دراسة نقدية في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 و194 المتعلقين بالقضية الفلسطينية
الملخص
لقد عالجت في رسالتي هذه قراري الجمعية العامه للأمم المتحدة 181 و 194 المتعلقين بالقضية الفلسطينية من حيث ظروف نشأتهما وكذلك أثرهما على المنطقة بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص, حيث قمت بدراسة البعد القانوني الخاص لهذين القرارين وما ترتب عليهما من اثار قانونية من حيث قيام دوله اسرائيل واكتسابها الشرعية الدولية نتيجة لصدور قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 الصادر عن الجمعة العامة للأمم المتحدة.
لقد اتبعت في هذه الدراسة منهج البحث الوصفي التحليلي، حيث قمت بدراسة الظروف التي واكبت قراري الجمعية العامة للامم المتحدة 181 و194، تحليل هذه القرارات، نقدها ومدى مساهمتها في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين باعتبارهما أسمى مقاصد الامم المتحدة.
إن مشكلة الدراسة هي صدور قرار التقسيم رقم 181 في عام 1947 مما أدى الى قيام دولة يهودية على جزء كبير من أراضي فلسطين، وتشريد شعب بأكمله. ونتيجة لقيام دولة إسرائيل، قامت الجمعية العامة بإصدار القرار رقم 194 عام 1948 والذي ينص على حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم وحق التعويض لمن لا يريد العودة. إن قرارات الجمعية العامة لم يتم تنفيذها نتيجة تنصل إسرائيل من التزاماتها الدولية،مما يؤدي الى استمرار معاناة الشعب الفلسطيني.
إن عدم تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها الدولية يطرح الكثير من التساؤلات حول دور هيئة الأمم المتحدة.هل أن هذه الهيئة الدولية تقوم بدورها في المحافظة على الامن والسلم الدوليين وحقوق الإنسان ؟أم أنها تساهم في انتهاك هذه الحقوق وتثير مشاعر الكراهية والعداء بين الشعوب ؟هل تناقض الشرعية الدولية نفسها حينما تدعي الحفاظ على حقوق الشعوب وفي الوقت نفسه تنتهك وتسلب أبسط حقوق الشعوب؟
لقد قدمت الأمم المتحدة للشعب اليهودي دولة، وأصبحت هذه الدولة حقيقة واقعة في القانون الدولي، لذلك لا بد أن تعمل الامم المتحدة على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ضمن حدود امنة ومعترف بها اسوة بقيام دولة إسرائيل.
إن ميثاق الامم المتحدة لم يعط الجمعية العامة أو أي جهاز من أجهزة المنظمة في أي نص من نصوصه، بما في ذلك المادة العاشرة، حق خلق دولة جديدة، بتقسيم دولة قائمة،إن هذا يعد خروجا من المنظمة الدولية عن نطاق الاختصاص الذي قرره لها الميثاق.لذلك، فان الحل الذي قدمته الامم المتحدة للصراع العربي اليهودي في فلسطين لا يتفق واعتبارات العدالة والقانون الدوليين وميثاق الامم المتحدة، حيث أنه قدم أكثر من تصريح بلفور وصك الانتداب على فلسطين،ومعلوم أنه فارق كبير بين تعبير" الوطن القومي" وتعبير "الدولة" الذي جاء به قرار التقسيم.
لقد أسهمت الامم المتحدة في خلق المشكلة الفلسطينية واستمرارها، بداية من قرار التقسيم رقم 81 /د-2 عام 1947 والذي قرر إقامة دولتين عربية ويهودية على أرض فلسطين،وما تلى ذلك من قرارات قامت بمعالجة القضية الفلسطينية باعتبارها مشكلة لاجئين،وانتهاء بمجموعة من القرارات التي بدأت في الصدور منذ عام 1969،والتي أصبحت تعالج القضية الفلسطينية من منطلق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير،وهو ما بلغ منتهاه في قرار الجمعية العامة رقم 43/77 لعام 1988،والذي اعترفت فيه الجمعية العامة بإعلان دولة فلسطين.
لقد أعطى قرار التقسيم السند الشرعي والقانوني لقيام دولة إسرائيلٍ، وهذا ما كانت الحركة الصهيونية تنشده، حيث أن الحجج والبراهين التاريخية والتوراتية لم تكن كافية لقيام دولة إسرائيل،ومن هنا كانت ضرورة تحرك الحركة الصهيونية تجاه الامم المتحده لإعطاء إسرائيل السند الشرعي لقيامها،وهو قرار التقسيم.
إن دولة إسرائيل هي الحالة الوحيدة التي قبلت عضويتها في الامم المتحدة بناء على تعهدات مسبقة، وقد وافقت إسرائيل على هذه الاشتراطات لتمرير عضويتها في الامم المتحدة، حيث نوقشت في هذه المباحثات وثيقة عرفت باسم "بروتوكول لوزان" في الثاني عشر من أيار عام 1949،تضمنت اعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في العودة،وتعهدها بتطبيق قرار التقسيم،ولكن في حقيقة الأمر،فان تعهد إسرائيل لم يكن الا مناورة لتمرير عضويتها في الامم المتحدة،إذ أنه بعد ذلك تنصلت من كافة التزاماتها التي سبق وأن تعهدت بها.
لقد تناولت في الفصل التمهيدي من هذه الدراسة الحركة الصهيونية من حيث ظروف نشأتها, ايدولوجيتها، وقرارات مؤتمر بازل الذي عقد عام 1897, والذي كان من اهم قراراته اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, حيث فشلت الصهيونيه العالميه في الحصول على موافقة الدوله العثمانيه باقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين.
وقد تعرضت في هذا الفصل إلى التدخل الاوروبي من خلال تصريح بلفور، حيث وعد جورج ارثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت الثري اليهودي رودتشلد باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وقد تناولت بالدراسة القيمة القانونية لتصريح بلفور.
وقد تطرقت في هذا الفصل أيضا الى تداول القضية الفلسطينيه في أروقه الأمم المتحدة, حيثت تعرضت الى مؤتمر لندن في عام 1946 وإحالة القضية الفلسطينية من قبل بريطانيا الى الأمم المتحدة, حيث أوصت الأمم المتحدة بعد احالة القضية إليها ايفاد لجنة خاصة الى فلسطين, وقد قامت هذه اللجنة بإعداد تقرير خاص عن أعمالها. وقد ركزت من خلال هذه الدراسة على أن الأمم المتحدة قد خرقت ميثاقها بقرار التقسيم, حيث أن عرب فلسطين كانوا يشكلون غالبية السكان ولهم الحق في إقامة دولة حرة مستقلة وان الأمم المتحدة ليست مخولة من الوجهة القانونية أن تفرض تنظيماً دستورياً على فلسطين.
أما بالنسبة للتصويت على قرار التقسيم, فقد أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة مشروع الأكثرية والذي يدعو الى تقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية, حيث أفضى القرار في النهاية الى إقامة دولة يهودية في فلسطين دون قيام دولة عربية فلسطينية.
وقد خصصت الفصل الأاول من هذه الدراسة لقرار التقسيم رقم 181 وتدويل مدينة القدس, وتعرضت الى موقف الفلسطينيين والحكومات العربية من قرار التقسيم, حيث تم رفض قرار التقسيم على المستويين الرسمي والشعبي, وكذلك الموقف الدولي من قرار التقسيم, هذا وقد كان سرور الحكومة البريطانية عظيماً عند صدور قرار التقسيم لأن القضية الفلسطينية كانت تمثل عبئاً كبيراً على كاهل بريطانيا حيث اعلنت بريطانيا على لسان المندوب السامي بأن حكومة بريطانيا تقبل قرار الأمم المتحدة وسوف تبذل كل المساعي لتطبيقه.
أما بالنسبة الى موقف الولايات المتحدة من قرار التقسيم، فقد أيدت الولايات المتحدة هذا المشروع في البداية, وما لبثت أن تراجعت عن دعم قرار التقسيم, واقترحت إقامة وصاية مؤقتة على فلسطين, ولكن بعد إعلان قيام دولة اسرائيل اعترفت الولايات المتحدة بهذه الدولة الجديدة, وكان ذلك يشكل تناقضاً في الموقف الأمريكي حيث أن الولايات المتحدة اعترفت باسرائيل أثناء مناقشة مشروع الوصاية من قبل الامم المتحدة.
وقد تعرضت في هذا الفصل أيضاً إلى اثأر قرار التقسيم على الفلسطينيين والقيمة القانونية لقرار التقسيم وكذلك مدى شرعية قيام دولة إسرائيل في القانون الدولي. لقد كان لقرار التقسيم اثار كبيرة على الفلسطينيين ولعل أهمها هجرة اليهود الى فلسطين وكذلك تهجير أهل فلسطين من ديارهم.
أما بالنسبة لصلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار قرار التقسيم , قان المادة الثانية "الفقرة السادسة" من ميثاق الأمم المتحدة تمنع الأمم المتحدة من التدخل في الشؤون الدستورية الداخلية لأي دولة، وأن من حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره دون تدخل الأمم المتحدة.
وقد تطرقت في هذه الدراسة أيضاً الى شرعية قيام اسرائيل في القانون الدولي, حيث أن إسرائيل اعتمدت في قيامها على أسانيد وحجج تاريخية وتوراتية وإن هذه الأسانيد لا تعطي اليهود الحق في إقامة دولتهم على أرض فلسطين, ومن ثم فإن القرار "181" والذي أعطى إسرائيل السند القانوني لقيامها, تناقض بشكل صريح وواضح مع أهداف الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين, هذا وقد نص القرار "181" على إقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية, وقد اشترطت الأمم المتحدة على إسرائيل القبول بإنشاء دولة فلسطينية وقبلت إسرائيل ذلك ولكن سرعان ما تنصلت من إلتزاماتها.
أما الفصل الثاني من هذه الدراسة, فقد تناولت فيه القرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وحق التعويض لمن لا يريد العودة, حيث تعرضت الى وضع اللاجئين الفلسطينيين، الاونروا، القرارات الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، القيمة القانونية للقرارات الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، حق العودة،حق التعويض وحق تقرير المصير.
إن إسرائيل ترفض تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين ولا يستند رفضها هذا على أساس قانوني بل يعتمد على رؤيا اسرائيلية خاصه بأن عودة اي عدد من اللاجئين الفلسطينيين يهدد كينونة وبقاء الدولة العبرية. كما تطرقت في هذا الفصل الى نقد قرار حق العودة وإمكانيات تطبيق هذا القرار مستقبلاً , حيث أن حق العودة هو حق مكفول في كافة الشرائع والقوانين الدولية. أما بالنسبة لفرص وامكانيات تطبيق قرار حق العودة , فيرى فقهاء القانون الدولي بأن قرار حق العودة يمكن تطبيقه على قرارات الامم المتحدة دون المساس بحق اليهود الذين هاجروا الى فلسطين.
وأخبرا تطرق الباحث الى ارتباط قرارات الجمعية العامة 181 و194 بقرارات مجلس الامن الدولي 242 و338، حيث أن قرارات مجلس الامن تعتبر مكملة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة،كونها تدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عام 1967،وكما تدعو الى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ويرى الباحث في النهاية أن أمام اسرائيل فرصة تاريخية للسلام الذي يعرضه العرب عليها لكي تعيش بأمن وسلام, حيث أن تطبيق إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة يتيح المجال للأجيال القادمة العيش برفاهية وأمن, لذلك لا بد من تكاتف المجتمع الدولي للعمل على تحقيق هذا الهدف المنشود.
حمل الملف الكامل