نجوم مصرية
منتديات نجوم مصرية المنتدى العام منتدى الحوار العام



تابع نجوم مصرية على أخبار جوجل




استفد وتعلم من تجارب الاخرين - بريد الجمعة - وتعليقات الاستاذ عبد الوهاب مطاوع الرائعة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

الحياة مليئة بالاحداث والتجارب من حولنا وعلينا ان نستقيد بما يمر به الاخرون من محن ومشكلات وتجارب

ومنذ سنوات وانا اتابع بريد الجمعة في الفترة التي كان الاستاذ عبد الوهاب مطاوع مشرفا على بريد الجمعة في الاهرام ولكم استفدت من قرائتي لتلك التجارب ولكم استمتعت بردود الاستاذ عليها
تابع نجوم مصرية على أخبار جوجل



وإن شاء الله رب العالمين سأضيف رسائل وقصص تباعا في هذا الموضوع وانني على يقين انكم ستفيدون جدا من تلك القصص والعبر والتجارب

فهرس الموضوع
على اسم القصة للقراءة المباشرة لها

اليوم السابع‏!‏
الدور العلوي‏!‏
الثمن الغالي‏!‏
الواجب الثقيل‏!‏
نظرية الأرض‏!‏
الخطة الجهنمية‏!‏
النظرة الأخري‏!‏
الشاهد‏!‏
النوافذ المغلقة!‏
حق الاختيار‏!‏‏

تمنياتي لكم بالمتعة والفائدة






المقال "استفد وتعلم من تجارب الاخرين - بريد الجمعة - وتعليقات الاستاذ عبد الوهاب مطاوع الرائعة" نشر بواسطة: بتاريخ:
lionhmada
اليوم السابع‏!‏

أنا شابة في الثالثة والعشرين من عمري‏,‏ ارتبطت وأنا في السادسة عشرة عاطفيا بشاب يكبرني بعشر سنوات‏,‏ وخلال هذا الارتباط سافر الي فرنسا في بعثة للحصول علي الدكتوراه في القانون التجاري‏,‏ ورجع بعد ثلاث سنوات ظافرا بها ومقيما علي الحب الذي جسم بيننا فازداد فخري به واعتزازي بتدينه وثقافته الراقية واحساسه المرهف‏,‏ ثم تمت خطبتنا وأنا طالبة بالسنة الأولي بكلية الاقتصاد المنزلي‏,‏ واستمرت الخطبة عامين توثقت خلاله روابطنا أكثر فأكثر ثم تم عقد القران في حفلة جميلة‏,‏ وبعدها بأربعة أشهر توجنا قصة الحب الطويلة بالزفاف في حفلة أخري نالت اعجاب الجميع‏..‏
وبدأنا حياتنا الزوجية معا وأنا في الحادية والعشرين من عمري‏,‏ ومن اليوم الأول أدركت انني قد تزوجت من رجل تتمناه كل فتاة في مثل سني‏,‏ وعاهدت نفسي علي أن أهبه كل مافي طاقتي من حب وحنان‏,‏ ودعوت الله أن يعينني علي ذلك وان يشملنا برعايته ليكون بيتنا قائما دائما علي الود والتفاهم‏..‏
والحق أني قد شعرت بانني أعيش في حلم جميل من اليوم الأول الذي تفتح فيه وعيي للحياة‏,‏ فلقد حظيت دائما بحب أبي وأمي وأخوتي‏,‏ ونشأت في بيت يسوده الوئام‏..‏ وتتعاون فيه أمي مع أبي في كل شيء حتي في مجال عملهما الذي يتشاركان فيه‏..‏
فكان تساؤلي دائما هو‏:‏ هل تستمر الحياة وردية اللون هكذا‏,‏ كما بدت لي طوال السنوات الماضية؟ ولم يتأخر الجواب عني كثيرا فبعد ستة أيام من الزفاف الجميل والسعادة الصافية‏..‏ ارتفعت درجة حرارتي وزرت الطبيب فشخص حالتي بانها التهاب في المثانة ووصف لي العلاج وفي اليوم السابع صحوت من نومي وأنا أشعر بتنميل غريب في قدمي الاثنتين‏..‏ فظننته في البداية تنميلا عاديا كالذي نشعر به حين نضغط لبعض الوقت علي إحدي القدمين‏..‏ فينحبس الدم فيها‏,‏ ونفقد الشعور بها جزئيا الي ان تنشط الدورة الدموية فيها مرة أخري‏,‏ لكن التنميل استمر‏..‏ وازداد‏..‏ وحاولت النهوض فشعرت بعدم قدرتي علي الحركة‏..‏ واتصلت تليفونيا بأمي لاشكو لها ما أشعر به فهرولت الي ومعها والدة احدي صديقاتي وهي طبيبة ففحصتني باهتمام ثم ظهرت عليها علامات الانزعاج ووجدتها تطلب من أبي وأمي وزوجي نقلي علي الفور الي مستشفي عين شمس التخصصي‏,‏ لانها اكتشفت اصابتي بفيروس في النخاع الشوكي‏,‏ وهو مرض إذا اصاب الجسم فانه يبدأ بفقد الاحساس في الاطراف السفلي ثم يتصاعد فيه الي ان يصل الي المخ‏..,‏ ونتائجه تتراوح بنسب متكافئة بين الشلل التام لكل الجسم أو الموت أو الشفاء منه بعد عناء طويل وعلاج مضن‏.‏
وتم نقلي علي الفور الي المستشفي وخلال وجودي في حجرة الاستقبال بالمستشفي في انتظار نقلي الي حجرتي اقترب مني زوجي وأنا في شدة الخوف والاضطراب‏..‏ ثم همس في أذني ببضع كلمات يحثني فيها علي الصبر والتحمل‏..‏ والشجاعة‏,‏ ويقول لي إن هذه هي أول شدة تواجهنا معا‏,‏ وسوف نصمد لها ونجتازها بالصبر والتحمل والايمان‏..‏ فهدأت نفسي بعض الشيء‏,‏ وامتثلت لأقداري وأمضيت الليلة الثامنة لي بعد الزفاف في المستشفي‏..‏ وليس في عش الزوجية‏..‏ وبدأ علاجي علي الفور بالكورتيزون ولمدة‏5‏ أيام متصلة علي مدي‏24‏ ساعة‏..,‏ وأمي تبكي وأبي ينطق وجهه بالألم‏..‏ وإخوتي مضطربون‏..‏ وزوجي يحاول التماسك أمامي ولا يكف عن تشجيعي وشد أزري‏..,‏ والأطباء يقولون لي ان الاكتشاف المبكر لحقيقة المرض سوف يساعد باذن الله علي تحقيق نتائج طيبة للعلاج‏.‏
ومضت أيام المستشفي ثقيلة وطويلة‏..‏ وذات يوم وجدت أصبعا في قدمي اليمني تتحرك فبكيت لأول مرة منذ داهمتني هذه المحنة‏..‏ ونبهت الطبيب اليه فسعد بذلك جدا‏,‏ وقال لي إن هذا دليل علي وجود حياة بالعصب‏,‏ وعلي أن العلاج بالكورتيزون قد بدأ يؤتي أثره‏.‏
وبالرغم من الاعياء الذي كنت أشعر به من تأثير الأدوية المستمرة‏,‏ فقد وجدت في نفسي رغبة قوية في الاستذكار وأداء امتحان السنة الثالثة بكليتي‏,‏ وحاول أبي وأمي اقناعي بالاعتذار عنه فرفضت ذلك وقلت لهما إنني إذا كنت قد فقدت الاحساس بقدمي وساقي فإني لم أفقد الاحساس بيدي وذراعي ومازال عقلي بخير‏..‏ وأيدني زوجي في هذا القرار‏,‏ وبدأت وأنا في المستشفي في الاستعداد للامتحان وراح زملائي وزميلاتي بالكلية يمدونني بكل ماأحتاج اليه من كتب ومذكرات‏..‏ وخلال وجودي بالمستشفي جاء عيد الأضحي‏..‏ وشاهدت في التليفزيون الحجيج وهم يطوفون بالكعبة المشرفة‏..‏ فتذكرت يوم طفت حولها علي قدمي مثلهم‏..‏ وكيف قبلت فيها الحجر الأسعد‏..‏ فانهمرت دموعي بغزارة وبكيت طويلا‏,‏ وراح من حولي يحاولون التخفيف عني‏..‏
ثم جاء يوم خروجي من المستشفي‏..‏ وبالرغم من انني غادرته فوق كرسي متحرك إلا انني كنت سعيدة لانني سأرجع الي بيتي ومملكتي التي لم أهنأ بها سوي أسبوع واحد‏..,‏ ورغبت أمي ان انتقل من المستشفي الي بيت اسرتي لكي ترعاني وتمرضني وتشرف علي علاجي الذي سيطول شهورا وشهورا الي ان يأذن الله لي بالشفاء‏..‏ وتمسكت برغبتها هذه لسبب آخر اضافي هو ان فقدي الاحساس بالنصف السفلي من جسمي‏,‏ قد افقدني القدرة علي التحكم في الاخراج فرغبت أمي ألا يري مني زوجي الشاب ماقد اخجل أنا من أن يراه أو مايتناقض مع صورة العروس الجميلة التي تزوجها‏..‏ لكني رغم تقديري لدوافع أمي لم اشاركها رأيها هذا‏..‏ وصممت علي أن اغادر المستشفي الي بيتي وليس الي بيت أسرتي‏,‏ وقلت لأمي إنني أريد أن أري كيف سيقف زوجي الي جواري في هذه المحنة وهل سيقبلني في حالة المرض بنفس الروح التي يتقبلني بها في حالة الصحة أم لا‏..,‏ وهل سيصمد لهذه المحنة أم سيتخلي عني فيها؟
ورجعت الي بيتي الصغير عاجزة عن المشي‏,‏ ووجهي منتفخ وتنتشر فيه البثور من أثر الأدوية‏,‏ وتقبلت حياتي الجديدة بشجاعة ورضا وتمسكت بالأمل في الشفاء الكامل والعودة الي الحركة والنشاط ذات يوم قريب أو بعيد ووجدت في زوجي كل ماتمنيته فيه من حب ومساندة ورعاية وحنان‏.‏
واستكملت العلاج في البيت وبذل زوجي وأمي وأبي كل مافي وسعهم للعناية بي‏,‏ اما اختي التي تصغرني بست سنوات فقد راحت تحملني من مكان لمكان وكأنها اختي الكبري‏,‏ وأمي وليست الأخت الصغيرة‏..‏
وتقدمت الي الامتحان وأنا علي الكرسي المتحرك ونجحت فيه بحمد الله وتوفيقه‏..‏
ثم بدأت لأول مرة في المشي قليلا بمساعدة المشاية داخل البيت‏..,‏ وتزايد الأمل في الشفاء التام في نفوسنا وأشرقت البهجة علينا‏..‏ فاذا بي أصاب فجأة بمرض جلدي في كتفي راح يسبب لي آلاما رهيبة ضاعفت من معاناتي‏..‏ وتبين من الفحص انه مرض ينتج عن فيروس كامن في الجسم لكنه لاينشط إلا إذا ضعفت مناعة الجسم ويكو ظهوره علي شكل بقعة في الجلد يشعر الانسان فيها بشكشكة إبر حادة مؤلمة ولا تتوقف ولا علاج لها إلا بالمسكنات‏..‏ وتحملت هذه الآلام الرهيبة الجديدة واستعنت عليها بذكر الله‏..‏ والاستنجاد به ان يخففها عني ويشفيني من كل امراضي‏..‏
ومضت الأيام وأنا أعاني من آلام وأحزان لاقبل لي بها‏..‏ وراح من حولي يتساءلون‏:‏ لماذا يحدث لي كل ذلك‏..‏ ولجأوا الي المشايخ يستفسرونهم في ذلك‏,‏ وفي اليوم الذي اشتد بي فيه الحزن علي نفسي اراد الله سبحانه وتعالي ان يذكرني بنعمته علي ويخفف عني احزاني‏..‏ فإذا بي اكتشف انني حامل‏!‏ وإذا بمشاعري تتضارب بين السعادة بهذا الحمل والقلق بشأنه‏,‏ وكان مبرر القلق عندي هو انني فاقدة الاحساس بنصفي الأسفل جزئيا‏..‏ فكيف سأشعر بما تشعر به الحامل خلال شهور الحمل‏..,‏ وهل ستؤثر اطنان الأدوية التي تناولتها علي الجنين‏..,‏ وهل سيجيء الي الحياة صحيحا معافي أم متأثرا بسموم الدواء؟
أما والدتي فلقد اشتد قلقها علي حين علمت بنبأ الحمل‏..‏ لانه يتطلب التوقف عن تناول المسكنات القوية التي تهديء من آلام المرض الجلدي‏,‏ فكيف سأتحمل هذه الآلام إذا توقفت عن المسكنات‏..‏؟‏,‏ وبعد تفكير قصير نصحتني أمي بالتخلص من الجنين لأني لن استطيع احتمال آلام المرض الجلدي ومتاعب الحمل مع أثار الأدوية التي تناولتها‏..‏ ولأن الحمل سيؤثر علي صحتي التي تعاني من أثار الأدوية‏..‏ كما أن هناك شكا قويا في قدرتي علي الولادة الطبيعية واحتمال آلامها‏..‏ لكني تمسكت بجنيني باصرار‏,‏ وقلت لأمي إنني سأتوقف عن تناول المسكنات‏,‏ وسوف اتحمل آلام المرض الجلدي‏,‏ ومتاعب الحمل صابرة‏,‏ ولن أفرط في جنيني مهما كان العناء‏..‏
وتوقفت بالفعل عن المسكنات‏,‏ وعانيت الآلام الجلدية المبرحة‏..‏ حتي كانت أمي تمزق من فوق كتفي بلوزاتي وفساتيني لأنني لااطيق ملمس أي شيء فوق البقعة الجلدية المصابة‏..,‏ ولمس زوجي معاناتي وآلامي فشعر بالندم والمسئولية عن هذا الحمل الذي ضاعف من عنائي‏..‏
فهل تعرف ماذا فعل بي هذا الحمل الذي توجست منه أمي وابي وزوجي اشفاقا علي من متاعبه‏,‏ ومما قد يحمله لي المستقبل من جنين ضعيف أو مشوه بسبب الأدوية؟
لقد تحسنت قدرتي علي الحركة والمشي خلال شهور الحمل بدرجة ملحوظة‏..‏ ورجعنا الي الأطباء في ذلك فقالوا لناإن سبب هذا التحسن هو الحمل لأنه يساعد علي الشفاء من فيروس النخاع الشوكي حتي إن الأطباء في أمريكا يعالجونه بدواء مستخلص من مشيمة الجنين‏.‏
ولقد غرس الله في أحشائي هذا الدواء الطبيعي من حيث لا أدري ولا أحتسب فتحسنت قدرتي علي المشي والحركة‏,‏ بدرجة كبيرة ولم يبق إلا المثابرة علي العلاج الطبيعي ليطرد التحسن والتقدم‏!‏
ثم توالت علي بعد ذلك جوائز السماء للصابرين التي تتحدث عنها كثيرا‏..‏ فخفت آلام المرض الجلدي تدريجيا‏,‏ وشعرت بمقدمات الحمل كأي أنثي عادية‏,‏ وتمت الولادة بطريقة طبيعية تماما‏,‏ كما تلد أي امرأة أخري ورزقني الله بطفلة صحيحة الجسم وطبيعية جميلة وكثيرة الحركة‏,‏ وامضيت ثلاثة أشهر في بيت اسرتي اعانتني خلالها أمي في رعاية طفلتي ثم رجعت الي بيتي فوجدت في زوجي خير معين لي علي العناية بها‏,‏ واستذكرت خلال ذلك دروس العام الأخير لي بالكلية‏,‏ وتقدمت للامتحان علي كرسي متحرك ايضا‏,‏ وحصلت علي شهادتي بتقدير جيد‏,‏ فأي نعم وأي جوائز أكبر مما غمرني به الله من فضله ونعمه؟
لقد مر عامان الآن ياسيدي علي بداية هذه المحنة‏..‏ ومازلت اواصل العلاج الطبيعي ولقد أصبحت بفضله أحسن حالا‏..‏ فاذا تكاسلت عنه يوما واحدا ذكرتني أمي بما قاله الأطباء من ان ماحدث لي يعد معجزة الهية بكل معني الكلمة لأن من تعرضوا لما تعرضت له كان أقصي أملهم هو ان يستطيعوا المشي ذات يوم بمساعدة العكاز أما أنا فامشي بصورة جيدة الي حد ما‏,‏ وقابلة للتحسن أكثر كلما ثابرت علي العلاج الطبيعي وصبرت عليه‏..‏ وأنا اثابر عليه بالفعل ولا أكل منه‏..‏ إن لم يكن من اجلي فمن اجل طفلتي التي بلغت شهرها الثامن عشر منذ أيام‏..‏ ومن أجل من يحبونني ويرجون لي الشفاء التام من افراد أسرتي كلهم‏..‏
أما زوجي فأي كلمات استطيع ان أقولها لكي افيه حقه من الشكر والثناء‏..‏ لقد اجتزنا المحنة معا‏,‏ كما وعدني في اليوم الأول من المرض‏,‏ ولم يتخل عني لحظة واحدة خلالها‏..‏ ولم تتغير مشاعره نحوي وهو يراني في حال تتناقض مع صورة العروس الشابة في مخيلته‏,‏ ولم يأنف من مساعدتي فيما قد يأنف البعض منه أو يخجلون‏,‏ فماذا أقول له وعنه‏..‏ وماذا أقول عن أبي وأمي واخوتي وكل احبائي‏,‏ سوي ان أدعو الله لهم جميعا أن يمتعهم بصحتهم جميعا ويمن عليهم بالسعادة وكل جوائز السماء‏..‏
إنني وان كنت لم أبلغ بعد مرحلة الشفاء التام إلا انني علي يقين من ان الله سبحانه وتعالي سينعم علي به مهما طال الانتظار كما انعم علي من قبل بالنجاة من مضاعفات المرض‏..‏ وباستعادة القدرة نسبيا علي المشي وكما انعم علي بطفلتي وبحب زوجي وأمي وأبي واخوتي واحبائي‏..‏ ولقد كتبت لك رسالتي هذه لاسدد بعض ديني لهم جميعا‏.‏ ولأرجو كل من يواجه مثل هذه المحنة المرضية ان يتقبل اقداره بصبر ورضا ويتمسك بالأمل في الله سبحانه وتعالي‏..‏ ان يهبه الشفاء وينعم عليه باستعادة الصحة‏..,‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول

محن الحياة تنضج الانسان علي نار الألم وتكسبه من الحكمة والفهم الصحيح للحياة مالم تكن تسمح له به سنه‏..‏ لو كانت رحلته في الحياة قد مضت ناعمة وخالية من كل اختبار‏..‏ فالألم هو خير معلم للانسان حقا ونحن نتعلم من احزاننا وهمومنا مالاتستطيع الحياة اللاهية ان تعلمنا إياه‏..‏ ولو لم يكن الأمر كذلك فكيف كان لفتاة صغيرة السن مثلك عاشت حياة هانئة وتوجت قصة حبها الوحيدة بالزواج في سن الحادية والعشرين‏,‏ ان تكتسب هذه الحكمة التي تنضح بها سطور رسالتك؟
لقد أضافت هذه المحنة القاسية التي اختبرتك بها الاقدار الي عمرك عمرا آخر بكل دروسه وتجاربه‏..‏ فعسي ان يكون نصيبك من السعادة مضاعفا أيضا ياابنتي‏.‏
غير انني أتصور أن خبرة الألم التي انضجتك في سن مبكرة لم تكن وحدها هي كل زادك الذي اعانك علي الصمود لهذه المحنة الطارئة‏..‏ وانما يخيل الي أيضا انه قد اعانك عليه امران‏,‏ بعد ايمانك العميق بربك وثقتك المطلقة في رحمته بك‏,‏ الأول هو قوة ارادتك وصلابتك النفسية بالرغم من ان حياتك السابقة لهذه المحنة لم تختبر هذه الصلابة من قبل‏,‏ ولم تكشف عنها‏.‏ والثاني هو انك حين داهمتك هذه المحنة لم يكن رصيدك من الحب والسعادة خاليا‏,‏ فاعانك هذا الرصيد الثمين علي مواجهة المحنة والصمود لها‏.‏
فأما انك انسانة صلبة وقوية الارادة بالرغم من سنك الصغيرة‏..‏ فلقد تمثل ذلك في عدة مواقف تؤكد كلها هذه الحقيقة‏,‏ فلقد تمسكت باداء امتحان السنة الثالثة بكليتك وانت في قمة المحنة المرضية‏..‏ ولم تستسلمي للرثاء لنفسك ولم تستجيبي لاشفاق أبويك عليك من تحمل هذا العناء الاضافي‏,‏ فكان لك ماأردت واجتزت الامتحان بنجاح‏,‏ وساهم ذلك بقدر مافي تحسين حالتك النفسية‏.‏
وتمسكت بالخروج من المستشفي الي عشك الصغير وليس الي بيت اسرتك وفضلت ان يعيش معك زوجك الوجه الآخر للحياة لكي يؤكد كل منكما للآخر بالتجربة العملية وليس بالكلام الوردي انه قد اختار شريك حياته بحق للأفضل والأسوأ علي حد التعبير الذي يردده الزوجان في بعض الكنائس الغربية‏,‏ وفي الصحة والمرض‏..‏ وفي السراء والضراء‏..‏ وليس في أوقات الهناء وحدها فاذا ماداهمت احدهما محن الحياة تحول عنه‏,‏ أو أسرع بالفرار منه‏.‏
فكان لك ماأدت أيضا وكشفت لك المحنة عن معدن زوجك الأصيل وعمق ارتباطه بك‏..‏ وايمانه معك بأن الحياة الزوجية ليست صحبة لاهية في اوقات السعادة وحدها‏,‏ وانما شراكة حقيقية في كل امور الحياة بخيرها وشرها‏.‏
وتمسكت كذلك بالاحتفاظ بجنينك في وجه اشفاق الجميع عليك من متاعبه وهواجسهم المشروعة من مخاطره عليك‏..‏ وأولها معاناتك لآلام المرض الجلدي الرهيبة بغير الاستعانة عليها بالمسكنات‏..‏ وآخرها متاعب الحمل نفسه‏..‏ ومخاطر الولادة في ظروفك الصحية المؤلمة‏..‏ وهواجسهم الخوف من ان يجئ طفلك للحياة عليلا أو مشوها من أثر الأدوية القاتلة التي تجرعتها‏.‏
فكان لك ماأردت كذلك واثبتت التجربة من جديد أن مايختاره لنا الله سبحانه وتعالي أفضل كثيرا من اختيارنا نحن البشر لانفسنا‏,‏ فكان حملك الذي تخوف منه الجميع‏,‏ نعمة عليك من حيث لايحتسب احد‏,‏ وعلاجا الهيا لدائك العضال‏,‏ وخيرا سماويا لك من كل الجوانب فمضت شهور الحمل عادية‏..‏ وتمت الولادة بطريقة طبيعية‏..‏ وانعم عليك ربك بأكبر مانلت من جوائز جزاء وفاقا لحسن ظنك به وصدق ايمانك به‏..‏ وصبرك علي قضائه‏..‏ فجاءت طفلتك الجميلةصحيحة معافاة لتمسح كل الأحزان‏..,‏ ولتذكرنا إذا كنا قد نسينا بان قضاء الله عدل‏,‏ وحكمة نافذ‏,‏ صبر المرء أم جزع‏,‏ غير انه مع الصبر الأجر‏,‏ ومع الجزع الوزر‏.‏
وأنت بفضل ربك عليك لم تجزعي ولم تهني ولم تفقدي ايمانك بربك فكان وعد الله لك حقا‏..‏ وكان فضله عليك عظيما‏.‏
واما ان رصيد الحب والسعادة في حياتك قد اعانك مع ايمانك بربك وحسن ظنك به علي الصمود للمحنة‏..‏ فلقد ثبت علميا ان نسبة شفاء الاشخاص الذين يؤمنون بربهم من امراضهم وصمودهم للمرض بقوة الايمان والأمل في رحملة الله‏..‏ أكبر من نسبته بين هؤلاء الذين لا تعمر قلوبهم بالايمان‏..‏ ولا يمتثلون لقضاء الله ولا يتمسكون بالأمل في رحمته‏,‏ كما ثبت أيضا أن الاشخاص الذين يواجهون محنة المرض العضال ومن ورائهم رصيد كاف من الحب الصادق والسعادة‏,‏ يستمدون من هذا الرصيد مايدفعهم للتمسك بالحياة والأمل في الشفاء‏..‏ ويخفف عنهم ماينعمون به من حب صادق وسعادة حقيقية في حياتهم مايلاقون من عناء المرض‏,‏ فتزداد قدرتهم علي المقاومة‏..‏ والصمود‏..,‏ وان كان هناك من يستحقون الرثاءلهم بحق فهم هؤلاء الذين تقسو عليهم الحياة باختباراتها ومحنها‏,‏ وليس في رصيدهم من الحب والسعادة مايسحبون منه ليتسلحوا به في مقاومة محنهم واختباراتهم‏,‏ فكأنما يواجهون محن الحياة بالسحب علي المكشوف‏,‏ من رصيد لم يعمر بالسعادة ولم يعرف الحب‏..‏ وهؤلاء هم من لايجدون للأسف من يخفف عنهم آلامهم أو يأسو جراحهم أو يمدهم بالدعم النفسي الذي يعينهم علي اجتياز المحن والصمود للاختبارات‏.‏
ولقد كان من رفق الاقدار بك ان واجهت هذه المحنة ورصيدك عامر بالحب والسعادة‏,‏ اعانك شريك حياتك وأبواك واخوتك علي الصمود لها واجتيازها بسلام والحمد لله‏..‏
فعسي أن يتم ربك نعمته عليك‏..‏ ويعيد اليك كامل قدرتك علي المشي والحركة‏,‏ لتواصلي رحلة الحياة والسعادة مع شريك حياتك وطفلتك‏,‏ وأهلك الي غايتها المرجوة‏..‏ وعسي ان تصبح قصة هذه المحنة المؤلمة ذات يوم قريب مجرد ذكري لمحنة مرضية ألمت بك وحينئذ تروينها في لابنائك واحفادك وترجين لهم حياة حافلة بالهناء والسعادة كتلك التي أغدقت بها عليك الاقدار قبل وبعد هذه المحنة الطارئة باذن الله‏.‏

عفوا شكسبير فالحب خدعة
فعلا دول اللى يستحقوا الرثاء لهم وصاحبة الرسالة حظها احسن بكتير من

هؤلاء الذين تقسو عليهم الحياة باختباراتها ومحنها‏,‏ وليس في رصيدهم


من الحب والسعادة مايسحبون منه ليتسلحوا به في مقاومة محنهم واختباراتهم‏,‏ فكأنما يواجهون محن الحياة بالسحب

علي المكشوف‏,‏ من رصيد لم يعمر بالسعادة ولم يعرف الحب‏..‏ وهؤلاء هم من لايجدون للأسف من يخفف عنهم آلامهم أو

يأسو جراحهم أو يمدهم بالدعم النفسي الذي يعينهم علي اجتياز المحن والصمود للاختبارات‏.‏

ميرسي ع التوبيك
lionhmada
فعلا دول اللى يستحقوا الرثاء لهم وصاحبة الرسالة حظها احسن بكتير من

هؤلاء الذين تقسو عليهم الحياة باختباراتها ومحنها‏,‏ وليس في رصيدهم


من الحب والسعادة مايسحبون منه ليتسلحوا به في مقاومة محنهم واختباراتهم‏,‏ فكأنما يواجهون محن الحياة بالسحب

علي المكشوف‏,‏ من رصيد لم يعمر بالسعادة ولم يعرف الحب‏..‏ وهؤلاء هم من لايجدون للأسف من يخفف عنهم آلامهم أو

يأسو جراحهم أو يمدهم بالدعم النفسي الذي يعينهم علي اجتياز المحن والصمود للاختبارات‏.‏

ميرسي ع التوبيك
شكرا على تعليقك الاكثر من ممتاز

تقبلي تحياتي
lionhmada
الدور العلوي‏!‏

أنا سيدة في الثلاثينيات من العمر‏,‏ جامعية ومثقفة إلي حد ما‏,‏ أحب القراءة والكتابة‏..‏ وتصورت في فترة من الفترات أنني سوف أصبح كاتبة‏,‏ لكن الحياة غيرت اتجاهي بعد أن تزوجت وانشغلت بحياتي العائلية‏.‏
ولقد قرأت الرسالة التي نشرت في هذا الباب منذ بضعه أسابيع بعنوان الأب الرسمي للفتاة التي ضمها جدها وجدتها إليهما منذ طفولتها فنشأت مرتبطة بهما وبعيدة عن أبيها وأمها‏,‏ ورفضت العودة للحياة بينهما وشجعها الجدان علي ذلك‏,‏ إلي أن بلغت سن الزواج وتوقعت من أبيها الرسمي أن يسهم في نفقات زواجها بقدر معقول‏,‏ فإذا بالأب يرفض المساهمة في ذلك نهائيا لأنها ابتعدت عن أبويها وكان منطقه في ذلك أنه مادام جداها قد شجعاها علي عدم العودة إليهما فليتكفلا دونه بنفقات زواجها ولقد أثارت هذه الرسالة أشجاني وأريد أن أروي لها قصتي لعلها تجد فيها بعض ما يرشدها إلي سواء السبيل‏..‏ فلقد جئت إلي الحياة لأبوين رزقا قبلي بأربع فتيات‏,‏ وتركزت كل آمالهما في أن يجيء المولود الخامس ولدا‏,‏ فاذا بي أولد بنتا فاستقبلاني بالحزن والاكتئاب‏..‏ ولأننا كنا في ذلك الوقت نعيش في بيت من دورين باحدي مدن القناة‏,‏ ويقيم في الدور العلوي من البيت عمي وخالتي وهما زوجان رزقا ببنت غير مكتملة النمو العقلي‏,‏ فلقد عرضا علي أبي وأمي أن يضماني إليهما وأنا طفلة وليدة ويتكفلا بتربيتي وتنشئتي دونهما‏,‏ لكي يحلا لأبي وأمي مشكلة طفلتهما الخامسة من ناحية‏,‏ ولأنهما‏,‏ كما أدركت فيما بعد ـ أرادا أن يربياني ويتكفلا بي فأصبح أختا لابنتهما المسكينة وأرعاها حين أكبر وأتحمل مسئوليتها من بعدهما‏.‏
وهكذا وجدت نفسي بين أب وأم وأخت مسكينة ينمو جسمها ولا ينمو معه عقلها‏..‏ ويقيم تحتنا عمي وخالتي وبنات عمي وخالتي الأربع‏,‏ ومازلت أذكر من ذكريات طفولتي حين كانت تسألني بعض السيدات اللاتي يزرن الأسرة بالطابق العلوي‏..‏ كيف حال ماما؟‏..‏ فأتعجب لماذا تسألني عن أمي وهي تجلس إلي جوارها‏!‏ وبالرغم من ذلك فلقد كان هناك شيء غامض لا أدري كنهه يجذبني إلي الطابق الأرضي الذي يقيم به عمي وخالتي وبناتهما وأشعر بحنين عجيب إليهم جميعا‏,‏ ومضت بي الأعوام والتحقت بالمدرسة ولم ألتفت كثيرا لاختلاف اسم الأب في أوراقي الرسمية عن اسمه في الحياة‏,‏ فلقد قيل لي ان اسمه في الورق هو الاسم الرسمي‏,‏ وان اسمه في الحياة هو اسم الشهرة‏,‏ فأحببت اسم الشهرة أكثر مما أحببت الاسم الرسمي‏,‏ إلي أن بلغت سن الصبا وبدأت أشعر بتغير غير مفهوم في معاملة أمي لي‏..‏ وتفاقم هذا التغير حتي بدأت أشعر بعدم حبها لي‏,‏ ولأنني لم أكن أدرك دوافع هذا التغير من جانبها تجاهي فلقد كرهتها لمعاملتها السيئة لي‏,‏ وأحببت أبي كل الحب الذي يمكن أن يتسع له قلب فتاة مثلي‏,‏ لأنه لم يتغير تجاهي بعد أن كبرت وظل يغمرني بحبه وعطفه إلي النهاية‏,‏ وخلال ذلك كانت الدنيا قد فرقت بيننا وبين أسرة عمي وخالتي وبناتهما الأربع وانتقلنا نحن للاقامة في القاهرة‏,‏ وتخرجت في كليتي وارتبطت بمن زختارني واختارته‏,‏ وبدأنا الاستعداد للزواج فإذا بأبي يصر علي أن يستأذن عمي وخالتي في زواجي وأن يحصل أولا علي موافقتهما قبل أن يعلن قبوله‏,‏ وتساءلت عن ضرورة ذلك‏,‏ فعرفت الحقيقة التي خفيت عني كل هذه السنين وهي أن هذا العم وهذه الخالة هما أبواي الحقيقيان‏,‏ وان هؤلاء الفتيات الأربع هن أخواتي‏,‏ أما هذه الفتاة المسكينة التي أعيش معها فهي ابنة عمي وابنة خالتي‏,‏ وأدركت في هذه اللحظة فقط سر تغير مشاعر من كنت أظنها أمي تجاهي بعد أن كبرت وصرت فتاة في بداية سن الشباب‏..‏ فلقد كانت الحسرة تنهش قلبها الحزين وهي تري ابنتها الحقيقية تنمو جسما وعقلها لايتجاوز عقل طفلة عمرها خمس سنوات‏,‏ في حين استوت الفتاة الأخري التي تكفلت بها شابة تجذب الأبصار‏,‏ ويشيد بها الجيران‏,‏ وانفجر بركان الغضب في قلبي تجاه أبي وأمي الحقيقيين‏..‏ كيف تخليا عني وتركاني لغيرهما حتي ولو كان هذا الغير هما عمي وخالتي؟‏,‏ ولماذا كرهاني وأنا طفلة وليدة ولا ذنب لي في مجيئي للحياة بعد أربع فتيات؟‏..‏ وراح أبي وأمي الحقيقيان يحاولان بكل جهدهما أن يبررا لي ماحدث ويؤكدان لي أنهما مظلومان مع عمي وخالتي لأنهما كانا في حاجة لابنة طبيعية بعد أن رزئا بابنتهما المسكينة‏,‏ وانهما اغتصباني منهما بالالحاح وبالاحراج والضغط النفسي عليهما‏,‏ ولم أصدق هذا التبرير ولم أقتنع به واستمر الشرخ في داخلي لفترة طويلة حتي كرهت نفسي‏,‏ وظل هذا الشرخ يفسد علي حياتي لفترة طويلة إلي أن تزوجت وتكفل بنفقات زواجي بل وبشقتي كذلك من تكفل من قبل بتربيتي وتنشئتي وهو أبي بالتربية وعمي بالصلة الرسمية‏,‏ وانشغلت بحياتي العائلية وأسرتي الجديدة عن ذكريات الماضي وأحزانه‏..‏ ولهذا فإني أقول لهذه الفتاة التي ابتعدت عن أبويها ورفضت العودة إليهما وفضلت الحياة بين جديها علي الحياة في بيت أبيها وتلوم أباها لرفضه القيام بأي دور في زواجها‏..‏ أقول لها لماذا لم تبحثي عن هذا الدور قبل الآن‏..‏ ولماذا لم تقدر احتياج أبويها إليها كما تقدر الآن احتياجها إلي أن يقوم والدها بأي دور في زواجها؟‏..‏ انك أيتها الفتاة لن تدركي عمق حزنهما لموقفك منهما إلاحين تصبحين أما وتعرفين معني الأمومة‏..‏ ولقد كان الأفضل لجديك مهما يكن حبهما لك ألايجعلا انتماءك الأول إليهما وليس لأبويك‏,‏ أما مسألة زواجك فإن من واجب جدك أن يتكفل به دون أن يزعج الأب الرسمي بذلك مادام قد شجعك من البداية علي مفارقته والبعد عنه‏,‏ ولكي يكمل المشوار الذي بدأه معك وهو القادر علي ذلك‏,‏ أم تراه يريد أن يجني العسل بغير أن يدفع الثمن؟‏..‏ لقد استأثر بك علي غير رغبة أبويك حتي ولو كانا قد رضيا في البداية بحضانته لك لانشغالهما في العمل‏,‏ لأنه حين سمحت لهما الظروف باستردادك شجعك علي عدم العودة إليهما‏..‏ ولم يقدر احتياجهما إليك‏.‏
وفي النهاية فاني أناشد كل الآباء وكل الأمهات ألايتخلوا عن أبنائهم لغيرهم مهما تكن أسبابهم لذلك‏,‏ ومهما يكن هؤلاء الغير منهم‏,‏ لأنه لاشيء يعوض الأبناء عن صحبة الأبوين ورعايتهما وحبهما لأبنائهما والسلام‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول
مهما تكن دوافع الأبوين للتخلي عن أحد أطفالهما للغير حتي ولو كان أقرب الناس إليهما‏,‏ ومهما تكن ظروف الحياة المادية الأفضل التي يقدمها هؤلاء الغير للطفل‏,‏ فإنه لايغفر لأبويه أبدا حين يدرك حقائق الحياة تخليهما عنه لغيرهما‏,‏ ولا يخفف شيء مادي قدمته له حياته الجديدة من مرارة احساسه بالنبذ العاطفي من جانب أبويه‏,‏ وبأنه لم يكن مرغوبا فيه لديهما‏.‏
لهذا لم أعجب ياسيدتي حين انفجر بركان الغضب الكامن في أعماقك علي أبويك حين اكتشفت الحقيقة التي خفيت عنك سنين طوالا‏,‏ كما لم أعجب كذلك لعدم اقتناعك بدفاعهما المتهافت عن نفسيهما ومحاولتهما لإيهامك بأنهما كانا مغلوبين علي أمرهما مع عمك وخالتك اللذين اغتصباك منهما بالاكراه المعنوي‏.‏
فلا شيء حقا يمكن أن يقنع عقل الابنة أو الابن بأنه شيء يمكن التنازل عنه للغير بمثل هذه المبررات الواهية‏,‏ ولا شيء كذلك في الحياة كلها يمكن أن يعوضه عن احساسه الثمين بأنه ثمرة القلب بالنسبة لأبيه وأمه وانهما علي استعداد للتفكير مجرد التفكير في نبذه أو التخلي عنه‏,‏ ولعلي لهذا السبب قد أدركت حين قرأت رسالة الأب الرسمي أن بعض أسباب رفض كاتبتها للعودة إلي أحضان أبويها حين سمحت لهما ظروفهما باستردادها من جديها‏,‏ لايرجع فقط إلي اعتيادها الحياة بين جديها منذ نعومة أظافرها‏..‏ ولا فقط إلي استنامتها إلي تدليلهما لها وحنانهما عليها مما قد لايتوافر لها بنفس القدر الزائد في بيت أبويها ووسط اخوتها الآخرين‏,‏ وانما يرجع أيضا إلي رغبة عقلها الباطن في معاقبة أبويها علي تخليهما عنها في طفولتها المبكرة لجديها‏,‏ وهي رغبة قد لاتدركها هي نفسها‏,‏ لكن ذلك لاينفي وجودها ولا تأثيرها الغامض علي موقفها من أبويها بعد أن شبت عن الطوق‏,‏ فنحن نعرف أن العقل الباطن تترسب فيه الخبرات المؤلمة التي يؤلمنا تذكرها‏,‏ ونرغب في نسيانها والتخلص منها‏,‏ وهذه الخبرات قد يخيل إلينا بالفعل أننا قد نسيناها إلي أن نفاجأ بها تطل علينا بأعناقها من جديد وتدفعنا في بعض الأحيان إلي مواقف وسلوكيات لاتتضح لنا نحن أنفسنا دوافعها ومبرراتها المنطقية‏,‏ فإذا استرجعنا بعض ذكرياتها البعيدة وحاولنا الربط بين أجزائها المتناثرة وتحليلها تحليلا منطقيا‏,‏ قد تتكشف لنا بعض الدوافع التي مالت بنا لاتخاذ هذه المواقف غير المبررة لنا أو للآخرين في حينها‏.‏ وفي هذا النطاق قد اعتبر كذلك نفور هذه الفتاة من الاقامة بين أبويها واحساسها بالغربة النفسية بينها وبين اخوتها كما ذكرت في رسالتها نوعا من رد الفعل اللا ارادي لنبذهما المبكر لها في الطفولة بنبذ عاطفي مماثل لهما وهي في سن الشباب‏,‏ وكل ذلك من تداعيات هذه الرغبة الكامنة في عقلها الباطن لمعاقبتهما معنويا علي تلك الجريمة التي لايغتفرها كما قلت طفل لأبويه‏.‏
علي أي حال ياسيدتي فإن الإنسان حين يروي قصة حياته للآخرين كما فعلت في رسالتك هذه فلابد له أن يجد فيها مايسعده أن يتذكره وما يؤلمه أيضا أن يتذكره‏,‏ وأسعد الناس هم من حظوا في حياتهم بطفولة سعيدة هيأتهم للتفاعل مع الحياة علي نحو سليم‏..‏ وأسعد الناس كذلك من يستطيعون أن يقولوا ماقالته الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي في مقدمة مذكراتها‏:‏ لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره وغمست قلمي في مغطس سعيد ليخرج منه بحفنة من الذكريات المحلاة بطعم السكر‏!..‏ بمعني أنها قد تذكرت مايسعدها تذكره ونسيت كل مايؤلمها أن تسترجعه فعسي أن تجعلي من حياة أطفالك كلها ترنيمة جميلة لبهجة الحياة يسعدهم حين يسترجعون ملامحها وهم كبار أن يتذكروا كل تفاصيلها الجميلة فلا يجدون فيها إلاكل مايزيدهم رضا عن أبويهم وحياتهم بين أحضانهما حتي خرجوا إلي الحياة أشخاصا أسوياء فهذا هو أفضل مايقدمه أبوان لأطفالهما‏..‏ وهذا هو أفضل مايقدمه كل أبوين للحياة بوجه عام‏..‏
lionhmada
الثمن الغالي‏!‏

أنا فتاة بالمرحلة الجامعية‏..‏ ولأنني الابنة الكبري لأبي وأمي فإن ذاكرتي مازالت تحمل للأسف بعض ذكريات طفولتي البائسة ونشأتي في أسرة متنافرة القطبين‏,‏ فأبي ـ وعفوا لهذا التعبير القاسي ـ فظ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان‏,‏ ووالدتي شديدة السلبية‏,‏ وقد شهدت حياتهما خلافات عديدة‏,‏ لكن أحد هذه الخلافات كان له أسوأ الأثر في حياة الأسرة والأبناء‏,‏ فقد دب خلاف بين أبي وأمي يبدو انه كان أكثر حدة من المألوف‏,‏ صرخت أمي وعلا صراخها حتي جاء الجيران وحاولوا فض الاشتباك بين الطرفين‏,‏ وبعد انتهاء الموقف وانصراف الجيران الي حال سبيلهم وجدت أبي يدفع أمي ونحن معها إلي خارج الشقة وهو يتوعدها بأنها سوف تدفع ثمنا غاليا لما تسببت له فيه من فضيحة بصراخها وإطلاع الجيران علي أحوالهما‏.‏
فحملت أمي شقيقي الرضيع وسرت أنا الي جوارها حتي تورمت أقدامنا ووصلنا مع أول خيوط الفجر الي بيت خالي‏,‏ ولم يكن والدي الذي فعل بنا ذلك واخرجنا في منتصف الليل دون ملابس أو نقود رجلا أميا ولا جاهلا وإنما كان ومازال للأسف طبيبا‏..‏ وطبيبا كبيرا أيضا‏,‏ وأما أمي التي تعرضت لهذه المهانة فلقد كانت ومازالت مترجمة بإحدي المكتبات الكبيرة‏,‏ وأقمنا لدي خالي بضعة أشهر الي أن وفقت أمي في الحصول علي مسكن متواضع في حدود مدخراتها وانتقلنا للإقامة به‏,‏ واستعرنا من خالي بعض الأثاث القديم وبدأنا حياتنا الجديدة في هذا المسكن بعد أن احتجز والدنا أثاث أمي ومزق كل منقولاتها وضاع حقها لديه‏..,‏ ثم أجبر خالي والدتي علي مطالبة أبي الذي لم يطلقها بنفقة عادلة لنا‏..‏ وقامت بذلك بالفعل فلم يدع أبي وسيلة من الوسائل لادعاء الفقر لتخفيض مبلغ النفقة إلا فعله‏..,‏ وهكذا تقرر لنا مبلغ متواضع قبلت به والدتي راغمة وواجهنا تجهم الحياة وجفافها وقسوتها‏,‏ ومضت بنا السنون بحلوها ومرها وتقدمنا أنا وشقيقي في مراحل الدراسة حتي التحقنا بكلية الطب رغم مخالفة ذلك لميولنا ولكي نسعد فقط قلب أمنا المثقل بالأحزان والتي أرادت لنا ذلك‏.‏
وتكبدنا ما تكبدناه من عناء وأعباء مادية في دراسة الطب‏,‏ ولم يبخل علينا خالنا أو أمنا بشيء‏,‏ أما أبي فقد كان يكتفي فقط بزيارتنا في الكلية والزهو بتفوقنا بين زملائه من أساتذتنا‏,‏ ثم حدث منذ أسابيع قليلة ان فوجئنا بأحد اصدقاء أبي يدعونا لزيارة والدنا في بيته الثاني لأن حالته المرضية حرجة ويريد أن يرانا ويري أمنا‏,‏ فما ان سمعت أمي بذلك حتي انخرطت في بكاء مرير‏,‏ ونهضت ـ وأنا مندهشة ـ لكي تعد له ما يحبه من انواع الطعام‏,‏ ودعتنا للذهاب معها لزيارة أبينا ورفضنا أنا وشقيقي الاستجابة لهذا الطلب‏,‏ فراحت تتوسل إلينا وتذكرنا بأنه والدنا‏,‏ وان ما بثته فينا من قيم وفضائل يملي علينا أن ننسي كل شيء ونشد أزر أبينا في محنته المرضية‏,‏ فوافقنا علي مصاحبتها في الزيارة علي مضض‏,‏ وذهبنا اليه بالفعل ورأينا مسكنه الرائع الذي يكتظ بالكماليات ولمسنا بدا واضحا علي زوجته الثانية وأبنائه منها من مظاهر الترف والرفاهية‏,‏ فإذا بي أنا وأخي نزداد احساسا بالحنق علي أبينا واذا بنا لانطيل الزيارة ثم ننهض للانصراف وهو يتوسل لنا ان نغفر له ونسامحه عن كل ماحدث‏.‏ ورجعنا جميعا الي البيت ونحن نبكي‏,‏ غير أن أمي كانت تبكي علي حال أبي‏,‏ وكنت أنا وشقيقي نبكي علي حالنا نحن‏,‏ ونشعر بالغيظ الشديد مما تفعله أمنا بنفسها حزنا علي أبي‏!‏
ان أمنا تكرر علي مسامعنا كل يوم انه والدنا بالرغم من كل شيء ومازال زوجها وان من واجبنا البر به في مرضه‏,‏ لكني أسألك ياسيدي هل الأبوة حق يكتسب بالميلاد فقط؟‏!‏ أم أنها ـ كما نعرف وكما نقرأ لكم دائما ـ عطاء للأبناء وواجبات والتزامات مادية وانسانية واخلاقية تجاههم؟‏!‏ لقد قرأت لك ذات مرة أن الله سبحانه وتعالي قد أمر الأبناء ببر الوالدين ولم يأمر الوالدين ببر الأبناء لأن الطبيعة الانسانية تفرض علي الأبوين هذا البر بهم دون حاجة الي تذكير الخالق لهما به‏,‏ لكن أبي لم يلتزم بهذا القانون الطبيعي وحرمنا منالمسكن الملائم وهو الذي يمتلك العقارات والعيادات‏,‏ وتحايل علي القانون لكي يغتصب حق أمي وحقنا في نفقة تكفل لنا الحياة الكريمة التي تتناسب مع امكاناته‏,‏ وحرمنا قبل ذلك كله وبعده من أبوته وحنانه ورعايته لنا وعطفه علينا‏,‏فكيف نترفق نحن به وهو الذي لم يترفق بنا؟ وكيف نحبه وقد كانت مواقفه معنا تدفعنا الي النقيض من ذلك؟‏..‏ وكيف نستجيب لرغبة والدتنا في البر به وهو الذي لم يفعل شيئا ينمي به مشاعرنا العاطفية تجاهه‏,‏ واكتفي في النهاية بكلمة اعتذار شفهية لم ولن تعوضنا عن مرارة المعاناة التي كابدناها في حياتنا‏.‏
انني لا أكتب اليك لاشكو لك من ذلك وإنما لكي أرجوك أن توجه لأمنا كلمة لكي ترحمنا من ضغطها علينا في هذا الشأن ولكي تشعر هي بما يعتمل داخلنا من صراعات‏..‏ ثم لكي ترحم نفسها كذلك من حزنها وخوفها علي حياة أبي‏..‏ فلقد كان من الممكن لنا أن نفخر بموقفها هذا لو كان أبي هو الزوج الذي يستحق منها هذا الموقف‏,‏ لكنه ليس كذلك للأسف‏..‏ وهي كما تقول في بعض ردودك من عبيد الحب الذين يسامون العذاب ولا يكفون بالرغم من ذلك عن حب من يعذبونهم‏.‏ لهذا فإني أرجوك ان تكتب لها وتناشدها ان تترفق بنفسها لأننا في حاجة إليها‏..‏ ولانريد ان نفقدها ولا نستطيع أن نحيا بدونها وهي الفارس الذي رأيناه طوال حياتنا يصمد للصعاب ويقهرها‏..‏ وفي النهاية فإني أرجو ألا تتهمني أنا وشقيقي بالجحود أو العقوق لوالدنا‏,‏ لان أحدا لن يشعر بعمق جراحنا منه والسلام‏.‏

‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول

هل تعرفين يا آنستي متي تكون خسارة الابن مضاعفة؟ حين يقصر أحد أبويه في حقوقه عليه‏..‏ ويحرمه مما كان يستحقه من عطف ورعاية وحنان وعطاء‏..,‏ غاذا أراد هذا الأب المقصر أن يصحح خطأه في حق أبنه‏..‏ وطلب منه العفو والسماح وتلمس لديه الرفق به في ضعفه‏,‏ عجز هذا الابن عن الصفح والغفران وضن علي أبيه بما يأمره به ربه من الرفق به وحسن مصاحبته ولو كان ظالما له‏,‏ فيخالف بذلك قانون السماء‏..‏ ويضيف الي حرمانه من رعاية أبيه له حين كان في أشد الحاجة اليها‏..‏ حرمان نفسه بيده من رضا ربه ويرشح نفسه للتعاسة واجترار المرارة والعجز عن التسامح بقية العمر‏!‏ فهل هذا هو ما تريدينه لنفسك أنت وشقيقك؟
لقد قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه مامعناه‏:‏ الخير ثلاث خصال فمن كن فيه فقد استكمل الايمان‏:‏ من اذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‏,‏ ومن اذا غضب لم يخرجه غضبه من حق‏,‏ ومن اذا قدر عفا‏.‏
وبالرغم من تسليمي معك بأن حقوق الابوة لاتكتسب بالميلاد فقط وانما بقيام الأب بواجباته الانسانية تجاه أبنائه‏,‏ إلا أنني لا أريد لك في النهاية أن يخرجك غضبك من أبيك من حق‏,‏ لامراء فيه وهو انه والدك وله عليك حق الرفق به في ضعفه‏..‏ وحسن مصاحبته في الدنيا‏..‏ وصلته وبره حتي ولو لم يكن قد أدي إليك من كل ذلك شيئا‏,‏ ليس لانه يستحق كل ذلك منك أو لايستحقه‏,‏ وانما لأننا سوف نسأل أمام العادل الذي لايبدل القول لديه عما قصرنا فيه من أداء هذه الحقوق‏,‏ ولن يخفف من إثمنا أمامه تقصير هذا الأب أو تلك الأم في أداء حقوقنا الينا‏,‏ وإنما سيسأل كل منا علي حدة عما قصر فيه وسيكون لكل منا حسابه المنفصل عن تقصيره‏..‏ وعقوقه‏..‏
ومن رحمة ربنا بنا أنه لايحاسبنا عما يعتمل في صدورنا من مشاعر سلبية تجاه الغير ما لم تترجم الي أفعال وتصرفات‏,‏ ولهذا فلا عذر للابن الذي حرم من حنان أمه أو أبيه في رفضه العفو والسماح عن أيهما اذا أراد إصلاح خطأه‏..‏ ولا عذر له كذلك في رفضه لهذا الاب وانكاره له ومباعدته لأن الله وهو العليم بأسرار النفس البشرية لايكلفها ما لاطاقة لها به‏,‏ ولا يطالبها بما تعجز عنه من مشاعر انسانية‏,‏ وانما يطالب صاحبها فقط بألا يقطع صلته بأبيه أو أمه‏,‏ وألا يجحدهما ولو كانا قد جحداه في الصغر‏,‏ وبألا يقصر في أداء واجباته الإنسانية تجاههما‏,‏ والتي قد لاتعدو في مثل حالتكم مجرد السؤال عن الأب المريض في مرضه والرفق به‏.‏ وزيارته من حين لآخر؟ فهل يشق عليك ذلك أنت وشقيقك؟
وألا يمكن أن تكون عودة العلاقة الإنسانية بينكما وبين أبيكما بشيرا بتصحيح الاخطاء السابقة وتعويضكما عما فاتكما من رعايته وكفالته‏..‏ وماله؟
إن الإنسان يا ابنتي لايغمر أحدا ولو كان ابنه بكرمه وعطائه الدافق وهو يعلم علم اليقين انه لاينطوي له إلا علي أسوأ المشاعر ويجاهر بجفائه ومباعدته‏,‏ وإنما أقصي ما يفعله الأب في مثل هذه الحالة اذا كان ممن يخشون ربهم هو ألا يحرمه حقه المجرد لديه‏,‏ أما العطاء الغامر فلا يكون إلا لمن يجد لديه مايرضيه ويسعده من الحب والمشاعر الطبيعية‏.‏
فأعيني نفسك أنت وشقيقك علي تعويض ما فاتكما بتطهير صدريكما من هذه المشاعر السلبية تجاه أبيكما حتي ولو أصبحت هذه المشاعر حيادية فقط‏..‏ واستجيبا لمطلب امكما منكما لإعادة العلاقة الانسانية بينكما وبين أبيكما‏,‏ فليس من صالحكما نفسيا وانسانيا وعمليا قطع هذه العلاقة‏,‏ كما انه ليس أيضا مما يرشحكما للسعادة في الحياة والتعامل السليم معها أن تنطويا علي مثل هذه المرارة تجاه أبيكما‏..,‏ وإذا كان الله جل جلاله يصفح ويغفر الذنوب جميعا لن يشاء‏,‏ إذن أفلا تصفحين أنت وشقيقك وتتسامحين مع من يمد إليك يده الآن‏,‏ ولعله ـ اذا شجعتماه علي ذلك ـ يشفع اعتذاره الشفهي لكم باعتذار آخر عملي يرد إليكم بعض مافاتكم ادراكه خلال السنوات الماضية؟
lionhmada
الواجب الثقيل‏!‏

أريد أن أكتب لك تجربتي لعلي بذلك أتخفف من بعض مايضيق به صدري‏..‏ فأنا رجل في أواخر الثلاثينيات من العمر‏,‏ نشأت في أسرة لها جذورها الريفية وعاداتها التي تتمسك بها بالرغم من اقامتها بالقاهرة‏..‏ ولقد تفتح وعيي للحياة فوجدتني أعيش بين أبي وأمي واخوتي في مسكن بالدور الأول من بيت صغير‏,‏ وعمي يقيم في الشقة التي تقع أسفل شقتنا بنفس البيت‏,‏ والعائلتان تتشاركان وتتبادلان المودة وتجمع بينهما دائما أوثق الروابط‏..‏ ولم يكن لعمي هذا سوي ابنة وحيدة تصغرني في العمر بسنة واحدة‏,‏ فسمعت منذ صباي من يقول أمامي إنها عروس المستقبل بالنسبة لي‏..‏ فاتجهت إليها مشاعري في بداية الشباب‏,‏ وبادلتني هي هذه المشاعر باخلاص حتي صار مشروع ارتباطنا بالزواج في المستقبل أمرا مفروغا منه بالنسبة للأسرتين‏..‏ وتدرجنا معا في التعليم حتي حصلنا في نفس العام علي الثانوية العامة‏,‏ فرشحها مجموعها للالتحاق بكلية التجارة‏..‏ أما أنا فلم يؤهلني مجموعي سوي للالتحاق بمعهد فني تجاري‏,‏ فاذا بمشاعري تجاهها تبدأ في التغير ربما بسبب احساسي بالفرق بيني وبينها في مستوي الدراسة‏,‏ وربما لأسباب أخري لا أعيها جيدا‏..‏ المهم أن مشاعري تجاهها قد تغيرت منذ ذلك الحين وبدأت أشعر بأن ارتباطي بها واجب عائلي ثقيل لا أرغب في اتمامه‏,‏ أما هي فلقد زادت الأيام من ارتباطها بي وحبها لي‏,‏ وتخرجت في معهدي والتحقت باحدي الادارات الحكومية‏,‏ وأوشكت ابنة عمي علي التخرج في كليتها‏,‏ وبدأت الأسرتان تنتظران تحديد الموعد المناسب لاتمام الزواج‏,‏ ففاجأت أبي برغبتي في فك هذا الارتباط والتحلل منه‏,‏ لأني لا أري في ابنة عمي صورة فتاة أحلامي التي أريدها لنفسي‏,‏ ورفض أبي ذلك بشدة وانزعج له كثيرا واتهمني بالرغبة في التفرقة بينه وبين شقيقه والاساءة إلي ابنته الوحيدة‏,‏ وحدثت بسبب ذلك مشاكل كثيرة بيني وبين أبي وأمي واخوتي‏,‏ وعلا صوت أبي أكثر من مرة خلال هذه المشاجرات فكان عمي يصعد إلي شقتنا ليفض النزاع بيننا ويتدخل لتهدئة الأمور بالكلمة الطيبة‏,‏ وينهي أخاه عن أن يعنفني لأنني قد صرت رجلا‏,‏ فكنت أشعر بالخجل والحيرة في نفس الوقت وأتساءل تري ألم تتطاير بعض الكلمات عن أسباب الخلاف بيني وبين أبي إلي مسكنه في الدور الأسفل؟
وأصر أبي اصرارا شديدا علي ألا أتحلل من ارتباطي بابنة عمي‏,‏ وتخرجت هي في كليتها وعملت‏,‏ وبعد عملها بفترة قصيرة رحل والدها عن الحياة موصيا أبي خيرا بوحيدته‏,‏ فازداد اصرار أبي علي اتمام زواجي منها معتبرا ذلك أمانة سوف يسأل أمام خالقه عن أدائها‏,‏ وبعد عام من وفاة أبيها تزوجت ابنة عمي التزاما بوعد أبي له برعاية وحيدته‏,‏ وقياما بالواجب الثقيل الذي فشلت في الافلات منه‏,‏ وبدأت حياتي معها متأففا وساخطا‏,‏ ومتحفظا في مشاعري تجاهها وأقمت معها في مسكن أبيها مع والدتها‏,‏ ومضت الأيام بنا عادية‏,‏ أعيش معها بلا حماس‏,‏ ولا مشاكل في نفس الوقت‏,‏ وتراودني الأماني في أن تضيق هي ذات يوم بفتوري معها فتطلب الطلاق‏,‏ فيكون الرفض من جانبها وليس من جانبي‏,‏ لكنها لم تضق بي للأسف‏,‏ ولم تشكني لأمي أو لأبي‏,‏ وانما صبرت علي برودي معها‏,‏ وتسامحت معي دائما‏,‏ وتعاملت معي برفق وهدوء‏,‏ ورضيت بكل ما أفعل وكأنه قدر مقدور لايقبل المناقشة‏,‏ وتأخر الحمل عامين وبدأ الأهل يشعرون بالقلق بسبب ذلك‏,‏ فكنت لا أتردد في أن أقول للجميع انه لاعيب في‏,‏ وانني لست مسئولا عن عدم حملها‏,‏ عسي أن يكون ذلك سببا لطلبها الطلاق‏,‏ لكنها لم تغضب لذلك‏,‏ ولم تثر ولم تفصح عن أن زهدي فيها هو السبب الأساسي لعدم الحمل‏,‏ حيث لم يكن لقائي بها يتعدي بضع مرات في السنة كلها‏.‏
ثم أذن الله بالحمل‏,‏ فضقت به ذرعا وتمنيت أن يكون الأخير وأنجبت زوجتي طفلة سعدت بها كثيرا وانشغلت بأمرها عني واسترحت لذلك ثم خطر لي أن أفتعل مشكلة جديدة معها عسي أن تكون هي المشكلة القاضية هذه المرة‏,‏ وتطلب الطلاق مني‏,‏ فاعترضت علي عودتها لعملها بعد فترة رعاية المولودة‏,‏ وخيرتها بين العمل وبين الحياة الزوجية‏,‏ فاذا بها لاتتردد في التخلي عن عملها والتفرغ للأسرة‏!‏
ومضت بنا الحياة علي هذا الحال‏,‏ وعلاقتي بها عادية ولا مشاكل ولا مشاجرات ولا خلافات بيننا‏,‏ لكني بعيد عنها بمشاعري وأفكاري وخواطري‏,‏ وبعيد عنها أيضا عاطفيا وجسديا‏,‏ فلاحظت أنها تكثر من الصوم والصلاة‏,‏ حتي لتصوم يوما وتفطر يوما معظم أيام السنة‏,‏ وتقوم الليل‏,‏ ولا تتواني بالرغم من ذلك عن تلبية احتياجاتي اذا رغبت فيها‏..‏ وبسبب قلة لقاءاتنا الزوجية التي لم تزد بعد الولادة علي أربع مرات كل سنة‏,‏ فإن الحمل لم يتكرر مرة أخري وبدأ أهلي يعبرون عن أمنيتهم في أن أنجب لطفلتي أخا أو أختا‏,‏ وتحدثوا إليها في ذلك فلم تشك بعدي عنها وانما التزمت الصمت‏,‏ وشاركتهم أمنيتهم الغالية‏,‏ وألح علي والدي في الانجاب مرة أخري‏,‏ فاتجهنا إلي الطبيب وبعد الفحوص المألوفة سألني عن طبيعة علاقتي بزوجتي فزعمت له علي استحياء أنني دائم السفر ولا أرجع إلي بيتي إلا لبضعة أيام كل عدة شهور‏,‏ فطمأننا إلي أنه ليست هناك موانع تحول دون تكرار الحمل وحدد لنا مواعيد اللقاءات المناسبة له‏,‏ وحدث الحمل بالفعل فاعتبرت أنني قد أديت واجبي الإنساني تجاهها ورجعت إلي سابق تجاهلي لها‏,‏ وتابعت هي الحمل مع طبيب خاص‏,‏ فتعجب لارتفاع ضغطها مع عدم وجود سبب عضوي لذلك‏,‏ ونصحها بتجنب القلق والتوتر في حياتها لكيلا يؤثر المرتفع علي الجنين‏,‏ وعملت هي بنصيحته فطلبت مني أن تنتقل هي ووالدتها للاقامة مع والدتي في الشقة العليا وأن أقيم أنا مع شقيقتي الصغري التي لم تتزوج بعد في مسكن الزوجية حتي موعد الولادة‏,‏ فتحظي بذلك بعناية والدتها ووالدتي‏,‏ وتتجنب من ناحية أخري أسباب القلق والتوتر التي ترفع ضغطها خلال شهور الحمل‏,‏ واسترحت لهذا الحل الذي سيتيح لي أن أعيش منفردا لمدة‏4‏ أشهر‏,‏ ومضت الأيام بنا وأنا مشغول بأمري عنها وهي مشغولة بأمرها وبطفلتها إلي أن احتجت منذ فترة قصيرة إلي وثيقة عقد القران لكي أقدم صورة منها مع طلب الحصول علي مسكن مستقل في مشروع الاسكان للمتزوجين الذين يقيمون مع أسرهم‏,‏ فأرسلت لي زوجتي من الدور العلوي مفتاحا لدرج مغلق دائما في تسريحتها وتحتفظ فيه بأوراقها المهمة ومنها وثيقة الزواج‏,‏ وفتحت هذا الدرج المغلق وأخرجت الوثيقة لكني وجدت إلي جوارها أوراقا كثيرة بخط يد زوجتي علي هيئة رسائل أو كتابات‏,‏ فدفعني الفضول بل وسوء الظن أيضا من أثر ما أقرؤه عن خيانة بعض الزوجات‏,‏ لقراءة هذه الأوراق‏,‏ خاصة أن ظروفها قد ترشحها لذلك بسبب فتوري معها وزهدي فيها‏,‏ فقرأت هذه الأوراق في وجل واضطراب فاذا بي أجدها عبارة عن كتابات وشكاوي طويلة ومريرة إلي الله سبحانه وتعالي من حالي معها‏..‏ وجفائي لها وفتور مشاعري تجاهها بالرغم مما تحمله لي من حب كبير عجزت رغم مرور السنين عن أن تتخفف منه أو تقتله في نفسها‏,‏ وكانت تختتم شكاواها في كل رسالة بالآية الكريمة وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‏..‏ معترفة بذلك بظلمها لنفسها بحبها لي منذ صباها واحتفاظها بهذا الحب بالرغم مما أبديه نحوها من جفاء وفتور وتجاهل‏,‏ حتي أنها لاترجو من ربها شيئا إلا أن يزوجها لي في الآخرة بعد أن أكون قد تخلصت من أخلاق البشر في الدنيا‏..‏ وعرفت الحب والعطاء والاخلاص لمن يحبني‏,‏ فتظفر معي في الدار الآخرة بالسعادة التي حرمتها منها في الدنيا‏!‏
وذهلت لما قرأته‏,‏ وتساءلت خجلا ومضطربا‏:‏ أبعد كل مافعلته بها لاتريد زوجا لها سواي في الدنيا وفي الآخرة؟
ثم قرأت في صفحات أخري من أوراقها حديثا مؤلما عما تعانيه عن احتياجاتها العاطفية والحسية وما تحس به من حرمان منها‏,‏ وكيف تستعين علي ذلك بالصوم والصلاة أكثر أيامها وكأنها امرأة غير متزوجة‏!!‏ وقرأت في رسالة أخري عن أملها في أن ينصلح حالي ذات يوم‏,‏ وعن سعادتها بالرغم من عدم اهتمامي بها بأنني لا أهتم بامرأة أخري غيرها‏,‏ ولا أخونها‏,‏ وهذا هو الشيء الوحيد الذي قدمته لها بالفعل منذ تزوجتها‏.‏ وقرأت في رسالة ثانية عن حيرتها فيما تفعل لكي تقربني منها وتساؤلها الممرور‏:‏ تري هل تدهن نفسها عسلا لكي تجتذبني إليها؟‏..‏ وماذا يكون الحال لو تذرعت أنا حينذاك بأنني لا أحب العسل؟
وقرأت وقرأت وقرأت‏..‏ واكتشفت كم هي رقيقة المشاعر وأنا الذي أتهمها في جهلي بالتبلد وعدم الاحساس بأي شيء‏!‏ وجلست بعدها لفترة طويلة أراجع شريط حياتي معها منذ عرفتها‏,‏ وتذكرت في غمار ذلك أنني منذ انتقلت إلي الحياة معها في هذه الشقة السفلية قد اكتشفت من الأيام الأولي أنني أسمع بغير تعمد من جانبي أية أصوات مرتفعة قليلا تتردد في مسكن أسرتي بالدور العلوي‏,‏ وأدركت أن كل مادار بيني وبين أبي من مشاجرات بسبب رفضي الزواج من ابنة عمي قد تسرب إلي الشقة السفلية وعلمت به زوجتي في حينه وعلم به أيضا عمي وزوجته‏,‏ ومع ذلك فلم ترغب عني ولم ترفضني‏,‏ وتزوجتني وعاشت معي كل هذه السنوات وهي علي علم بموقفي السابق منها‏,‏ وشعرت بالخجل والأسف‏,‏ وبعد تفكير طويل نهضت من مجلسي صاعدا إلي الشقة العليا‏,‏ وطلبت من زوجتي في حزم وحنان الدنيا كله في صوتي وعيني أن ترجع للاقامة معي في عش الزوجية لأني أريد رعايتها بنفسي في فترة حملها‏,‏ وأريد أن تكون إلي جواري دائما هي وطفلتي وسعدت زوجتي بهذه الرغبة كثيرا وطفر الدمع من عينيها‏,‏ ونهضت علي الفور تجمع حاجياتها وتستعد للعودة لبيتنا بالرغم من تحذير الطبيب لها من بذل أي مجهود‏,‏ ولم تستمع لنصيحة والدتي لها بالصبر حتي الصباح لكي تتمكن من جمع أشيائها بغير عجلة‏..‏ وعادت زوجتي إلي بيتها ووجدتني أحبها كما كنت أحبها في صباي‏,‏ وقبل أن يركبني العناد والشيطان ويزهدانني فيها‏..‏ انني لم أكرهها أبدا ياسيدي وأرجو أن تصدقني في ذلك‏,‏ لكني فقط كنت أشعر بالفتور تجاهها‏,‏ وقد تخلصت من هذا الفتور الآن والحمد لله وتغيرت معاملتي لها تماما بعد هذا اليوم‏,‏ وأصبحت الآن أستعجل الساعة لكي تنقضي مواعيد العمل وأرجع إلي زوجتي وأهتم بها‏,‏ وبصحتها‏,‏ وبحياتي معها‏..‏ وانني أكتب إليك لأسألك كيف أستطيع تعويضها عن سنوات الجهل والحمق والجفاء التي عاشتها معي صابرة بلا شكوي إلاإلي ربها‏..‏ وهل يتسع العمر لإصلاح كل ما ارتكبته من أخطاء في حقها‏..‏ وكيف تفسر ماشهدته مشاعري تجاهها من تحولات من الحب في الصبا وبداية الشباب إلي الفتور والضيق والتأفف في سنوات الزواج إلي الحب والعطف والحنان من جديد وبعد أن قرأت أوراقها؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

يخيل إلي في بعض الأحيان أن بعض البشر يحتاجون أحيانا إلي أن ترغمهم بعض أحداث الحياة علي اكتشاف الحظ الطيب الذي خصتهم به أقدارهم دون غيرهم‏,‏ وعلي الاحتفاء بالسعادة التي ينعمون بها بالفعل بغير أن يدركوا ذلك‏..‏ غير أن بعض هؤلاء قد يتمادون في البطر العاطفي والنفسي فلا يتاح لهم اكتشاف ثروة السعادة التي خصتهم بها السماء إلابعد فقدها‏..‏ فيعجبون حينذاك لأنفسهم كيف لم يعرفوا لها قدرها ولم يستمتعوا بكل لحظة من لحظاتها حين كانت بين أيديهم‏..‏ وينوح نائحهم مع قيس بن ذريح في بكائياته لفقد لبني‏:‏
إلي الله أشكو فقد لبني كما شكا إلي الله فقد الوالدين يتيم وبعضهم قد تترفق بهم أقدارهم فيكتشفون جوائز السماء التي لم يقدروها من قبل حق قدرها وهي مازالت بين أيديهم‏,‏ وفي العمر متسع لتعويض التقصير في الشكر والعرفان وإصلاح الأخطاء‏..‏ ولا شك أنك من أصحاب الحظ الطيب في الحياة ليس فقط لأن الأقدار قد وهبتك هذه الزوجة المتبتلة في حبك والصابرة علي جفائك لها علي مر السنين‏..‏ وانما أيضا لأنك قد أدركت هبة السعادة قبل أن تفلت من يديك ويتعذر إعادة مياه النهر إلي مصبها من جديد‏.‏ فاشكر ربك كثيرا علي ما أتيح لك من حظ موفق في الحياة‏.‏ واشكر أقدارك كثيرا وكثيرا علي أن أدركت الفرصة قبل فوات الأوان‏,‏ وحاول بكل جهدك أن تعوض زوجتك الصابرة عن حرمانها السابق مما تستحقه من حب مكافيء لحبها لك وعطاء مماثل لنهر عطائها الدافق إليك‏..‏ فاذا كنت تسألني عن تفسيري لتضارب مشاعرك تجاهها بين الحب ثم النفور‏..‏ ثم اشتعال شرارة الحب من جديد‏..‏ فلعلي أجيبك علي ذلك بأنك قد أحببتها في البداية وأنت في فترة المراهقة التي تتسم عادة بعدم ثبات المشاعر وقلقها‏,‏ ثم ارتبط حبها لديك تدريجيا ومع بداية التحولات العاطفية التي تلي غالبا فترة المراهقة وأحاسيسها غير الناضجة‏,‏ بمفهوم الواجب العائلي الذي ينبغي عليك أداؤه وإلاانفرط عقد الأسرتين وتحملت وزر ذلك في نظر أبيك واخوتك‏,‏ فتحولت مشاعر الحب لديك تجاهها إلي الفتور والرغبة في التهرب من أداء هذا الواجب الذي لا مفر من أدائه‏,‏ ولو كان والدك قد تظاهر بالاستجابة لرغبتك وقتها في عدم الارتباط بابنة عمك‏,‏ وترك لك حرية الاختيار دون الالحاح عليك بمفهوم الواجب العائلي وتبعاته‏,‏ لجلت جولتك في الحياة لفترة قصيرة متحررا من الاحساس بقيد هذا الواجب علي ارادتك‏,‏ ثم اخترت نفس هذه الفتاة التي أحببتها في بداية الشباب‏,‏ وأحبتك‏,‏ ولكان اختيارك لها علي هذا النحو اختيارا عاطفيا ونابعا من مشاعرك ورغبتك فيها‏,‏ وليس صادرا عن الالتزام القهري بواجب يكبل ارادتك‏,‏ وهذا الفارق بين الاختيار الحر والالزام الجبري بدعوي الواجب‏.‏ فالواجب ثقيل علي النفس بطبعه‏,‏ والاختيار الحر طائر مغرد بلا قيود ولا أصفاد‏.‏ ولهذا فلقد بدأت حياتك الزوجية مع ابنة عمك باحساس من ينفذ حكم القضاء العائلي فيه وليس باحساس من اختار شريكة حياته بملء ارادته واختياره‏,‏ فصبغ ذلك حياتك معها بالفتور والجفاء والبرود‏..‏ فاذا كانت زوجتك المحبة قد تحملت أقدارها صابرة وتعلقت بالأمل فيك إلي النهاية‏,‏ فلأن مشاعرها التي بدأت أيضا في فترة المراهقة قد صمدت للتحولات العاطفية التي تشهدها المشاعر في هذه الفترة فيما يمثل الاستثناء من القاعدة‏,‏ فأصبح حب العمر الذي اختلط بكيانها وأفكارها وحياتها ومشاعرها‏,‏ وارتبط كل ذلك لديها بالانكسار العاطفي تجاهك‏,‏ وبالانكسار الإنساني الذي عايشته بيتمها ووحدتها وقلة حيلتها‏..‏ واعتبارها لك السند الأول لها في الحياة من بعد والدها‏,‏ ولعل ذلك يفسر لك امتزاج الحب لديها بالحسرة والأنين والأمل المحروم والشكوي المريرة إلي الله سبحانه وتعالي من ظلمها لنفسها بهذا الحب الذي لم يلق ممن تحب سوي الجفاء والنكران‏..‏ أما أنت فإن شرارة الحب في نفسك تجاهها لم تولد من فراغ في تقديري وأغلب الظن أن زوجتك كانت هي أيضا الحب الوحيد في حياتك بدليل اخلاصك لها بالرغم من فتور مشاعرك تجاهها‏..‏ ويخيل إلي أن قبسا من المشاعر تجاهها كان موجودا لديك لكنه خامد ولم يجد لديك الدافع لرعايته وتجديده والقاء شحنات جديدة من الخشب إلي ناره لكي تظل مشتعلة‏,‏ ربما بسبب فتور عام لديك في المشاعر‏,‏ وربما لاطمئنانك إلي حب زوجتك لك وتمسكها بك في كل الأحوال‏,‏ غير أن الحب في النهاية كلهب المدفأة يتراقص كلما استقبل دفعة جديدة من الأخشاب‏..‏ ويخبو حتي تذوي جذوته اذا أهمله صاحبه‏,‏ فيظل الرماد في بعض الأحيان دافئا ومستعدا للاشتعال من جديد اذا وجد الرعاية اللازمة‏,‏ وهذا ما حدث لك حين تلقي رماد حبك القديم شحنة جديدة من أوراق زوجتك الناطقة بالحب والاخلاص والأمنيات الحسيرة‏..‏ فحافظ ياصديقي علي نار مدفأتك مشتعلة علي الدوام‏..‏ وانعم بما سخت عليك به الحياة من عطاء وأمان‏..‏ والسلام‏..‏
lionhmada
نظرية الأرض‏!‏

أنا سيدة في الثلاثين من عمري زوجة منذ عشر سنوات وأم لطفلين رائعين‏,‏ ودراستي هي علم النفس‏,‏ وأكتب لك رسالتي هذه تعليقا علي رسالتي الخواطر والفوازير اللتين يشكو فيهما صاحباهما من زوجتيهما‏..‏ وفي البداية أقول انه كان من المألوف أن نسمع شكاوي النساء من الرجال اتساقا مع ماتؤكده لنا الدراسات من أن الرجل يحتل المرتبة الأولي في أولويات المرأة‏,‏ في حين تجيء المرأة في أولويات الرجل غالبا في المرتبة الثانية أو الثالثة‏,‏ ولست هنا في مجال تفسير ظهور هذه الشكاوي الرجالية من المرأة في الوقت الراهن أو ربطها في اعتقادي بزيادة وعي المرأة بحقوقها المعنوية والنفسية وتمسكها بها‏,‏ لكني أقول فقط ان كثيرين من الرجال يعلمون أن مفتاح المرأة هو قلبها لكنهم بالرغم من ذلك لايعرفون كيف يستخدمونه في فتح مغاليقها‏..‏ ولكي أساعد الرجال علي ذلك سأطرح بدوري مسابقة أخري نسائية علي غرار مسابقة الفوازير الرجالية التي طرحها كاتب رسالة الأسبوع الماضي وهو يشكو من زوجته‏..‏ وسأختصر أسئلة المسابقة إلي أقل حد ممكن فأختار منها الآتي‏:‏
‏*‏ تري كم رجلا متزوجا ذهب إلي عمله ذات يوم ثم رفع سماعة التليفون ليتصل بزوجته ليس لكي يطمئن علي سير الأمور في البيت والأولاد‏,‏ وانما لكي يقول لزوجته انه يفتقدها ويتشوق إليها؟
‏*‏ وكم رجلا قال لزوجته بعد بضع سنوات من الزواج انه معجب بها أو بمزايا معينة فيها؟
‏*‏ وكم رجلا انتهز الفرصة المناسبة لكي يشكر زوجته علي حسن رعايتها له وللأولاد ولما تقوم به من دور مهم وحيوي في حياته وحياة الأسرة؟
‏*‏ وكم رجلا لم يفته أن يتزين لزوجته كما تتزين هي له‏..‏ وحرص علي أن يكون في يوم اجازته الذي يقضيه معها في البيت حليق اللحية ممشط الشعر متعطرا‏..‏ ولم يؤجل كل ذلك إلي يوم الذهاب للعمل؟
‏*‏ وكم رجلا أطري محاسن زوجته وسجاياها أمام أهله وأهلها‏,‏ ولم يتحين الفرص علي العكس من ذلك لابراز عيوبها ونواقصها أمامهم؟
‏*‏ وكم رجلا اختار لزوجته اسم تدليل يناديها به ويشعرها بخصوصيتها لديه‏,‏ كما كان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم‏,‏ يفعل مع زوجته السيدة عائشة فيناديها باسم عائش؟
‏*‏ وكم رجلا طلب من زوجته أن تستريح ذات يوم من أداء واجباتها المنزلية وقام هو بها عنها لأنها في هذا اليوم مريضة أو معتلة المزاج؟
‏*‏ وكم رجلا رجع من عمله إلي بيته ففاجأ زوجته بتذكرتي سينما أو مسرح‏,‏ بأي شيء يعرف عنها أنها تحبه وتسعد به؟
‏*‏ وأخيرا كم رجلا اتبع السنة في العلاقة الخاصة بين الزوجين فبدأ بالمداعبة والملاعبة والكلام والقبل ولم يقع علي زوجته كما يقع البعير وهو ما نهي عنه الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟
انني أرجو أن يلاحظ الرجال أن معظم ما أشرت إليه لايكلفهم وقتا ولا مالا ولا جهدا‏,‏ ومع ذلك فإن أداءه والحرص عليه يجعل من زوجاتهم إماء لهم‏.‏
وانني أتحدي أن يكون هناك رجل قد طبق كل هذه البنود ووجد من زوجته بعد ذلك مايدعوه إلي الشكوي منها علنا علي صفحات الجرائد كما فعل كاتبا الرسالتين‏,‏ اللهم إلااذا كانت امرأة غير سوية‏.‏
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يتقي الرجال ربهم في زوجاتهم وأن يعاملوهن بما أمرهم الله أن يعاملوهن به‏,‏ وأن يتأسوا في ذلك برسوله الكريم لأن المرأة كالأرض تنبت مايزرعه الرجل فيها وليس العكس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول

ولكن الأرض قد تنبت أيضا ما لم يزرعه فيها أحد بيده كالشوك والحسك اللذين ينبتان فيها تلقائيا في بعض الأحيان‏,‏ ربما لأن بذورهما كانت كامنة تحت قشرة الأرض‏,‏ وربما لأن الرياح قد حملتها إليها من بعيد بغير تدخل من يد بشرية في ذلك‏!‏
كما أنه ليست كل أرض‏,‏ تنبت مايزرعه فيها صاحبها ويصح نبتها وينمو‏,‏ فقد يبذر الإنسان في الأرض اليباب بذورا صالحة فتموت في باطنها ولا تنبت ولا تثمر أو تنبت معوجة سقيمة‏,‏ لأن ملوحة الأرض قد أصابتها بالوهن ولست أقصد بذلك اعفاء الرجال من كل مسئولية‏..‏ أو اتهام النساء بكل المسئولية‏,‏ وانما أقصد فقط أن الأرض الطيبة هي التي تحتضن البذور الواعدة بالخير وتتفاعل معها وتغذيها فيصح الزرع ويورق النبات‏,‏ وان للأرض أيضا دورا إيجابيا في حماية هذه البذور من الهلاك وانمائها وتخصيبها‏,‏ وليس مجرد استقبالها وانباتها كما يوحي بذلك تشبيهك للمرأة بالأرض التي لاتنبت إلامايزرعه فيها صاحبها‏..‏
والحق أن تشبيه المرأة بالأرض في هذا المجال ليس تشبيها دقيقا‏,‏ بل انه في تقديري تشبيه مجحف للمرأة وليس منصفا لها كما تتصورين‏,‏ لأنه يحكم عليها بالسلبية المطلقة‏..‏ ويحصر دورها في دائرة ردود الفعل بالنسبة للرجل‏,‏ ويجردها من مؤهلاتها ككائن حي له ارادته الحرة وتفكيره المستقل وقدرته الذاتية علي الفعل‏..‏ والحق أن كل ما أشرت إليه من أمور ولفتات تغيب عن بعض الأزواج أو يتجاهلونها انما تسهم بالفعل في استدامة الود بين طرفي العلاقة الزوجية‏..‏ وتجميل الحياة من حولهما‏,‏ وتهوين المتاعب عليهما‏,‏ لكنه ليس من الموضوعية بالرغم من ذلك أن ننجرف إلي خطأ التعميم واصدار الأحكام المطلقة‏,‏ فنحكم بأن أسباب التعاسة الزوجية تنحصر في اهمال الرجال لمثل هذه اللفتات والأمور المهمة‏,‏ لأن من أسبابها كذلك ما لايتعلق بمثل هذه اللفتات والأمور‏,‏ كافتقاد روح العدل من جانب أحد الطرفين‏,‏ وافتقاد الدفء العاطفي في العلاقة الزوجية من جانب الطرفين معا أو أحدهما‏,‏ وافتقاد روح التسامح والجحود البشري‏,‏ وسوء الطبع‏..‏ والانفعالية المدمرة‏..‏ والتسلط‏...‏ الخ‏,‏ ناهيك عما يشكو منه الفريقان معا في بعض الأحيان من تحول العلاقة بينهما إلي مباراة يحاول كل طرف فيها تحميل الآخر كامل المسئولية عن كدر الحياة بينهما معفيا نفسه من كل لوم أو تبعة‏,‏ وكأنما قد كان طرفا مستقبلا فقط لكل الاساءات‏,‏ وليس كذلك طرفا مرسلا وفاعلا بنفس القدر ان لم يكن أكبر‏..‏
وفي ذلك قد يستوي الرجل والمرأة‏,‏ غير أن معظم خبراء الاستشارات الأسرية في الغرب يؤمنون بأن السلام الزوجي إنما يتوقف علي حكمة الزوجة أكثر مما يتوقف علي مهارة الرجل أو حسن عشرته وطباعه‏,‏ وتعليلهم لذلك هي أنه حتي لو كان الزوج مقصرا أو سيئا‏,‏ فإن كلمة الزوجة تستطيع إذا أرادت أن تستوعب كل أخطائه وتقصيره‏,‏ وتحفظ للحياة العائلية سلامها واستمرارها‏,‏ في حين أن الرجل لو كان ملاكا طاهرا‏,‏ وصادف زوجة انفعالية أو غير حكيمة أو غير منصفة أو غير متزنة عصبيا فلن يستطيع حتي ولو كانت تحبه أن تجنب أسباب الشقاء والمعاناة معها‏..‏
وكل ذلك يدحض نظرية الأرض التي لا تنبت إلا ما يزرعه الرجل فيها‏,‏ غير أني لا أريد من ناحية أخري أن أنجرف بدوري إلي التعميم وإصدار الأحكام المطلقة علي النوع‏..‏ إذ ليس من الإنصاف أن نحكم علي نصف البشرية بالتجني‏,‏ وعلي النصف الآخر بالبراءة المطلقة من كل شبهة‏..‏ وإنما الأقرب للإنصاف أن نقول إن من الرجال من يتحملون المسئولية الأولي عن فساد العلاقة بينهم وبين شريكات حياتهم‏..‏ ومن النساء من يتحملن هذه المسئولية كذلك عن تعاسة أزواجهن بهن‏,‏ ومن الفريقين من هو ظالم ومظلوم معا بالقدر نفسه أو أقل أو أكبر قليلا‏..‏ وفي كل الظروف والأحوال فإنه من الخيبة الحقيقية أن يكون بمقدور الإنسان أن يسعد نفسه ومن حوله‏,‏ ثم يتقاعس عن تحقيق ذلك لأي أسباب يراها‏..‏
ومن الغباء البشري أن يتحجر البعض علي مواقفهم وأخطائهم وألا يحاولوا إصلاح أنفسهم‏..‏ وتجميل حياتهم وتعطيرها بعبق المحبة والسلام‏.‏
وشكرا لك علي تنبيهك للرجال إلي مفتاح المرأة الذي يفتح لهم معاليتها وأرجو أن تنجح وصفتك في إرشاد الكثيرين إلي سبل الوصول لقلوب شركائهم والعيش معهم في سلام علي الأقل إن تعذر عليهم العيش معهم في حب ووئام‏!‏
lionhmada
الخطة الجهنمية‏!‏

أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري‏..‏ أتابع باهتمام بريد الجمعة واستطيع ان اقول ان ما يقرب من‏80%‏ من خبرتي بالحياة قد اكتسبتها منه‏,‏ ولهذا فإني ألجأ إليك لألتمس منك الرأي والمشورة في مشكلتي التي أقف أمامها حائرا الآن‏.‏ فلقد بدأت القصة منذ أكثر من عام حين تعرفت بسيدة متزوجة تكبرني بثماني سنوات ولها ابنة عمرها‏17‏ عاما‏,‏ ثم توثقت صلتي بها سريعا لظروف غياب زوجها المتكررحيث يضطره عمله للسفر لفترات طويلة‏,‏ فأصبحنا نتحدث في التليفون لساعات طويلة ونلتقي في الأماكن العامة ونتبادل أحاديث الحب والهيام‏,‏ كما بدأت أزورها في بيتها عند سفر زوجها‏,‏ وتكررت هذه الزيارات الي ان تخطينا كل الخطوط الحمراء وأصبحت علاقتي بها كاملة‏..‏ واستمر الحال علي هذا النحو بضعة شهور‏..‏ لم يعد لكل منا خلالها شاغل سوي الآخر‏,‏ وأصبحت ازورها في بيتها كلما سافر زوجها وخلا البيت عليها في غياب ابنائها في مدارسهم وتزورني هي من حين لآخر في بيتي الذي أقيم فيه وحيدا بعد زواج كل إخوتي ورحيل أبي وأمي منذ سنوات‏.‏
إلي أن جاء يوم وفوجئت بها تعرض علي خطة جهنمية‏,‏ تضمن لنا كما قالت استمرار علاقتنا بلا متاعب إلي أبعد مدي‏,‏ وتجنبنا شكوك الآخرين في أسباب زياراتي المتكررة لها في بيتها أو زياراتها لي‏..‏ أما هذه الخطة فهي أن ارتبط بابنتها ظاهريا‏..‏ وأن تشجعها هي علي قبول الخطبة من ناحية المبدأ فتتسع أمامنا الفرصة للاستمرار في علاقتنا الخاصة بلا مشاكل لعدة سنوات لأنها مازالت طالبة بالمرحلة الثانوية‏..‏ وقد تنضج الفتاة خلال هذه السنوات وتتجه مشاعرها لزميل لها في الجامعة مثلا أو تكتشف انني لست فتي أحلامها لتعتذر عن عدم إتمام الخطبة والزواج فأتحلل من مشروع الارتباط بها ونفوز نحن وأنا وأمها ببضع سنوات من العلاقة الحميمة بلا متاعب أو ظنون‏..‏ فإذا حدث العكس وتعلقت بي الفتاة ورغبت في استكمال المشوار معي الي نهايته فليس ثمة ما يمنع من ذلك‏,‏ علي أن تتوقف علاقتي بوالدتها عند هذا الحد وتقوم بيننا علاقة المصاهرة‏!‏ انني اعرف انك تريد الآن ان تمزق هذه الرسالة وتلقي بها في سلة المهملات وانت تلعنني لكني اناشدك ان تستمر في قراءتها حتي النهاية لعلك تجد في خاتمتها ما يخفف بعض غضبك عني‏..‏
لقد ألحت علي شريكتي بهذه الخطة‏..‏ وفكرت فيها بعض الوقت فلم ار مانعا من تنفيذها‏,‏ وكلفتها بأن تمهد لي الطريق ففعلت‏,‏ وحدثت ابنتها عني‏,‏ وشجعتها علي الترحيب بي‏,‏ وانتظرنا مجئ أبيها من رحلة عمل له‏..‏ وتقدمت اليه طالبا يد ابنته‏..‏ فتردد في البداية في القبول بسبب صغر سن ابنته‏..‏ لكن شريكتي نجحت في ازالة تردده‏,‏ وأيدت فكرة الارتباط المبكر لابنتها بشاب ممتاز مثلي لكي يحميها هذا الارتباط من الإغراءات الكثيرة التي تحيط بها نظرا لجمالها الملحوظ وغياب الأب معظم الأوقات‏..‏ وذكرت زوجها بأنه قد خطبها وعمرها‏17‏ عاما مثل ابنتها وتزوجها وعمرها‏18‏ عاما‏..‏ فاقتنع الرجل بذلك وأعلن موافقته بعد أن لمس من ابنته ترحيبها بهذا الارتباط‏.‏
وبالفعل تمت قراءة الفاتحة ثم الخطبة وأصبحت اتردد علي بيت شريكتي بلا حرج‏,‏ وازدادت فرص اللقاء بيننا كثيرا وأصبح اتصالنا التليفوني بالساعات أمرا علنيا أبدؤه بالحديث مع الفتاة لبعض الوقت ثم تأخذ الأم السماعة وتتحدث معي بحريتها وتدعوني للحضور أو تطلب مني مقابلتها لشراء شئ في وسط المدينة إلخ‏..‏ ولم ألحظ أي شك من الفتاة في طبيعة علاقتي بأمها‏..‏ ولاحظت علي العكس من ذلك انها سعيدة بي وبالمودة التي تجمع بيني وبين امها وإخوتها وسعدت بذلك في البداية وشعرت بأن كل شئ يمضي كما هو مخطط له تماما‏,‏ لكني بدأت اشعر فجأة بالذنب تجاه هذه الفتاة البريئة التي اشترك أنا وأمها في خداعها وبالندم علي ما تورطت فيه معها‏..‏ ومع امها علي السواء وبدلا من ان يستمر ابتهاجي بنجاح الخطة وجدت نفسي أشعر بالخوف الشديد مما سيحيق بي من غضب ربي لما فعلت وتدهورت اليه من علاقة آثمة مع شريكتي‏..‏ وبدأت الهواجس تلاحقني وتفسد علي أوقاتي واعتراني الضيق والاكتئاب ولاحظت انني لم أعد اشعر بالمتعةالتي كنت اشعر بها مع والدتها من قبل‏..‏ وانما بالألم والضيق والذنب‏,‏ كما لاحظت ايضا انها قد اصبحت مهمومة معظم اوقاتها ولم تعد سعيدة ومبتهجة دائما معي كما كانت من قبل ونهضت من نومي ذات ليلة مفزوعا وأنا أشعر كأن أحدا يخنقني‏,‏ فاستقر عزمي بعد تفكير طويل علي أمر‏..‏ وتوجهت للقاء شريكتي وصارحتها بندمي علي ما وصلنا اليه معا ففوجئت بها تقول لي انها تشعر هي الأخري بنفس هذا الندم وتريد ان تفاتحني في ضرورة التوقف عن الاستمرار في الخطأ لأنها لم تعد قادرة علي مواصلته ولا سعيدة به‏..‏ واسترحت كثيرا حين سمعت منها ذلك واتفقنا علي وقف اللقاءات الخاصة بيننا‏,‏ والاستمرار في العلاقة العائلية التي تجمعنا بصفتي خطيبا لابنتها وبصفتها أما لخطيبتي والتزمنا بهذا القرار وبدأ كل منا يصلي ويستغفر الله كثيرا ويندم علي ما بدر منه‏,‏ واستمرت صلتي العلنية بأسرة خطيبتي كما كانت من قبل وأصبحت ادخل بيت الأسرة وقد تحررت لأول مرة من الإحساس بالإثم والخداع‏,‏ وأصبحت شريكتي السابقة تقابلني بود واحترام ولا تتطرق الي أي احاديث خاصة بنا لكن هاجسا جديدا بدأ يؤرقني وهو هل يحل لي الزواج من هذه الفتاة بعد خطئي مع أمها أم لا‏..‏ وتحرجت من أن أسأل احدا في ذلك خوفا من ان يكتشف الحقيقة‏..‏ وتوجهت الي دار الإفتاء بسؤال مكتوب عن جواز ارتباط شاب بفتاة سبق له ان أخطأ مع امها وتوقف عن الخطأ فجاءني الجواب بأن الإمام احمد بن حنبل قد حرم مثل هذا الزواج في حين أباحه الأئمة الثلاثة الآخرون واخذت بالرأي الأخير ومضيت في مشروع الزواج‏..‏ وبدأنا نتحدث عن تحديد موعد قريب لعقد القران‏..‏ لكني وجدتني بالرغم من ذلك حائرا ومترددا ولا اعرف ماذا ينبغي لي ان افعل‏..‏ وهل ارتبط بهذه الفتاة للنهاية واتزوجها‏..‏ أم ابتعد عن هذه الأسرة كلها خاصة ان امها كانت قد عرضت علي حتي بعد توقف العلاقة الخاصة بيننا ان تحصل من زوجها علي الطلاق وتتزوجني اذا رغبت انا في ذلك‏,‏ لكني رفضت هذا الاقتراح بشدة لكيلا اصدم اسرتها وافرق ابناءها الذين ينعمون بحياة عائلية طبيعية بالرغم من كل ما حدث‏.‏
انني اعرف انني لست موضع احترامك الآن بالمرة لكني اثق انك لن تبخل علي بالرغم من ذلك بالرأي السديد والمشورة ولعله يخفف من حنقك علي ان تعلم ان ما وصلت اليه من تقويم هذه السيدة يستحق الاحترام بالفعل فلقد اصبحت تصلي وترتدي الملابس الطويلة والمحتشمة وتغطي شعرها ولا تتحدث مع احد اطلاقا‏,‏ ونفس الشئ حدث ايضا للفتاة التي كانت علي وشك ان تتخذ نفس اتجاه الأم قبل ارتباطي بها فعدلت مسار تفكيرها وأصبحت ملتزمة ومحتشمة تماما‏.‏
والآن بماذا تنصحني ان افعل‏..‏ يا سيدي؟

: ولكاتب هذه الرسالة اقول‏
لست اريد ان اخوض في نهر الفقه العميق لكي اناقش صحة ما اوردته في رسالتك من موقف الأئمة الأربعة الأجلاء من مثل هذا الزواج المحاط بالشكوك والريب‏..‏ لكني اقول لك فقط انك قد أخطأت في النقل عن فتوي دار الإفتاء فيما قلته عن مواقفهم منه فلقد رجعت الي الفتوي رقم‏1164‏ من فتاوي دار الإفتاء المصرية والصادرة في عهد الإمام الراحل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يرحمه الله حين كان مفتيا للجمهورية‏,‏ فوجدت الفتوي في مسألة مشابهة تشير الي انه ليس ابن حنبل وحده رضي الله عنه هو الذي يحرم مثل هذا الزواج‏..‏ وإنما يحرمه ايضا فقهاء المذهب الحنفي والثوري والأوزاعي‏,‏ حيث يثبتون لارتكاب الخطيئة مع الأم ما يحرم بالمصاهرة ويقولون ان من ارتكبها مع امرأة فقد حرمت عليه أمها وابنتها وجدتها وحرمت هي علي ابيه واجداده وان علوا وعلي ابنائه وان نزلوا‏,‏ في حين اجازه فقهاء الشافعية والمالكية علي كراهته اعتمادا علي انه لا يعتبر في التحريم بالمصاهرة الا النكاح الحلال الذي لا شبهة فيه‏,‏ فإذا لم يكن كذلك لم تقع به حرمة المصاهرة ولكن يكره مثل هذا النكاح ولا يندب اليه أي لا يكون مفضلا‏,‏ وبغض النظر عن اختلاف الأئمة الأجلاء في هذا الأمر وكل مصيب كما يقولون فإني أسألك عما يغريك بفتاة صغيرة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها لكي تسعي للارتباط بها وقد اخطأت من قبل مع أمها‏..‏ ولم تكن خطبتك لها من البداية سوي جزء من خطة جهنمية شائنة للتعمية علي علاقتك الآثمة بوالدتها؟
ولماذا تصر علي مخالفة احكام العقل والأخلاق باستمرار وجودك في حياة هذه الفتاة الضحية والظروف المعقدة المحيطة بها قد تنذر باحتمال تجدد العلاقة بينك وبين أمها في أي مرحلة من العمر‏,‏ بدليل عرضها عليك حتي بعد خطبتك لابنتها وتوقف العلاقة الآثمة بينكما ان تحصل علي الطلاق من زوجها وتتزوجك؟
الا يعني ذلك ان القصة المؤسفة لم تنته كل فصولها بعد‏..‏ وان استمرار وجودك بالقرب من هذه السيدة قد يحمل لك نذر تجددها في أي لحظة؟‏.‏
إن الإنسان ضعيف بطبعه أمام الإغراءات‏..‏ والمثيرات ونداءات الغريزة والمغامرة‏..‏ وسوابقك الأخلاقية لا توحي بأن استشعارك للندم او استشعار شريكتك له قد يكون كافيا الآن أو في المستقبل القريبلحماية كل منكما من ضعفه تجاه الآخر الي ما لا نهاية‏..‏
فلماذا اذن تضع نفسك وتضع هذه السيدة موضع اختبار قد يدوم طوال ارتباطك بابنتها؟ ولماذا لا تنجو بنفسك من حقل الألغام الذي دخلته بقدميك فتحمي هذه الفتاة الصغيرة مما ترشحها له انت وامها من عذاب كعذاب الأساطير الإغريقية حين تكتشف ذات يوم ما كان من امركما معا‏..‏ او ما سوف يستجد منه في قادم الأيام؟
ولماذا ايضا لا تعين هذه السيدة علي نفسها بالخروج نهائيا من حياتها‏,‏ وكفاك وكفاها اثما ما كان من امركما معا‏..‏ وما كان من امركما مع هذه الفتاة التي ارتضت لها امها لا سامحها الله أن تتخذها ستارا خادعا لعلاقتها بك‏,‏ حتي لو أدي ذلك الي استغلالها هذا الاستغلال الدنئ واللعب بعواطفها الغضة بغير شفقة لحساب اهوائها ونزواتها؟ يا إلهي؟ ان من الحيوانات الثديية من قد لا ترضي لفلذات اكبادها بهذا الاستغلال الدنئ‏,‏ فكيف يرضي به بعض البشر لثمرات قلوبهم؟ إنني لن احدثك عن الحلال والحرام لأنك تعرف جيدا كل ما يمكن ان يقال في ذلك ولكني سأقول لك فقط انه حتي في الخطأ‏,‏ من الأخطاء ما قد يخفف من بعض وزره انه قد يراعي بعض القوانين الأخلاقية دون بعضها فلا يضاعف مرتكبه من جرمه باستغلال الآخرين أسوأ استغلال ولا يقترب في خطئه بالأذي ممن يأمنون اليه ويعتمدون عليه ويثقون في اخلاص نياته تجاههم‏,‏ ومن الخطأ كذلك مالا يراعي فيه مرتكبه اي قانون اخلاقي أو حرمة لشئ او شفاعة لصلة رحم او قرابة‏,‏ فكأنما لا يري فيما يفعل الا نفسه ورغباته وأهواءه مهما ترتب عليها من إيلام وإيذاء للآخرين‏.‏ وخطأ هذه السيدة في حق ابنتها بوضعك في طريقها لكي تكون ستارا شائنا لعلاقتها الآثمة بك هو من هذا النوع الأخير الذي يضيف الي جرم الخطيئة‏,‏ خسة خداع اقرب الناس اليها وأحقهم عليها بالحماية من مثل هذا الخداع ولو ضحت هي في سبيل ذلك بكل اهداف الحياة‏.‏
ولقد قلت مرارا ان الضمير الأخلاقي قد لا يمنعنا في بعض الأحيان من ارتكاب الخطايا‏..‏ لكنه يحرمنا بكل تأكيد من الاستمتاع بها‏,‏ وما حدث لك ولهذه السيدة بعد تورطكما في خداع هذه الابنة‏..‏ ونجاح خطتكما الجهنمية في إضفاء الصيغة الملائمة علي وجودك في حياة هذه الأسرة يؤكد ذلك‏,‏ غير أنني أصارحك بأنني لا أطمئن كثيرا الي الاعتماد علي هذا الوازع الأخلاقي في علاقتك بهذه السيدة‏..‏ اذا استمرت صلتك بابنتها وتطورت الي الزواج‏..‏ كما انني لا ارشح مثل هذا الزواج الذي لا احسب الا انك تتلمس الآن الذرائع للنكوص عنه‏,‏ للنجاح والاستمرار بلا مشاكل محزنة‏..‏ وأسبابي لذلك هي انك حتي ولو نجحت في الاستمرار في مقاومة نداء تجدد العلاقة بينك وبين هذه السيدة‏,‏ فإنك لن تنجو غالبا من مؤثرات هذه العلاقة السابقة عليك ورواسبها الأخلاقية في اعماقك في علاقتك بهذه الفتاة في المستقبل‏..‏
فلاشك انك رغم اعتزازك بما تقول انك قد نجحت فيه من تقويم هذه السيدة‏.,‏ وتعديل مسار تفكير ابنتها التي كادت تمضي علي درب امها لولا جهدك المشكور في تقويمها‏!‏ اقول انك لاشك لا تخلو في اعماقك من بعض عدم الاطمئنان الي نوعية القيم الأخلاقية السائدة في الوسط العائلي لهذه السيدة وابنتها‏,‏ وانك لن تخلو فيما اتصور من بعض الهواجس والظنون في ان تكون لهذه القيم المتساهلة بعض الأثر علي التزامها وسلوكها في المستقبل‏..‏ وحتي ولو كانت فتاة طيبة ولا غبار علي أخلاقياتها فإنك قد تظلمها بهواجسك وشكوكك ورواسب علاقتك السابقة بأمها‏..‏ وتساؤلاتك عما اذا كان لسوابق امها معك من اثر علي نظرتها للحياة واخلاقياتها في المستقبل‏..‏ فلماذا لا تحميها من كل ذلك‏..‏ وتدعها لشأنها‏..‏ ولها من جمالها وصغر سنها ما قد يرشحها للارتباط بمن لا ينطوي لها علي شئ من مثل هذه الهواجس والظنون‏!‏ ولماذا لا تبتعد انت عن البوتقة التي تضطرم فيها نيران الشكوك؟‏..‏ واحتمالات تجدد العلاقة الآثمة مع الأم‏..‏ واحتمال اطلاع الابنة علي علاقتك بأمها‏..‏ واحتمال انفجار الموقف كله بفضيحة مدوية وانهيار أسرة بأكملها وتبدأ حياة جديدة ونظيفة وخالية من كل الشوائب مع فتاة لا تربطك بأسرتها مثل هذه الروابط المركبة والمعقدة‏.‏
انني لا أظن ان هذه الفتاة سوف تخسر الشئ الكثير بفقدها لك‏..‏ بل لعلي اقول انها ستربح نفسها وسعادتها في المستقبل اذا نجت من الارتباط بك ومن هذا الزواج الذي يحمل في ثناياه من عوامل الفشل والقلاقل والاضطراب أكثر مما يحمل من عوامل النجاح والاستقرار والأمان‏.‏
ولقد ركزت حديثي كله علي هذه الفتاة باعتبارها الضحية الأولي للخداع البشع والخطط الجهنمية الآثمة من جانب أمها‏..‏ وجانبك‏,‏ اما الضحية الأخري لهذه القصة وهي والدها فحسابكما‏,‏ مع خالقكما‏,‏ لكن أبسط ما تستطيع ان تقدمه له الآن اذا كان مازال لصوت الضمير من أثر عليك هو ان تختفي من حياة ابنته وأسرته وعائلته‏..‏ عسي أن يرشحك ذلك مع صدق الندم وصحة العزم للتطهر مما جنيته عليه من قبل‏..‏ والسلام‏..‏
lionhmada
النظرة الأخري‏!‏

أنا سيدة في الثامنة والثلاثين من العمر زوجة لرجل محترم في مركز مرموق طيب القلب وعلي خلق كريم‏,‏ وقد أنجبنا ثلاثة أبناء أكبرهم الآن في المرحلة الثانوية‏,‏ وقد أحببت زوجي منذ عرفته ومازلت أشعر تجاهه بالحب العميق وأحسن معاشرته وأستريح إليه ولا أشعر بوجود أي نقص في حياتي وأنا معه‏,‏ وقد مضت رحلتنا في الحياة سعيدة وهانئة وخالية من المنغصات ولم يحدث بيننا طوال حياتنا معا أية خلافات جادة‏,‏ واذا اختلفنا حول أمر من الأمور الهينة فما أسرع ماينتهي‏,‏ وما أسرع ما أصفح وأنسي لأنني أحب زوجي‏..‏ وأقدر له عشرته الجميلة وحنو قلبه ورقته‏,‏ غير أنه قد جد جديد كدر علي صفو حياتي‏,‏ وجعلني أنطوي علي نفسي وأبكي كثيرا ولا أجرؤ علي أن أشكو لأحد منه‏..‏ فنحن نقيم في عمارة بأحد أحياء القاهرة ويقيم بالقرب منا أحد أقارب زوجي‏,‏ وهو رجل يقترب من الستين ويعتبر في منزلة عم زوجي‏,‏ وزوجته سيدة محترمة وفاضلة تعاملني بكل الحب والاحترام وتوجهني لما فيه خيري وخير أسرتي وأبنائي‏,‏ ولا تبخل علي بالمشورة والنصيحة‏,‏ وأعتبرها بمثابة أم لي‏,‏ أما زوجها فقد كان دائما ينظر إلي باعتباري ابنة له وأنظر إليه باعتباره أبا لي‏,‏ لكنه ومنذ فترة غير قصيرة تغيرت نظراته لي فجأة وأصبح ينظر أنا إلي نظرة أخري ويفرض نفسه علي ويتعامل معي بأسلوب رخيص لا أقبله لنفسي‏,‏ كما بدأ يقول لي كلاما عجيبا بدعوي المزاح والتهريج عن أنني جميلة‏..‏ وجسمي كقطعة من الشيكولاتة وكيف أنني خسارة في زوجي وانه يحبني إلي آخر هذا الكلام الرخيص العجيب‏..‏ وقد اندهشت لهذا الكلام في البداية واعتبرته نوعا من المجاملة الزائدة لكني انزعجت له بعد قليل وشعرت بالخوف الشديد من هذا الرجل‏,‏ ورفضت أن أتجاوب معه في هذا التهريج السخيف وبعد أن كنت أثق فيه وأرحب بوجوده في بيتي في أي وقت‏,‏ أصبحت أخاف منه وأخشي أن يدخل بيتي في غياب زوجي‏,‏ ولقد أجبت علي كلامه الغريب لي بأنني أحب زوجي وانه هو وأبنائي هم أغلي ما في الوجود بالنسبة لي‏,‏ لكنه لم يكف بالرغم من ذلك عن هذا التهريج وواصل محاولاته السمجة معي وتحيرت طويلا ماذا أفعل معه‏..‏ وكيف أعيده إلي الطريق السليم‏..‏ وشعرت بضيق شديد ولم أستطع تحمل هذا البلاء طويلا وتشجعت قليلا فألمحت لزوجي بأن عمه يضايقني ويغازلني‏,‏ فلم يصدق ذلك في البداية ودهش له كثيرا‏,‏ وفسره بأنه مجرد مزاح وتهريج من رجل كبير يعتبرني في منزلة ابنته ورجاني ألا أردد هذا الكلام لأي إنسان آخر سواه حتي لا أتسبب في فضيحة كبيرة للأسرة كلها‏..‏ وشعرت بالعجز والقهر ازاء ذلك لأنني خجلت من أن أصارح زوجي بأكثر مما قلت له مما لايمكن أن يكون مجالا لأي تفسير بريء لما يفعله عمه‏,‏ وكتمت ضيقي في نفسي وواصلت حياتي علي أمل أن يكف الرجل عما يفعل ويرجع إلي سابق عهده معي‏,‏ لكنه لم يكف ولم يتوقف وانما تمادي فيه وبدأ يحاول أن يلمسني بحركات تبدو في الظاهر بريئة‏,‏ كأن يفتعل الاصطدام بي عفوا إلي آخر هذه الألاعيب الرخيصة ولم أطق صبرا علي ذلك وألمحت لزوجي مرة أخري بأن قريبه لم يتوقف عن مضايقتي وانما تجرأ أكثر علي فطالبني بالتحفظ ازاءه وتجنب فرص اللقاء معه ومع زوجته‏,‏ ففعلت‏,‏ وأصبحت لا أكاد أغادر غرفتي ومع ذلك لم يرحمني هذا الرجل‏,‏ ولم يكف عما يفعل فأصبحت لا أطيق مرآه وأخشاه‏,‏ وأصبح أبنائي يضيقون بتصرفاته المراهقة‏,‏ وزوجي لايدرك عمق المشكلة لأنني لم أصارحه بكل شيء حرجا منه‏,‏ ولكيلا تحدث كارثة أو فضيحة عائلية بسببي‏,‏ كما أنني لم أرد أن أهين هذا الرجل أو أن أحرجه مراعاة لزوجته‏..‏ فماذا أفعل حتي أتخلص من هذا البلاء؟‏..‏ علي أصارح زوجته وأولاده بما يفعل معي؟‏..‏ وكيف يكون الحال لو ظنت زوجته أنني أشجعه علي مايفعل؟‏..‏ انني أرجوك أن توجه إليه كلمة‏,‏ أن يتقي الله في حرمة البيوت‏..‏ وأن يمتنع من تلقاء نفسه عن دخول بيتي في غيبة زوجي‏..‏ وأن يعلم جيدا أنني أحب زوجي وأحترمه‏..‏ وأرفض هذا الانحدار وشكرا لك‏..‏

: ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏
هناك حقيقة نفسية نحتاج لأن نعرفها ونحسن التصرف ازاءها علي ضوء ادراكها وفهمها وليس عن جهل بها‏..‏ أما هذه هي الحقيقة فهي أن الرجل اذا استجاب لبعض عوارض مايسمي بأزمة منتصف العمر وتملكته الرغبة في أن يثبت لنفسه انه مازال الرجل القادر علي التأثير في الجنس الآخر‏,‏ فإنه قد يتوجه بمحاولاته هذه إلي من يحطن به من النساء في دائرته العائلية القريبة بنفس القدر الذي قد يتوجه به ـ اذا أتيحت له الفرصـ لمن يعرفهن في دائرة العمل والصداقات‏,‏ لهذا فإن تعامل المرأة المتزوجة مع الرجال من دائرة الأهل المقربين علي أساس أنهم أقرباء مبرؤون من رغبات الرجال الغرباء وبعيدون عن التأثر بنزواتهم وأهوائهم‏,‏ خطأ مبدئي ينبغي الاحتراس منه‏..‏ لأن تغير نظرة الرجال لمن حولهم من نساء الأسرة أمر وارد من الناحية النفسية في أي مرحلة من العمر‏,‏ ومن واجب الزوجة المحصنة ألا تنسي في تعاملها معهم أنهم وان كانوا من الأهل المقربين‏,‏ إلا أنهم في البداية وفي النهاية رجال لهم بدواتهم ونزواتهم وأهواؤهم الجامحة في بعض الأحيان‏,‏ ويقتضي ذلك منها ألا تركن إلي الثقة في عدم احتمال تغير نظرتهم إليها ذات يوم‏,‏ وأن تلتزم في التعامل معهم بما تلتزم به من التحفظ الحكيم في التعامل مع غيرهم من الرجال‏,‏ وأن تحذر التمادي معهم فيما يغريهم بها وبالاجتراء عليها بالمغازلة‏,‏ ذلك أن بداية الخطأ في العلاقة بين المرأة المتزوجة والطامع فيها هو تقبلها ولو من باب الحرج لاعجابه بجمالها الجسدي‏,‏ أو تجاوزها عنه بغير لفت نظره بالنظرة الصامتة‏..‏ وبملامح الوجه المتحفظة والمتجهمة إلي أنه قد طرق بابا لايحق له مهما كانت قرابته أو صلته بها‏,‏ أن يطرقه ويكفي ذلك في بعض الأحيان وحده لأن يردع ذوي الحياء عن تكرار المحاولة‏,‏ بغير الحاجة إلي صدام علني معهم أو اثارة زوابع عائلية غير مأمونة العواقب‏.‏ أما السكوت علي كلمات الاعجاب بجمال المرأة المتزوجة من رجل أجنبي عنها اما تحرجا من احراج قائلها أو طربا لها فإنه يمثل بالنسبة له دعوة ضمنية للاستمرار في المحاولة ومواصلة اطلاق السهام المسمومة إلي أن تصيب الهدف‏,‏ لا فرق في ذلك بين قريب وغريب ولا بين شاب ورجل في الستين‏,‏ وبعض الرجال يتعاملون مع المرأة بمنطق الروائي الفرنسي جي‏*‏دي‏.‏موباسان الذي كان يقول ان المرأة قد تغفر للرجل مغازلته لها واعتراضه لطريقها‏,‏ لكنها لاتغفر له أبدا اهماله لها أو عدم تأثره بجمالها‏!!‏
وهو منطق فاسد بغير شك‏..‏ يقابله المنطق الآخر الذي تؤمن به الفضليات من النساء والذي تعتبر معه المرأة المتزوجة محاولة أي رجل آخر لمغازلتها مع علمه المسبق بأنها زوجة لغيره إهانة صريحة لأخلاقياتها واتهاما معيبا لعفتها واخلاصها‏..‏ وشهادة علنية من جانبه بسوء ظنه في سلوكها ومبادئها‏,‏ اذ لو كان ينطوي لها بالفعل علي ماتستحقه من احترام لأخلاقياتها ووضعها كزوجة وأم‏..‏ لما تصور إمكان تساهلها في هذه المباديء أو استعدادها للتجاوب مع غزله لها‏..‏ ومن هذا المنطلق يكون رد فعلها علي من يتهمها بسوء الخلق صاعقا ومكافئا لسوء ظنه بها‏,‏ ويكون استياؤها منه بالغا وحاسما ولا يعطيه أية بارقة أمل في إمكان تكرار المحاولة‏..‏ ولايعني ذلك أبدا أن يكون رد الفعل هذا صاخبا أو ملحوظا من الآخرين‏,‏ أو سببا في اثارة فضيحة عائلية‏..‏ وانما يعني فقط أن يكون صارما ومزيلا لكل شبهة في نفس المجتريء عليها بغزله ودعوته لها إلي الخطأ‏..‏
والمرأة قادرة دائما علي أن تصعق كل من يجتريء عليها ولو بنظرة واحدة منها توقفه عند حده‏..‏ وبتعبير الاستياء الصارم علي وجهها الذي ينبئه بأنه قد أخطأ الطريق من البداية‏.‏
أما التحاور معه ومحاولة اقناعه بأنها تحب زوجها وأولادها ولا تعول بغيرهم أحدا‏,‏ فإنه لايمثل بالنسبة للمجتريء عليها سوي بداية طيبة للحوار حول الموضوع‏..‏ واشارة خاطئة إلي أنه موضوع قابل أصلا للمناقشة فيأمل أن تستمر المناقشة حوله وأن ينجح مع اطراد الحوار في أن يثقب جدار الرفض ذات يوم‏..‏ والنسمة الخفيفة التي تطفيء الشمعة هي نفسها التي تذكي النار كما يقول لنا الحكيم الفرنسي لاروشفوكو‏,‏ ولهذا فإن مجرد تبادل مثل هذا الحوار بين زوجة محصنة ورجل أجنبي عنها انما يعني من حيث قد لاتشعر هي أنها قد رفعت بالفعل درجة العلاقة بينهما إلي مستوي الخصوصية الذي يسمح لهما بتبادل هذا الحوار السري الذي لايسعدهما أن يطلع عليه غيرهما‏..‏ حتي ولو كانت نية الزوجة صادقة بالفعل علي النتمسك باخلاصها والتزاماتها الأخلاقية‏,‏ والإمام الشافعي كان يقول لأصحابه‏:‏ نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به‏,‏ فإن المستمع شريك القائل‏..‏
لهذا فأنت ياسيدتي لست في حاجة لأن أناشد هذا الرجل العابث أن يكف أذاه عنك وان يرعي حرمة البيت الذي ائتمنه صاحبه علي دخوله‏,‏ لأن كل ذلك لن يجدي معه فتيلا‏..‏ وانما أنت تحتاجين فقط إلي أن توقفي هذا الحوار الذي لاطائل تحته معه‏..‏ وان تصعقيه بنظراتك الغاضبة‏,‏ وازدرائك له وتجنبك لرؤيته والترحيب به في بيتك سواء في حضور زوجك أو غيبته‏,‏ وتفاديك أية فرصة يمكن أن يتحدث إليك خلالها حديثه المسموم هذا أو يقترب منك‏..‏ وسيكون ذلك أبلغ تأثير فيه من أي مناشدة من جانبي أو حوار آخر من جانبك عن حبك لزوجك واخلاصك له‏,‏ فإن لم يرتدع عن غيه بعد كل ذلك فلا مفر من مصارحة زوجك بالحقيقة الكاملة‏..‏ ليري رأيه فيما يفعل قريبه‏..‏ ويتخذ من الاجراءات مايحفظ عليك كرامتك ويحميك من اجتراء هذا السفيه عليك‏.‏
lionhmada
الشاهد‏!‏

أنا شاب عمري‏31‏ عاما اعمل في وظيفة مناسبة بشركة محترمة وبمرتب معقول‏,‏ وقد تزوجت منذ‏5‏ سنوات من فتاة احببتها‏..‏ وتمنيت أن أسعد بحياتي معها وان أسعدها‏..‏ وفقني الله في اعداد مسكن مجهز بالتليفزيون والثلاجة والغسالة الاتوماتيك‏,‏ وأصبح بيتا جميلا في عين كل يدخله‏,‏ ويلمس بساطته وتناسقه والذوق السائد فيه‏.‏
وحين انتهيت من اعداد هذا المسكن الصغير قلت لنفسي اننا قد جهزنا المكان ولم يبق إلا أن نبعث فيه دفء السعادة والود المتبادل والعشرة الحلوة‏,‏ واقبلت علي حياتي الجديدة مفعما بالآمال والرغبة القوية في السعادة‏,‏ لكنني لم احظ بشيء من ذلك للأسف‏,‏ لأن زوجتي غير راضية عما اتيح لنا من أسباب‏,‏ واعيش في نكد مستمر منها‏,‏ ومن أهلها الذين يناصرونها علي طول الخط ظالمة ومظلومة‏,‏ وكذلك بسبب نصائح أمها لها بأن كل ما عليها أن تفعله حين نتشاجر هو أن تضع ماكياجا كاملا علي وجهها‏,‏ وترتدي أحسن قميص لديها‏..‏ وتفتح جهاز التسجيل علي أعلي صوت له وكأنها تقول للجميع انه لا يهمها زوجها في شيء‏!‏
اما في مناقشاتنا فهي لا تلتزم الأدب معي ويرتفع صوتها علي‏,‏ وتنطق بالفاظ غير محترمة مما يجبرني وانا الرجل الهاديء المصلي الذي يشهد له الآخرون بحسن خلقه علي الرد علي اهاناتها‏.‏
وحتي بعد ان انعم الله علينا بالولد استمرت والدتها تؤلبها علي وعلي اخوتي الذين يكنون لزوجتي الحب وذلك لكي تقطع علاقاتها بهم بالرغم من انهم يقيمون في اطراف المدينة ولا يزورننا كثيرا‏.‏
وحين بلغ ابني من العمر عامين ونصف العام اصبح للمشاكل بيننا شكل آخر وعند حدوث خلاف بيني وبينها خلال الليل فانها بدلا من أن تحتوي المشكلة لكيلا يصحو الطفل من نومه‏,‏ فأنها توقظه لكي يشهد الخناقة بيني وبينها ويكون شاهدا علي ما يجري بيننا فلا يملك الطفل الصغير إلا أن يبكي ويرتجف من الخوف والفزع‏,‏ وفي بعض الأحيان قد لا تكتفي بايقاظه فقط‏,‏ وإنما تضربه ايضا لكي ينشأ معقدا مثلها كما تقول لي‏:‏
ومنذ بضعة اسابيع طلبت مني ان تذهب الي بيت اهلها لحضور حفل عيد ميلاد احد اخوتها‏..‏ واعترضت علي ذلك لمرضها بسبب الحمل‏,‏ فذهبت الي اهلها غاضبة‏..‏ واستبقاها الاهل لديهم بغير أن يرشدها أحد منهم الي الصواب وايدوها علي طول الخط كعادتهم معها‏,‏ وكان شرطهم لعودتها للبيت ان يتنازل اهلي عن دين لهم اقترضته منهم لعلاجها عقب الولادة من مرضها‏..,‏ وألا التزم بدفع اقساطه‏,‏ لأن ذلك كما يقولون يؤثر علي حياة ابنتهم‏.‏
انني اكتب اليك الآن لكي أقول لك إنه لا أحد يطلب التعاسة لنفسه أو يتمني الفشل في الزواج‏,‏ لكن ظروف الحياة قد تضطرنا في بعض الأحيان الي ان نفعل مالا نتمناه لانفسنا‏..‏ فأنا مثلا لم أكن اتصور ان يجيء اليوم الذي أفكر فيه جديا في الطلاق‏,‏ وهدم بيتي وتمزيق طفلي الصغير بيني وبين أمه‏..‏ ويكدر علي حياتي الآن التفكير الدائم في مصير هذا الطفل البريء‏.‏ ومصير الجنين الذي لم يأت الي الحياة بعد‏..‏ فماذا افعل ياسيدي‏..‏ وماذا تقول لهذه الزوجة ولأهلها الذين يناصرونها دائما ضدي‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة اقول
نعم ياصديقي لا أحد يطلب التعاسة لنفسه أو يرغب بصدق في حرمان اطفاله من سعادتهم‏,‏ وامانهم بين أيديهم‏,‏ لكن السعادة لا تتحقق بالتمني وحده ولا بالرغبة السلبية فيها‏,‏ وانما تتحقق كذلك بالعناء‏..‏ وبالصبر علي بعض المكاره‏..‏ والتعالي علي الصغائر‏,‏ والتحلي بالمرونة الضرورية في بعض الأوقات‏,‏ وإلا تحولت العلاقة بين كل زوجين الي علاقة صراع لا علاقة تفاعل وتحاور وتنازلات متبادلة وحرص مشترك علي حماية الحياة الزوجية من الانهيار‏.‏
بل إننا نحتاج في بعض الأوقات لكي نحافظ علي سفينة الحياة طافيه فوق سطح الماء إلي أن نستفيد من العلوم السياسية بعض قواعد فن ادارة الأزمات ونطبقها بحكمة علي حياتنا الخاصة‏,‏ ومنها ان نعرف متي نتراجع عن ارادة أو رغبه لا يؤوي التمسك المتحجر بها للنهاية إلا إلي انفجار الموقف وتقطع الخيوط بيننا وبين الآخرين‏..,‏ وأن نكون مستعدين في بعض الأحيان للقبول بالحلول الوسط بديلا عن الحلول المثلي الملبيه لكل رغباتنا وشروطنا‏,‏ وان نتجنب في بعض الأحيان الاستجابة لاستفزازات الآخرين‏,‏ ونفوت عليهم الفرصة لدفع الأمور بيننا وبينهم الي الطريق المسدود‏..‏
وما تشكو منه من مشاحنات بينك وبين زوجتك ومناصرة أهلها لها ضدك‏..‏ وما تتصوره من تحريض امها لها عليك‏,‏ ونصائحها غير الحكيمة لها بشأن التعامل معك في وقت الخلاف‏,‏ كل ذلك مما يمكن احتواؤه واصلاحه
وتخفيف آثاره السلبية‏..‏ والصبر علي مكارهه‏..‏ اذا انعقدت ارادتك وإرادة زوجتك علي إنقاذ سفينتكما من الغرق‏,‏ وإنقاذ طفلكما الصغير من الشقاء وطفلكما المقبل من المصير المجهول‏..‏ وتحديد الهدف الذي يستحق ان يسعي إليه الانسان بكل ما يملك من جهد وطاقه يؤدي به بالضرورة الي استبعاد الوسائل التي لا تعينه علي بلوغ الهدف‏..‏ وإنما في كل الوسائل التي تقربه منه‏..‏ فاذا اتفقنا علي ان الهدف الأساسي لك ولزوجتك ينبغي ان يكون هو انقاذ حياتكما الزوجية من الانهيار وطفلكما والجنين القادم من عالم الغيب مما يتهددهما من تمزق وحيرة وضياع إذا حدث الانفصال بينكما‏,‏ فان ذلك يفرض علي كل منكما أن يتنازل عن كل الاهداف الصغيرة الأخري له كهدف الانتصار الرخيص في معركة قهر ارادة الطرف الآخر واملاء الرغبات وفرض الشروط وان يركز جهده علي كل ما يقرب وليس ما يفرق بينكما‏.‏
وقديما قال الأديب الانجليزي لورد جون أوبك أفبي‏,‏ ان الفشل الشريف خير من الفوز الرخيص
وتطلع كل منكما الآن في هذا الموقف المتأزم لفرض ارادته علي الآخر دون أي تنازل من جانبه وإلا وقع الانفصال ولن يكون اذا تحقق علي حساب مصير طفلكما وجنينكما
سوي فوز رخيص‏,‏ الفشل في تحقيقه أشرف كثيرا من النجاح فيه‏.‏
وفشل كل منكما الآن في املاء رغباته علي الآخر اذا كانت نتيجته الحتمية هي توصلكما معا لحل وسط واستعادة الوفاق بينكما وعودة طفلكما للحياة بينكما بلا قلاقل ولا اضطرابات هو عين الفشل الشريف الذي يحق لكل ذي قلب حكيم منكما ان يفتخر به ويحتسبه من فضائله وليس من مواقف ضعفه أو هزائمه‏.‏
ولهذا كله فاني ادعوك أنت وزوجتك وأهلها الي كلمة سواء تتوصلون معها باذن الله الي تبديد غيوم الخلاف والشقاق بينك وبين زوجتك واعادة الأمان والاطمئنان لحياتكما وطفلكما وجنينكما المقبل مع رجائي الحار لزوجتك إذا ما نشب بينكما في المستقبل اي خلاف ــ أن تعفي طفلكما البريء من الشهادة عليه‏..‏ وأن تؤمن مع العقلاء والرحماء من الآباء والأمهات بأن أثمن ما يقدمه أب وأم لأطفلهما ومهما يكن نوع العلاقة بينهما‏,‏ هو طفولة سعيدة خالية من الآلام‏..‏ والأحزان‏..‏ والمؤثرات السلبية الكريهة‏,‏ وليست طفولة معذبة شقية حافلة بمثل هذه الشهادات اللا انسانية‏!‏
مانجة
مش عارفة اقولك ايه بصراحة
بس كل قصه احلى م التانية
واكثر قصة عجبتنى هى اليوم السابع
مليئة بالاحاسيس الجميلة
والترابط بين الزوجين مع اول محنة تعدى عليهم
بجد قمه الوفاء والاخلاص
بجد تألقت جامد يامحمد
تسلم ايدك
وجزاك الله كل خير
lionhmada
مش عارفة اقولك ايه بصراحة
بس كل قصه احلى م التانية
واكثر قصة عجبتنى هى اليوم السابع
مليئة بالاحاسيس الجميلة
والترابط بين الزوجين مع اول محنة تعدى عليهم
بجد قمه الوفاء والاخلاص
بجد تألقت جامد يامحمد
تسلم ايدك
وجزاك الله كل خير
شكرا يا مانجة على الكلام والتعليق الجامد ده

وانتظري المزيد من الرسائل والقصص

تحياتي
lionhmada
النوافذ المغلقة


ليست رسالتي هذه عن مشكلة شخصية لي وانما عن قصة إنسانية مؤلمة لم أعاصر بداياتها‏..‏ ولكني شهدت اثارها البشعة وتألمت لها‏..‏ فأنا طالب بإحدي الكليات العملية‏,‏ وأمر كل يوم في طريقي من بيتي لركوب وسيلة المواصلات التي تحملني إلي كليتي علي منزل صغير قديم بحي عين شمس له حديقة ذات باب حديدي صديء تظهر من خلال فتحاته اطلال حديقة تمتليء بالأشجار وأصص الزهور والتكعيبات الخشبية التي تتسلق عليها النباتات المختلفة‏,‏ ولقد لفت نظري من خلال مروري بهذا البيت يوما بعد يوم أن الحديقة رغم أشجارها وزهورها وتكعيباتها ميتة وأن أوراق الشجر والزهور قد جفت بسبب نقص الماء فيما تصورت‏,‏ ثم شاهدت صاحبة هذا البيت أو المقيمة فيه فرأيتها سيدة نحيلة وهزيلة الجسم للغاية وشاحبة الوجه وتعبر قسماتها بغير كلام عن كل ماتعاني منه‏..‏
وأثارت هذه السيدة النحيلة وحديقتها الميتة فضولي فسألت عن قصتها وعرفت أنها تعيش في هذا المنزل وحيدة‏,‏ وانها أرملة لمهندس زراعي كان يعاني من مشكلة في الإنجاب‏,‏ فلم يرزقا بأطفال‏,‏ وعوض هو افتقاد الأطفال في حياته بتركيز كل اهتمامه ووقته للعناية بهذا البيت وتجميله ورعاية الحديقة وزراعتها وتنسيقها‏,‏ وكان بالرغم من ذلك بخيلا ومقترا علي زوجته فلا يعطيها أية نقود بالمرة‏,‏ وانما يأتي هو بمتطلبات البيت أولا بأول ويحاسبها ويدقق معها بشدة في نفقات المعيشة‏,‏ واستمرت حياتها معه علي هذا النحو لمدة‏12‏ عاما‏,‏ ثم حدث أن صدمته سيارة مسرعة وهو يعبر الطريق فتوفي علي الفور‏,‏ وشيع إلي مثواه الأخير وبكته أرملته كثيرا‏..‏ وفقدت بفقده ـ رغم كل شيءـ الرفيق والشريك والسند الوحيد في الحياة‏,‏ فلم تكد تمضي بضعة أيام علي وحدتها في هذا البيت‏,‏ حتي كشف لها أخوة زوجها عن حقيقة مذهلة‏..‏ هي أنها ليست أرملة شقيقهم الراحل‏,‏ وانما هي مطلقته‏..‏ وب فلا حق لها في شيء من ميراثه أو معاشه‏,‏ أو في البقاء في البيت الخالي بعد وفاته‏!!‏ وقدم لها الأخوة وثيقة طلاق تثبت طلاقه لها بالفعل قبل ثلاث سنوات من رحيله عن الحياة‏..‏ وصدمت السيدة صدمة مزلزلة‏..‏ وتساءلت مع أي رجل كانت تعيش وقد كان حتي وفاته يحيا معها حياة زوجية كاملة؟‏!‏
وبعد الصدمة المروعة والجرح النفسي الغائر‏,‏ بدأت رحلة المعاناة للمطالبة بحقوقها عن طريق القضاء وطعنت بالتزوير في وثيقة الطلاق‏,‏ فإذا بتقرير الخبير يثبت صحتها‏,‏ وأسقط في يد الأرملة الحائرة‏..‏ ونتج عن إثبات صحة وثيقة الطلاق حرمانها من أية حقوق لها في الميراث عن زوجها وفي المعاش كذلك‏..‏ وأخذت المحكمة ـ تقديرا لظروفهاـ بشهادة جيرانها الذين تطوعوا للشهادة لصالحها وأكدوا جميعا أنها كانت حتي اليوم الأخير من حياة زوجها تعيش معه في بيته حياة زوجية طبيعية بلا مشاكل ولا أزمات‏,‏ وانها لم تعرف أبدا ولم يعرف أحد من الجيران انه قد طلقها‏..‏ ولم يشر حالهما اطلاقا إلي أنهما مطلقان أو منفصلان‏,‏ فقضت لها المحكمة رأفة بحالها بالبقاء في منزل الزوجية‏,‏ وكفت أيدي أخوة الزوج عن التصرف في البيت طوال حياتها‏,‏ ورفضت الدعوي التي أقامها عليها الأخوة لطردها منه‏.‏
وهكذا واجهت هذه السيدة الحياة بعد رحيل زوجها‏..‏ وهي تقيم في بيت لاتملك طوبة واحدة منه ولا حق لها عليه‏..‏ وبلا أي ميراث أو معاش وبلا مدخرات ولا أقارب يتكفلون بها‏..‏ وعلي عكس مايفعله الزوج الطيب الذي يرحل عن الحياة فيترك لزوجته الذكريات الجميلة وما يقيم أودها ويقيها شر الحاجة‏,‏ فلقد رحل هذا الزوج عن الحياة تاركا لها الإحساس المر بالدنس والعار‏,‏ والحاجة‏,‏ مما يجعلها كما علمت تلعنه في كل صلاة ومع كل أذان بدلا من أن تترحم عليه‏!‏
وشيئا فشيئا نفد كل ماكانت تملكه من مصاغ قليل باعته لكي تسد بثمنه رمقها‏,‏ وانعكس حالها المؤلم علي حال الحديقة التي كانت زاهرة‏..‏ فتماثل الإثنان في المحنة وغدر الأيام بهما فهزل جسم السيدة‏,‏ وجفت دماء الحياة فيها تدريجيا من أثر سوء التغذية‏,‏ وذبلت أشجار الحديقة وجفت أوراق أصص الزهور وماتت النباتات المتسلقة لقلة الماء ونقص الرعاية‏,‏ فلقد تراكمت علي هذه السيدة فواتير الماء والكهرباء‏,‏ حتي انتهي الأمر بقطعهما عنها نهائيا منذ عدة سنوات‏,‏ ومنذ ذلك الحين والسيدة تعيش في ظلام دامس وبدون قطرة ماء‏..‏ ووهنت قواها حتي لم تعد تقوي علي فتح نوافذ البيت كل فترة لتهويته‏,‏ فيظل مغلق الأبواب والنوافذ دائما وكأنه مقبرة‏,‏ وشكت السيدة من آلام مبرحة في قدميها حتي كادت تعجزها عن الحركة‏,‏ ولقد يمر عليها اليوم واليومان والأيام الثلاثة دون أن تقوي علي فتح نوافذ بيتها‏,‏ ناهيك عن أن تجد مايقيم أودها‏..‏ ولك أن تتخيل ياسيدي أن هذه السيدة رغم كل ماتعانيه‏,‏ فإن ما أعطيه لها من ماء قليل كل فترة أو يعطيه لها جيرانها‏..‏ فإنها تستخدمه في النظافة والوضوء‏,‏ ولا تشكو حالها لأحد سوي لربها‏,‏ وفي كل مرة أذهب فيها إليها حاملا إليها بعض الماء أتعجب لاحتمالها لكل هذه الأهوال وبصبرها العظيم علي هذا الابتلاء حتي لأدير وجهي عنها لكيلا تري دمعي‏..‏ وأدعو الله العلي العظيم أن يرفع عنها هذا البلاء‏..‏ لقد كتبت إليك هذه الكلمات لعجزي عن أن أفعل لهذه السيدة المزيد وأرجو أن تصل هذه الكلمات إلي من بيده أن يرفع عنها بعض هذه المعاناة‏..‏ مع رجاء العلم بأن هذه السيدة تحتاج إلي من ينتقل إليها لبحث حالتها‏..‏ لأنها لاتقوي علي الخروج من شدة الهزال وضعف الصحة وانعدام العناية الطبية‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏..‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول
‏ قد وصلت الرسالة بالفعل إلي مالك الملك ومن بيده ملكوت كل شيء سبحانه فجرت مشيئته عز شأنه بأن ترجع الكهرباء إلي المنزل المظلم المقبور‏..‏ والماء المقطوع إلي الحديقة العطشي والأشجار الجافة والأصص الخابية‏,‏ وتنفتح نوافذ هذا البيت المغلقة ويتجدد هواؤه‏,‏ وتسترد سيدته دماء الصحة والعافية بأمر ربها ومشيئته وهو الرحيم العليم‏,‏ فلقد سمع الله جل في علاه نجوي هذه السيدة لربها وهيأك لنقل الرسالة إلي وأكرمنا بتسخير بريد الجمعة لإنفاذ مشيئته برعاية هذه السيدة الوحيدة والتكفل بأمرها‏,‏ وتوفير الحياة الكريمة والرعاية الصحية اللازمة لها‏,‏ ولسوف تزورك خلال ساعات الاخصائية الاجتماعية لبريد الجمعة لتصطحبها لزيارة هذه السيدة في بيتها وحل مشكلتها بما يحفظ عليها كرامتها ويقيها شر الحاجة ومذلة السؤال باذن الله‏..‏ فهي ممن عناهم الحق سبحانه وتعالي بقوله يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا‏273‏ البقرة‏.‏
وهؤلاء هم الأحق بالرعاية والعطاء‏,‏ لأنهم عاجزون نفسيا عن سؤال الغير ولو كانت بهم خصاصة‏,‏ ولقد تعتصر الحاجة أحدهم فلا يطيعه لسانه في الطلب‏,‏ أو الشكوي لغير ربه‏,‏ ولهذا أمرنا بأن نتحري هؤلاء في مواقعهم وخلف أستارهم التي يستترون وراءها بعوزهم عن الغير وبأن نبادرهم بالعطاء بغير طلب ونترفق بهم ونشعرهم بحقهم علينا‏..‏ ونكفيهم مئونة السؤال‏,‏ ونتحري حفظ كرامتهم والستر عليهم بما نقدمه لهم‏,‏ ولولا أني قد أردت أن يشاركني قراء هذا الباب في قصة هذه السيدة ليستفيدوا بدروسها المؤلمة ويطلعوا علي وجه آخر من وجوه النفس البشرية الملغزة‏,‏ لما نشرت رسالتك هذه ولبادرت بإرسال الاخصائية الاجتماعية إليك علي الفور بغير نشرها‏,‏ لكن كيف كان لنا أن نعلم عن النفس البشرية وشحها وبخلها وحساباتها الدنيوية الحقيرة في بعض الأحيان ما علمناه من هذه القصة المحزنة لو كنت قد عزفت عن نشرها‏..‏
لقد تحيرت طويلا في فهم الأسباب التي تدعو رجلا يشارك زوجته الحياة تحت سقف واحد وترضي هي بحياتها معه رغم حرمانها من الانجاب‏,‏ وبخله معها وتقتيره إليها‏,‏ لأن يطلقها سرا ويتكتم عنها أمر هذا الطلاق فلا تعلم به في حينه‏,‏ ثم يواصل حياته معها كزوجين يجمعهما فراش واحد‏,‏ وحياة مشتركة‏,‏ ويرضي هو لنفسه بهذا الوضع الآثم ويقبل بهذا الخفا علي زوجته متحملا عنها وزره الكامل لأنها لاتعرف به ويعلم به أيضا اخوته فلا ينهونه عنه‏,‏ ولا يحثونه علي تصحيح وضعه الشائن ووضع هذه السيدة الضحية‏,‏ ولا يبرئون ذمتهم من اثم المشاركة بالصمت في خداع هذه السيدة والقبول بالخنا لها ولأخيهم‏,‏ ثم يرحل عن الحياة فجأة فاذا بهؤلاء الاخوة يشهرون في وجه أرملته وثيقة طلاق عمرها ثلاث سنوات ويسعون لطردها من بيت أخيهم وحرمانها من ميراثه ومعاشه‏,‏ بغير أن يتوقف أحدهم ويسائل نفسه‏:‏ كيف رضي بأن يعلم عن أخيه انه يعاشر من تحرم عليه معاشرتها بغير أن يبرئ ذمته من اثمه بنصحه أو علي الأقل بإعلام هذه السيدة بما علم به لتري رأيها في حياتها معه‏,‏ ويبرأ هو من حقها عليه؟‏..‏ وأي شيء من متاع الحياة يستحق أن يشارك إنسان أخاه بالصمت الشائن علي مثل هذا الدنس الذي ينكره الشرع والدين والقانون؟‏..‏ لقد فكرت طويلا في دوافع هذا الرجل لما فعل‏,‏ فلم أجد له تفسيرا سوي بخله الذي تمكن منه حتي صبغ نظرته إلي كل شيء في الحياة بالصبغة المادية الكريهة حتي ولو كان ذلك ـ غفر الله لهـ علي حساب الحق والعدل والفضائل الدينية والأخلاقية‏.‏
فلقد كره الرجل أن تشاركه السيدة التي تقاسمه حياته في شيء من أملاكه أو معاشه أو ماله وهو علي قيد الحياة وبعد رحيله عنها‏,‏ وكره أن تنازع اخوته بعد وفاته في ملكية البيت الذي يملكه ويبدو أن لإخوته نصيبا منه بالميراث عن الأب‏,‏ فطلق زوجته وتحايل علي عدم ابلاغها بذلك‏,‏ وتستر عليه في هذا الاثم الشائن اخوته طلبا لمتاع الدنيا الرخيص‏,‏ وواصل حياته معها في الدنس والاثم مقدرا فيما يبدو أنه سيطول به العمر وقد يأتي الوقت الذي يراه هو مناسبا لإخراج هذه الزوجة من حياته بغير أن يتكبد دفع أية حقوق مادية لها لفوات المواعيد القانونية للمطالبة بنفقة المتعة والنفقة الشرعية ومؤخر الصداق‏,‏ فيكتفي بوحدته في المنزل والحديقة اللذين يكرس فيهما كل اهتمامه‏..‏ أو لعله يستبدل بزوجته أخري أقل نفقة من سابقتها اذا رغب في ذلك‏,‏ فاذا بمكره يخيب واذا بأقداره تسبق كل مكره وتدبيره ويرحل عن الحياة تاركا وراءه كل شيء للآخرين ومخلفا الزوجة التي عاشرها سنوات طوالا لاتدري أكانت أرملته أم مطلقته ولا تجد ماتواجه به الحياة‏,‏ وتعاني مما تشعر به من احساس غائر بالاثم لغدره بها ومعاشرته لها بغير زواج لثلاث سنوات قبل الوفاة‏..‏ وكل ذلك لكي لاتنازع اخوته في حصة محدودة من بيت صغير وحصة بائسة من معاش هزيل مهما بلغ قدره فأي اثم‏..‏ وأي مكر حقير؟‏!‏
يا إلهي‏..‏ انني لم أستطع حتي الآن برغم خبرة السنين أن أفهم هذا التناقض الغريب بين ضن رجل كهذا الرجل علي زوجته بأن ترث حقها المشروع في حاله بعد الرحيل مما يقطع بشحه وبخله الفاضح وعدم عدالته‏,‏ وبين هذا الاحساس العائلي المفترض فيه أن يكون من الفضائل بشرط العدل والذي يدفع مثل هذا الرجل لإيثار اخوته بميراثه دون زوجته فهل يستطيع أحد أن يفسر لي هذا التناقض الغريب بين المنع للزوجة والإيثار للاخوة‏,‏ وهما نقيضان تناقض المنع والعطاء ولا يجتمعان في النفس الشحيحة إلا نادرا؟‏..‏ أم تري أن هذا الرجل لم يكن يضع حتي اخوته في حساباته‏,‏ وكان مطمئنا إلي الدنيا وإلي أنه سوف يعمر طويلا فينفرد فيها دون زوجته والجميع بماله وأملاكه إلي ما لانهاية؟‏!‏
فلندع اذن أمره لخالقه‏,‏ ولنفكر معا في كيفية تعويض هذه السيدة المتعففة عما تعرضت له من عناء كاد يقضي عليها في وحدتها‏..‏ كما قضي من قبل علي أشجار حديقتها وزهورها ونباتاتها‏..‏ وشكرا علي رسالتك الكريمة هذه‏..‏ وأرجو الله أن يجزيك عنها خيرا كثيرا في حياتك ومستقبلك بإذن الله والسلام‏..‏
lionhmada
حق الاختيار‏!‏


يست هذه هي المرة الأولي التي أحاول الكتابة إليك فيها‏..‏ لكني أكتب إليك الآن لأن ذلك قد يكون آخر محاولة لانقاذ ما تبقي من عمري‏..‏ فأنا سيدة عمري ثلاثون عاما حاصلة علي شهادة جامعية وعلي قدر من الجمال وقد نشأت في أسرة كريمة ولي اخوة أصغر مني‏,‏ ولقد نشأني أبي علي الأخلاقيات والطباع التي نشأ هو عليها‏,‏ وربي في الاحساس الشديد بالخطأ والصواب فلم أحاول خلال صباي مجرد الحديث العابر مع أي شاب ليس بضغط من والدي‏,‏ وانما عن اقتناع داخلي بذلك‏,‏ ثم جاءت المرحلة الجامعية‏,‏ وفي اليوم السابق لدخولي الجامعة لأول مرة‏,‏ نبهني أبي إلي أنني سأذهب إلي مجتمع جديد علي‏,‏ وانه يطلب مني أن أدع قلبي لديه هو ليحفظه لي حتي يهديه فيما بعد لمن يشعر بأنه يستحقه‏,‏ لأن الهدف من الجامعة هو الحصول فقط علي الشهادة وليس أي شيء آخر‏..‏ ولم أغضب لما قاله أبي‏,‏ لاقتناعي بأنه ليس من حقي أن أهب مشاعري وعواطفي إلا لمن سوف أتزوجه وحده‏,‏
وبدأت مرحلة الدراسة الجامعية‏,‏ فلم أقترب من أحد ولم أسمح لأحد من الزملاء بالاقتراب مني‏,‏ إلي أن اقتربت بداية العام الجامعي الثالث وذهبت مع والدتي إلي أحد المحلات التجارية بمصر الجديدة لشراء ملابس للجامعة فالتقينا بقريبة لوالدتي لم أرها ولم ألتق بها من قبل‏..‏ ولم يستغرق اللقاء بيننا أكثر من ربع ساعة‏..‏ لكنه غير مجري حياتي بشدة بالرغم من ذلك‏,‏ فبعد يومين من هذا اللقاء العابر زارتنا شقيقة هذه القريبة في بيتنا مع زوجها وابنها‏,‏ وبعد يوم آخر اتصلت بنا الشقيقة وطلبت مقابلة أبي لخطبتي منه‏,‏ وجاءوا لزيارتنا وطلبت مني والدتي تحيتهم فدخلت الصالون وجلست بينهم بعض الوقت والخجل يسيطر علي فلا تواتيني الجرأة علي التحقق من ملامح الشاب المرشح للارتباط بي‏,‏ وفي هذه الجلسة تمت قراءة الفاتحة والاتفاق علي موعد الخطبة ثم القران والزفاف علي أن أقيم مع زوج المستقبل في مسكن والدته حيث إنه أصغر الأبناء‏,‏ ولم أعترض علي ذلك‏..‏ بل كنت راضية تماما وعلي ثقة كاملة بحسن اختيار أبي لي‏.‏
وتحدد موعد قريب للخطبة وقبل حلوله بيومين أخبرني أبي بأنه قد قرر أن تكون الخطبة قرانا وأن يتم الزفاف عقب حصولي علي الشهادة‏..‏ ولم أعترض علي ذلك‏,‏ بل لقد فرحت بالفستان الأبيض والعريس والشبكة مثلي في ذلك مثل أية فتاة أخري‏..‏ وتمت الخطبة وعقد القران خلال بضعة أيام من رؤيتي لخطيبي لأول مرة في الصالون‏,‏ وزارنا بعدها مرتين ثم بدأ فترة الخدمة العسكرية‏.‏
وبعد شهر آخر اتصلت بنا شقيقته لتبلغنا بأن خطيبي في الرعاية المركزة بمستشفي المعادي العسكري‏..‏ وهرولت إلي هناك مع والدتي فوجدناه في حالة سيئة للغاية ولا يكاد يشعر بما حوله بعد اصابته بنزيف في المخ‏,‏ وتأثرنا جميعا بما أصابه‏,‏ ولم يتردد أبي في أن يؤكد لوالده أننا لن نتخلي عنه مهما حدث له لأنه زوج ابنته‏,‏ وبعد فترة ليست قصيرة غادر خطيبي المستشفي علي أن يرجع إليه للمتابعة الصحية كل أسبوع لمدة ستة أشهر‏,‏ وشعرت بالحزن والأسي لخطيبي وأنا أراه يتكلم دون تركيز أو بلا توقف ولا يحب أن يقاطعه أحد‏..‏ علاوة علي عصبيته الشديدة‏,‏ ومرت هذه الفترة العصيبة من حياتي بصعوبة شديدة ودفنت كل أحلامي القديمة في السعادة والحب والتفاهم مع من أحب ولن يلمس يدي سواه‏,‏ وتحطم كل شيء في داخلي‏..‏ ولم يبق إلا الحزن والصمت وأنا أري خطيبي عصبيا بدرجة لايمكن تصورها ولا يعرف معني كلامي ولا أتفاهم معه علي أي شيء‏..‏ وأنهيت دراستي الجامعية وسط هذه الظروف العصيبة‏,‏ وطلب أهل خطيبي بالحاح اتمام الزواج علي أساس أنه الحل الوحيد لتهدئة أعصابه‏,‏ حيث إنه يشعر بالغيرة علي من كل شيء‏,‏ ووافق أبي علي ذلك‏,‏ لكنه وبسبب ما لاحظه من عصبيته الشديدة توجه إلي الطبيب الذي أجري له الجراحة في مستشفي المعادي ليستفسر منه عن حالته‏,‏ وأبلغه الطبيب أنه قد أجري له عملية استئصال جزئي لفص التفكير الأيمن في المخ وان من النتائج المتوقعة لمثل هذه الجراحة العصبية الشديدة‏,‏ ولهذا فقد طلب من والده عقب الجراحة أن يعرضه علي أحد أساتذة الطب النفسي لتخفيف آثار الصدمة ونتائج الجراحة عنه‏,‏ لكن الأهل لم يفعلوا ذلك حرصا علي سمعته‏!‏
ومضي والدي بالرغم مما عرفه في اتمام اجراءات الزفاف وشراء الأثاث والجهاز‏,‏ وفوجئنا بخطيبي يأتي إلينا ليبلغنا بأنه استأجر شقة لتكون عشا للزوجية بدلا من الاقامة مع والدته كما كان الاتفاق السابق‏..‏ ورحبنا بذلك وذهبت مع والدي ووالدتي لرؤية الشقة فلم نسترح إليها وحدثت مشكلة عائلية كبيرة لأن أسرة خطيبي كانت قد وقعت العقد ودفعت المقدم وصدرت عن خطيبي خلال ذلك تصرفات وألفاظ أزعجت أبي بشدة حتي إنه قرر لأول مرة عدم اتمام الزواج‏,‏ إلا أن الأهل تدخلوا وضغطوا عليه وأقنعوه بأن كل ما صدر عنه خارج عن ارادته‏,‏ وانه ليس من المصلحة أن تصبح ابنته مطلقة بعد عامين من الارتباط خوفا من كلام الناس‏..‏الخ‏.‏ ورضخ أبي في النهاية بعد اعتذار خطيبي وأهله عما حدث‏..‏ وفي حفل عائلي تم الزفاف وبدأت المأساة الكبري في حياتي التي مازلت أعانيها حتي الآن‏..‏ وبغير الدخول في تفاصيل مخجلة فلسوف أقول لك فقط ان أبي قد رحل عن الحياة بعد زفافي بيومين بأزمة مفاجئة‏,‏ وان زوجي بدأ يستسلم لنوبات العصبية الشديدة من الأيام الأولي لزفافي الذي لم يتم في الحقيقة حتي إنه قد ضربني بعد‏15‏ يوما فقط من الزواج وسالت الدماء الغزيرة‏,‏ حين ضرب كوب الماء بيده فتناثرت أجزاؤه وتطايرت الدماء علي الجدران والسقف كأنني في أحد مشاهد أفلام الرعب المخيفة‏..‏ ثم بعد قليل راح يعتذر لي ويعدني بعدم تكرار مافعل ويطلب تكتم كل شيء‏.‏ ولقد تكتمت بالفعل ما أعانيه وصبرت عليه غير أن والدتي رأت بالمصادفة علامات الضرب علي جسدي وسألتني عنها فانهرت واعترفت لها بكل شيء‏,‏ واصطحبتني أمي إلي طبيبة اخصائية لعلاجي‏..‏ ووقف أعمامي بجواري وطلبوا من أسرة زوجي الطلاق خاصة بعد أن استفسروا عن حالة زوجي لدي الطبيب الجراح‏,‏ لكن والدتي خشيت من كلام الناس عن الفتاة التي تزوجت فمات أبوها بعد زفافها بيومين فجأة‏,‏ وطلقت بعد رحيله عن الحياة بأقل من شهر‏,‏ واتفقت مع والدة زوجي علي عودتي له بشرط أن تستمر هي في علاجه‏,‏ وأن تتعهد لها اذا لم ينجح العلاج بأن تعيدني إليها كما أخذتني منها عذراء لم يمسسها بشر لكي أستطيع بدء حياة جديدة في مكان آخر‏.‏
وتعهدت والدة زوجي لأمي بذلك‏,‏ غير أن الأمور تطورت للأسف في اتجاه مختلف‏,‏ فلقد اصطحبتني حماتي بعد أيام من عودتي إلي طبيبة تعرفها لأمراض النساء والولادة للاطمئنان علي كما قالت لي‏,‏ وذهبت معها بحسن نية فما إن رقدت علي سرير الفحص‏,‏ حتي فوجئت بحماتي تجثم فوق صدري لتمنعني من الحركة‏,‏ واذا بالطبيبة ـ سامحها اللهـ تقضي علي مستقبلي باتفاق مسبق مع والدة زوجي‏..‏ وفي نفس الليلة حملت في طفلي الوحيد وأنجبته بعد تسعة أشهر‏,‏ وفرحت به رغم الأحزان المحيطة‏,‏ وخيبة الأمل في كل شيء‏,‏ ومضت الأيام حافلة بكل ما لا ترغبه عروس شابة لنفسها‏,‏ حتي اكتملت سبع سنوات تجرعت خلالها كل أنواع الاهانة من زوجي ومن أهله الذين عاملوني أسوأ معاملة هم أيضا لضيقهم بحالة ابنهم علاوة علي عصبيته التي زادت علي كل حد والضرب‏,‏ ولم أكن أفعل شيئا لدفع هذا الظلم عني سوي اللجوء إلي بيت أمي غاضبة من حين لآخر حتي أمضيت نصف فترة زواجي تقريبا في بيتها‏,‏ ثم انهارت أعصابي تماما في النهاية وتعرضت لمحاولات مقززة من بعض الأشخاص القريبين من زوجي وأسرته لدفعي للخطأ غير أن الله سبحانه وتعالي قد حماني منه ومنهم‏.‏
وزادت الاهانات من جانبه ومن جانب أهله وتضاعفت المعاناة‏,‏ وذهبت معه إلي عدد كبير من أطباء الأمراض العضوية والنفسية الذين كانوا يطلبون بعد عدة جلسات مع زوجي رؤيتي والحديث معي عن حالته‏,‏ فكان بعضهم يفعل ذلك باخلاص وأمانة‏..‏ وكان البعض الآخر للأسف يغازلني اعتمادا علي مايعلمه عن حالة زوجي‏..‏ وتداخلت عوامل كثيرة نفسية وصحية لاتفي الكلمات مهما حاولت وصفها‏,‏ وفقدت مابقي من قدرتي علي الاحتمال فانفصلت عن زوجي وتنازلت له عن كل حقوقي وعن الشقة بالرغم من أني حاضنة لطفلي وتحملت مسئولية الطفل وحدي‏.‏ ومضي عام وبعض عام استرددت خلالها بعض صحتي المتدهورة‏,‏ وبعض معنوياتي المنهارة‏,‏ ثم بدأ زوجي السابق يطالبني بالعودة إليه مرة أخري مؤكدا لي أنه قد تغير وانه لن يهدر كرامتي مرة أخري وانه‏..‏ وانه‏..‏الخ‏.‏ ومن جانبها راحت والدتي تضغط علي للعودة إليه والرجوع إلي شقتي الجميلة حفاظا علي ابني‏..‏الخ‏.‏ وأنا تائهة وحائرة ولا أستطيع اتخاذ القرار السليم‏..‏ انني لا أنكر علي زوجي السابق أنه طيب وان تصرفاته التي أشكو منها ترجع إلي عصبيته الشديدة وحالته الصحية‏,‏ كما أنه ميسور إلي حد ما‏,‏ لكني لا أعرف ما أفعل‏..‏ ولست علي ثقة بأن كل ما عانيته طوال سبع سنوات سوف يختفي بجرة قلم اذا رجعت إليه‏,‏ ولقد رحل أبي عني وعجزت عن التفكير واتخاذ القرار الصحيح‏..‏ وأرجو أن تعتبرني ابنتك وأن تشير علي بما يشير به الأب علي ابنته في مثل هذه الظروف الدقيقة‏..‏ وشكرا لك‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

لك بعض العذر يا ابنتي في عجزك عن التفكير واتخاذ القرار السليم في الاختيار الذي يواجهك الآن‏..‏ ليس لأن الاختيار صعب ومحير وتتشابه فيه البدائل علي نحو يصعب معه اختيار الأصلح منها‏,‏ وانما لأن والدك قد عودك أن يتولي هو التفكير بالنيابة عنك واتخاذ القرارات المصيرية لك بغير أن يكون لك شأن كبير أو صغير في اختيارها‏..‏ فاذا كان قد أحسن إليك بتنشئتك علي القيم الدينية والفضائل والنفور من الخطأ والخطيئة‏,‏ فلقد أضر بك للأسف من حيث لم يرغب بحنوه الزائد عليك وحرصه الشديد علي أن يجنبك مئونة الاختيار لنفسك وليس أسوأ من تخلي الآباء والأمهات عن مسئولياتهم المادية والمعنوية عن أبنائهم وتركهم للغرق في دوامة الحياة إلا مصادرة الآباء والأمهات لحق هؤلاء الأبناء في التفكير والاختيار واتخاذ القرارات المصيرية في حياتهم بالاستعانة بحكمة الأهل‏..‏ فكلا الأمرين شطط يخرج عن جادة الاعتدال ويعرض الأبناء للضياع في معركة الحياة‏.‏ وليست مهمتنا كآباء وأمهات أن نفكر نحن بالنيابة عن أبنائنا في حياتهم‏,‏ وأن نتخذ لهم قراراتهم المصيرية دون مشاركة منهم فيها‏,‏ وانما أن نغرس فيهم إلي جانب الفضائل والقيم الدينية القدرة علي التمييز بين الخير والشر‏,‏ وبين الصواب والخطأ‏..‏ والقدرة علي التفكير في شئون حياتهم واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها فيما يواجهونه من اختيارات واختبارات خلال رحلة العمر‏,‏ فالعضو الذي لايستخدمه صاحبه من أعضاء الجسم يضعف ويتدهور بأسرع من العضو الذي يتكرر استخدامه والاعتماد عليه‏,‏ وكذلك ارادة الإنسان وقدرته علي ممارسة المسئولية عن نفسه وعن الآخرين وممارسة حق الاختيار والتفكير‏..‏ غير أن هذا العامل السلبي ليس وحده المسئول عن حيرتك الآن‏..‏ فلقد تداخل معه عامل آخر في صنع مأساتك‏,‏ هو التحرز المغالي فيه ضد كلام الناس والخوف الزائد من ألسنة السوء‏..‏ وبسبب ذلك تراجع والدك عن الالتزام بقراره بعدم اتمام زواجك قبل الزفاف‏,‏ بعدما لمسه عن قرب من تصرفات خطيبك وعصبيته الشديدة وتجاوزاته الصارخة خلال أزمة شقة الزواج‏..‏ واذا كان موقفه في المستشفي حين أكد لوالده أنه لن يتخلي عنه مهما حدث له من عوارض الحياة‏,‏ مما يحسب له ولشهامته وأصالته وإيمانه الصحيح بأنه لا ذنب لمثل هذا الشاب في أقداره المؤلمة‏,‏ فإن موقفه حين تراجع عن قرار عدم اتمام الزواج بدعوي الخوف من كلام الناس‏,‏ لهو مما يحسب عليه وليس له أو لحكمته وبعد نظره‏,‏ ذلك أنه لو كان قد تمسك به وقد لمس بنفسه تجاوزات الشاب واجتراءه علي الغير حتي ولو كان لحالته الصحية أثر في ذلك‏,‏ لأعفاك من كل هذا العذاب الذي تجرعته علي مدي سبع سنوات عجاف في حياتك‏,‏ وأثمر هذا الطفل الحائر المحروم من نشأته الطبيعية بين أبويه‏..‏ كما أن والدتك ـ لو لم تكن قد تأثرت بهذا العامل السلبي نفسه وهو المغالاة في التحسب لما سوف يظنه بنا الآخرونـ لتمسكت بانفصالك عن زوجك بعد اكتشافها ضربه وإيذاءه لك في الأيام الأولي من الزواج‏,‏ حتي ولو كان الأمر قد تطلب منها أن تستضيفك لديها بضعة أسابيع بدعوي تهدئة الحال‏..‏ لتطيل أمد الزواج نسبيا قبل الانفصال ونحن مطالبون بالفعل بالحرص علي سمعتنا‏..‏ وبأن نتجنب الشبهات ونكف ألسنة الغير عنا بالالتزام بالطريق القويم في الحياة‏,‏ لكن هذا الحرص الحميد لاينبغي له أن يتجاوز الحدود الآمنة‏..‏ لكيلا نعلق سعادتنا وحياتنا علي أطراف ألسنة الغير‏,‏ وندعهم يقودون حياتنا ونعجز نحن عن اتخاذ القرار السليم الذي تفرضه الظروف القاهرة علينا‏,‏ حين تدعو الحاجة إلي ذلك‏.‏ والطريق إلي جهنم قد يكون مفروشا في بعض الأحيان كما يقول المثل الانجليزي بالنيات الطيبة‏,‏ وليس أدل علي ذلك من أن والدتك بدلا من أن تعينك علي القرار الصحيح قد وثقت بحسن نية في تعهد والدة زوجك لها بأن تعيدك إليها سالمة اذا لم ينجح العلاج مع ابنها المحكوم بأقداره‏,‏ كما أنك أنت أيضا قد ذهبت بحسن نية معها إلي الطبيبة بدعوي الاطمئنان عليك فاذا بها تدخر لك أمرا آخر أسهم للأسف في تعقيد المشكلة وإطالة سنوات العذاب‏..‏ والآن فإن والدتك تضغط عليك من جديد للعودة إلي زوجك السابق من أجل شقتك الجميلة‏,‏ ومن أجل ابنك‏..‏ إلخ وأخشي أن يكون قد أضيف إلي العوامل السابقة التي شاركت في صنع تعاستك عامل آخر لايخلو من شبهة الاعتبار المادي والرغبة في التخفف من بعض الضغوط المادية بالنظر لمسئوليتك عن طفلك الوحيد‏..‏ ومن خبر طريقا فلم يؤد به من قبل إلي الغاية التي ينشد بلوغها ليس من انصافه لنفسه أن يحاول اختباره مرة أخري مؤملا أن يؤدي إلي غاية أدرك بالتجربة أنه لايقود إليها‏.‏ ولهذا فإني أدعوك إلي اسقاط كل هذه العوامل السابقة من اعتبارك وأنت تفكرين في الاختيار لحياتك مرة أخري بعد كل ما جري وكان‏,‏ وأطالبك انصافا لنفسك بأن يكون العامل المؤثر الحقيقي في قرارك بالعودة أو رفضها هو هل حدث بالفعل أي تغير إيجابي حقيقي في شخصية زوجك السابق وحالته العصبية وظروفه الصحية‏..‏ أم لا؟‏..‏ وهل انتظم في العلاج النفسي والعصبي والعضوي خلال الفترة الماضية وحقق العلاج نتائج إيجابية طيبة أم لا؟‏..‏ وهل أصبح أكثر قدرة علي تمالك نفسه وأعصابه وكف لسانه عن الأذي والاهانات‏,‏ وتعلم من تجربته أن يحسن عشرة من تتحمل ظروفه أم لا؟‏..‏ ثم هل هو بعد كل ذلك‏,‏ علي استعداد لأن يطمئنك علي تحسنه باصطحابك مع والدتك إلي الأطباء المعالجين له لتسمعا منهم شهادة محايدة عن حالته العصبية والعضوية؟‏..‏ هذه هي العوامل الأولي بالاعتبار في قرار العودة‏..‏ إلي جانب العامل الآخر المحوري وهو مصلحة هذا الطفل الحائر بالطبع‏..‏ أما الوعود والكلمات التي لايصدقها العمل فإنه لايمكن الاعتماد عليها في مثل هذه الظروف‏,‏ بل ان الله سبحانه وتعالي قد يحاسبنا علي الانخداع بما سبق لنا أن انخدعنا به من قبل بغير أن نتعلم من تجربتنا معه‏,‏ ونحترس له‏..‏ والحق أن هناك ما يثير الريبة لدي في أن بعض تصرفات زوجك معك واهاناته لك لايمكن ارجاعها كلها إلي حالته العصبية والصحية‏,‏ ذلك أن العصبية المرضية اذا كانت تتمثل في سرعة الاستثارة والانفعال والغضب‏,‏ فإنها لاتعني بالضرورة إيذاء الغير واهانتهم‏..‏ وإلا فلماذا لاتتوجه هذه العصبية المرضية إلي الغرباء الذين يتحسب العصبيون لردود فعلهم تجاهـهم‏,‏ فلا تتجاوز عصبيتهم معهم أبدا الخطوط الحمراء إلي الضرب والعدوان والاهانات الجارحة؟‏!.‏
إن المؤسف هو أن مثل هذه العصبية‏,‏ حتي ولو كانت لأسباب مرضية‏,‏ تتوجه في الأغلب الأعم لمن يعرف أصحابها انه لن يرد عليهم العدوان بالعدوان‏,‏ ويشجع الضعف والاستكانة وقلة الحيلة أصحابها علي التمادي‏,‏ مما يدفعني لأن أشك في أن بعض مظاهر عصبية زوجك السابق معك واهاناته لك انما تتداخل فيها أسباب أخري تتعلق بسوء الطبع والاستضعاف‏,‏ وشيء من الاحساس بالتمايز الطبقي أو المادي عليك مع تقدير الاعتبارات الأخري المتعلقة بظروفه الصحية أعانه الله عليها ولهذا فهو يحتاج إلي أن يراغم نفسه علي أن يصلح من أمره‏..‏ ويحسن عشرتك ويعينك بذلك علي التجاوز عن الانفلاتات العصبية الراجعة لحالته المرضية‏..‏
ففكري يا ابنتي في أمرك بنفسك‏.‏ ولا تدعي أحدا غيرك يفكر لك‏,‏ ولا تغامري بالاستجابة للضغوط قبل أن تتيقني من أن تغيرا إيجابيا حقيقيا قد حدث في شخصية زوجك السابق وحالته الصحية والعصبية وطباعه‏..‏ ونظرته لك وللحياة‏..‏ فإن لم تطمئني لذلك‏..‏ فلا داعي لتكرار التجربة‏..‏ وتكبد العناء عامين أو ثلاثة أعوام أخري ترجعين بعدها إلي بيتك وعلي ذراعك طفل محروم آخر‏..‏ والسلام‏!!‏



اسم العضو:
سؤال عشوائي يجب الاجابة عليه

الرسالة:


رابط دائم

مواضيع مشابهة:
بالصور :غادة عبدالرازق تحارب باسم يوسف وتنشر صورة تصدم جمهورها وتعليقات غاضبة عليها
كيا سول2012 الرائعة وكل ما تريد معرفته عن هذه السيارة-كيا سول 2012 اسعار-مميزات-كماليات-صور
كل ما تريد معرفته عن تجارة العملات للمبتدئين
عصاره تجارب الاخرين
عصارة تجارب الاخرين

Powered by vBulletin Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة © fmisr.com منتديات نجوم مصرية