135- عن المقداد بن الأسود t قال: سمعت النبي r يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل»، قال سليم بن عامر ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق, فمنهم من يكون إلى كعبيه, ومنهم من يكون إلى ركبتيه, ومنهم من يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً» قال: وأشار رسول الله r بيده إلى فيه.أخرجه مسلم والترمذي وزاد قوله: تكحل به العين فتصهرهم الشمس.
136- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو آذانهم» أخرجه البخاري ومسلم.
137- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r: «يوم يقوم الناس لرب العالمين» قال: «يوم يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه» أخرجه البخاري والترمذي.
[ 66 ]
ما ينجي من أهوال يوم القيامة
138- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» أخرجه مسلم. وقد ينجي منها كلها ما جاء في الحديث الآتي:
139-عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: «حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر, قال: قال الله عز وجل: أنا أحق بذلك منك, تجاوزوا عن عبدي» أخرجه مسلم.
140- عن أبي قتادة t أنه طلب غريماً له فتوارى عنه, ثم وجده فقال: إني معسر, قال: آلله؟ فقال: آلله, قال: فإني سمعت رسول الله r يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» أخرجه مسلم.
141- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»، أخرجه البخاري ومسلم، معنى في ظله: أي في ظل عرشه...جاء هكذا مفسراً في الحديث.
142- عن حذيفة t عن النبي r أن رجلاً مات فدخل الجنة, فقيل له: ما كنت تعمل؟ فقال: «أما ذكروا ما ذكر, فقال: إني كنت أبايع الناس, فكنت أنظر المعسر وأتجاوز في السكة أو في النقد فغفر له» فقال له أبو مسعود t: وأنا سمعته من رسول الله r» أخرجه البخاري ومسلم.
143- عن كعب بن عمرو t أنه سمع رسول الله r يقول: «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله» أخرجه مسلم.
[ 67 ]
الشفاعة العامة لأهل المحشر
144- عن أبي هريرة t قال: أتي النبي r يوماً بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة فقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم, فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبونا أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته, نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح, فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح, أنت أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبداً شكوراً, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي: نفسي نفسي, اذهبوا إلى إبراهيم, فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وذكر كذباته, نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى, فيأتون موسى فيقولون: يا موسى, أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها, نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى, أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه, فاشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولم يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد r فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء, وغفر الله لك ما تقدم وما تأخر, اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد غيري من قبلي ثم قال: يا محمد, ارفع رأسك, وسل تعطه واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي, فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى»، وفي البخاري: «كما بين مكة وحمير» أخرجه البخاري ومسلم.
[ 68 ]
الشفاعة العامة لأهل الموقف هي المقام المحمود
145- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «إن الناس يصيرون يوم القيامة جثياً كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان,اشفع,يا فلان,اشفع,حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي r فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» أخرجه البخاري.
146- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر،وما من نبي يومئذ آدم وما سواه إلا تحت لوائي ,وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال: فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا أذنبت ذنباً فأهبطت به إلى الأرض ائتوا نوحاً فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات,ثم قال رسول الله r: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول: إني قد قتلت نفساً ولكن ائتوا عيسى فيقول: إني عُبدت من دون الله ولكن ائتوا محمداً r فيأتوني فأنطلق معهم»، قال ابن جدعان قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله r قال: «فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال محمد فيفتحون لي ويرحبون فيقولون: مرحباً،فأخر ساجداً لله فيلهمني من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً [الإسراء: 79]»، قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها... أخرجه الترمذي.
فيفزع الناس ثلاث فزعات: ذلك والله أعلم عندما تزفر النار ثلاث زفرات.
أقوال في المقام المحمود:
الأول: أنه الشفاعة العامة للناس يوم القيامة كما تقدم.
الثاني: إخراجه طائفة من النار.
شفاعات نبينا r يوم القيامة:
الأولى: وهي العامة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من الهول.
الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.
الثالثة: في جماعة من أمته استوجبوا النار بذنوبهم حتى لا يدخلوها.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين من أمته حتى يخرجوا منها.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.
السادسة: شفاعته r لعمه أبي طالب للتخفيف عنه.
[ 69 ]
أسعد الناس بشفاعة النبي r
147- عن أبي هريرة t قال: قلت يا رسول الله, من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه» أخرجه البخاري.
[ 70 ]
العرض وتطاير الصحف ومن نوقش الحساب عُذب
حديث عائشة في البخاري وقد تقدم برقم: 131
148- روي عن رسول الله r: «أن الناس يُعرضون ثلاث عرضات يوم القيامة, فأما عرضتان: فجدال ومعاذير, وأما العرضة الثالثة: فتطاير الصحف, فالجدال لأهل الأهواء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الكريم إلى آدم وإلى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء, ثم يبعثهم إلى النار, فإنه يجب أن يكون عذره عند أنبيائه وأوليائه ظاهراً حتى لا تأخذهم الحيرة»، ولذلك قيل عن رسول الله r: «لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، ولا أحد أحب إليه العذر من الله, والعرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر يخلو بهم فيعاتبهم في تلك الخلوات من يريد أن يعاتبهم حتى يذوق وبال الحياء ويرفض عرقاً بين يديه ويفيض العرق منهم على أقدامهم من شدة الحياء, ثم يغفر لهم ويرضى عنهم» حديث صحيح، أخرجه ا لترمذي الحكيم في الأصل السادس والثمانين.
فتخيل نفسك وأنت بين يدي ربك وفي يدك صحيفتك مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل منكسر والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك فكم من بلية كنت نسيتها تذكرتها الآن وكم من سيئة أخفيتها ظهرت الآن وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص قد رُد عليك في ذلك الموقف وأُحبط وكان أملك فيه عظيماً فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك. فأكثر من الطاعة لتعطى كتابك بيمينك فتكون من الفائزين وابتعد عن المعاصي حتى لا تعطى كتابك بشمالك فتكون من الخاسرين.
- ما يسأل عنه العبد وكيفية السؤال؟
قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [الزلزلة 7- 8].
149- عن أبي برزة الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن علمه ما عمل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟» أخرجه الترمذي.
150- عن معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» أخرجه الترمذي.
151- عن ابن عمر tما قال: سمعت رسول الله r يقول في النجوى: «يدنى المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه - أي يستره من الخلائق - فيقرره بذنوبه, فيقول هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف, قال فيقول: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, قال: فيعطى صحيفة حسناته, وأما الكفار والمنافقون, فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله» أخرجه البخاري، وقال في آخره: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [هود: 18].
152- عن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وتخبأ كبارها, فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ثلاث مرات, قال: وهو يقر ليس ينكر قال: وهو مشفق من الكبائر أن تجيىء قال: فإذا أراد الله به خيراً قال: أعطوه مكان كل سيئة حسنة, فيقول حين طمع: يا رب إن لي ذنوباً ما رأيتها ههنا, قال: فلقد رأيت رسول الله r ضحك حتى بدت نواجذه, ثم تلا: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات أخرجه مسلم.
153- عن ابن مسعود t أنه قال: «ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة» وهذا مأخوذ من حديث النجوى, ومن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة»أخرجه مسلم.
154- عن أبي هريرة t: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة» أخرجه مسلم، وروي: «من ستر على مسلم عورته, ستر الله عورته يوم القيامة».
[ 71 ]
الله تعالى يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان
155- عن عدي بن حاتم t قال: قال رسول الله r: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، وزاد في رواية: «ولو بكلمة طيبة» أخرجه البخاري والترمذي.
فالعاقل من استعد لذلك اليوم فتزود بالعمل الصالح حيث لا ينفع درهم ولا دينار فمن ثقلت موازينه بالحسنات فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية.
[ 72 ]
القصاص يوم القيامة بين الناس
156- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» أخرجه مسلم.
157- وعنه أن رسول الله r قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم, وإن كان له عمل صالح أخذه منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» أخرجه البخاري.
158- وعنه أن رسول الله r قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: إن المفلس من أمتي, من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» أخرجه مسلم.
159- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته, ليس ثَم دينار ولا درهم, من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى الله ورسوله» أخرجه ابن ماجه.
فما أشد فرح بعض الناس اليوم بالمضمضة بأعراض المسلمين وأخذ أموالهم, وما أشد حسرتهم غداً عندما يأخذ حسناتهم الخصوم عندما يقف الظالم والمظلوم على بساط العدل والعاقل من عمل الصالحات كما قال عمر بن الخطاب t: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا, وحساب النفس يكون بالتوبة وتدارك التقصير في فرائض الله وبرد الحقوق إلى أهلها أو التحلل «المسامحة» منهم.
[ 73 ]
أول من يحاسب أمة محمد r
160- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r قال: «نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون» أخرجه ابن ماجه وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: «فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غراً محجلين من آثار الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها» أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده بمعناه.
[ 74 ]
أول ما يحاسب عليه من الأعمال، وما يقضى فيه
161- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: « أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
162- وعنه أن رسول الله r قال: «أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة وأول ما يقضى بين الناس: الدماء» أخرجه النسائي.
163- عن علي بن أبي طالب t أنه قال: «أنا أول من يجثو يوم القيامة بين يدي الرحمن للخصومة» أخرجه البخاري, يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه الثلاثة من كفار قريش في غزوة بدر. قال أبو ذر: وفيهم نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم [الحج: 19].
164- عن حذيفة t أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده, فلما قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليت ولو مت مت على غير سنة محمد r» أخرجه البخاري.
- على المسلم المحافظة على الفروض من إتمام ركوع وسجود وحضور قلب فإن غفل عن شيء من ذلك اجتهد في نفله ولا يتساهل فيه ومن لا يحسن صلاة الفرض فلن يحسن النفل لتهاون الناس فيه ونقره كنقر الديك وإذا كانت الصلاة بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة والتضييع للصلاة هو عدم مراعاة حدودها من وقت وطهارة وتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها, ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها, وأما من تركها أصلاً فهو كافر.
[ 75 ]
شهادة أعضاء الكافر والمنافق عليهما
165- عن أنس بن مالك t قال: كنا عند رسول الله r، فضحك، فقال: «هل تدرون مما أضحك»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «من مخاطبة العبد ربه, يقول: يا رب, ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً, قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله, قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل» أخرجه مسلم.
166- وعنه أن النبي r قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً كنت تفتدي به؟ فيقول: نعم, فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك» أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: بدل «قد كنت»: «كذبت قد سئلت ما هو أيسر من ذلك».
أول ما يتكلم من الإنسان فخذه يحتمل وجهين:
الأول: زيادة في الفضيحة والخزي لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش.
الثاني: لمن جحد ما في كتابه فاستحق من الله الفضح والإخزاء.
والناس يوم القيامة ثلاث فرق:
1- فرقة لا يحاسبون أصلاً وهي من المؤمنين.
2- فرقة تحاسب حساباً يسيراً وهي من المؤمنين.
3- فرقة تحاسب حساباً عسيراً يكون منها مسلم وكافر.
والقيامة مواطن: فموطن يكون فيه سؤال وكلام وموطن لا يكون فيه ذلك. قال تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر: 92]، وقال تعالى: ولا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [الرحمن: 39].
[ 76 ]
شهادة الأرض بما عمل عليها وشهادة المال على صاحبه
167- عن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r أنه قال: «إن هذا المال خضر حلو, ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل- أو كما قال رسول الله r - وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة» أخرجه مسلم.
168- قال رسول الله r: «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة» أخرجه مالك وابن ماجه.
فكر أيها المسلم بأنك مشهود عليك في فعلك ومقالك وأعظم الشهود هو الله سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية.