قام بالحوار والتصوير: سعودى محمود
أعلنت شركة آنجزتى إحدى الشركات صاحبة تطبيقات وطلب الطعام عن طريق الإنترنت، عن إقامة بمهرجان جديد يحمل عنوان "مهرجان الكشرى" وذلك بحديقة الحرية بالزمالك يوم 22 نوفمبر، وسيكون أكبر مهرجان للأكل فى مصر، لإعداد أكبر طبق كشرى فى العالم بتحكيم موسوعة جينيس للأرقام القياسية. وبحضور لجنة من موسوعة جينيس للأرقام القياسية القادمين من لندن ووفود من أشهر الطهاة من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى الشركات المصرية التى سيقام المهرجان تحت رعايتها. وفى ذات السياق قالت مديحة عاشور أحد مسئولى التنسيق الإعلامى للمهرجان إن طارق يوسف صاحب المطعم المنفذ لطبق الكشرى من أهم الأسباب التى جعلته يتحمس للمشاركة فى مهرجان الكشرى، هو أن المهرجان حدث سياحى هام يجذب الأحداث والفعاليات العالمية المتعلقة بسياحة الطعام.
كما التقيت أحد الأصدقاء مصادفة في الشارع، فتكرم بدعوتي علي طبق كشري عند «أبو طارق» وسألني: هل تعرفه؟ قلت: طبعا أعرفه وتستطيع أن تقول إنني شاهد علي مسيرة صعوده من الصفر أيام عربة الكشري علي نفس الناصية إلي أن صار له موقع علي الإنترنت يضع عليه صورته التي يعتز بها و يضعها في صدارة المحل من الداخل كما تحتل واجهة البناية بأكملها، علق صديقي علي مسألة بامتعاض كأنما استكثر علي الرجل أن يفرح بنفسه، لكني لم أشاركه اعتراضه وقلت له: صحيح أن صورة الرجل تشي بالسعادة الواضحة علي محياه، ونظرته وهو يرنو ببصره للأفق متكئا بذقنه علي راحة يده تبدو كنظرة مفكر حداثي أو بعد حداثي بمحطتين،
لكني في الحقيقة أشاطر الرجل فرحه بنفسه، فهذا رجل يتقن ما يعمل و ينشر السعادة علي زبائنه، ولئن أرادت هيئة الأيزو أن تجد له غلطة ما استطاعت، فكل مقاديره مطابقة للمواصفات القياسية.. عدسه و أرزه، حمص شامه وصلصته، ومكرونته وتقليته.. كله بالمازورة وجميع المكونات ترقص في القدور بنسب منضبطة في اتساق بديع.. لهذا يحق للرجل أن يفرح بنفسه ولا يحق لنا أن نلومه!. قال صديقي: لعلك محق فيما تقول،
وبما أنك تشجع اللقمة الحلوة فإني نويت أن أصطحبك حتي نأكل الحلو عند رجل آخر من صناع السعادة طبقا لتوصيفك، ذلك هو هاني سرور صاحب أجمل طبق مهلبية في البلد، وهو لا يقل عن «أبو طارق» افتتانا بنفسه وإعجابا بصورته.
سألته في دهشة: هاني سرور صاحب شركة هايديلينا الذي يقف أمام النيابة للتحقيق في اتهامه بعدم مطابقة منتجاته للمواصفات و وجود عيوب جسيمة بها؟ قال: هو بعينه. سألته: هل هو يبيع مهلبية؟ قال: نعم له محل لمنتجات الألبان يقدم مهلبية فاخرة، ومنذ أن تذوقت منها طبقاً آمنت ببراءة الرجل وأدركت أن من كان مثله لا يمكن أن يغش في المنتجات الطبية، لأن الجودة لا تتجزأ، قلت لصديقي: لابد أنك تهزل لأن الرجل لا يعمل في منتجات الألبان.
قال: تعال معي وستري بنفسك. وبالفعل اصطحبني معه الي حي الظاهر.. ولدهشتي الشديدة وجدت المحل كما وصفه تتصدره لافتة كبيرة عليها صورة هاني سرور وتحتها اسمه.. نظرت إلي فأسرتني ابتسامته وأشاعت في نفسي إحساسا لا يسهل وصفه.. بصراحة لقد خطف الرجل قلبي بنظرته الحانية كأنما يشجعني علي الدخول وتناول طبقين وثلاثة بين مهلبية وأرز بلبن وعاشورة.
قضيت وصديقي ساعتين من السحر عند ساحر المهلبية العظيم، وأحسست أن الزبيب وجوز الهند فوق سطح الطبق هي فصوص زبرجد ولؤلؤ نضدها صائغ فنان يتعامل مع زبائنه بحب وحنان. صارحت صديقي بأنه محق في تقديره لبراءة الرجل، لأن مواصفات الجودة في طبق العاشورة تكشف عن حب جارف للإتقان، ولا يمكن لمن يبيع السعادة في سلاطين فخار أن يصدر الموت في أكياس ملوثة، والحقيقة أنني لفرط انبهاري بما أكلت تساءلت: هل مر العضو حيدر بغدادي بتجربة كالتي أخوضها الآن؟ هل جرب «واحد رز بالقشطة والمكسرات» في هذا المحل؟ أشك..
لأنه لو فعل لكف أذاه عن الرجل وسحب استجواباته وأسئلته، ولا شك أن الدكتور حمدي السيد قد سبقنا وعاش لحظات جميلة في هذا المكان مع سلطانية زبادي علي الأقل، ومنه خرج يعلن علي الناس براءة الأخ هاني سرور ويصرح بأن مصانعه تعتبر فخراً لمصر ويتهم حيدر بغدادي بالعمل لحساب شركات أجنبية يهمها تخريب الصناعة الوطنية.. كذلك السيد وزير الصحة ربما يكون قد أدرك معدن الرجل مع أول قضمة من سندوتش قشطة بالعسل.
أشركت صديقي في أفكاري وذكرت له أن رواية «العطر» للكاتب الألماني باتريك زوسكند تحوي موقفا مشابها عندما اجتمع الناس وقد سحرهم العطر الذي صنعه بطل الرواية وأصدروا حكمهم له بالبراءة، لأنه لا يمكن أن يكون قاتلا بعد أن صنع هذا العطر المعجز.
عند خروجي وصديقي من المحل فاجأنا وجود دكان آخر يحمل اسم هاني سرور وصورته أيضا يبيع الخردوات، وعند الناصية دكان طرشجي عليه نفس الاسم ونفس .. يا إلهي.. ما هذا إن كل المحلات ـ تقريبا ـ تحمل نفس الاسم و، وهذا ما لم ألحظه عند قدومي، أيعقل أن يكون الرجل قد اشتري كل المحلات علي اختلاف أنواعها وأصبح يمتلك حي الظاهر بجميع حوانيته؟ دخلت دكان علاف وسألت الواقف بالباب: قل لي يا عمنا.. هذا الدكان ملك الدكتور هاني سرور؟
فقال: هاني سرور مين؟ هذا الدكان ملكي أنا ورثته عن أجدادي، فسألته مندهشا: ولماذا إذاً تعلق صورته علي دكانك؟ فضحك وقال: قبل الانتخابات الماضية حضر رجال هاني سرور وقالوا إنهم سيقومون بدهان المحل وتركيب يافطة جديدة مقابل وضع صورة الرجل للاستفادة منها في الدعاية الانتخابية، ولما كانت ابتسامته حلوة كما تري فلم أجد ما يمنع، وكذلك فعل أصحاب المحلات الأخري.. أما الذين طلبوا أن تدهن لهم دكاكينهم دون أن يضع صورته فقد حرمهم من دهانه ومن صورته!.
ودعت صديقي وقد طارت النشوة وتبخرت السعادة بعد أن أصيب خيالي في مقتل. لكني مع هذا كنت أعزي النفس بأن «أبو طارق» مازال موجودا وأن صورته المبتسمة تقبع فوق دكانه وأنه لم يدهن لأحد.. الهوا دوكو!.
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,