لم تكن كما عهدناها في مقابلاتها التلفزيونية تلك المرأة النارية الممتلئة حيوية، وحماسة، وتحديًا، وعنادًا، بل بدت متعبة ومنهكة، ترفض أن تقف مرة أخرى في قفص الإتهام لتدافع عن أفكارها.
نوال السعداوي وخلال ظهورها في الحلقة الأولى من برنامج "بدون رقابة" للإعلامية وفاء الكيلاني، فاجأتنا بتنصلها من جميع تصريحاتها الإعلامية عندما رفضت أن تناقش أي فكرة أو تصريح من أرشيفها الصحافي، وطالبت وفاء بأن تحصر النقاش بمحتوى كتبها فقط، وكأنها تتهم جميع وسائل الإعلام بلا إستثناء بأنها زورت أقوالها، أو قولتها ما لم تقله؟!!
نفهم تمامًا أن السعداوي واجهت الكثير من العداء والتحوير من بعض وسائل الإعلام، لكن في المقابل هناك إعلاميون كثر أنصفوها وكانوا صادقين في نقل أفكارها الى الجمهور فلماذا وضعت الجميع في سلة واحدة؟!
السعداوي أيضًا إستاءت من وفاء لأنها إفتتحت الحلقة بنقاش حول الأفكار المثيرة للجدل التي فجرتها بما يختص بالدين الإسلامي، كتصريحاتها حول الحجر الأسود، ومطالبتها بنسب البنت لأمها أسوة بأبيها، وآرائها حول أركان الإسلام وغيرها من الأمور التي أدت الى تعرضها للعديد من قضايا الحسبة، وإتهامها بالكفر، وهدر دمها، ولم نفهم سبب هذا الإستياء لأن أي إعلامي كائنًا من كان لا يعقل ألا يمرّ على هذه القضايا في حوار مع السعداوي لأنه سيكون عرضة للإنتقاد ويبدو وكأنه خضع لشروط ضيفته.
نوال في معرض إعتراضها على الأسئلة طالبت وفاء بمناقشتها في فكرها (وكأن هذه القضايا التي طرحتها لم تكن جزءًا من فكرها)، وعندما سألتها وفاء عما تريد الحديث عنه، طالبتها السعداوي بمناقشتها بالأمور الطبية مثلاً، وهو أمر نستغربه، فهي تعلم جيدًا أن نوعية البرنامج الذي تطل من خلاله حواري ترفيهي إجتماعي ضيوفه من الشخصيات المثيرة للجدل ولديهم قضايا تهم الرأي العام، وليس نشرة علمية متخصصة، وب كان عليها توقع نوعية النقاش والأسئلة التي ستطرحها عليها مضيفتها.
كما أنه معروف بأن وفاء تتوجه ببرنامجها إلى جميع المستويات الفكرية وتطرح أسئلتها بلغة الإنسان العادي (رجل الشارع)، وتناقش كل ما يدور في خلده، ولا تتوجه لفئة الخاصة من المفكرين أو المثقفين، وهذا سر من أسرار شعبيتها ونجاحها، ويفترض أن السعداوي مدركة لذلك قبل أن توافق على الظهور في البرنامج، وإلا فلماذا أتت؟!!.
نوال أضاعت فرصتها لتتوجه لهذا الجمهور الواسع من العامة لتشرح أفكارها بشكل مباشر ومن دون تحوير أو إجتزاء ولم تفعل!.
كما كان بإمكانها الإنطلاق من أي سؤال غير مرغوب به لتأخذ الحوار الى أي زاوية من فكرها تود أن تناقشها، لكنها لم تفعل أيضًا!.
وعلى الرغم من أنها إشتكت لوفاء من التعتيم الرسمي وتجاهل إعلام الدولة لها -فهي لا تدعى لأي مهرجانات ثقافية رسمية في مصر، ومهمشة أو ممنوعة من الاعلام المرئي الرسمي تحديدًا - الا أنها لم تغتنم فرصة وجودها على محطة خاصة تبث من بلد معروف بأنه من أكثر البلدان العربية تحررًا وإنفتاحًا وأقلها تعرضًا للرقابة والحذف، ولم ترد على أغلب أسئلة وفاء في الفقرة الأولى مفترضة بأن جميع ردودها ستخضع للمونتاج ؟!
ومع تأكيد وفاء بأن كل ما ستقوله سيعرض كما هو الا أن الأخيرة أًصرت على موقفها.
الخلاصة شعرنا أن وفاء أحرجت السعداوي وكشفت بعضًا من تناقضاتها ... كما أنها أظهرت لنا نوالاً جديدة منهكة ومتعبة ... غير مستعدة لمواجهة خصومها، تحت ذريعة أنهم يرغبون بالشهرة على ظهرها، ربما يكون ذلك صحيحًا لكن لا يمكننا أن نغفل حقيقة أخرى أن هذه العقول المتحجرة التي طاردتها وحاكمتها وكفرتها، منحتها شهرة كبيرة وسلطت الضوء على أفكارها، ورفعتها الى مرتبة "المناضلة الفكرية المضطهدة" من قوى "الظلام الفكري". ولو لم تواجه هذه الإعتراضات والقضايا لمر الإعلام على كتبها وأفكارها مرور الكرام.
التفسير الوحيد لكل ما حصل في هذه الحلقة، أن كل هذا الحذر، ربما كان سببه خوفها من التورط في تصريح جديد يدخلها في دوامة جديدة مع المتربصين بها بكل أنواعهم... مما يطرح تساؤلات عديدة:
هل وصلت السعداوي الى مرحلة الخضوع وإختارت سياسة: "إمشِ جنب الحيط يحتار عدوك فيك؟ بعد أن كانت تقف لتصرخ بأعلى صوتها فوق الحيط طيلة هذه السنوات؟!!!.... أم أنها قررت أن ترفع الراية البيضاء وتقضي ما تبقى من عمرها (وقد جاوزت الـ 81 عامًا) بسلام وهدوء؟!.
أو ببساطة لم تعد لديها أحجار جديدة تلقيها في مستنقع المياه الراكدة للجهل والرجعية؟
ولمشاهدة الموضوع على اليوتيوب زيارة موضوع زميلنا lionhamad على الرابط المتضمن