سؤال الله للأنبياء وشهادة هذه الأمة لهم بالتبليغ
169- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r قال: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة, وأكثر من ذلك فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون لا فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتدعى أمة محمد r فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا r بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه, قال: فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً» أخرجه ابن ماجه.
[ 78 ]
عقوبة منع الزكاة والغلول والغدر
170- عن أبي هريرة t قال: قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة, يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح, يقول يا رسول الله: أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاًً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك» أخرجه البخاري ومسلم.
هذا عن الغلول وهو أخذ المجاهد من الغنيمة قبل قسمتها فهو وإن كان له سهم منها فلا يجوز له أن يأخذ سوى الحصة المخصصة له بعد القسمة كما لا يجوز للموظف ولا لغيره الأخذ من مال الدولة سوى ما خصص له من راتب ونحوه كما لا يجوز استخدام سيارات الدولة – أثناء أو بعد الدوام- للأغراض الخاصة.
171- عن ابن عمر t قال: قال رسول الله r : «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان» أخرجه البخاري ومسلم.
172- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : «ما من صاحب ذهب ولافضة لايؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل
يا رسول الله فالإبل ؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً ، تطؤه بأخفافها ، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها ،رد عليه أخراها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ....الخ » أخرجه مسلم.
أي أن الله سبحانه يجمع الفضيحة مع العذاب لكل من مانع الزكاة والغال والغادر.أجارنا الله وجميع المسلمين من هذه الذنوب ومن غيرها وأعاننا على طاعته إنه سميع مجيب.
[ 79 ]
حوض النبي r
172- عن أنس بن مالك t قال: بينا رسول الله r ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: «نزلت علي آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر, فصل لربك وانحر, إن شانئك هو الأبتر، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: فإنه نهر وعدنيه ربي, عليه خير كثير, وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم, فيختلج العبد فأقول: يا رب, إنه من أمتي فيقال: ما تدري ما أحدث بعدك» أخرجه مسلم.
173- عن أبي ذر t قال: قلت يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل» أخرجه مسلم.
174- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورِق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، من ورد فشرب منه لم يظمأ بعده أبداً» أخرجه البخاري.
يشخب: يسيل. الورق: الفضة. والصحيح أن للنبي r حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر في الجنة وكلاهما يسمى كوثراً.
175- عن أنس t عن النبي r قال: «ليردن عليَ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال لي: لا تدري ما أحدثوا بعدك» أخرجه البخاري.
قال العلماء رحمة الله عليهم أجمعين كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه.
176- عن ا بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r : «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه الترمذي.
177- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله r: «إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم, وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم» أخرجه مسلم.
- أيها القارئ الكريم: ينبغي أن لا يخطر ببالك أو يذهب بك الوهم إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مساميه هذه الأقطار أو في المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم, ولم يُظلم على ظهرها أحد قط.
[ 80 ]
ما جاء في الميزان وأنه حق
قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً [الأنبياء: 47].
وقال تعالى: ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم [الأعراف: 9], [المؤمنون: 103]، الآية في الأعراف والمؤمنين.
قال العلماء: إذا انقضى الحساب جاء بعده الحساب لإظهار مقادير الأعمال ليكون الجزاء بحسبها، والمعنيون بقوله تعالى: خفت موازينه هم الكفار.
178- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «إنه ليأتي الرجل
العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرؤوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً [الكهف: 105]» أخرجه البخاري.
ومعنى الحديث: لا ثواب لهم ولا حسنة لهم توزن، وقيل: أي لا قدر لهم عندنا والله أعلم. وفي الحديث من الفقه: ذم السمن لمن تكلفه بل تحريم كثرة الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن.
179- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق - وعند ابن ماجه: يصاح برجل من أمتي - يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً, أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لايارب, فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب, فيقول: بل إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله, فيقول: احضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء» أخرجه الترمذي.
وتوزن أعمال الكافر فيوضع كفره وسيئاته في كفة وتوضع في الكفة الأخرى ما له من صلة الرحم ومواسات الناس وعتق المملوك ونحو ذلك مما لو كانت من المسلم لكانت قربة وطاعة فترجح كفة الكفر ويجزى بأعمال البر فيخفف عنه بدليل حديث أبي طالب فإنه قيل له: يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل تفعل ذلك؟ فقال: «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» [وهذه شفاعة خاصة من النبي r لعمه أبي طالب] وسئل r عن عبد الله بن جدعان، وقيل له: إنه كان يقري الضيف ويصل الرحم ويعين في النوائب, فهل ينفعه ذلك؟ فقال: «لا لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»أي لا يدخل الجنة ولا يتنعم بها والله أعلم. وسأله عدي بن حاتم عن أبيه مثل ذلك فقال: «إن أباك طلب أمراً فأدركه» يعني الذكر فهو أيضاً لا يدخل الجنة ولا يتنعم بها والله أعلم. فدل أن الخيرات من الكافر ليست بخيرات, وأن وجودها وعدمها بمنزلة واحدة سواء ومع ذلك توزن لصاحبها والكفار مسؤولون عن الإيمان والبعث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومحاسبون ومجزيون على الإخلال بها بدليل أنه يقال للمشركين: ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين [المدثر: 42-47]، والذي يوزن: صحف الأعمال فتوضع صحف الحسنات في كفة وصحف السيئات في كفة.
قال العلماء: الناس في الآخرة ثلاث طبقات: متقون لا كبائر لهم, ومخلطون وهم الذين ارتكبوا الفواحش والكبائر, وكفار. فالمتقون تثقل موازينهم, والمخلطون فإما أن تثقل موازينهم فيدخلون الجنة وإما أن تخف فيدخلون النار ثم يخرجون بالشفاعة وأما إذا تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيكونون من أهل الأعراف. وأما الكفار فكفة الحسنات فارغة وكفة السيئات مليئة فيأمر الله تعالى بهم إلى النار، وتوزن أعمال المؤمن التقي لإظهار فضله والكافر لخزيه وذله والمخلط السيئ بالصالح فإن دخل النار فيخرج بالشفاعة.
وقال سفيان الثوري: إنك إن تلقى الله عز وجل بسبعين ذنباً بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد، لأن الله غني كريم, وابن آدم فقير مسكين محتاج في ذلك اليوم إلى حسنة يدفع بها سيئة إن كانت عليه حتى ترجح ميزانه فيكثر خيره وثوابه.
والميزان حق ولا يكون في حق كل أحد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: فيقال يا محمد! أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه. وقوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم الآية - وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً من المؤمنين وقد يكون للكافرين. والجن مثل الإنس يحاسبون وتوزن أعمالهم كما يحاسب الإنس وتوزن أعمالهم سواء بسواء.
180- عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً قعد بين يدي النبي r فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم؟ قال: «يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم, فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك, وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل»، قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف, فقال رسول الله r: أما تقرأ كتاب الله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً [الأنبياء : 47 ]، فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئاً خيراً من مفارقتهم, أشهدك أنهم أحرار كلهم، أخرجه الترمذي وأحمد.
ومن تساوت حسناته وسيئاته أصبح من أهل الأعراف وهو سور بين الجنة والنار وعن ابن مسعود هم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة.
[ 81 ]
يوم القيامة تتبع كل أمة ما كانت تعبد
181- عن أبي هريرة t أن ناساً قالوا لرسول الله r: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله r: «هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله, قال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك, يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه, فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس, ويتبع من كان يعبد القمر القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت, وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها, فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم, فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا, فإذا جاء ربنا عرفناه, فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم, فأكون أنا وأمتي أول من يجوز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل, ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم, وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان, هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله, قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى» أخرجه مسلم.
- فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون: هذا امتحان للمنافقين أما المؤمنون فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثا لأنهم عرفوا الله سبحانه في الدنيا وأنه منزه عن صفات هذه الصور لأن صفاتها صفات المخلوقين, ومعنى هل تضارون: لا يحجب بعضكم بعضاً ولا يضره ولا يزاحمه ولا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة, بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة تمامه.
فيتبعونه :أي فيتبعون أمره أو ملائكته ورسله الذين يسوقونهم إلى الجنة والله أعلم .
- والسعدان :نبات كثير الشوك ، الموبق :المهلك ، الدعوى :الدعاء.
[ 82 ]
المرور على الصراط
182- عن أبي هريرة t: فيأتون محمداً r فيؤذن لهم وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولهم كالبرق الخاطف قال: قلت: بأبي أنت وأمي وأي شيء كمر البرق؟ قال: «ألم ترى إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح, ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم r قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل ولا يستطيع السير إلا زحفاً» قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه, فمخدوش ناج, ومكردس في النار, والذي نفس محمد بيده, إن قعر جهنم لسبعون خريفاً» أخرجه مسلم.
183- عن حفصة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية»، قالت: فقلت: يا رسول الله وأين قول الله عز وجل: وإن منكم إلا واردها [مريم:71]، فقال رسول الله r: ثم ننجي الذين اتقوا [مريم : 72] أخرجه مسلم من حديث أم مبشر قالت: سمعت رسول الله r عند حفصة, الحديث.
184- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» أخرجه البخاري ومسلم، أما معنى الورود: فهو المرور على الصراط, وقيل: الدخول, وقيل: النظر إليها في القبر, وقيل: الإشراف والاطلاع عليها والقرب منها عند الحساب، والذي يجمع الأقوال السابقة أن يقال: من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها فقد أُبعد عنها ونُجي منها, نجانا الله منها بفضله وكرمه وجعلنا ممن وردها سالماً وخرج منها غانماً.
[ 83 ]
الصراط الثاني وهو قنطرة بين الجنة والنار
إن في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو من يلتقطه عنق النار فإذا خلص من خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه ولا يخلص إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حبسوا على صراط آخر خاص لهم ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يُسقط فيها من أوبقه ذنبه وأربى جرمه على الحسنات بالقصاص.
185- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة, والذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان له في الدنيا» أخرجه البخاري.
[ 84 ]
من دخل النار من الموحدين يحترق ويموت ثم يخرج بالشفاعة
186- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن لهم في الشفاعة فيجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحِبة تكون في حميل السيل» أخرجه مسلم.
أي أن العصاة يموتون بعد أن يحترقوا ويصبحوا فحماً أما الكفار فهم لا يموتون لأن الله تعالى قال عنهم: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب [النساء: 56], وضبائر ضبائر: أي جماعات جماعات, وبثوا: أي فُرقوا, والحِبة: بذر البقول, وحميل السيل: ما احتمله من غثاء وطين.
[ 85 ]
من هدي القرآن والسنة
قال عز وجل: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [الحج: 1-2]، وقال تعالى: ولا يسأل حميم حميماً, يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى [المعارج: 10-18]، وقال تعالى:
فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 33-37].
187- عن أبي هريرة t أن رسول الله r حين أنزل الله عز وجل: وأنذر عشيرتك الأقربين، قال: «يا معشر قريش أو كلمة نحوها: اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف: لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب: لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله: لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً» أخرجه البخاري.
فكر أيها المسلم وفكري أيتها المسلمة في الأمر العظيم وهو قيام الساعة وإنه لعظيم حقاً حين تذهل الأم عن رضيعها وتسقط الحامل حملها وتكون عقول الناس خاوية وكل ذلك من الخوف والذي ينجي من ذلك: طاعة الله عز وجل وترك معاصيه. وحين لا يسأل الصديق عن صديقه ويبصر القريب قريبه ويود المذنب لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأولاده وبزوجته وبأخيه وبعشيرته وبجميع من في الأرض, كلا, إنها النار التي تنزع اللحم عن العظم وتدعو المعرض البخيل لتصليه في حرها والذي ينجي من ذلك: طاعة الله وترك معاصيه.و إذا قامت الساعة وصخت الآذان فعندها يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده ولكل واحد مما ذكر شأن يغنيه عن غيره ويجعله خائفاً من النار والذي ينجي من هذه الأهوال هو طاعة الله والبعد عن معاصيه
وإذا كان النبي r لا يغني عن أقاربه شيئاً فلا يغني عن عمه ولا عن عمته ولا حتى عن ابنته أفلا يدل ذلك على أن ليس للإنسان إلا عمله الصالح وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
إن الله شديد العقاب وإنه غفور رحيم فبترك الذنوب بعد رحمة الله ننجو من عقابه
وبفعل الطاعات بعد عفو الله نحظى بمغفرته.ونعيش بين الرجاء والخوف ففي حال الصحة نقدم الخوف فنبتعد عن الذنوب والمعاصي وفي حال المرض نقدم الرجاء ونحسن الظن بالله لأنه تعالى قال في الحديث القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي»، وقال تعالى: واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون وقال تعالى: واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [البقرة: 48, 281]، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [التحريم : 6]، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم [الحجرات: 1]، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا فإن الله غفور رحيم [التغابن: 14]، وقال تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم [الآية السابقة من سورة الأنفال ورقمها: 28].
188- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «ما ادعُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» أخرجه البخاري ومسلم.
189- عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قام خطيباً وكان فيما قال: «إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.ألا فاتقوا النار واتقوا النساء.فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» أخرجه مسلم.
190- عن كعب بن عياض t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» أخرجه الترمذي.
لقد أمرت آية سورة التحريم بالوقاية من النار للنفس والأهل من الزوج والأولاد.
ونهت آية سورة الحجرات عن التقدم على الكتاب والسنة فما أمر الله به في القرآن نفعله وما نهى عنه نتركه وكذلك ما أمر به النبي r نفعله وما نهى عنه نتركه.
أما آيات سورتي التغابن والأنفال فقد نبهت وحذرت من الأموال والأزواج والأولاد.
وأما الأحاديث فقد نبهت وحذرت من فتنة النساء ومن فتنة المال، فإذا اعتبرنا واتعظنا بما سبق عن الموت وأهواله وشدائده وعن القبر ونعيمه أو عذابه فلنحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب.
هل نفعل ما أمرنا الله به وماأمر رسوله وننتهي عما نهى الله ورسوله لنقي أنفسنا من النار؟ وهل نقي الزوجة من النار بأمرها بالواجبات كالصلاة والحجاب ونهيها عن المحرمات كترك الصلاة والتبرج وهل الزوجة ترفض طاعة زوجها في معصية الله كأن يكون لا يصلي أو كان يدخن ولابد من بيان جواز كشف وجه المرأة بشروط ثلاثة عند القائلين من العلماء بالجواز وهذه الشروط:
الأول: عدم تعرضها للفتنة أي عدم تعرض الرجال لها بالكلام ونحوه.
الثاني: أن يكون الوجه كما خلقه الله تعالى أي بدون زينة على الإطلاق.
الثالث: ألا تكون بارعة الجمال حتى لاتعرّض الرجال للفتنة.
والقول الآخر للعلماء هو وجوب تغطية المرأة لوجهها ولكل فريق أدلته وليس مكان ذكرها هنا وفي كل قضية يكون للعلماء فيها قولان ينبغي الأخذ بالأحوط ففي تغطية أو عدم تغطية وجه المرأة يكون الأفضل التغطية إذا توافرت الشروط السابقة والأوجب إذا لم تتوافر بكاملها. أما الاختلاط كالسهرات الجماعية بين الرجال والنساء والتي لا تخلو من كشف للوجه ومزاح وضحك فلا تجوز وهي حرام وأما الدخان فتطبق عليه وعلى غيره القاعدة الفقهية: «ما زاد ضرره عن نفعه فهو حرام».
وهل الوالدان يحضّان الأولاد على الطاعات للنجاح في امتحان القبر كما يحضانهم على الدراسة للنجاح في امتحانات الدنيا؟؟؟؟
فالولد فتنة«امتحان» لوالديه فإن ربياه وعوداه على الطاعات كانا شركاءه في الأجر، وإن تركاه يرتع في المعاصي كانا شركاءه في الوزر.
والمرأة العاصية لله عدوة لزوجها لأنها تشركه في وزرها والزوج العاصي لله عدو لزوجته لأنه يشركها في وزره، والمال فتنة لصاحبه فالفوز والربح في كسبه بالحلال وإنفاقه في الحلال والهلاك والخسران في كسبه بالحرام وإنفاقه في الحرام.
والولد العاصي لله كتارك الصلاة كالعدو لوالديه يخاصمهما يوم القيامة لإهمالهما في توجيهه وكما يسبب العدو ضرراً لعدوه يسبب الولد العاصي ضرراً لوالديه بزيادة سيئاتهما.
والمرأة بوجه عام فتنة للرجل فإن كانت علاقته بها بالحلال فاز ونجا وإن كانت بالحرام خاب وخسر.
[ 86 ]
الفرق بيننا وبين السلف
الفرق بيننا وبين السلف الصالح في الإيمان: نقص في إيماننا وزيادة في إيمانهم، كانوا إذا تحدثوا عن الجنة آمنوا بها كأنهم يرونها رأي العين فجدّوا في طلبها بما استطاعوا من صدقة وصوم وتطوع وصلاة في الليل والناس نيام إلى غير ذلك من النوافل فضلاً عن الواجبات، أما نحن فنتحدث عن الجنة كأي موضوع دون أن نتأثر أو يتغير في سلوكنا شيء نحو الأفضل فنبقى نصلي في بيوتنا بالرغم من أن صلاة الجماعة في المسجد إن لم تكن واجبة فهي أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وصلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الجماعة في البيت لأنه كلما زاد عدد المصلين زاد الأجر وعدد الجماعة في المسجد أكثر من عددهم في البيت.
وإن تحدثوا عن النار آمنوا بها كأنهم يرونها رأي العين فتركوا صغائر الذنوب فضلاً عن كبائرها أما نحن فنتحدث عن النار فنضحك بدلاً من البكاء وكأننا نتحدث عن موقد للتدفئة وربما انتقلنا من ارتكاب الصغائر إلى ارتكاب الكبائر كالغيبة والنميمة إن لم يكن أكبر.
إذاً الفرق بيننا وبينهم هو: نقص إيماننا وزيادة إيمانهم، ومن العلاج المفيد لزيادة الإيمان - بعد توفيق الله - الإكثار من ذكر ما نحن بصدده وهو الموت.
وفي مناقشة بين علي بن أبي طالب t وبين بعض المشركين قال لهم: نأكل كما تأكلون ونشرب كما تشربون ونتزوج كما تتزوجون فإن كانت حياة بعد الموت وحساب وجزاء فنحن الرابحون وأنتم الخاسرون وإن لم تكن حياة ولا حساب ولا جزاء فنحن وأنتم سواء، ففكر السامعون وآمن أكثرهم ونحن - ولله الحمد مؤمنون - وإن كان في إيماننا ضعف فلو أكثرنا من ذكر هادم اللذات الموت فلعل الله المنان ذا الجود والإكرام يتفضل علينا بزيادة إيماننا فهو نعم المسؤول ونعم المجيب.
وعلينا بزيادة تلاوة القرآن بتمهل وإمعان فذلك مما يساعد على زيادة الإيمان وليكن ما نتلوه كل يوم لا يقل عن جزء واحد وذلك بعد صلاة الفجر وقبل بدء العمل أو في أي وقت من اليوم. ويجب أن تكون التلاوة في الصلاة أو خارجها بتمهل وترتيل0فمن أراد الخشوع في الصلاة فليقرأ بتجويد وترتيل والتمهل في القراءة يساعد على الترتيل ومما يساعد على الخشوع أيضاً تنويع القراءة بحيث يقرأ في كل ركعة من سورة وإن كان ما يحفظه قليلاً فيكفيه أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة الثلاثية والرباعية وفي ركعتي الفجر يكفيه أن يقرأ آية طويلة أو ثلاث آيات قصار0ولا يداوم القراءة من سورة واحدة أو من سور محددة فإن ذلك لا يساعد على الخشوع.
[ 87 ]
الخاتمة
بدأت بحمد الله وأختم بحمده سبحانه فهو وحده المستحق للحمد على نعمه التي لاتُحصى وأجلها نعمة الإيمان وأرجوه تعالى أن يجعلني ممن وصفهم بقوله: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون [الأنفال: 2].
إن مشاهدة المحتضرين وإغماض عيونهم فور موتهم ومشاهدة القبر وكيفية دفن الميت فيه ومن قبل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه كل ذلك إذا لم يؤثر فينا فما الذي يؤثر؟؟؟ وكذلك معرفة أمارات الساعة وما يجري بعد البعث والنشور من تطاير الصحف ووزن الأعمال والمرور على الصراط ففي ذلك ذكرى لمن يتذكر ويتعظ.
وفي الحديث: «ليس الخبر كالمعاينة» الذي مر برقم -10- تنبيه لذلك.
ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم لما نزل قوله تعالى: ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [المائدة: 90-91].
قالوا : انتهينا يا رب انتهينا وأراقوا دنان الخمر في أزقة المدينة.
وهل يكفي أن نعلم أن هول المطلع شديد ثم لا نتأثر ولا يتحول سلوكنا نحو الأفضل ؟ ألا نكون عندئذ من الغافلين؟؟!! والعياذ بالله.
عندما نُحتضر- وليس ذلك ببعيد - ونرى مقعدنا من الجنة أو النار،ونشاهد ملك الموت وملائكة الرحمة أو العذاب لا فائدة عندئذ من الرؤية والمشاهدة فقد انتهى الامتحان وصدرت النتائج كما عندما يحين موعد الحساب والمرور على الصراط يظهر الفرق بين من قدم لنفسه ومن لم يقدم ولا ينفع الندم.
أما الآن فعلينا اغتنام الحياة قبل الموت ،والصحة قبل المرض، والغنى قبل الفقر،والشباب قبل الهرم،والفراغ قبل الشغل،للتزوّد بالأعمال الصالحة والبعد عن الأعمال السيئة.
روي عن الشيخ عز الدين القسّام رحمه الله أنه كان يحثّ ويشجع المجاهدين الفلسطينين لقتال اليهود وقد شعر المجاهدون أن الشيخ سيخرج للجهاد فقالوا له: نكفيك عن الجهاد للحاجة إليك للتوجيه قال: إني لأستحي من الله أن أدعو إلى الجهاد ولا أجاهد،ثم خرج وقاتل حتى استُشهد،وعلينا أن نستحي من الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وبذلك نكون قد اعتبرنا بالموت وما بعده وبالبعث وما بعده.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
الله ما اغفر لى زنوبى وفقنى على عمل الخير يارب