الواعظ الصامت
القبر : ما هو إلا تلك الحفرة التي سينام فيها الإنسان ، عندما تتوقف الآلة التي كان يعمل من خلالها ، بعد أن ينتهي من أداء الاختبار الذي كان قد كلف بأدائه.
القبر: الذي تظهر فيه النتائج الأولية للاختبار في دار الدنيا بعد أن يستقر بهذه الحفرة .
يقول الرافعي عن القبر: (( يعرف منه
أن العمر على ما امتد محدود بلحظة ،
وأن القوة على ما تبلغ محدودة بخمود ،
وأن الغايات على ما تتسع محدودة بانقطاع )) .
هكذا يتوقف كل شيء هناك في تلك الحفرة ، ولا يبقى إلا العمل الذي قدمه صاحب القبر ، يسأله عنه منكر ونكير ، ولا يبقى بعدهما إلا هذا الجليس المؤنس الوحيد : العمل .
فإما عمل يحيل قبره إلى روضة من رياض الجنة ،
وإما عمل يحيل قبره إلى حفرة من حفر النار عياذا بالله .
ووالله لولا قسوة القلوب ، والانشغال بالوسائل التي تعين على أداء الهدف الذي خلقنا من أجله ، لتذكر الإنسان عند ولادته اليوم الذي يدفن فيه .
يقول الرافعي : كل من يهرب من شيء يتركه وراءه إلا القبر ، فما يهرب منه أحد إلا وجده أمامه ، هو أبدا ً ينتظر غير متململ ، وأنت أبدا متقدم غير متراجع .
فجدير بمن : الموت مصرعه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقره ، وبطن الأرض مستقره ، والقيامة موعده ، والجنة أو النار مورده ، ألا يكون له فكر إلا في الموت ، لا ذكر إلا له ، ولا استعداد إلا لأجله ، ولا تدبير إلا فيه ، ولا تطلع إلا إليه ، ولا اهتمام إلا به ، ولا انتظار وتربص إلا له .
إن الأرض تغار لربها : فهي تضم على قدر فرحها بك وبلقائك أو بقدر غضبها لله وحنقها ( غيظها) عليك .
أفق يا عبد الله وتجهز واستعد واعمل صالحا تجده هناك في قبرك ويوم حسابك وعرضك .
قال تعالى :{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } (50 : الذاريات)
أسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة
فلا يتوفانا إلا و هو راض عنا غير غضبان
إنه ولي ذلك و القادر عليه
و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد و آله
و الحمد لله رب العالمين