اللعهم اهدنا فيما هديت وعافنا فيما عافيت وغفر لنا كل ذونوبنا خطايانا يا ارحم الراحمين .
اللهم صل على سيدنا محمد وال سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا.
انتشرت هذه الايام بين المسلمين لغط كثيرا يدور حول هل هناك عذاب فى القبر ام لا وخصوصا ان الكاتب ابراهيم عيسى الذى قال بكل وضوح ان رأيه بانكار عذاب الفبر هو مجرد اقتناع برأى الامام ابن حزم ! ، الذى استند الى حجة مفادها انه لا عذاب دون حساب ، والحساب يوم الحساب موش قبله !
ورأى الامام الشعراوى منشور فى فيديوهات بيقول فيه انه لا عذاب فى القبر ، لكن الميت يشعر بمصيره تماما كما يشعر المقبوض عليه بانه سيعاقب عندما يحبس فى القسم فى حجرة بها ادوات تعذيب ، كما يشعر براحة لو تم وضعه فى مكتب المأمور لحين العرض على النيابة ويشعر انه ناج
الفيديو
وهنا نعرض بالادلة من الكتاب والاحاديث الشريفة ثبوت عذاب القبر
دلة الكتاب والسنة على عذاب القبر
قال تعالى: { النار يعرضون عليها غدواً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر: 46 ). والعرض على النار هنا نوع من العذاب وهو حاصل قبل يوم القيامة بلا شك، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فدل ذلك على ثبوت عذاب القبر، وهذا المعنى يؤيده ما رواه البخاري و مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ).
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون }( الطور: 45-47) وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } يقول: " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة ".
وقال تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون }( الأنعام: 93)، فقول ملائكة العذاب: "اليوم" يدل على الزمن الحاضر وهو بلا شك قبل يوم القيامة. فدل ذلك على أن الكفار يعذبون قبل البعث والحساب.
هذه بعض الآيات الدالة على عذاب القبر
وأما الأحاديث الشريفة التى وردت عن النبى صل الله عليه وسلم فهي كثيرة نذكر منها ما ثبت:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة.. فقال: ( من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر ؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء ؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم . فقال: صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم . قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال ) رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنها قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) متفق عليه.
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل، جاء فيه عن العبد المؤمن: ( قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام . فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره .. ) رواه أحمد .
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله في ثبوت عذاب القبر ونعيمه - لمن كان لذلك أهلا - وسؤال الملكين . فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذا الدار " .
وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة :" وقد أجمع على ذلك – أي عذاب القبر ونعيمه - الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين " ، وممن نقل الإجماع أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره .
شبهات من أنكر عذاب القبر والرد عليها
مما استدل به المنكرون لعذاب القبر ونعيمه قول الله عز وجل: { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) قالوا: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
واستشهدوا على إنكارهم أيضا بقوله تعالى: { وما أنت بمسمع من في القبور }(فاطر: 22) قالوا: إن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم السماع، ولو كان الميت حيا في قبره أو حاسا لم يستقم التشبيه.
هذا من جهة النقل، أما من جهة العقل فقالوا: إنا نرى الشخص يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه، ولا نشاهد فيه أيّاً من علامات الحياة فلا نراه يعذب ولانراه ينعم.
ونرى الرجل يحرق بالنار، وتأكله السباع، ولا نرى أثرا لما تقولونه من عذاب القبر ونعيمه.
وللإجابة على ذلك نقول أما قوله تعالى:{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) وقولهم: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
فالجواب على ذلك أن الإيمان بحياة الأموات في قبورهم لا يقتضي مساواة حياتهم في البرزح بحياتهم في الدنيا، بل هي حياة خاصة قدرها الله سبحانه لهم، وعليه فلا يلزم ما قاله المنكرون لعذاب القبر ونعيمه من أنه لو كان الأموات منعمين أو معذبين للحقهم الموت مرة ثانية إذ ذلك لا يلزم إلا في حال تساوي الحياتين.
ومنشأ هذا الخلط عند منكري عذاب القبر هو ظنهم أن الموت هو عدم محض لا يشعر معه صاحبه بشيء وهذا ما ترده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة .
ثم إن الآية جاءت في سياق الامتنان على أهل الجنة بأنهم خالدون فيها لا يذوقون الموت سوى ما ذاقوه أول مرة في حياتهم الأولى، فليس في الآية حديث عن عذاب القبر ولا نعيمه ولا تعلق للآية به، فالاستدلال بها إقحام لها في غير سياقها ومساقها .
أما استشهادهم بقوله تعالى:{ وما أنت بمسمع من في القبور }( فاطر: 22) فالجواب عنه بأن الآية وردت في سياق تشبيه حال الكفار من حيث عدم انتفاعهم بسماع المواعظ والآيات بحال أهل القبور الذين لا ينتفعون بشيء مما يلقى عليهم، فالآية تنفي سماع الانتفاع لا مطلق السماع بدليل أن الكفار وهم المرادون في الآية بالأموات يسمعون الآيات بلا شك ولكنهم لا ينتفعون بها .
هذا ما يتعلق برد استدلالهم بالمنقول على إنكار عذاب القبر ونعيمه، أما استدلالهم بالمعقول وبالحس فالرد عليه من وجوه:
الوجه الأول: أن الله قد حجب عنا معرفة ما يحصل للميت شفقة بنا لئلا نترك دفن موتانا، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ) رواه مسلم
الوجه الثاني: أن عدم رؤيتنا لما يحصل للميت من عذاب أو نعيم لا يعني عدم وجوده فقدرة الله ليس لها حدود، فهو قادر سبحانه على أن يعذب أو ينعم من مات محروقا، أو مات مأكولا، فالله لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.
الوجه الثالث: أننا نرى اليوم من طرق التعذيب أنواعا مختلفة لا تترك آثارا في الجسد كالتعذيب الكهربائي مثلا أو التعذيب النفسي، وهي أنواع من التعذيب ربما تكون أقسى من تلك التي تترك ندوبا في الجسد وآثارا.
الوجه الرابع: أن من أصول الإيمان عندنا الإيمان بالغيب، وعذاب القبر منه، وإنكار عذاب القبر ونعيمه بدعوى عدم مشاهدته أو الإحساس به، هو فتح لباب جحود الغيب على مصراعيه، فالملائكة تطوف حولنا وتكتب حسناتنا وسيئاتنا ولا نراها ومع ذلك نؤمن بها، وكذلك الجن، فهل يعد عدم رؤيتنا لذلك مبررا لإنكار تلك الغيبيات .
ومما ينبغي التنبيه عليه أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه إن لم يتجاوز الله عنه، قبر أم لم يقبر ، فلو أكلته السباع، أو حرق حتى صار رماداً، أو نسف في الهواء، أو أغرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل من المقبور، قاله ابن القيم رحمه الله ونقله عنه السفاريني في لوامع الأنوار.
وبهذا يظهر أن من أنكر عذاب القبر ونعيمه ليس معه من العلم سوى الأوهام، وأن دلائل الكتاب والسنة قائمة على إثباته وتحقيقه، والله أعلم .