في يوم من الأيام، وبينما كان الإمام مالك رحمه الله في مجلسه بين جملة من أصحابه، إذا بقائل يقول: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك كلهم لينظروا إليه إلا واحدًا منهم، اسمه يحيى بن يحيى، وكان قد حضر من الأندلس إلى المدينة المنورة؛ ليسمع ويتعلم على يد الإمام مالك رحمه الله.
فتعجب مالك رحمه الله من صنيع يحيى، وقال له: لِمَ لم تخرج فترى الفيل؛ إذ ليس بأرض الأندلس؟ فرد عليه يحيى بن يحيى بكلمات تقطر بالحكمة وتخلص سبب من أسباب نبوغه، فقال: إنما جئت من بلدي، لأنظر إليك، وأتعلم من هديك وعلمك، لا إلى أن أنظر إلى الفيل.
ومن يومها أعجب به مالك وسماه العاقل، وعُرف ذلك التلميذ النجيب بعاقل أهل الأندلس، حتى قال الفقيه المالكي ابن لبابة الأندلسي: (فقيه الأندلس عيسى بن دينار، وعالمها ابن حبيب، وعاقلها يحيى بن يحيى)، بل وزاد على ذلك الشيرازي حين وصف يحيى بن يحيى بقوله: (وإليه انتهت الرئاسة بالأندلس في العلم).
إنه موقف يخبرنا فيه يحيى بن يحيى عن سبب من أسباب عبقرية أي إنسان في الحياة، وعن سر من أسرار نجاح أي فرد في تحقيق أحلامه، ألا وهو القدرة على التركيز على أهداف الحياة دون سواها، وصب الاهتمام على إنجاز الأولويات دون غيرها، فهيَّا بنا ـ عزيزي القارئ ـ لنبحر معًا في سفينة التركيز، حتى تصل بنا إلى شاطئ النجاح.