شهدت دار الإفتاء المصرية في العام 2009 نقلة نوعية كبيرة وتطورا جديدا في تقديم المزيد من الخدمات الشرعية الإضافية بصورة عصرية تهدف إلى تحقيق أعلى درجات التواصل مع جميع الـمتعاملين مع دار الإفتاء من جميع الـمسلمين في مصر والوطن العربي والعالم من جانب، ومع الهيئات والعلماء والباحثين من جانب آخر.
ولم تتقوقع الدار حول نفسها بل سعت لاستخدام وسائل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة للاستفادة منها في توصيل الفائدة للمسلمين في كل مكان من خلال الحاسوب وشبكة الانترنت، حيث أنشأت دار الإفتاء قاعدة بيانات تضم آلاف من الكتب والمراجع العلمية في فروع المعارف المختلفة، ويتم تحديثها بصورة مستمرة، وتهدف إلى مساعدة أمناء الفتوى والباحثين في الدار في توفير أكبر كمِّ من المراجع الأصيلة التي تعينهم على تحرير الفتاوى المكتوبة وإنشاء الأبحاث، فضلا عما تتيحه لهم مكتبة دار الإفتاء بمراجعها النادرة وكتبها القيمة.
ولأن المواقع الإلكترونية قد أصبحت وسيلة مهمة للتواصل مع المسلمين، فقد أولت دار الإفتاء الموقع الإلكتروني أهمية كبيرة حيث تتم ترقيته وتطويره من حيث الشكل والمضمون، ويبث مادته بتسع لغات؛ العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والملايو والتركية والروسية والأوردية والفارسية.
كل هذه الخطوات التي قامت بها الدار كان لها أثرها في اتساع حجم التواصل بينها وبين جميع المسلمين في أرجاء الأرض، ويكفي أن نذكر أن إجمالي الفتاوى في العام الماضي قد بلغ 402.392 فتوى، منها ما هو شفهي، ومنها ما هو خطي، فضلا عن الفتاوى الهاتفية، والفتاوى التي يتم التعامل معها عبر شبكة الإنترنت.
فتاوى دار الإفتاء في 2009
تعتبر دار الإفتاء المصرية من نشأتها عام 1895 ميلاديا هي المرجعية الأساسية للفتوى في مصر، لما تضمه من فقهاء وعلماء ثقات، وعلى رأسهم فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة حفظه الله.
وقد بلغ إجمالي الفتاوى التي صدرت عن دار الإفتاء في العام 2009 حوالي (402.392) فتوى، ما بين فتاوى مكتوبة أو شفوية أو هاتفية وكذلك عبر الإنترنت.
وتنوعت الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في العام 2009 حيث شملت كل ما يعن للمسلم من أمور في جوانب حياته المختلفة، فقد صدرت عن الدار فتاوى بشأن بعض الأحداث الراهنة التي يمر بها العالم الإسلامي، مثل:
ـ استعمال أسلحة الدمار الشامل
حيث اعتبرت الفتوى أن امتلاك أسلحة الدمار الشامل على سبيل التخويف وردع المعتدين، هو أمر مشروع لخلق التوازن الاستراتيجي والعسكري المتبادل بين الدول، حيث يشكل ذلك عامل إثناء للدولة التي قد تسول لها نفسها أن تُقدِم على عمل عدائي ضِد بلد مسلم، مما يجنب في النهاية فرضية الدخول في حرب غير مرادة أصلا.
وقالت الفتوى أن المبادأة بالاستخدام والهجوم بها على بعض البلدان، أمر ممنوع شرعا، والقول بجوازه ونسبته إلى الشريعة وإلى علمائها كذب وزور وافتراء على الشرع والدين.
ـ قتل السائحين والتفجيرات
وكذلك أصدرت الدار فتوى عن حكم قتل السائحين والعمليات التفجيرية حيث أكدت الفتوى على أن الجهاد حق وفريضة محكمة لا يملك أحد تعطيله ولا منعه، ولكنه إذا تفلت من الضوابط الشرعية ولم تطبق فيه الأركان والشروط والقيود التي ذكرها علماء الشريعة خرج عن أن يكون جهادًا مشروعًا؛ فتارة يصير إفسادا في الأرض، وتارة يصير غدرا وخيانة، فليس كل قتال جهادا، ولا كل قتل في الحرب يكون مشروعا.
كما صدرت فتاوى بشأن الحج والعمرة مثل ترك المبيت بمنى للضعفاء والمرضى والنساء، التيسير في مناسك الحج، ذهاب الحج من مزدلفة إل مكة قبل منى، وتوسعة المسعى بين الصفا والمروة، وأخرى بشأن الصيام مثل وقت الإفطار في الطائرة، الصيام لأصحاب الأعمال الشاقة، وإفطار اللاعبين.
وهناك فتاوى أخرى في المعاملات مثل تحبيس وثائق صناديق الاستثمار، الضرائب والزكاة، فوائد التأخير، أذون الخزانة، هل على الأصول الثابتة زكاة، التورق، المضاربة في البورصة، تحويل البنك الديون التي عنده إلى أسهم اكتتاب، إسقاط الدين من الزكاة، الضرائب.
وفضلا عن ذلك فقد صدرت فتاوى أخرى كالأمور المتعلقة بالصلاة، والزواج، والرضاع، والطلاق، وغيرها من المستجدات التي تشغل أذهان المسلمين.
وقد بلغت الفتاوى المكتوبة 2097، والفتاوى الشفوية 68.879، والفتاوى الهاتفية 248.68، أما الفتاوى عبر الإنترنت فبلغت 82.736.
ـ دار الإفتاء وقضايا الإعدام
في إطار التعاون بين دار الإفتاء ووزارة العدل في ميدان القضاء الشرعي، وعملا بالدستور المصري الذي يوجب الرجوع إلى دار الإفتاء المصرية عند إصدار أحكام بالإعدام، فقد وردت إلى الدار عدة أحكام بلغ عددها 160 في العام 2009م.
وتنوعت الأحكام ما بين القتل والاغتصاب وجلب المواد المخدرة، وقد أبدى فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة الرأي الشرعي في بعضها، بينما لا يزال البعض الآخر يخضع للدراسة والتحقيق لضمان تحقق العدالة على المحكوم عليهم.
ومن أبرز القضايا التي عرضت على دار الإفتاء في 2009 كان قضية الاغتصاب المقترن بالسرقة والتي وقعت في محافظة كفر الشيخ.
وتعود الواقعة عندما قام 10 أشخاص باختطاف ربة منزل من بيتها بالقوة من قرية "الحمراوى" بكفر الشيخ واقتادوها إلى منطقة مهجورة وتناوبوا اغتصابها لتفقد الوعي، ورغم ذلك تمادوا فى فعلتهم المشينة وفروا هاربين.
وتم إلقاء القبض على المتهمين وإحالتهم للنيابة العامة إلى المحاكمة والتي قررت إحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتى.
والتي حكم فيها بالإعدام، وبلغ عدد المتهمين فيها 11 شخصا.
ومن القضايا التي عرضت على دار الإفتاء قضية مقتل الفنانة سوزان تميم والمتهم فيها رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى حيث قام بتحريض الضابط السابق بأمن الدولة محسن السكري بقتل سوزان تميم مقابل مليوني دولار.
كما عرض على الدار قضية رجل الأعمال الذي خسر أمواله في البورصة فقتل أسرته وحاول الانتحار.
وكذلك قضية مقتل ابنة الفنانة المغربية ليلى غفران وصديقتها في حي الشيخ زايد، واتهم فيها شخص واحد.
و لم تتوقف أنشطة دار الإفتاء المصرية عند العمل داخل القطر المصري فحسب؛ وإنما تعداه إلى أنحاء العالم المختلفة انطلاقا من إيمان دار الإفتاء برسالة الإسلام الخالدة التي تقوم على العالمية، وتعمل على تبليغ دعوته الرشيدة إلى كل الناس مهما نأت بهم الأرض، وكان من أهم هذه الفعاليات التي شاركت فيها الدار في عام 2009:
مؤتمر (الفتوى وضوابطها) بمكة المكرمة:
فقد شارك فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية في فعاليات المؤتمر الدولي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة تحت عنوان "الفتوى وضوابطها" حيث دعا إلى ضرورة إصدار ميثاق شرف موحد على مستوى العالم الإسلامي لضبط عملية الإفتاء وهو الاقتراح الذي تبناه البيان الختامي للمؤتمر.
هذا فضلا عن اقتراح آخر بضرورة إنشاء معاهد مختصة بتدريب المفتين على صناعة الفتوى وآلياتها، وضرورة مراعاة التيسير ورفع الحرج ما أمكن كما قررته مبادئ الشريعة وقواعدها العامة، وكذلك الالتفات إلى إعمال فقه المقاصد، وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
مؤتمر "كلمة سواء" بأبي ظبي بدولة الإمارات:
وقد أكد فضيلة الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية أن المشاركة في مبادرة "كلمة سواء" والحوار في شهر مارس لا تعني استعداد المسلمين للانحراف أو الحيد قيد أنملة عن معتقداتهم في سبيل إقامة علاقات مع المسيحيين. وأنه ليس المقصود من كلمة سواء – كما فهم البعض فهما خاطئا – خداع المسيحيين أو فرض العقيدة الإسلامية عليهم ولا حتى إدخالهم في دين الإسلام أو التدني بمستوى أدياننا إلى الوحدة المصطنعة، وإنما هي محاولة لإيجاد أرضية مشتركة جوهرية موجودة، وراسخة الجذور في التراث الإبراهيمي المشترك، وذلك للقضاء على الشكوك المتبادلة فيما بيننا، مؤكدًا أنه لم يعد هناك مكان ولا إمكانية للعزلة ولا الانعزال، لم يعد هناك إلا أن نعيش سويًا على هذه الأرض في وئام وسلام.
مؤتمر "نحو نصرة دائمة" بالكويت:
عقد المؤتمر الثاني لمنظمة النصرة العالمية تحت عنوان "نحو نصرة دائمة" برعاية وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت في الفترة من 2 إلى 4 نوفمبر ــــ بمشاركة أكثر من 400 شخصية من كبار علماء المسلمين من دول العالم، وكان لفضيلة المفتي مشاركته المتميزة، حيث دعا جميع الحكومات والمؤسسات والهيئات والمنظمات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية إلى التكاتف والتآزر وتوحيد الجهود المبذولة لنصرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ووضع آليات محددة تضمن الوقوف أمام محاولات الإساءة للأديان والرسل.
مؤتمر "حماية البيئة" بتركيا:
عقد هذا المؤتمر تحت رعاية المجلس المحلي الأعلى باستانبول، بالاشتراك مع جامعة الفاتح باستانبول، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ووزارة البيئة في تركيا، ووزارة الأوقاف في المغرب.
مؤتمر "التسامح الديني في الشريعة الإسلامية" بدمشق:
في هذا المؤتمر الذي أقامته كلية الشريعة بجامعة دمشق دعا الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية إلى إنشاء نظام دولي إنساني جديد قائم على القيم الأخلاقية مثل التسامح والإحسان ومبادئ العدل والتفاهم ونبذ العنف والعنصرية ووقف الاستهانة بحقوق الشعوب، ودعا علماء المسلمين إلى القيام بمسؤولياتهم التاريخية في بناء مبدأ التآخي والتسامح منهجًا واستنباطًا وتأصيلاً والحث عليه وترسيخه حاضرا ومستقبلا