الصلاة عماد الدين
فرض الله الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية، وجعلها أحد أركان الإسلام ومبانيه بل هي أعظم أركانه بعد الشهادتين، فرضها على عباده المؤمنين لكي يرفع بها درجاتهم، ويضاعف بها حسناتهم، ويحط بها عنهم ذنوبهم وخطاياهم وسيئاتهم، ويدخلهم بها الجنة وينجيهم بها من النار، مع أداء بقية الواجبات وترك المحرمات، فرضها الله تعالى على نبيه وأمته ليلة الإسراء خمسين صلاة ثم خففها إلى خمس صلوات رحمة منه بعباده، وتيسيرًا عليهم وإحسانًا إليهم وجعل أجر هذه الخمس خمسين كرمًا منه وجودًا وإحسانًا وتفضلاً وامتنانًا، فرضها الله تعالى على الذكر والأنثى والحر والعبد والمقيم والمسافر والغني والفقير والصحيح والمريض، فلا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا بل يؤديها المريض على حسب حاله وقدر استطاعته، والصلاة دعاء وابتهال وخشوع وامتثال توثق صلة العبد بربه فيفيض عليه من خيره وتطهر نفسه وتزكي قلبه وتعوده الإخلاص لله والابتعاد عن النفاق وتبعث في جسمه النشاط لما يقوم به من حركات متنوعة وتكون عونًا له على أموره وسببًا في حفظه وسلامته وكفايته، يقرأ فيها المصلي القرآن وقلبه خاشع وذهنه حاضر ويستمع إليه فيتعلم من علومه ويهتدي بهداه وتصفوا نفسه ويستنير عقله لهذا كانت الصلاة عنصرًا أساسيًّا في بناء الإسلام فلا دين ولا إسلام لمن تركها قال الإمام أحمد وقد جاء في الحديث لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظه من الإسلام على قدر حظه من الصلاة ورغبته في الإسلام على قدر رغبته في الصلاة فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام عندك كقدر الصلاة في قلبك( ).
والصلاة من الإسلام بمنزلة عمود الخيمة فما دام العمود قائمًا انتفعت بالأطناب والأوتاد فإذا سقط العمود سقطت ولم تنتفع بالأطناب ولا بالأوتاد فكذلك الصلاة من الإسلام فلا يقبل من تاركها زكاة ولا صيام ولا حج ولا جهاد ما دام تاركًا لهذا الركن العظيم من أركان الدين الذي يقوم عليه. وتارك الصلاة أعظم جرمًا من الزاني والسارق وشارب الخمر لأن هؤلاء مسلمون عصاة إذا كانوا يصلون أما تارك الصلاة فهو كافر بنص الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله ( ) فالتهاون بالصلاة وتأخيرها عن وقتها والتخلف عن جماعتها من أعظم المصائب وأقبح المعائب وقد توعد الله فاعل ذلك بالويل والغي والخسران وأخبر عن أهل النار أنهم إذا سئلوا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين المدثر (43) وحكم تارك الصلاة متعمدا هو القتل فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثهم ولا يرثوه ولا يزوجوه، ومما شرعه الإسلام أداء الصلاة جماعة في المساجد لحكم بالغة ومزايا جمة وفوائد جسيمة، ففي كل خطوة يمشيها المسلم إلى المسجد رفع درجة وحط خطيئة والملائكة تصلي عليه ما دام في المسجد وتدعو له بالمغفرة والرحمة، وفضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة والقيام بها تأليف بين المسلمين وجمع لقلوبهم في أكبر عبادة ( ) مهذبة للنفوس، وفيها تتحقق الوحدة والعدالة والمساواة بين المسلمين حيث يقف الكبير والصغير والغني والفقير والرئيس والمرؤوس جنبًا إلى جنب، وفيها يتعلم الجاهل من العالم والمأموم من الإمام أحكام الصلاة وغيرها بطريق عملي ونظري، أما تخلف المسلم عن صلاة الجماعة فإنه من أسباب نسيانها وتأخيرها عن وقتها ومن علامات النفاق وقد قال عبد الله بن مسعود من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ( ) فليتق العبد المسلم ربه في أموره عامة وصلاته خاصة وليحافظ عليها في أوقاتها مع الجماعة في المساجد حتى يموت مسلمًا ويفوز بعظيم الأجر المعد لمن حافظ عليها ويسلم من الإثم والوزر والخسران المعد لمن ضيعها.