أول وكيل للسيارات في البحرين عام 1923م
الحلقة الثالثة
الوقت - بشار الحادي - قسم الدراسات والتطوير:
علي يتيم أقدم صيدلي بحريني تخرج من جامعة عليكرة بالهند في عام 1910م وفي نفس العام عاد إلى البحرين ليؤسس أول صيدلية في تاريخ البحرين هي صيدلية يتيم، حيث أصبح لديه خبرة كافية في تصنيع الأدوية، اكتسبها من الصيدلانيين الهنود، الذين اشتهروا في تلك الفترة بكونهم من أفضل الصيدلانيين على مُستوى العالم. إلى جانب الأدوية قام علي يتيم باستيراد الساعات من سويسرا، وذلك بحصوله على وكالة ساعات الراسكوب المشهورة آنذاك بجودة صنعها، وجمال شكلها، إضافة إلى ذلك فقد كان تاجراً حاذقاً وقد استطاع في عام 1923م أن يصبح أول وكيل للسيارات في البحرين، كما حصل على وكالة شركة جنرال موتورز والتي حصل عليها من منطقة بوشهر، في أواخر عام 1923م اشترك علي يتيم إلى جانب خليل كانو في تأسيس ‘’شركة السيارات البرية والمواتر البحرية’’ وهي عبارة عن شركة مواصلات برية وبحرية.
كما كان له دور مهم في إدارة ‘’الشركة الاتحادية للأتومُبيل المسماة راني إيرانيان بحرين’’ عام 1924م كما قام في نفس السنة بتأسيس ‘’شركة مقاولات للهندسة والبناء’’ والتي كان لها الفضل في بناء قصر لحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في منطقة القُضيبية، ويذكر أن علي يتيم لم يكتف بجلب السيارات الإيطالية والأمريكية والساعات السويسرية بل أحضر إضافة ذلك أجهزة الكرامفون والكاميرات، والمناظير، ومضخات الرياح، وانتخب عضواً في مجلس إدارة بلدية المنامة في عام 1923م واستمر فيها عضواً إلى وفاته وهذه بعض أخباره كما يحكيها لنا التاريخ.
بعض إعلانات الصيدلية المنشورة في الجرائد القديمة:
ومن تلك الإعلانات، هذا الإعلان المنشور في ‘’جريدة القافلة’’ البحرينية في أوائل الخمسينات ورد فيه ما نصه:
صيدلية يتيم
يسرها أن تعلن للجمهور الكريم أنها فتحت فرعاً جديداً في الصيدلية لتركيب النظارات الطبية الصحية والمشرف على الفحص والتركيب هو الاختصاصي بقياسات النظارات الطبيعية للعيون عبدالإمام العيداني الحائز على شهادات رسمية في أخذ القياسات ورقم قوة العين وتركيب النظارات، المصدق عليها من قبل مدير مستشفى الحكومة الدكتور سنو، الدكتور بناجي، وكذلك الدكتور ميجر إيراني بالهند، وذلك بإذن رسمي من حكومة البحرين.
* دقة وسرعة في تحضير النظارات الطبية.. تسليم النظارة في 24 ساعة .
* عدسات من جميع الماركات، شنابر وروت حديثاً، نظارات شمس، عيون صناعية.
* كل هذا مع ما قامت به طيلة نصف قرن من الزمن على خدمة الإنسانية
البحرين تلفون .895
ومن الإعلانات هذا الإعلان المنشور في ‘’جريدة القافلة’’ في أوائل الخمسينات ورد فيه ما نصه:
بيبي أو. كي (BABY O.K).
هو أكمل وأحسن وأهدأ غذاء لطفلك لأنه مكون من جميع المواد الضرورية لنماء وتكوين الجسم (بيبي أو كي) هو غذاء الأطفال الوحيد الذي يشبه لبن الأم لزيادة التعليمات راجعوا الوكيل في البحرين.
صيدلية يتيم
ومن الإعلانات هذا الإعلان المنشور في ‘’جريدة القافلة’’ في أوائل الخمسينات ورد فيه ما نصه:
هل تريد أن:
يعود شعرك أسود لامعاً كما كنت في فورة شبابك؟
إذاً فعليك باستعمال الدهن العالمي العجيب
TELOTA HAIR DARKENING POMADE
الذي تجده في متناول يدك دائماً في صيدلية يتيم
تلفون 397 شارع التجار
علي يتيم أول وكيل للسيارات في البحرين العام 1923:
تشير المصادر إلى أنه في العام 1922 قام علي يتيم بشراء أول سيارة له - يظهر بأنه استوردها من الخارج - ونتيجةً لبعض الحوادث التي تسببت بها بعض السيارات - حيث إنه لم يكن هناك قانون للمرور آنذاك - ونتج عنها بعض التلفيات في الممتلكات، فقد قررت بلدية المنامة إصدار قانون وتشريع للمرور يُلزم بتعلم السياقة، وكان المدرب آنذاك هو المعتمد السياسي البريطاني في البحرين الميجر ديلي، حيث قام بتدريب عدد من المواطنين، منهم: الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، علي يتيم، خليل كانو، وغيرهم، يشير إلى ذلك عبدالعزيز بوحجي بقوله ‘’المعتمد البريطاني الميجر ديلي في الفترة من 1921 إلى 1926 هو أول من أعطى رخصة سياقة مُعترف بها للمغفور له الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، للمرحوم التاجر خليل بن إبراهيم كانو، للمرحوم علي بن أحمد يتيم وذلك في العام 1922م، هؤلاء هم أول من حصلوا على رخصة سياقة رسمية في البحرين، ثم بعد ذلك أعطى رُخصاً لسواق الشيوخ والأهالي في المحرق والمنامة’’. وب فقد كان علي يتيم من أوائل من حصلوا على رخصة سياقة بين البحرينيين.
يتيم وبداية استيراد السيارات
كقاعدة عامة البداية لم تكن فيما يظهر بوكالة إنما بدأت باستيراد سيارة أو عدة سيارات للتجربة، بدليل أنها كانت مختلفة الأنواع والماركات فنجد علي يتيم مثلاً يستورد سيارة من نوع الفيات وهي إيطالية، ثم يستورد الفورد وهي أميركية، ثم يستورد الهدسون ثم الشفروليت وهكذا، وب فالنتيجة أن الوكلاء الأوائل لم يكونوا يتقيدون بشركة واحدة، وإنما كانوا ينوعون في الاستيراد، لاختلاف الأذواق، لكن هل هذا بناء على طلبات الزبائن، أم أنه نوع من التنويع في البضائع، أم سببه الحاجة، لا نعلم حقيقة، لكن هذا أمر مُلاحظ في السنوات الأولى من استيراد السيارات في البحرين.
ويذكر العم الوجيه حسين بن علي يتيم أنه في العام 1923 قام علي يتيم بمكاتبة شركة فيات في إيطاليا لإحضار بعض السيارات إلى البحرين، وفعلاً قامت الشركة بإرسال سيارات عدة، ويشير العم حسين يتيم إلى أن السيارات التي أُرسلت عن طريق الباخرة كانت في صناديق ولم تكن مجمعة بل كانت مفرقة، كل قطعة من قطع السيارة مفصولة لوحدها، ثم يتم تركيبها عندما تصل إلى البلد المراد إيصالها إليه. يقول: وهكذا كان الحال في جميع السيارات القديمة، كانت ترسل مفرقة في صناديق ثم تجمع. ويضيف العم حسين يتيم: أن علي يتيم قد قام بإحضار سيارات الفورد من الولايات المتحدة الأميركية، وذلك قبل أن يقوم بإحضارها الحاج خليل إبراهيم كانو في العام ,1924 وكانت الوسيلة هي نفسها، فقد قام علي يتيم بمراسلة الشركة في أميركا، وطلب منها إرسال بعض السيارات لبيعها في البحرين.
كيفية الحصول على وكالة ‘’شركة جنرال موتورز’’:
تشير وثيقة مؤرخة بـ 24/2/1931م إلى أن علي يتيم قد قام في العام 1925 بالسفر إلى مدينة بوشهر للتفاوض مع ‘’شركة زكلر’’ وهي شركة لديها الكثير من وكالات السيارات، كما أنها تعمل في تجارة البترول والغاز، حيث إن وكالة عبادان كلها عند شركة زكلر، وقد قابل يتيم هناك مدير شركة زكلر المستر جاكسن وتفاوض معه بشأن إعطائه الوكالة في البحرين، وبعد المفاوضات والمباحثات المفصلة وافق مدير الشركة على ذلك، وكانت الاتفاقية على النحو :
‘’أن شركة زكلر تطلب السيارات ليتيم من أميركا وقطع الغيار من الإسكندرية (حيث إن شركة جنرال موتورز قد أسست في العشرينات مركزاً إقليمياً لعملياتها بالإسكندرية)، والجميع تقوم بتصديره ليتيم بالبحرين، كذلك تقوم شركة زكلر بإرسال رسم هندسة الكراج الجديد الذي سيقوم يتيم بافتتاحه في البحرين، وإرسال الميكانيكي المختص لعمل اللازم، ويكون لشركة زكلر عمولة مقدارها 5% مقابل جميع طلبات يتيم’’.
وقد وافق علي يتيم على هذه الاتفاقية ووقعها وعاد إلى البحرين، ويذكر أنه كان يبيع في كل عام 12سيارة فقط كما تشير إلى ذلك بعض الوثائق.
استمر علي يتيم في استيراد السيارات من بوشهر إلى العام 1927 ومن السيارات التي باعها سيارة صالون من نوع هدسون اشتراها أحد تجار المنامة ويدعى بالعجاجي بتاريخ 8/4/1928م بمبلغ وقدره 2218 روبية. كما أنه بتاريخ 25/11/1925م اشترى عبدعلي بن الحاج عبدالله العليوات سيارة من نوع أوفرلاند ودفع عربوناً مقداره 300 روبية. وبتاريخ 10/1/1926م اشترى الحاج أحمد بن علي سيارة من نوع أوفرلاند بمبلغ وقدره 2600 روبية. وبتاريخ 23/2/1926م أرسل الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين سيارته التي أصابها عطل في الإطارات إلى كراج الشركة وقامت بإصلاحها بمبلغ وقدره 120روبية وذلك قيمة 2 تاير من نوع كودير بيد طريخم من أمر عبدالله بن جبر الدوسري. كما أنه بتاريخ 5/3/1926م أرسل الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة سيارته الأخرى من نوع فورد إلى كراج الشركة لإصلاحها فقامت بإصلاحها عن 110 روبية، وأخيراً بتاريخ 18/5/1926م اشترى الحاج علي بن حسين خلفان سيارة من نوع فيات بمبلغ وقدره 3126 روبية.
ويذكر أن وكالة جنرال موتورز قد انتقلت فيما بعد من يتيم إلى العجاجي حيث أصبحوا في العام 1931م هم الوكلاء الحصريون لجنرال موتورز في البحرين والخليج.
يتيم يطلب آلة لشحن بطاريات السيارات من أميركا
بتاريخ 20/2/1926م أرسل علي يتيم تلغرافاً إلى أميركا يسأل فيه عن قيمة ماكينة تملئ بطاريات السيارات، وذلك نظراً لكون الكثير من أهالي البحرين قد انتهت بطاريات سياراتهم، ولم يستطيعوا استخدامها، إلا بشراء بطارية جديدة، وب فقد قرر علي يتيم إحضار آلة تشحن البطاريات، وذلك ليتم استخدام البطارية مرات أُخرى، ويذكر أنه وبعد أن جاءه الرد من الشركة الأميركية التي أشارت بوجود هذه الآلة، أرسل تلغرافاً آخر يطلب تحميلها إلى البحرين، وقد كانت كلفتها الإجمالية هي 1310 روبيات.
لم يكتف علي يتيم باستيراد السيارات فحسب بل قام باستيراد الدراجات الهوائية أيضاً، وقد ورد في أوراقه أنه بتاريخ 24/4/1926م باع علي يتيم على بيت الدولة دراجة هوائية بقيمة 95 روبية، لكن يظهر أن علي يتيم لم يتوسع في تجارة الدراجات وذلك نظراً لقلة الطلب عليها آنذاك.
تأسيس ‘’شركة السيارات البرية والمواتر البحرية’’
تشير بعض المصادر أن علي يتيم فكر إلى جانب التاجر خليل كانو في عمل شركة مواصلات في البحرين وذلك في أواخر العام 1923م، وقد عرض خليل كانو هذه الفكرة على عدد من التجار فلاقى تجاوباً ملموساً من كثير ممن طرح عليهم الفكرة، ومن المعلوم أنه في تلك الفترة لم يكن الجسر الذي يربط مدينتي المحرق بالمنامة قد أنشئ بعد، فكانت الحركة بين المدينتين مفصولة تماماً، والمواطنون يتم انتقالهم بين المدينتين عن طريق المراكب الشراعية وبعض اللنجات القليلة الموجودة آنذاك. إن فكرة تأسيس شركة مواصلات في المدينتين فكرة رائدة في البحرين والمنطقة، خصوصاً إبان تلك الفترة بسبب قلة عدد السيارات.
عندما وُجد التجار المؤيدين لتلك الفكرة طرحت أسهم الشركة، وأطلق عليها اسم ‘’شركة السيارات البرية والمواتر البحرية’’ وكان رأسمالها يقدر بـ مئة وواحد وعشرين ألف روبية 121.000 روبية، وجاء السهم الواحد بقيمة 50 روبية. وممن ساهم في الشركة: يوسف عيسى بوحجي، يعقوب كمال، محمد جمعة وغيرهم. وبعد أن جمع المال اللازم لتأسيس تلك الشركة عُين لها مجلس إدارة مكون من سبعة أعضاء هم: المدير خليل كانو، المحاسب محمد عبدالرحمن تقي، الأعضاء عبدالرحمن بن محمد الزياني، مقبل بن عبدالعزيز الذكير، عبدعلي بن رجب، علي يتيم وأعضاء آخرون، وقد خصص عدد من الباصات الخشبية لنقل المواطنين من المحرق إلى المنامة وبالعكس، وكذلك تم شراء عدد من اللنجات جلبت من العراق بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت للجيش الإنجليزي، وصارت تلك اللنجات تنقل المواطنين من المحرق إلى المنامة وبالعكس، بسعر أربع بيزات (خمسة فلوس) وتلك اللنجات كانت نظيفة ومظللة وترسو بالقرب من الرصيف المخصص لها في المدينتين. ولما كانت مثل هذه الشركات غير مألوفة لدى بعض الناس وكذلك بعض المساهمين فقد أدى ذلك إلى حلها بعد مضي سنتين فقط أي في أواخر العام 1925م. ويذكر خليل كانو أن من أهم الأسباب التي أدت إلى حل تلك الشركة هو عدم دفع بعض المساهمين للحصة الباقية من الأسهم، وكذلك صار بعضهم يستخدم الوسائل المتاحة ولا يرضى أن يدفع بيزة واحدة، بحجة أنه مساهم وصاحب حق في الشركة، وياليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل إن المساهم لا يريد لصديقه ومن يعرفه أن يدفع ولا فلساً واحداً، وهذا أسلوب غير منطقي، إذ كيف يتحقق الربح إذا كان المساهم يستخدم ممتلكات الشركة دون مقابل. بعد ذلك فكر مجلس الإدارة في حل الشركة، وقام خليل كانو واشترى كل الشركة بما فيها من سيارات وباصات خشبية ولنجات وصار هو المالك لها رسمياً، وقامت إدارة الشركة وأعادت الفلوس إلى أصحابها المساهمين، كلٌ حسب الأسهم التي اشتراها، وصار خليل كانو يضطلع بمسؤولياتها في توصيل المواطنين عن طريق الباصات واللنجات التي أصبح مالكاً لها.
وتشير أوراق علي يتيم إلى أنه كان ضمن المديرين لهذه الشركة، حيث إنه قد ورد في وثيقة مؤرخة بـ 27/10/1925م أن ‘’رأس مال (شركة اللنج والمواتر) وصافي حسابها منذ تأسست لحد 30 ربيع أول سنة 1344هـ هو 27.687 روبية’’ مما يدل على أن علي يتيم كان يطلع على رأس مال الشركة وعملها، وأرباحها وخسائرها، وهذا طبعاً لا يطلع عليه إلا من كان عضواً في مجلس الإدارة.
تأسيس «الشركة الاتحادية للأتومُبيل المسماة راني إيرانيان بحرين»«1924م»
في العام 1924م عرض مجموعة من التجار الإيرانيين مشروعاً تجارياً على علي يتيم وهو عبارة عن تأسيس شركة مواصلات برية في البحرين، وبعبارة هذا العصر شركة لسيارات الأجرة (التاكسي)، يتم تمويلها من خلالهم، وقد تم الاتفاق على أن تكون شركة مساهمة، وأن تكون قيمة السهم الواحد هي 25 روبية فقط، أما دور علي يتيم في هذه الصفقة فهي عبارة عن وكيل لهؤلاء التجار في البحرين، كما يقوم بإدارة هذه الشركة ومُتابعة شؤونها، من صيانة للمركبات، وتصليح لما هو عاطل منها، وترتيب أجور السائقين ودفع مرتباتهم، وما إلى ذلك، كما أنه المدير العام للشركة، أما مسمى الشركة الذي اختاره التجار الإيرانيين فهو ‘’الشركة الاتحادية للأتومبيل المسماة راني إيرانيان بحرين’’، ويذكر أن هذه الشركة لم تطل بها المدة، لا نعلم حقيقة السبب وراء إغلاقها، هل كان نتيجة منافسة ‘’شركة المواتر البرية والبحرية’’، أم أن هناك أسباباً أخرى، المهم أنها حُلت وأغلقت في العام 1925م وبعد عام واحد فقط من عملها.