إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء، وإنه يقدم الداء** البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء، والآخر شفاء** ورواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان بلفظه، بزيادة {وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله، ثم لينزعه** ورواه ابن ماجه والدارمي أيضا، ورواه ابن السكن بلفظ: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فيمقله، فإن في أحد جناحيه دواء، وفي الآخر داء أو قال: سمّاً** ورواه ابن ماجه وأحمد من حديث سعيد بن خالد، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري بلفظ {في أحد جناحي الذباب سم، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه، فإنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء** ورواه النسائي، وابن حبان والبيهقي أيضا بنحوه، وروي عن ثمامة، عن أنس، والصحيح عن ثمامة، عن أبي هريرة، قاله ابن أبي حاتم، عن أبيه، وأبي زرعة.
ليتنا نعرف ما هو الداء في أحد جناحي الذبابة، وما هو الدواء الذي في الجناح الآخر، وهل الدواء الذي في أحد الجناحين يلغي تأثير الداء الذي في الجناح الآخر؟
هذا السؤال لم يفكر به أحد من قبل رغم أننا جميعاً نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وندرك أن الذبابة تقتات من النفايات المليئة بالميكروبات مما لو أكل منه ثور لأصيب بالمرض ومات، ومع ذلك فإنها تقاوم وتعيش، فكيف يحدث ذلك؟
قضية الذبابة وقدرتها الفائقة على المقاومة لفتت نظر عدد من العلماء من كبار المختصين في علم الحشرات في جامعة بطرسبرج في روسيا سمعوا الحديث من زملائهم المسلمين فأجروا بحوثا كشفت أن جهاز المناعة في الذبابة، وفي مملكة الحشرات بشكل عام، أكثر تطوراً بعشرات المرات من جهاز المناعة لدى الإنسان، وأن هذا الجهاز الذي تملكه مخلوقات ضعيفة غير قادرة على حماية نفسها تمكن عبر ملايين السنين من حياة الحشرات على الأرض من تطوير آلية غريبة للتعرف إلى البكتيريا المسببة للمرض والقضاء عليها. وآلية جهاز المناعة لدى الحشرات تختلف تماما عن آليته لدى الإنسان، فالحشرة تتعرف إلى البكتيريا المسببة للمرض بواسطة جزيئات مستقبلة خاصة في جسمها، وهذه المستقبلات تحفز جهاز المناعة على إفراز مركبات زلالية خاصة قادرة على تدمير أي ميكروب في الطبيعة، ويقول العلماء إن لدى الحشرات خلايا يطلق عليها اسم “الجسم الشحمي” وعملها شبيه بعمل الكبد في جسم الإنسان، وعندما تصاب الحشرة بأي تلوث تفرز الخلايا الشحمية 15 عصارة تتفاعل مع بعضها البعض لتنتج مضاداً حيوياً ذا فاعلية مذهلة يقضي على التلوث على الفور.
وإذا لاحظت الذبابة أثناء الطيران أو الحركة على الأرض، فإنك تجد أنها تفرك أحد جناحيها بالآخر بين حين وحين، ربما لكي تنقل الدواء من هذا الجناح أو ذاك إلى الجناح المصاب بالدواء.
والعلماء الروس يتبصرون الآن بحديث قاله خاتم الأنبياء والمرسلين قبل ما يزيد على 1400 سنة ويحاولون ابتكار عائلة جديدة من المضادات الحيوية تحاكي جهاز المناعة لدى الذباب في عمله، وقد قطعت تجاربهم شوطاً كبيراً، وإذا تمكنوا من السير إلى نهاية الشوط فإن المضادات الحيوية التي يتوصلون إليها ستكون أهم ثورة في تاريخ الطب. ويقول الباحث سيرجي شيرنيش: “يكفي أن لتوضيح مدى فاعلية هذه المضادات أن نقول إن الجنود الفرنسيين الذين كانوا يصابون بجروح أثناء حروب نابليون الأوروبية كانوا يموتون بعد فترة، أما الجنود الذين يظهر دود في جروحهم فإنهم كانوا ينجون، وقد بحثنا هذا الأمر فاكتشفنا أن الدود الذي يظهر على الجرح يأكل الأنسجة التالفة ويفرز مواد تساعد على شفاء الجرح وتساعد جهاز المناعة لدى المصاب على مكافحة الفيروسات، ومن الصعب تطبيق ذلك في المستشفيات حاليا بسبب صعوبة تربية هذا النوع من الدود في المختبرات، ولكنه قيد الاستعمال على نطاق محدود وبدافع التجربة في المستشفيات الأمريكية والسويسرية الكبيرة”.
ولكي يتمكن العلماء الروس من ابتكار المضاد الحيوي الجديد الذي يمنع البكتيريا من التكاثر، ينبغي عليهم دراسة الجهاز المناعي لدى الحشرات ومعرفة المواد التي يفرزها.
وقبل ما يزيد على أربعة عشر قرنا تحدث رسولنا الكريم عن جناحي الذبابة وقال وهو الصادق الأمين إن في أحد الجناحين داء، وفي الآخر دواء، وكان من المفروض أن يحث هذا الحديث الشريف علماءنا على البحث، لا أن ينتظروا العلماء الروس لكي يسمعوا الحديث من زملائهم المسلمين ويجروا بحوثا عليه