لكل شيء ضريبة.. حتي في التكنولوجيا! فأنت بالتأكيد سوف تستفيد منها.. لكنك أيضا سوف تدفع الثمن, ربما من صحتك أو مالك! لسنوات طويلة.
وذلك منذ أن ظهرت الهواتف المحمولة في حياتنا, ومعها احتلت محطات التقوية الأبراج, والمباني السكنية بإرادة السكان, أو رغما عنهم.. ظل الناس_ ولا يزالون- مرعوبين من مخاطر الموجات, والإشعاعات التي تبثها هذه المحطات ليل نهار, بلا رحمة, إنهم يرفضون المحطات مهما تكن إغراءات شركات المحمول, مع أنهم لايملكون الدليل القاطع علي تلك المخاطر.. هم فقط سمعوا أو قرأوا عنها! فالصحة أهم من المال!
ومع ثورة الاتصالات.. ثار السكان.. وانتفضت عقول العلماء والباحثين, ليس في مصر فقط ولكن في مختلف أنحاء العالم.. وتحولت بعض المعامل البحثية إلي خلية نحل لتقديم الدليل علي مخاطر المحمول, ومحطاته.. ولأننا لا نملك تأكيد أو نفي تلك المخاطر علي صحة الإنسان.. تركنا هذه المهمة لعلمائنا وباحثينا.
نبدأ بالمركز القومي للبحوث, حيث أجري الدكتور عماد إسكندر أستاذ ورئيس قسم الهرمونات بالمركز دراسة كان يهدف من خلالها التعرف علي الآثار الضارة التي تسببها الأشعة غير المتأينة( الموجات الكهرومغناطيسية) الصادرة عن المحمول, وأبراج المحمول فوق العمارات السكنية, وتبين أن هذه الأشعة الصادرة عن هذه الأجهزة( الهاتف المحمول أو الأبراج) تؤدي إلي زيادة حركة الجزيئات داخل الخلية مما يؤدي علي رفع درجة حرارة الجسم بمعدل درجة واحدة مئوية, ومن ثم يبدأ الخطر, وتوصلت نتائج الدراسة إلي أن التعرض التراكمي لمحطات تقوية المحمول( الأبراج) تؤثر معنويا في هرمونات المناعة مثل الكورتيزول, والميلاتونين, والسير وتروبين, وتؤدي إلي انخفاضها, وبعد عدد من السنوات تتراجع هذه التأثيرات بزوال المؤثر سواء كان هاتفا محمولا أو محطات تقوية, وكلما انخفض العمر كلما زادت التأثيرات السلبية لمحطات التقوية, وهذا التأثير السلبي يزداد لدي الرضع أكثر من الأطفال, والمراهقين, وكذلك البالغين, ولا تزال الأشعة غير المتأينة تحت البحث والدراسة العلمية, لكن المؤكد أن التأثير يشكل خطورة بالغة في حال إذا كان ارتفاع محطة تقوية المحمول أقل من6 أمتار.
وتبدأ مخاطر محطات تقوية المحمول( الأبراج) من انبعاثات الترددات العالية( الموجات الكهرومغناطيسية) وما تعكسه هذه الترددات علي الحالة الصحية للمتعرضين لها نتيجة الطاقة المخزونة في هذه الموجات, فقد ثبت بالدراسة أنها تؤثر علي التوصيلات العصبية والكهربائية وأنزيمات الدوبامين التي يفرزها المخ عند التعرض التراكمي( أي لفترات طويلة), وعند المسافة التي ذكرناها, وعند زوال المؤثر- كما ذكرت- تبدأ الأعراض في الانخفاض, ما لم تكن الأشعة غير المتأينة الصادرة من المحطة أو من المحمول قد سببت مشكلة داخل الخلية في جسم الإنسان.
لم يكن المركز القومي للبحوث وحده هو المهتم بدراسة مخاطر المحمول, ومحطات التقوية, ففي كلية العلوم جامعة القاهرة, ترأست الدكتورة نوال عبد الحي أحمد أستاذ فسيولوجيا الجهاز العصبي بالكلية مشروعا بحثيا كبيرا, استغرق7 سنوات, بدءا من عام2002 وحتي عام2009, لدراسة تأثير الإشعاع الصادر من التليفون المحمول علي كل من النشاط الكهربائي و السلوك و بعض القياسات العصبية المرتبطة بالذاكرة في حيوانات التجارب الثديية', وتوصلت إلي أنه من طبيعة الإشعاع الميكروويفي المستخدم في شبكات التليفون المحمول أنها تولد قدرا من الكهرومغناطيسية يمتص معظمها, وبالتحديد( حوالي70%) عن طريق الأنسجة البيولوجية, و منها المخ, مما يزيد من احتمالات حدوث تلف لهذه الأنسجة علي المستويين الخلوي والجزيئي, أو تغير في وظائفها الحيوية علي أقل تقدير.
المخ والجهاز العصبي المركزي.. الأكثر تاثرا
وفقا للدكتور نصر محمود رضوان أستاذ فسيولوجيا الجهاز العصبي بكلية العلوم جامعة القاهرة ونائب رئيس المشروع البحثي كان متعلقا بأهم وظائف المخ, وهي الذاكرة لتعلقها مباشرة بالقدرة علي اكتساب معلومات جديدة, أي القدرة علي التعلم, فضلا عن المؤشرات الأخري التي تقوي من احتمالات نشوء ضرر مباشر- وغير مباشر- بالعديد من وظائف, و أنشطة المخ, وكذلك احتمالات الإصابة ببعض الأمراض العصبية مثل الاكتئاب و تنشيط( أو تكون) بؤر صرعية, وأمراض الأرق أثناء النوم, وكل ذلك من شأنه توخي الحذر عند التعرض لمثل هذه الإشعاعات المنبعثة من التليفون المحمول من ناحية, و ضرورة مواصلة البحوث الأكثر تخصصية لوظائف الجهاز العصبي, و دراسة مناطق مخية تشريحية, ووظيفية أكثر دقة بهدف التقدم بخطوات أقرب نحو حصر و تشخيص أكثر تحديدا و تفصيلا لطبيعة الأضرار الناجمة عن استخدام التليفون المحمول, و من ثم الوصول إلي استخدام أكثر أمنا لهذا الاستخدام, خاصة مع الازدياد المضطرد لهذا الاستخدام من قبل جميع الأعمار.
التأثيرات البيولوجية
الدكتورة نهي الدسوقي أستاذ الهندسة الطبية بكلية الهندسة جامعة القاهرة, التي أكدت لنا إن التأثيرات البيولوجية الناجمة عن تعرض الإنسان أو الحيوان لطاقة الترددات اللاسلكية إما تكون حرارية أو غير حرارية, والحرارية تعني ارتفاع درجة حرارة الأنسجة نتيجة التعرض للطاقة عند الترددات اللاسلكية. ومن المعروف علميا- منذ سنوات عديدة- أن التعرض لمستويات عالية من الإشعاع عند الترددات اللاسلكية يمكن أن يكون ضارا نتيجة لقدرة الطاقة- عند هذه الترددات اللاسلكية- علي تسخين الأنسجة البيولوجية بسرعة, فضلا عن تأثير الترددات اللاسلكية علي الجزيئات والخلايا وما قد ينجم عن ذلك من تلف الحمض النووي, وتغيير في الكالسيوم, وتغيير في جهد الخلية, والارتفاع في نشاطOrnithinedecarboxylase, وتعديلات علي تكاثر الخلية, والتحول, والتغير في المناعة. ومن المعروف أن هناك منطقتين في الجسم هما: العينان والخصيتان, تكونا أكثر عرضة للتسخين بواسطة الطاقة عند الترددات اللاسلكية, وذلك بسبب النقص النسبي في تدفق الدم اللازم لتبديد الحرارة المفرطة,( والدورة الدموية هي واحدة من الآليات الرئيسية في الجسم لمواجهة الحرارة المفرطة).
وقد كشفت بعض التجارب المعملية- بحسب الدكتورة نهي الدسوقي- أن التعرض قصير المدي لمدة تتراوح( علي سبيل المثال بين30 دقيقة إلي ساعة واحدة) إلي مستويات عالية من الطاقة عند الترددات اللاسلكية(mW/cm2200-100) يمكن أن يسبب إعتام عدسة العين في الأرانب( كتاركت). والعقم المؤقت, والتغير في عدد الحيوانات المنوية, وحركتها, بعد تعرض الخصيتين إلي مستويات عالية من الطاقة عند الترددات اللاسلكية. وبالإضافة إلي ذلك, فإن بعض الدراسات أثبتت حدوث العقم الدائم في الفئران. وقد أظهرت الدراسات العلمية أن المستويات البيئية للطاقة عند الترددات اللاسلكية التي يتعرض لها الجمهور العام بشكل روتيني هي أقل بكثير من المستويات اللازمة لحدوث زيادة كبيرة في درجة حرارة الجسم. ولكن الدراسات عن التأثير علي المدي الطويل لا تزال ناقصة.
ومن مخاطر محطات التقوية إلي المحمول ذاته, فإن دراسة أجرتها الدكتورة أميمة كامل السلاموني أستاذ الصحة العامة كلية الطب بجامعة القاهرة علي مجموعة مصغرة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ممن يستخدمون المحمول لفترات طويلة, وتبين أن مستوي(SOD) وهوأحد مضادات الأكسدة منخفض عن المستوي الطبيعي مما يهدد بحدوث أعراض مبكرة للشيخوخة.
وقد توصلت د. أميمة السلاموني في دراستها التي أجرتها للتعرف علي نمط استخدام التليفون المحمول في مجموعتين(302 من أعضاء هيئة التدريس و259 من الطلاب) بجامعة القاهرة أن السلوكيات تشكل خطرا علي مستخدمي التليفون خاصة الاحتفاظ بالمحمول بجوار السرير أثناء النوم, وتبين أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية بين المجموعتين. فيما يتعلق بمعرفة الأضرار الصحية للمحمول ذكر غالبية المشاركين(92% من أعضاء هيئة التدريس و89.6% من الطلاب) أن للمحمول أضرارا علي الصحة. بينما ذكر35.4% و34.6% من أعضاء هيئة التدريس والطلاب علي التوالي التأثير السلبي للمحمول علي الجهاز العصبي, وأشار7.3% من أعضاء هيئة التدريس و15.9% من الطلاب إلي تأثير المحمول علي الأذن. كما ذكر13.9% من أعضاء هيئة التدريس و42.7% من الطلاب السرطان كواحد من التأثيرات السلبية للمحمول.
الدراسة أوصت بضرورة العمل علي تغيير السلوكيات التي تشكل خطرا علي مستخدمي التليفون المحمول وتبني الإجراءات الوقائية العامة, مثل تقليل التعرض المباشر وترشيد الاستخدام للمحمول بالإضافة الي حماية الأطفال عموما والأطفال دون سن الخامسة بشكل خاص. كما تنصح مستخدمي المحمول لفترات طويلة بتناول كميات كبيرة من مضادات الأكسدة المتوفرة في الخضروات والفاكهة الطازجة.