عليه وسلم )في هذه المزرعة ، وقد قال لي أخبر من لقيته أن من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة وهذا حذاؤه علامة ذلك . فأخذه عمر بيده وضربه في صدره . قال : فخررت على قفاي ( يعني على مؤخرتي ) . قال : عد إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إني أخشى أن يتكل الناس . فدخل أبو هريرة بالحذاء ، ودخل على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ووراءه حصن الإسلام : عمر . لو كان غير عمر ما عاد ، لكن عمر الذي أخرج عفاريت الجن والشياطين من رؤوس بعض الناس . أنا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانياً فعاد أبو هريرة يبكي عند الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : ( ما لك ؟ ) . قال : ضربني عمر ، يا رسول الله . قال : ( ما له ) ؟ قال : يقول لا أخبر الناس . وما هي إلا لحظات ، وقد وقف عمر عند الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما لك ضربته ) ؟ قال : يا رسول الله ، أخشى أن يخبر الناس فيتكلوا ، دعهم يعملوا ، يا رسول الله . فتبسم ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ( دعهم يعملوا ) . فأقره لأنه ذكي ، فإن لم تكن العبقرية هكذا ، وإلا ما كانت . وفي هذا الموقف أمور : أولاً : مكانة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في قلوب الصحابة . ثانياً : حرص أبي هريرة على الحديث . ثالثاً : موقف عمر القوي ، والذي جعله يراجع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيصدق فيه قول الشاعر : وإذا الحبيب أتى بذنب واحد محاسنه بألف شفيع ولذلك يقول ابن تيمية : موسى لما أخذ الألواح ، فيها كلام الله ، والله كتبها بيده ، وأتى إلى بني إسرائيل ، غضب على أخيه ، وألقى الألواح ، كما في سورة الأعراف ، وجر أخاه ، وهو نبي مثله ، ومع ذلك سامحه الله ، بينما المنافق لا يسمح له بنقطة ؛ لأنه عدو . ولذلك يقال للأستاذ : إذا علمت الطالب مجداً ، مثابراً ن متقياً ذكياً، متوقداً، وأخطأ مرة ، فينبغي أن تقول : عفا الله عنك . لكن طالباً إذا حضر في الفصل نام ، ككيس الفحم ، وإن غاب فشارد ، فلا واجب ، ولا مذاكرة ، ولا التزام ، فهذا أكثر من التشديد عليه ، فهو الأولى في معالجته وأمثاله . الموقف الرابع : وفد عبد القيس وفد عبد القيس هؤلاء من البحرين ، أتوا إلى المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت الوفود إذا أتت إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تضع في أذهانها ، أنها سوف تتكلم مع رسول الله ونبي الله وصفوة الناس من خلقه ، فتهيأ ثمانية منهم ( والعجيب أنهم اختلفوا في عددهم قالوا : أربعة عشر ، أو ثمانية ، أو أربعين ، أورد ذلك ابن حجر ) لبسوا ، وتهيأوا ، ومشوا من الأحساء حتى وصلوا إلى المدينة ، ونزلوا حول المدينة ، فقال لهم أشج عبد القيس : انتظروا ، والبسوا ، وتطيبوا ، واغتسلوا ثم أدخلوا على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ). قالوا له : ندخل عليه الآن . فأتى بقية الوفد ، ومكث أشج عبد القيس وحده ، فدخلوا بغبار السفر ، وشعث السفر ، وعدم ترتيب السفر . وأما أشج عبد القيس ، فخرج إلى نخلة هناك ، واغتسل ، ثم لبس ثيابه ، ثم تعمم ، ثم تطيب ، ثم أخذ عصاه بيده ، ثم أتى ، ودخل المسجد ، والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) جالس مع الناس والوفد قد سبقه ، فأخذ يلمحه ( صلى الله عليه وسلم ) خطوة خطَوة ، فتقدم الأشج فجلس . فالتفت إليهم ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ( من الوفد ) ؟ الوفود كثيرة ، والمدينة أصبحت في حالة انتظار للوفود فهو عام الوفود ، وفد يستقبل وفد ، ويودع وفد ، يأتي وفد ، ويذهب وفود . قال : ( من الوفد ؟ ) قالوا : ربيعة ( نحن من قبائل ربيعة ) . قال : ( مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى ) . ثم التفت إلى أشج عبد القيس ، وقال : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة ) . علم ذلك لأنه أتى بهدوء لابساً متجملاً ، ثم جلس ، ثم سأل سؤال العاقل . قال : يا رسول الله ، أخلقان جبلني الله عليهما أم تحليت بهما ؟ قال : ( بل جبلك الله عليهما ) . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلق يحبه الله ورسوله . ثم قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله ) ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( شهادة ألا إله إلا الله وأن تقيموا الصلاة وتؤدوا خمس ما غنمتم . وأنهاكم عن الدباء والنقير ( وفي لفظ المقير ) والمزفت ) ثم قال : ( أخبروا بها من وراءكم ) (54) . والنقير : هو الجذع الذي ينقر ، ويوضع فيه التمر ، والشعير ، فيصبح خمراً . والمزفت الجرار الخضر ، تطلى بالزيت ، بالقطران ، ويوضع فيها الشعير ، والتمر ثم تصبح خمراً . قالوا : وما أدراك يا رسول الله ؟ فقال : ( بل تنقرون جذوع النخل ، أو جذوع الشجر ، وتضعون فيه التمر ، والماء ثم يشربه أحكم فربما عدا على ابن أخيه بالسيف وضربه ) . قال : وفينا رجل عدا على ابن أخيه بالسيف فضربه في رأسه فأخذ هذا الرجل يخفي الضربة في رأسه بالعمامة . هذا وفد عبد القيس ، واستقباله في المدينة ، وكانوا من أحسن الوفود . |
يسسلمو الله يجزك خييير
اللهم صل على محمد |