فتحت عينيها ببطء وتكاسل بعدما لامست جفونها أشعة الشمس صباحا كعادتها كل صباح تستيقظ لعملها في نفس الوقت دون الحاجة لوجود منبه يوقظها . وتبقى لوهله متمدده لتتنفس الصباح وتستشعر برودته .
مدت يدها لتحاول إلتقاط الساعه من جانبها فلم تستطع تحريك يدها حاولت تحريك كامل جسدها فلم تتمكن فزعت فحاولت الكلام وكأن هناك طن من الأثقال على لسانها وشفتيها وفوق رأسها.. همت بالنهوض من سريرها فلم تقوى على ذلك لتدرك حينها أنها متيبسة الأطراف أدارت حدقتا عينيها يمينا ويسارا وهالها رؤية أنها ليست في غرفتها ولا ترقد في سريرها عبثاً حاولت دون فائده نادت فأصيبت بصدمه أخرى لاتعرف لما يحدث تفسير فهي غير قادره أيضاً على النطق .
قالت في نفسها: ماذا دهاني ؟ ماذا حدث ؟
وقت طويل مر عليها تتعارك مع جسدها و أسئله تدور برأسها ومخاوف تتخبط بها وحيده في هذه الغرفه بلا حول ولا قوه جل ماأدركته أنها ترقد على سرير في مستشفى ولكن لم تعرف لماذا فطوال البارحه لم يحدث شئ ولم تخرج من منزلها حتى أن تكون تعرضت لحادث وبينما هي غارقه في فكرها يائسه إذ بها تسمع صوت الممرضه تدخل الغرفه.
لم تستطع لف رأسها والنظر إليها وأنما بأقصى مالديها من قوه تمكنت من رمش عينيها وإطلاق أنين خافت لتتمكن الممرضه من لمحها وما أن حصل حتى شهقت وهتفت بفرح كبير .
"الحمد لله أنك أستيقظتي" وربتت على صدرها بكفها مكرره الحمد لله وبسرعه تتجه إلى الهاتف لتطلب عيادة الطبيب الذي ماهي إلا لحظات حتى يكون في الغرفه ليبدأ معاينتها وفحصها وهو يحادثها ويسألها وهي تغمض بعينيها في حالة الإجابه بنعم والتوقف عند الإجابه بلا .
وعندما إنتهى الطبيب منها أجابها بعد أن لمح نظرات التساؤل في عينيها .
" لا تخافي فأنت هنا منذ خمس سنوات كنت في غيبوبه لكن هاقد أفقت و بالصبر ستعود الأمور كما كانت . سنتصل بأقاربك للمجئ وتبليغهم بتطور حالتك فحمداً لله على سلامتك "
خرج الطبيب والممرضه تاركان سلمى غارقه في بحر من الإنكار والدهشه وما أصعب أن يكون هناك كم هائل من الأسئله دون إجابه فقد نزلت كلمات الطبيب عليها كالمطرقه
قالت في نفسها : مالذي قاله الطبيب هل أنا في حلم ؟
أنتظرت سلمى طويلاً …. أم أنها الساعات تجري بطيئه حتى الوقت تعجز عن قراءته وباتت تفكر في زوجها وأولادها وهي تتسائل بينها وبين نفسها
: خمسة سنوات كيف وأنا هنا نائمه ماذا حدث بها ماذا حدث لزوجي وأولادي ماذا جرى في الخمس سنوات الماضيه وكيف دخلت في غيبوبه مالذي حدث أكاد أجن.
تنقطع عن أفكارها على أصوات مرتفعه أمام باب غرفتها الذي يفتح بكل قوه ويصطك بالجدار الخلفي وكأن عاصفة هوجاء لمت به فإذا به زوجها مع الممرضه يقبل عليها مسرعاً هاتفاً " حمداً لله " مالئاً الغرفه صراخ وصخبا وهو يقبل يديها ووجنتيها ورأسها مكرراً والدموع تنذرف من مقلتيه" حمداًلله حمداًلله "
قالت في نفسها: نعم هذا زوجي وتأملت وجهه وثوبه ويديه وعينيه كما هو وكأن لم تمر عليه سنوات خمس كما لوأني كنت نائمه وأستيقظت فهو مازال كما هو لم يتغير به شئ وكيف لا وماهي الا خمسة أعوام وليست خمسة عشر عام ولكن أين أطفالي أين هاله وعمر وعامر أين هم؟
حاولت تحريك مقلتيها يميناً ويساراّ دون مجيب تعلقت نظراتها به عله يفهم سؤالها ولكنه لم يجب فرددت بقوه صوتها الذي لا يظهر للسامع إلا بأهات مكتومه وصرخات مكلومه وهمهمات غير مفهومه " ماذا حدث ؟
أثنائها قالت الممرضه لزوجها " لقد أعطيتها المهدئ فبعد ربع ساعه سيبدأ مفعوله لتنام وذلك كما شرح لك الطبيب هو لراحة دماغها وأعصابها من التفكير "
ما إن خرجت الممرضه من الغرفه حتى هب زوجها واقفاً فوق رأسها وهي تهمهم وتصدر أصواتاً تحاول فيها أن تسأله عن أطفالها دون قدرتها على رفع رأسها إتجاهه لكنه لم ينظر لها ولم يحاول فهم ماتقول .
أخذت تحدث نفسها : مابال زوجي لاينظر إلي ؟ ولكني أعرف أنه لن يحتمل أن يراني بهذه الحاله مالذي حدث ياإلهي ماهذا العذاب الذي أعيش به وبقيت تتمتم وتهمهم دون مجيب وكأنها كانت تسمع صوت بكاء زوجها من وراءها حتى سمعت صوت إغلاق الباب فها قد خرج صالح وهاهي بدأت تغط في نوماً عميق .
في اليوم أستيقظت على رائحه نشادر قويه أمام أنفها كانت تمسك بها الممرضه محاولة إيقاظها وبالفعل أستيقظت وكأنها في عالم فضائي تتمتلئ الغرفه أنواراً مشعه والدنيا تدور بها وكأنها طائره في السماء دون وزن وجاذبيه وبقيت في دورانها وأصوات كصوت الروبوت الإلكتروني وأرقام إلكترونيه تتراقص أمام عينيها حتى تلاشت شيئاً فشيئاً وهدأت في محيطها دون حراك موصلة بالأنابيب والأجهزه الكهربائيه لا يؤنس وحدتها سوى صوت جهاز نبضات القلب و السماء تظهر لها من نافذة غرفتها تبكي تاره وتفكر تارات فيما أل له حالها وهي تائهه هنا وعبثاً تحاول أن تشرح ماتريد فكل ماتريده أن تعرف ماالذي حدث وأين هم أطفالها ؟
مرت ساعات طويله تسير عليها أبطأ من سير سلحفاة وهي تراقب السماء فإذا إحدى الممرضات تأتي أليها لتقوم بعملها
سألتها" أتحتاجين لشئ ياسيدتي ؟ "
بأقوى مالديها ضغطت عينيها : نعم أحتاج أين زوجي وأطفالي ..همهمت
ردت الممرضه " لم أفهم فقط أغمضي إذا كان نعم . أتشعرين بالعطش ؟ فلم تغمض
اتشعرين بالجوع فلم تغمض فقالت الممرضه " حتى لو أحسست بالجوع لن تتمكني من الأكل لأن هناك مغذيات وفيها دواء يمنع عنك الشهيه أقول لك من أجل أن تعرفي . ونفس الشئ بالنسبه لرغبتك في دخول المرحاض فهناك أنابيب متصله بك يمكنك أن ترتاحي دون قلق هذا أيضاً من أجل أن تعرفي .
جسمك يؤلمك ؟ فلم تغمض فقالت لها وأن كان يؤلمك فهذا طبيعي من قلة الحركه "
فقالت سلمى مهمهمه أريد زوجي .
ورغم أن الممرضه لم تفهم ماقالت ولكنها شعرت أن السيده تسأل ربما عن عائلتها !
فسألتها أتريدين زوجك ؟ فأغمضت سلمى عينيها
فقالت حسنأ فهمت دعيني أسأل علاقات المرضى عما إذا كان بإمكانهم الإتصال به ليحضر فموعد الزياره لم يتبقى لها سوى ساعه وينتهي "
قامت الممرضه بالإتصال من هاتف الغرفه تطلب منهم الإتصال بأقرباء مريضه غرفه 912 ليحضروا لزيارتها فأجابت أنها في إنتظار المكالمه
أغلقت الممرضه الهاتف وهي تقول " خمسة دقائق وتأتينا إجابه "
وانتظرت بجانبها وماهي إلا لحظات حتى جاء رنين الهاتف يروي عطش سلمى فردت الممرضه وهي تجيب " حسناً حسناً سأخبرها " وأغلقت الهاتف ونظرت إليها بأسف وهي تقول أسفه ولكن رد زوجك قائلاً : أنه لن يتمكن من الحضور لمدة أربع أيام لأنه مسافر .
وأخبرتها أنها ستمر للإطمئنان عليها من وقت لأخر وبأن حالتها مستقره
تعجبت سلمى وزادت حيرتها وقالت في نفسها
: كيف يسافر صالح ويتركني بعد أن كنت عنه غائبه خمس سنوات .. وإلى أين سافر ؟ أين أطفالي لماذا لم يحضروا لرؤيتي ؟ هل غيابي عنهم كان سهلاً حتى تكون عودتي وصحوتي ليس بذات أهميه ؟
بقيت سلمى تحدث نفسها بصمت تاره وبصراخ غير مسموع تارات أخرى والدموع تنهمر من مقلتيها يلوكها الهم والحزن ..
بعد مرور يومين من إنتظارها وفي صباح يوماً أستيقظت سلمى على بكاء مرير بجانب سريرها ويد رقيقه تمسك بإحدى يديها وتقبلهما فتحت عينيها بسرعه لتجد أمامها إبنتها الكبيره
شهقت ونادت : هاله .. هاله أبنتي الحبيبه لكن لم تكن الكلمات تنطق بوضوح
لكن هاله فهمت ماكانت والدتها تقول وأستمرت في بكائها وقبلاتها الحانيه على أمها المسكينه حتى هدأت وقالت :
أحمد الله أنك رجعتي لنا ياأمي .. أحمد الله أنك رجعتي لنا ياغاليه
كم أشتقنا لك .. كم إفتقدناك ..
فسمعت أمها تهمهم بأسماء أخواتها .. فقالت : لا عليكي عمر وعامر بخير أنهما في المرحله النهائيه من الثانويه العامه وهما بخير وعافيه لاتقلقي
لم أتمكن من إصطحابهم لأن لاأحد يعلم بعودتك لنا سواي وأبي ..
وإستطردت قائله بعد أن أخذت نفساً عميقا : أبي لم يخبرني بنفسه فقد قامت صديقتي الطبيبه المقيمه أمل بإخباري ووالدي لا يعلم أني أعرف أريده أن يخبرني بنفسه حتى لا أفسد مفاجئته لكني لم أحتمل أن لاأراك وأنتظر وها أنا هنا وسأتي إليك كل يوم .
وأستطردت تقول مازلنا كما نحن لم يتغير شئ نحن في إنتظارك منذ غادرت كل شئ كما تركته ونحن ننتظر عودتك بفارغ الصبر.. وشرعت بالبكاء من جديد
أبي حالياً مسافر لمتابعة معاملات في عمله وسيحضر بعد يومين وسنأتي جميعنا بعد أن يخبرنا والدي بعودتك ..
وأخذت هاله تقص على والدتها الحكايا والقصص حتى أنتهى موعد الزياره .
غادرت هاله وبقيت سلمى وحدها لكن قلبها أمتلأ بالهدوء والطمأنينه فما أجملك ياهاله حين حضرت وحين تحدثت وقد أزلت عن صدر والدتك جبال من الهم والكدر .
مرت الأيام على سلمى وهي تفكر فيما أبتليت ففي ليلة وضحاها تغير حالها من حال إلى حال وخطر ببالها عملها وطالباتها وزميلاتها ماأصعب أن تنقطع فجأه عن العالم ثم تعود كالغريب .
خلال الايام العشره التي قضتها في إنتظار زيارة صالح أستطاعت أن تفهم أكثر من أمر حول حالتها فقد دخل عليها في يوم ما الطبيب ومعه طلبه كانوا متدربين في كلية الطب ورغم أن الطبيب كان يخاطبهم باللغة الإنجليزيه إلا أنها كانت تفهم مايقال فهي أستاذة أدب إنجليزي في الجامعه حينما أدركت أنها تعرضت لجلطه مفاجئه أثر تراكم كتله دمويه تقدر بحوالي الإثنان سنتيمتر لتجمعها في المخ أثر على أعصاب الحركه والوعي لذا دخلت في غيبوبه بعد إنسداد الشريان الرئيسي في الدماغ وأستفاقتها من غيبوبتها هو بسبب إعطائها أدوية السيوله التي تذيب الدم المتجلط بالمخ وأنها ستكون قادره على التحدث والمشي بعد السيوله الكامله للتجلط والتي قد تأخذ سنه أو سنتين من الأن مع العلاج الطبيعي وأدركت أنها ستعود كما كانت لامحاله ولكنها ستبقى دون حراك أو كلام سنه على الأقل
بقيت هاله مواظبه على زيارة والدتها كل يوم حتى بعد عودة والدها من سفره إنتظرت هاله أن يخبرها والدها فور عودته لكنه لم يقم بذك حتى سألته يوم وصوله مساءا وهم على مائدة العشاء
: والدي كيف حال أمي ؟ هل تزورها
فاجأها رد والدها الغير متوقع حيث قال :
نعم أزورها ووضعها كما هو عليه ليس هناك جديد مازالت في غيبوبتها والطبيب يخبرنا أنها بخير .
لم تشأ هاله أن تناقش والدها وتستمر في الحديث وأن تقول له أن مايقول كذب فقد صدمت بما قاله وأستغربت لما هو يقول كذلك . لماذا لم يخبرهم ولماذا يكذب عليهم . هل يكون بسبب قلقه من صحوة والدتي وأنها قد تعلم أنه تزوج من أخرى . وأقتنعت بينها وبين نفسها أنه هو السبب الوحيد الذي يجعل والدها يخفي حقيقه أن والدتهم قد أفاقت حتى لايذهبوا لزيارتها وتعرف منهم أخبارا تزعجها .
في اليوم حضر صالح دخل غرفه سلمى بكل هدوء وبخطوات متثاقله ورفع أحدى الكراسي ليجلس بجانبها ساكتاً برهه لكن سلمى لم تتمكن من رؤيته أو الإلتفاف له فأكتفت بالإنتظار إلى أن قال :
" قبل خمسة أعوام لاأعرف أن كنت تذكرين ذلك اليوم فقد كنا نجلس وأولادنا معنا نستعد لقضاء سهرة جميله كما أعتدنا أن نفعل فدخلتي المطبخ لتحضير بعض الأشياء ثم سمعنا صوت جسم يرتطم بالأرض فهرعنا إليك جميعنا نصرخ وحاولت رفعكي لكنك كنتي جثه هامده بين يدي لم أعرف مافعلت لم أكن في حاله أتمكن من التركيز بها لم أعي شيئاً سوى أني كنت أحملك وأطفالي ورائي يصيحون لصياحي ويبكون لبكائي لانعرف ماذا حدث وأدخلتك للمستشفى وأنا أصرخ أسعاف أسعاف كيف رفعوك وخطفوكي من يدي لاأذكر ولكننا مكثنا وقتاً طويل ننتظر خارج الغرفه لنعرف ماذا هناك حتى أخبروني بأنك على قيد الحياه وأنك تعرضت لجلطه قويه أدخلتكي في غيبوبه وطلب مني الأطباء والموظفين المغادره والعوده في اليوم الثاني
لو تعلمين لو تشعرين كيف قضينا تلك الليله كيف قضيتها كيف أني أحتضن أولادي وكأنهم أنتي لاأريد تركهم حتى تعودي لحظات ياسلمى كلما أتذكرها أبكي قهراً وأتوجع لما حدث ولما سيحدث
كنا نأتي يومياً إليك نجلس معك ونحدثك أتسائل هل كنتي تحسين بنا هل كنتي تسمعين بكاء أولادك ومرت أيام وأيام وبدأ الأمل في العوده يتلاشى وكلما سألنا الطبيب قال هي بيد الله التجلط حجمه كبير وقد تفيقي وقد لا تفيقي
كان حملاً ثقيلا علي ففي اليوم أقوم بدور الأب مضاف إليه دورك ومكانك الذي تركتيه فارغاً وفي الليل أجلس في غرفتي وحيداً لست بأرمل ولا مطلق ولا متزوج معلق كما المرأه في بيت أهلها ومازالت على ذمة رجل
كنت أشم عطرك فأبكي أحضن ملابسك فأبكي أنظر إلى صورك فأبكي وأبكي وأبكي حتى أنام وأدعو الله أن يردك لي سالمه أدعو الله كل دقيقه أن تحدث معجزه وتعودي إلي ولأولادك
ولكن .. ولكن ياحبيبتي هاقد عدتي
فأقترب منها ظنت سلمى أنه سيطبع قبله على وجنتها ولكنها لم تشعر إلا وصفعه قويه تأتي لها من كف زوجها فشهقت ....
انتظروني في الجزء الثاني الجمعه القادمه
رجاء عدم النسخ
تحياتي