عدو أم حبيب ؟ ـ إيمان القدوسي
صيحة ترددت في الحواديت الساذجة يوجهها ( أبو الريش ) زعيم جماعة بدائية لوافد غريب ساقته أقداره إلي هناك فيسأله بصوته الجهوري الرنان ( لماذا جئت إلينا هنا ؟ وهل أنت عدو أم حبيب ؟ ) يتردد صدي صوته في أجواء الخيال ليجعلنا نضحك من سطحية تفكيره ، وهل كل إنسان أراه للمرة الأولي لابد أن يكون عدو أو حبيب ؟ وهل أصدق إدعاؤه لو قال أنه حبيب ؟ أليس من الواجب أن أتعامل معه أولا حتي أكتشف بنفسي من خلال مواقفه المختلفه حقيقة شخصيته ونواياه ؟
عبر رحلة الحياة نكتشف أن بعض المقولات التي كانت تبدو لنا ساذجة هي صحيحة إلي حد كبير فكثير ممن تعاملنا معه يمكن أن نصنفه فعلا ومنذ اللحظة الأولي علي أنه عدو أو حبيب
ليس بالمعني الحرفي للكلمة بالطبع ولكن هل هو شخصية قتالية أم شخصية مسالمة؟
فهناك طائفة من الناس أدت طريقة تربيتهم وبيئاتهم الأولي وتكوينهم الشخصي وربما جيناتهم أيضا إلي اكتساب صفات صراعية هجومية حادة ومزعجة أحيانا ولذلك فهم ينجحون ويتألقون في أجواء الصراع والتفاوض الصعب ومواجهة الخصوم وإثارة المشكلات والسعي لانتزاع الحقوق وكل ما يتناسب مع تكوينهم القتالي ، بعضهم يوظف طاقته هذه في الخير فيصبح قائدا عسكريا ظافرا ، ومديرا لمستشفي متألقا ، وصحفيا ثائرا مشاغبا ،ومحامي شاطر ينتزع حقوق موكليه من أنياب أعتي الخصوم ، فيثير الإعجاب والتقدير ولكن لو دخلت معه في علاقة تتطلب الحنو والرقة والصفاء سيصيبك الإحباط ، فإذا اتخذته صديقا فليكن في حدود طبيعته الخاصة ولا تركن إليه كثيرا أو تتوقع أنه سوف يغير طبيعته معك ، فمع أول خلاف سوف تبرز أنيابه في مواجهتك .
العكس أيضا صحيح تماما ، هناك شخصيات تذوب رقة وحنانا ولديها قدرة فذة علي العطاء والتمسك بكل قيم الوفاء النبيلة ،ورغم ندرة تلك الشخصيات إلا أنها موجودة وتنير بصفائها جوانب من حياتنا ، تراه محسنا كريما معطاء ، وتراه مصلحا بين الناس ، وداعية للخير أينما حل ، ولكنك تخطئ أيضا لو تجاوزت طبيعته في علاقتك به وطالبته بأن يقاتل من أجلك ، فسوف يذهب لخصمك ويعود وقد غلبه تعاطفه مع الآخرين والتماس العذر لهم ليقول لك أنك ربما عليك أن تتنازل أنت عن المزيد من أجل الطرف الآخر !
تقع غالبية الناس في المسافة الوسطي بين هاتين الشخصيتين ، بعضهم أقرب للمقاتل وبعضهم أقرب للمحب الرحيم ، خيرهم أوسطهم والذي يعرف متي ومع من يصبح حانيا رقيقا ومتي يحين وقت الدفاع عن الحقوق بالمغالبة والحرب .
تتسم بعض الشعوب بأحد الصفتين وتميل لها أكثر، فالشعب المصري مثلا أقرب للانفتاح علي معاني الحب والرحمة والتسامح بسبب ما حباه الله به من طبيعة سهلة في أرضه وجوه ونيله المنساب وبسبب التراكم الحضاري الضخم الذي هذب طباعه وارتقي بنفسه وأكسبه ثقافة أصيلة تلمسها في تعاملك مع البسطاء قبل المتعلمين وبسبب تدينه الفطري العميق ، وهناك شعوب أخري أقرب للعداء والاستفزاز لأسباب خاصة بطبيعة بلدانهم وتاريخهم وهويتهم الخاصة .
ـ ـ ـ ـ ـ
من جانب آخر وعلي المستوي الشخصي فهذا أحد أسباب معاناة الزوجات ، فمن بهرتها شخصيته القوية وقدرته علي التفوق في الزمن الصعب ، تشكو بعد ذلك من افتقادها للمسة الحنان ورقة الرومانسية التي تحتاجها المرأة ولا تستغني عنها ، ومن تزوجته لطيبته وحنانه وبره بأمه تشكو من افتقادها للرجل القوي وحامي الحمي الذي يزود عنها وعن أسرته وقت اللزوم ، ماذا تفعل الزوجة غير الشكوي التي لاجدوي منها ؟
تحاول أن تجبر النقص في شخصية زوجها بما حباها الله من إمكانيات استثنائية مبهرة ، تتفهم طبيعته وتعترف ـ علي الأقل داخل نفسها ـ بالجانب الجيد المتوفر لديه ، استمع كثيرا لشكايات النساء ، وأجد الحل لديها هي ، فهي تقول ( طبعه صعب ولذلك ألين معه ولا أتصادم وقت غضبه ) أو العكس ( هو إنسان حنون ومحب ولكنه طيب أكثر من اللازم ولذلك أقوم بدلا منه بالحزم المنزلي داخل البيت وأحيانا خارجه ) .
لا تخلو جعبة الزوجة أبدا من حلول ومواءامات لتسير السفينة لبر الأمان .
ذلك المخلوق الرائع المسمي ( المرأة ) هو هدية الله للرجل وآية من آياته يقول تعالي ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) يالروعة الوصف القرآني زوجتك جزء من نفسك وهي سكنك واللغة المشتركة بينكما هي المودة والرحمة، هي القوة الناعمة ومصدر الطاقة والدفع لاستمرار الأسرة ، هي نبع الحنان ورمز الجمال وأساس البيت ، وهي التي تتحمل ما ينوء به الجبال في سبيل أسرتها ، ومن بينها عيوب شخصية الزوج ، فهي تتحور وتتكيف معه ، وتجبر نقصه وتسد مكانه في أحيان كثيرة ، وسواء كان الرجل مقاتلا أو مسالما أو بين بين فلا أقل من أن يقول لها ما تود سماعه من كلمات الحب والشكر والعرفان .