امتدت الصوفية بمدارسها ومناهجها القديمة إلى هذا العصر، وازدادت تشعباً وافتراقاً عما كانت عليه في السابق، وصارت الطريقة الواحدة تنقسم إلى عدة طرق، كل واحدة تحوي من البدع والمحدثات الاعتقادية والعملية الشيء الكثير، والفرق التي أحدثت في الطرق الصوفية المحدثة كثيرة، لا سيما المتولدة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، ولست بصدد تعدادها أو ذكرها، ولكن يكفي في هذا الموجز أن أشير إلى طريقة واحدة من الطرق المولدة في هذا العصر، وفيها إشارة إلى الطرق الأخرى وما فيها من محدثات ومخالفات شرعية.
وهذه الطريقة هي "الطريقة الفاسية" تنسب إلى أسرة الفاسي نسبة إلى فاس بالمغرب، وتنسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.. واستوطنت هذه الأسرة مكة، وكان أفرادها يتبعون الطريقة الشاذلية وينتسبون إليه، حتى أوجد أحدهم الطريقة الفاسية المنتسبة كذلك إلى الشاذلية، فيسمون أنفسهم بالشاذلية الفاسية.
وآخر إمام لهذه الطريقة هو شمس الدين الفاسي الذي يسمونه في كتبهم الإمام الدكتور الشيخ محمد عبد الله شمس الدين محمد المكي الفاسي الشاذلي، وقد تولى إمامتهم سنة 1388هـ كما في كتابه المسمى بالأسرار ما لفظه (بفضله سبحانه وتعالى تم تتويج سيدنا الشيخ شمس الدين محمد عبد الله شمس الدين محمد المكي الفاسي الشاذلي على عرش الطريقة الشاذلية الفاسية في يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول عام 1388 من الهجرة النبوية)
([1]).
وهاهنا أورد بعض البدع التي يسعى المبتدع في نشرها، ثم أذكر بعض المناشط التي يقوم بها:
فأما البدع فهي كثيرة وأولها: اتخاذ الطريقة الصوفية الشاذلية الفاسية مسلكاً للعبادة، ووسيلة للقرب من الله سبحانه وتعالى، وليس هناك إلا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف الصالح، فمن حاد عنها فهو في ضلال.
ومنها أنه ملأ كتابه المسمى بالأسرار بالأدعية والأذكار المبتدعة والشركية، حيث جعل هذا الكتاب في أحزاب وأوراد وأدعية وأذكار السادة الشاذلية الفاسية مع ذكر آل البيت والأربعة الأقطاب.
ثم ألحق به رسالة سماها "الأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية لطريقة السادة الشاذلية الفاسية"
وهذه هي بعض الألفاظ الواردة في كتاب الأسرار:
يقول تحت عنوان: حزب الطمس (... أقسمت عليك بحاء الرحمة، ميم الملك، ودال الدوام... إنك أنت الله العلي العظيم، هاء سين ميم زين قاف لام، يس والقرآن الحكيم، نون والقلم وما يسطرون )
([2]).
ويقول في حزب الدائرة للشاذلي، وهو سيف الشاذليين كما يسميه (... حكمت على أنفس أعدائي الطاء "طهور" سبعاً، لا إله إلا الله "باء" سلام قولاً من رب رحيم، قلقلت عقولهم "بدعق" سبعاً "سبحان الله" سبعاً... "حاء" فتحت بها باب الاستمطار من الفتاح العليم "محببة" سبعاً "يا سلام" سبعاً، سليت بالسين عن نفسي وأهل ومالي وولدي من جميع المضاره "صوره" سبعاً"... أسألك بالسناء الأعظم أن تعطيني مفتاح قلبي"سقفاطيس" سبعاً... ) ([3]).
ويقول في الحزب المخفي: (... ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "ياه ياه"، "أهيل أهيل" "أهياش أهياش"..)([4]).
ويقول تحت عنوان الوظيفة الشاذلية الفاسية... وانشلني من أوحال التوحيد إلى فضاء التغريد المنزه عن الإطلاق والتقييد، وأغرقني في عين بحر الوحدة شهوداً حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها، نزولاً وصعوداً كما هو كذلك لن يزال وجوداً...) ([5]).
ويقول تحت عنوان الياقوتية بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (... فهو الكنز المطلسم، والبحر الزاخر المطمطم، فنسألك اللهم بجاهه لديك، وبكرامته عليك أن تعمر قلوبنا بأفعاله، وأسماعنا بأقواله -إلى أن قال- حتى نشهدك به وهو بك، فأكون نائباً عن الحضرتين بالحضرتين وأدل بهما عليهما...) ([6]).
وقول الآخر:
سر الإجابة عند قبر الشاذلي غوث اللهيف ونجدة المتوكل
فسل النبي محمد وحبيبه قطب الولاية في المقام الأول
والكتاب مليء بهذا النوع من الألفاظ المبهمة والدعوات البدعية والأذكار الشركية.
ومن بدع هذا الفاسي ما نشره في مجلته الصوفية المتجددة من برقيات تهنئة متبادلة بينه وبين "مارغريت تاتشر" بمناسبة انتخابها لرئاسة وزراء بريطانيا قال فيها: (يسعدني أن أقدم لك التهاني لنجاحك في الانتخابات العامة -إلى أن قال- وننتهز هذه الفرصة لنعبر عن تأييدنا لسياستك الهادفة لتحقيق السلام، والتعاون بين القوى
الدولية.. وإني أقدر منك إخلاصك وتكريسك بعض وقتك خلال الحملة
الانتخابية للمساهمة في بحث قضايا الشرق الأوسط..)
([7]).
والتهنئة لأي أحد من الكفار بمناسبة من عيد من أعيادهم، أو انتصار من انتصاراتهم أو غير ذلك محرم في الشريعة، وهو نوع من الولاء للكفار، فإذا اعتقد فاعله جواز ذلك في الشرع أو استحبابه فقد جمع بين موالاة الكفار والابتداع في دين الله.
وأعماله وأقواله المبتدعة كثيرة جداً، وقد سخر أمواله الطائلة وثرواته الهائلة في جذب كثير من سذج المسلمين وفقرائهم في بلدان العالم الإسلامي، وهذه بعض مناشطه:
1-تأليف الكتب التي تشيد بالطريقة الشاذلية الفاسية، وتشيد بشخصه، وقد اطلعت على بعضها، وهي:
أ-كتاب الأسرار وقد سبق ذكره.
ب-كتاب بعنوان "سماحة الإمام الدكتور الشيخ شمس الدين الفاسي قطب الصوفية في القرن العشرين" وهو في طبعة أنيقة، مليء بصوره، وهو كتاب دعائي ألف من أجل تلميع شخص هذا الرجل.
ج- كتاب "الشاذلية الفاسية الصوفية متجددة" بقلم شمس الدين الفاسي، وهذه عناوين أبوابه:
الباب الأول: نظرات صوفية. الباب الثاني: مفاهيم صوفية. وفيه رمضان وصوفية المعاني، والخلافة عند ابن عربي.
د- كتاب "المسلمون في أوربا الصوفية توحد صفوفهم".
هـ- رسالة بعنوان "قصائد صوفية" مطبوعة على ورق ذهبي صقيل...
1-إنشاء المجلات والنشرات المقروءة والمرئية التي تنشر البدعة وتدعو إليها، وتزينها للناس، ومن ذلك:
أ-مجلته المسماه"الصوفية المتجددة" مكتوب على غلافها "إصدار المجلس الصوفي العالمي. شهرية دينية سياسية فكرية اجتماعية، تصدر في لندن، منبر كل مؤمن قوي عزيز، وهي تقبل كل الآراء ولا تلتزم بها".
ب-نشرته المسماة "مسيرة الإسلام والسلام" في 1987م وكتب في غلافها الداخلي: سماحة الإمام الدكتور شمس الدين الفاسي يؤم 120 ألف مسلم في أطول مسيرة إسلامية عرفتها لندن، احتفال المجلس الصوفي العالمي بذكرى مولد الرسول الكريم...
المسيرة استمرت أكثر من خمس ساعات ولا تزال أصداؤها حديث محافل الدنيا... وفي داخل النشرة مجموعة من المسلمين الهنود الذين تجمعوا حوله.
جـ- إصدار أشرطة مرئية (فيديو) فيها وقائع الاحتفال المذكور سابقاً، ومن رآه علم أن دعواه في أنه أم ما يزيد عن مائة ألف مسلم دعوى كاذبة، فلا يتجاوز عدد الذين معه في أكثر التقديرات ثلاثة آلاف رجل، جزء كبير منهم من الشرطة الإنجليزية، وأهل الاستماع المعروفين في حدائق "هايدبارك" اللندنية حيث أقيم احتفاله بالمولد.
1-إنشاء الزوايا الشاذلية في البلدان، في الهند وباكستان وسيرلانكا وبنغلادش.
2-إنشاء المجلس الصوفي العالمي لتوحيد كلمة الصوفية -على حد تعبيره- ومقر هذا المجلس في لندن، وقد بدأ بتكوين هذا المجلس في الطرق الصوفية المختلفة عام 1401هـ في سيرلانكا حين انضم تحت رئاسته -كما في كتاب شمس الدين قطب الصوفية- ثمانية وعشرون طريقة، وثمان عشرة هيئة إسلامية صوفية.وانضم تحت رئاسته اثنتان وثلاثون طريقة صوفية من الهند.
وانضمت سائر الطرق الصوفية في ماليزيا إليه، ثم تواترت البيعات له من جميع أنحاء العالم.
ومن أهداف هذا المجلس العالمي كما أعلن في هذا الكتاب تكوين قوة صوفية واحدة لنشر هذه العقيدة كما قال: (... أما عن الأنشطة التي يمارسها المجلس الصوفي العالمي فإن من أبرزها على الإطلاق هي الدعوة إلى وحدة الحركة الصوفية العالمية، وهذا هو الهدف الأصيل والثابت من إنشاء المجلس الصوفي العالمي...
والدعوة إلى وحدة الحركة الصوفية العالمية هي في جوهرها دعوة إلى نبذ الكسل والخمول والركود والعزلة والتنطع، وإنها دعوة إلى العمل والإنتاج لا الله الا الله