هنـاك أفـلام أكـبر من أن تكتب عنها مقالا نقديـاً على رأسهم فيلم aVaTaR هناك أفلام أكبر من أن تكتب عنها مقالا نقديا، إذ إنك تعلم مقدماً أن عشرات المجلدات لن تكفي وصف عبقريتها الفنية وجودتها الفائقة، لتجد نفسك تكتفي في النهاية بكتابة سطر واحد فقط.. "ادخلوا هذا الفيلم حتى تدركوا -بأنفسكم-وأنتم تفغرون الأفواه، وتحملقون الأعين، في كل مشهد، ومع كل جملة حوارية، كم يصعب وصف ذلك"! عنوان الفيلم (أفاتار) كان موضع خلاف قانوني بين المخرج جيمس كاميرون والمخرج هندي الأصل (م. نايت شليمان) الذي كان ينوي تقديم فيلمه الجديد بذات العنوان. هواة الكمبيوتر يحفظون الكلمة طبعًا؛ لكن معناها اللغوي الدقيق هو تجسد الإله الهندوسي فيشنو في صورة إنسان أو نبات. إنه مفهوم معقّد مرتبط جدًا بعقيدة تناسخ الأرواح، لكنه في هذا الفيلم يرمز للكيانات البديلة التي ابتكرها الجيش الأمريكي لتتمكن من العيش على كوكب له هواء سام وبيئة معادية أما عن الفيلم نفسه Resized to 79% (was 800 x 533) - Click image to enlarge أفاتار.. فيلم يأخذك من يدك ليلقي بك في قلب عالم بندورا أولاً: يجب التفرقة بين فن السينما، وبين التقنيات التي يتم بها تحسين هذا الاختراع، والغرض في النهاية إغراء المشاهد بالخروج من بيته للذهاب لدار السينما.. يعني يفارق بيته الدافئ ويبحث عن قميص مكتمل الأزرار، ويفتش عن الحذاء تحت الفراش، ويخترق زحام الشوارع، ثم يبتاع تذكرة غالية -ثمنها ثمن كيلو لحم في حالتنا هذه- ليجلس في مكان واحد لمدة ثلاث ساعات تقريبًا. من أجل هذا الغرض ظهرت التقنيات المختلفة التي لن يقدمها التلفزيون أبدًا؛ مثل السينراما والآيماكس.. وفي مصر رأينا فيلم (الزلزال) يعرض بطريقة (سنسور سارواند) التي كانت تهز دار السينما هزًا لدرجة أن الغبار كان يتساقط من سقف السينما على رأسي. في الخمسينيات كانت في الخارج تجارب ال Smellies أو الأفلام ذات الرائحة، والتي تتلخص في أن يفتح المشاهد كراسة صغيرة مرقمة ليشم رائحة معينة حسب المشهد، كما كانت هناك أسطوانات تضخ الروائح في نهاية السينما. بعد هذا ظهرت تقنيات التجسيم التي شهدت فترات من الظهور والتراجع. كل هذا لا علاقة له بفن السينما ذاته، ولكنها أشياء تزيد الإبهار وتخفي الحقيقة إلى حد ما. وانطباعي عنها أنها فقرة من فقرات الملاهي في النهاية، لا تختلف عن (السيميولاتور) أو (مسرح المحاكاة) الذي تدخله في دريم بارك أو ماجيك لاند. معظمنا رأى السيمولبيتور ولم يتكلم قط عن سيناريو وتصوير وإخراج الفيلم المصاحب له؛ لأن المؤثرات هي الهدف . الفيلم يثير قضية أخلاقية مربكة .. هل بطل الفيلم يعتبر بطلاً فعلاً؟ فيلم (أفاتار) ثلاثي الأبعاد.. وقد نجح بالفعل في أن يأخذك من يدك ليلقي بك في قلب هذا العالم الغريب (بندورا). أعتقد أن الأبعاد الثلاثية كانت موفقة جدًا خاصة مع شريط الصوت الممتاز. في بعض المشاهد كنت تسمع الأصوات من خلف كتفك، وكانت السهام تضرب سقف السينما. لكن هذا يعني كذلك أنه لا وجود له بعيدًا عن شاشة السينما.. سوف يتلاشى ويضمحل.. لا يمكن أن تراه في التليفزيون؛ لأنه سيبدو أضعف من أية حلقة من مسلسل ستار تريك. ثانيًا: قصة الفيلم ليست خارقة وليست تحفة فنية. قصة بسيطة جدًا اشتقاقية تذكرك بعد دقائق بـ(يرقص مع الذئاب). جندي أمريكي مارق يتعرف حياة البدائيين فيكتشف أن لهم حضارتهم الخاصة الثرية، وأنهم ليسوا بالتخلف الذي حسبه، ويتعلم الكثير جدًا منهم. بعد قليل يقع في الحب مع واحدة منهم، وفي النهاية يحارب قومه معهم.. هناك عملية جلد ذاتي للعسكرية الأمريكية ولربما تذكرنا العراق وأفغانستان إلى حد ما، مما يضفي على الفيلم لمسة سياسية لا بأس بها، لكن يجب الاعتراف بأن هناك الكثير من المباشرة في الحوار.. "أصحاب الأسهم يكرهون الموت والدمار، لكنهم يكرهون هبوط الأسهم أكثر".. هناك الكثير من مادة نسيت اسمها تحت الشجرة الأم لذا لا بد من تدميرها غير مبالين بمشاعر هؤلاء. والجنرال فظّ بطريقة مبالغ فيها يقف في الطائرة المهاجمة يشرب القهوة ويتلذذ بالقصف و(أول دورة كئوس الليلة على حسابي).. حوار مباشر جدًا يذكرني بالمسرحيات الوطنية التي كانت توزّع مع مجلة بناء الصين: (أنا شرير ورأسمالي لذا أحارب البروليتاريا وقوى الشعب العاملة البطلة). من أجل هذه النقطة بالذات لم يكن الكل سعداء بالفيلم، وعندما تراقب وجوههم بعد العرض تشعر بأنهم خدعوا بشكل ما، وهذا يقودنا لاستنتاج مهم هو أن الناس تتفاوت في تقييم التجربة البصرية.. هناك من يضعها في المقدمة، وهناك من يضع القصة في المقدمة . ثالثًا: الفيلم يثير قضية أخلاقية مربكة نوعًا.. هل بطل الفيلم يعتبر بطلاً فعلاً؟ وبأية مقاييس؟ مقاييسنا أم المقاييس الفضائية؟ لقد حارب قومه وأحرق طائراتهم، فلماذا لا نعتبره خائنًا؟ وهل مفاهيم الإنسانية تسري على أهل ذلك الكوكب وهم ليسوا بشرًا أصلاً؟ عندما تشاهد الفيلم ستكون الإجابة محسومة في صالح أهل الكوكب، لكن هل الأمور بهذا الوضوح دومًا؟ لو كلف طيار عربي بقصف مدينة إسرائيلية، فهل من الطبيعي والمستحبّ أن يتمرد ويقتل زملاءه العرب ؟ أنصحك أن تحجز نظارتك الديجيتال قبل أن تحجز تذكرة الفيلم نفسه! رابعًا: جرعة الإبهار البصري في الفيلم لا تصدّق ولا يمكن وصفها أو التعبير عنها. لن تصدق أن هذا قد تم عمله في الاستديو وأن هناك بشرًا وراء هذا كله. كل عود نبات وكل شظية مشتعلة وكل بتلة زهرة تحت السيطرة الكاملة وعوملت بعناية تامة. إن الفيلم قد حرّك سقف الإبهار البصري إلى آفاق جديدة بحيث تزداد المهمة صعوبة على القادمين بعده، وهي مشكلة حقيقية؛ لأن هناك لحظة لن يستطيع فيها القادمون إضافة جديد وعندها يعلن الناس سأمهم. لو قدم فيلم (ماتريكس) اليوم لبدا لمن رأى أفاتار تافهًا بدائيًا. إن المشاهد يتحول بالتدريج إلى طفل مدلل رأى كل شيء ولا يمكن إبهاره أبدًا. بشكل خاص انبهرت بمشهد الليلة الأولى للبطل على الكوكب عندما هاجمته الوحوش، وعندما اكتشف أن كل النباتات تضيء ليلاً، وركوب ذلك الديناصور المجنح في السماء، والغارة الجوية الضخمة الأخيرة، كما أن الاتصال بكل الكائنات عن طريق الضفيرة العصبية التي تخرج من الرءوس كان ساحرًا. |