فى ثانى جلسات نظر القضية التى شغلت الرأى العام داخل مصر وخارجها، وكادت تشعل فتيل الفتنة الطائفية داخل نسيج المجتمع الذى لايفرق بين مسلم وقبطى، قررت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ بمحافظة قنا المصرية تأجيل محاكمة المتهمين الثلاثة فى حادث نجع حمادى الذى أسفر عن مصرع 7 أشخاص "6 مسيحيين وجندي شرطة مسلم" وإصابة 9 آخرين بجراح متفاوتة عشية الإحتفال بعيد الميلاد المجيد، إلى جلسة الأحد 21 مارس/آذار.
وجاء قرار المحكمة بناء على طلب دفاع المتهمين ولسماع أقوال شهود الإثبات وأقوال العقيد أحمد حجازى "مدير المباحث الجنائية ومحرر محضر الضبط" وحضور المحامى الأصيل عن المتهم الرئيسى "حمام الكمونى" وضم الأحراز التى عثر عليها فى مكان الجريمة ودفتر إستقبال مستشفى نجع حمادى العام بتاريخ يوم الحادث لبيان عدد المصابين والقتلى إلى أوراق القضية، مع إستمرار حبس المتهمين .
بدأت وقائع الجلسة فى تمام الساعة الحادية عشر بإحضار المتهمين من محبسهم وسط حراسة أمنية مشددة وتم إيداعهم قفص الإتهام، وفرضت أجهزة الأمن بمحافظة قنا "700 كم جنوب القاهرة " إجراءات أمنية مشددة حول مبنى المحكمة لتأمين جلسة المحاكمة حيث قامت بنشر عدد من البوابات الإليكترونية بمداخل ومخارج المحكمة وأكثر من 300 ضابط ومجند، وأخضعت قاعة المحكمة لعمليات تفتيش وفحص أكثر من مرة وإستخدمت الكلاب البوليسية المدربة لزيادة عمليات التأمين، كما شهدت الجلسة حضور إعلامى مكثف من الصحف والقنوات الفضائية .
فى بداية الجلسة تشاجر المحامى نبيه الوحش "محامى المتهم حمام الكمونى ورئيس هيئة الدفاع عن المتهين الثلاثة" مع أمناء الشرطة المكلفين بحراسة المتهمين وذلك لقيامهم بمنعه من التحدث إلى موكله، وقال إنه منذ أن تولى مسئولية الدفاع عن الكمونى وباقى المتهمين لم يتمكن من لقائهم .
وقام نبيه الوحش بتقديم عدد من الطلبات لهيئة المحكمة تمثلت فى سماع شهادة الأنبا كيرلس وسماع شهادة العقيد أحمد حجازى، ودفع ببطلان قرار الإحالة لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ الصادر من النيابة العامة استنادا إلى أن القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن إعلان حالة الطوارى لم يعرض على مجلس مجلس الشعب الأمر الذي يؤكد عدم دستوريته، مطالبا بوقف السير في الدعوى تعليقيا لحين فصل محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في الطعن المقام أمامها بجلسة 4 مايو المقبل على القرار الصادر بإحالة المتهمين إلى محكمة الطوارىء بوصفها قضاء استثنائيا لا تقبل الأحكام الصادرة عنها الطعن أمام محكمة النقض.
كما دفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر القضية، إلا أن المحكمة رفضت طلبات الوحش فأعلن تنحيه عن مواصلة مهام الدفاع عن المتهمين، مبررا ذلك بعدم استجابة المحكمة إلى الطلبات التي أبداها الدفاع عن المتهمين، وسماح المحكمة للمحامين عن أسر وأهالي الضحايا بإثبات حضورهم في القضية، مشيرا إلى أن قانون محاكم أمن الدولة لا يجيز ذلك .
وطالب دفاع المتهمين الثلاثة برفض كافة طلبات دفاع أهالي وأسر المجنى عليهم، وقدمت هيئة الدفاع اسطوانات مدمجة "سي دي" تحتوي على تصريحات للانبا كيرلس بأن الحادث تم باستخدام سيارتين ودراجة بخارية من خلال 3 أماكن متباعدة، وأن تهديدات قد وصلته تليفونيا بالإيذاء، مشيرا إلى التناقض في روايات الشهود .
وطالب الدفاع باستدعاء العقيد أحمد حجازى مدير المباحث الجنائية للاستماع إلى أقواله بشأن التصريحات المنسوبة إليه في 21 يناير الماضى والتى أعلن فيها أن الجهات الامنية تجرى بحثا مكثفا لمعرفة مرتكبي حادث نجع حمادي، وذلك في الوقت الذي صدر في 16 من نفس الشهر قرار إحالة المتهمين إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارىء، كما طالب بتمكينه وهيئة الدفاع من مقابلة المتهمين على إنفراد، معتبرا أن عدم تمكينهم من الانفراد بموكليهم لاسداء النصح القانوني لهم يعد إهدارا لحقوق الدفاع.
والتمس الدفاع من المحكمة أن تنتقل بكامل تشكيلها إلى مسرح الجريمة لمعاينة موقع الجريمة والتأكد من إمكانية وقوع الحادث بالكيفية التي صورتها أجهزة الأمن والنيابة العامة وشهود الاثبات من عدمه، كما طالب بضم مذكرات الاعتقال والتى بنيت عليها قرارات الاعتقال الصادرة بحق المتهمين.
وشهدت جلسة المحاكمة مفاجأة عندما نادى المتهم هنداوى السيد محمد حسن "والذى كان قد إعترف أمام النيابة بارتكابه والمتهمين الأخرين الحادث" من داخل القفص على هيئة المحكمة وطلب منها السماح له بالكلام، إلا أنها رفضت طلبه، فصرخ وقال إنه لم يرتكب الحادث وأنه تم إجباره على الإعتراف بالأقوال التى أدلى بها أمام النيابة .
وقد حضر عن أهالي المجني عليهم سامح عاشور "نقيب المحامين السابق" بالتضامن مع فتحي الخويني "نقيب محاميَّ قنا" والذي طلب من المحكمة أجلاً للاطلاع والاستعداد لإعداد مذكرة الدفاع، واعتراض أحد المحامين عن المجني عليهم على طلب دفاع الكموني باستدعاء الأنبا كيرلس، مؤكداً أن الأنبا قدم طلباً إلي النيابة العامة بالمثول أمامها لكونه لم ير الحادث، وطلب استدعاء اثنين من المطرانية لكونهما من شهود الواقعة .
كما طالب محام آخر عن المجني عليهم باستدعاء الدكتور أحمد فتحي سرور " رئيس مجلس الشعب" للإدلاء بشهادته لأنه سبق وأن صرح في بعض الصحف بأن هذه الجريمة وراءها شخص معروف، وقد حدثت مشادات كلامية ومشاحنات بين المحامين عقب انتهاء الجلسة، وقامت أجهزة الأمن بنقل المتهمين إلي سجن قنا العمومي تمهيداً لترحيلهم إلي محبسهم بسجن أسيوط العمومي .
وكان النائب العام المصرى المستشار عبد المجيد محمود قد أمر فى 16 يناير 2009 بإحالة المتهمين الثلاثة وهم محمد أحمد حسن الكمونى وشهرته "حمام الكمونى" وقرشى أبوالحجاج محمد على وهنداوى السيد محمد حسن إلى محكمة جنايات أمن الدول العليا "طوارىء" .
وقالت النيابة العامة في قرار الاتهام الذى طالبت فيه بتطبيق مواد قانون العقوبات ضدهم والتى تصل عقوبتها إلى الاعدام شنقا إن المتهمين الثلاثة استخدموا القوة والعنف والترويع بغرض الاخلال بالأمن والنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطروإيذاء الأشخاص والقاء الرعب فى نفوسهم.
وأصدر النائب العام بيانا أكد فيه أن التحقيقات التى أجرتها النيابة الكلية بمحافظة قنا "700 كم جنوب القاهرة" على مدار 9 أيام فى الحادث كشفت عن تعرض مجموعة من المواطنين المصريين الأبرياء إلى رصاصات غادرة راح
ضحيتها 7 أشخاص وأصيب 9 آخرون بطريقة روعت جميع المصريين وأشعلت نار الغضب وأن تلك الرصاصات أطلقت من مجموعة من الخارجين عن القانون الذين تجردوا من أى قيم دينية أو اجتماعية، بزعم تأثرهم بواقعة اغتصاب طفلة مسلمة بدائرة أحد المراكز المجاورة ومشاهدتهم للقطات مصورة لفتيات مسلمات فى أوضاع مخلة وخادشة للحياء وأنه بعد وقوع الحادث وأحكام الشرطة حصارها على المنطقة قام الجناة بتسليم أنفسهم للشرطة مقرين بارتكابهم تلك الوقائع وأرشدوا عن السلاح المستخدم فى الحادث.
وأضاف البيان أن المتهم الثالث "هنداوى" إعترف فى تحقيقات النيابة بقيام المتهم الأول "حمام" باستخدام السلاح فى إطلاق الأعيرة النارية منه على المتواجدين فى مواقع الأحداث الثلاثة، مما أدى لوفاة بعض منهم، وإصابة الآخرين، ولم تسفر التحقيقات وتحريات الشرطة عن وجود محرضين للجناة على ارتكاب تلك الوقائع، كما أسفرت التحريات عن أن المتهم الأول مسجل خطر وسبق اعتقاله بتاريخ 18 أكتوبر 2002، وسبق الحكم عليه بالسجن 3 سنوات فى قضية بلطجة، وقد توافرت الأدلة قبل الجناة من خلال أقوال الشهود وتحريات الشرطة والأدلة الفنية الخاصة بفحص السلاح المستخدم فى الحادث، والتى ثبت منها صلاحيته للاستعمال ومطابقة المقذوفات الحية التى عثر عليها فى خزينتى هذا السلاح على فوارغ الطلقات التى عثر عليها فى موقع الحادث ومطابقتها ايضا للمقذوفات التى تم استخراجها من جثث الضحايا .
وأوضح البيان أن النيابة أسندت إلى المتهمين الثلاثة تهم ارتكاب جرائم استخدام القوة والعنف والترويع بغرض الإخلال بالأمن والنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر على نحو من شأنه إيذاء الأشخاص وإلقاء الرعب فيهم بأن قتلوا عمدا مع سبق الإصرار والترصد كلا من رفيق رفعت وليم وأبانوب كمال ناشد وأيمن زكريا لوقا وبولا عاطف يسى وأيمن صادق هاشم وبشوى فريد لبيب ومينا حلمى سعيد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتلهم وأعدوا لذلك الغرض سلاحا ناريا "بندقية آلية" واستقلوا السيارة رقم "21576" ملاكى قنا قيادة المتهم الأول وتوجهوا إلى المكان الذى أيقنوا سلفا تواجد المجنى عليهم به وما أن ظفروا بهم حتى أطلق المتهم الأول عليهم وابلا من الأعيرة النارية من سلاحه النارى، بينما تواجد معه المتهمان الثانى والثالث بسيارته وعلى مسرح الحادث يشدان من أزره وقاصدين من ذلك إزهاق أرواح المجنى عليهم فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتهم .
وذكر بيان النائب العام أن هذه الجناية اقترنت بجنايتين أخريين وهما أنهم فى ذات الزمان والمكان سالفى الذكر شرعوا فى قتل إبرام نبيل يوسف وكيرلس وجيه مصرى وجدى شنودة فتحى ورامى رسمى عجيب وأبانوب نشأت سريدج وجوزيف صموئيل باشا وإسحاق عادل تادرس ومايكل صلاح رسمى وشنودة منير شهدى عمدا مع سبق الإصرار والترصد بذات الكيفية التى ارتكبوا بها جريمتهم الأولى إلا أنه قد خاب إثر جريمتهم بسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو نقل هؤلاء المصابين إلى مستشفيات وتلقيهم العلاج .
وأضاف البيان أنهم أتلفوا عمدا أمولا ثابتة ومنقولة مملوكة للغير وهى أبواب وواجهات المحال التجارية الكائنة بموقع الحادث وذلك لدى إطلاق المتهم الأول الأعيرة النارية بصورة عشوائية من سلاحه النارى صوب الأشخاص والأموال فى مكان الحادث وحال تواجد المتهمين الثانى والثالث معه على مسرح الحادث يشدان من أزره أحدثوا بها التلفيات المبينة وصفا وقيمة بالتحقيقات ومما ترتب عليه تعريض حياة الأشخاص للخطر وكذلك إحراز المتهم الأول سلاحا ناريا "بندقية آلى وذخائر تستعمل على ذات السلاح" وهو ما لا يجوز الحصول على ترخيص بحيازتها أو إحرازه، وكان ذلك بقصد استعماله فى نشاط يخل بالأمن والنظام العام وهذه الجرائم معاقب عليها بالمواد 86 & 230 & 231 & 232 & 234 & 361 من قانون العقوبات ومواد الأسلحة والذخائر .
وشملت أدلة الثبوت ضد المتهمين الثلاثة بالاضافة إلى إعتراف المتهم الثالث "هندواي" شهادة 19 من شهود العيان من بينهم 6 من المصابين في مستشفتي نجع حمادي وسوهاج والذين قالوا إنهم شاهدوا المتهم الرئيسي حمام الكموني وهو يطلق الرصاص من بندقية آلية، وضمت القائمة أيضا تقرير الطب الشرعي الخاص بتشريح جثث الضحايا الذي اثبت أن المقذوفات التي استخرجت من أجساد الضحايا خرجت من ذات السلاح المستخدم في الجريمة، واثبت فحص السلاح المضبوط بحوزة المتهمين الثلاثة تطابقه مع الفوارغ التي عثر عليها في مسرح الحادث، وكذلك مع المقذوفات المستخرجة بمعرفة الطب الشرعي .
وضمت أدلة الثبوت أيضا تحريات أجهزة الأمن والتي أكدت أن المتهمين الثلاثة وراء الجريمة وأنهم خططوا لارتكابها وكانوا في طريقهم إلي مهاجمة مكان رابع أمام مستشفي نجع حمادي وتراجعوا بسبب الزحام وخوفا من القبض عليهم. وأضافت التحريات أن المتهمين استخدموا سلاح آلي في ارتكاب الواقعة وهربوا إلي زراعات القصب واستقروا بها قرابة 16 ساعة حتى تمكنت أجهزة الأمن من محاصرتهم وإجبارهم على الاستسلام .
يذكر أن مدينة نجع حمادى والقرى المجاورة شهدت مظاهرات وهتافات وأعمال شغب وحرق عمدي وإتلاف على خلفية الحادث أسفرت عن احتراق 38 منزلا و16 محلا و3 دراجات نارية وألقت أجهزة الأمن القبض على 42 متهما من المسلمين والمسيحيين وأصدرت أجهزة الأمن قرارا باعتقال 29 منهم بتهمة استغلال الدين في ارتكاب جرائم منها السرقة وإثارة الشغب والإتلاف العمد والحرق.
وتعود أحداث الواقعة البشعة إلى 6 يناير 2009 عندما قام المتهمون الثلاثة باطلاق النار بطريقة عشوائية على عدد من المسيحيين والمسلمين ليلة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد مما ادى إلى مصرع وإصابة 16 شخصا ، وأصدرت وزارة الداخلية بيانا حول الحادث جاء فيه " إنه فى حوالى الساعة 11,30 مساء الأربعاء الموافق 6 يناير الجارى ، قام مجهول يرافقه آخران يستقلوا سيارة بإطلاق أعيرة نارية على مواطنين مسيحيين بموقعين تجاريين بمدينة نجع حمادى بمحافظة قنا مستغلا تجمعات الإخوة المسيحيين بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد ، كما عاود فى طريق هروبه إطلاق النار على بعض المتواجدين أمام دير الأنبا بضابا الكائن بمنطقة زراعية متاخمة للمدينة حيث كان المترددون على الدير للتهنئة دون إقامة قداس ".
وأضاف البيان: " أسفر الحادث عن وفاة 6 مسيحيين وإصابة 9 آخرين ، كما لقى عريف شرطة مسلم مصرعه " ، وتابع " المعلومات تؤكد وجود مؤشرات مبدئية لإرتباط الحادث بتداعيات اتهام شاب مسيحى باختطاف فتاة مسلمة بإحدى قرى المحافظة" .