"المياه مقابل النفط" ..
ذكرت تقارير صحفية أن دول منابع حوض النيل السبع تدرس حاليا اقتراحا يدعو إلى مطالبة دولتي المصب "مصر والسودان" بشراء مياه النيل إذا كانت تسعى لمواصلة الاستفادة من مياه النهر، وذلك رغم تأكيد كبار المسئولين المصريين على عدم تفريط مصر فى أى قطرة مياه واحدة.
وقالت صحيفة "جيما تايمز" الإثيوبية في عددها الصادر الجمعة، إن هناك رأيا عاما تزداد قوته فى دول منابع النيل يطالب بضرورة دفع مصر ثمن استخدام مياه النيل.
ونقلت الصحيفة عن مصادر فى كينيا، إحدى دول منابع النيل، القول إن أغلب الكينيين يرون أن من حق بلادهم وباقى بلاد منابع النيل الحصول على مقابل لمياه النيل التى تصل إلى مصر والسودان.
وأشارت الصحيفة إلى اعتزام دول المنابع السبع التوقيع على معاهدة جديدة بشأن تقاسم مياه النيل رغم رفض دولتى المصب وهما مصر والسودان لهذه الاتفاقية الجديدة بسبب تجاهلها الحقوق الطبيعية للدولتين فى المياه وفقا لقواعد القانون الدولى.
وتحل الاتفاقية الاطارية الجديدة، التى تعتزم دول المنبع توقيعها يوم 14 مايو، محل اتفاقية عام 1929 التى وقعتها مصر وبريطانيا بالنيابة عن مستعمراتها دون مشاركة معظم دول حوض النيل واتفاقية 1959 بين مصر و السودان، التى تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وهددت مصر دول المنبع باتخاذ ما تراه مناسبا لحماية مصالحها القومية في حال وقعت تلك الدول اتفاقية التعاون في ما بينها دون مصر والسودان. وتصر القاهرة على عدم التوقيع على هذه الاتفاقية الإطارية، "إلا في حالة وجود نص صريح يحافظ على الحقوق والاستخدامات المائية الحالية." بحسب وزير الرى المصرى محمد نصر علام.
المياه والنفط
نهر النيل النيل فى القاهرة
وطالب أغلبية الكينيين بالتعامل مع مياه النيل كما تتعامل الدول مع البترول الذى يتم استخراجه من أراضيها وبالتالى يجب أن تشترى مصر ما تحتاج إليه من المياه من دول المنابع على اعتبار أن كلا من البترول والمياه مصادر طبيعية للدول.
ونقلت صحيفة "الشروق" المستقلة عن الصحيفة الاثيوبية، قولها: "إن إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم مصر وباقى دول حوض النيل يمكن أن تحد كثيرا من احتمالات قيام نزاع بين مصر وتلك الدول على مياه النيل حيث يمكن لمصر التى تعانى من قلة مصادر المياه شراء احتياجاتها من الغذاء والكهرباء من كينيا وإثيوبيا وغيرهما من دول الحوض بدون أى أعباء إضافية.
وتشهد مصر أزمة في مياه الشرب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى، وكانت قد طالبت بزيادة حصتها من النهر، بعد أن أصبحت الحصة الأساسية التي تقدر بـ 55 مليار متر مكعب، لا تكفى احتياجات المواطنين ومشروعات التنمية المختلفة، واشترطت للتوقيع على الاتفاقية الجديدة أن تتضمن في البند الخاص بالأمن المائي، نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصتها وحقوقها التاريخية فى مياه النيل، قبل أن تواجه برفض جماعي لدول المنبع، بدا وكأنه مرتب ومتفق عليه قبل الاجتماع.
وينحصر الخلاف بين دول حوض النيل في ثلاثة بنود فقط بعد الاتفاق علي 39 بندا في الاتفاقية الإطارية، وهذه البنود تتعلق بالإخطار المسبق قبل قيام أي مشروعات، وتوفير الأمن المائي للدول، والتصويت على القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية.
تمرد اثيوبي
كان الدكتور مغاوري شحاتة الخبير في شؤون المياه، قال في وقت سابق: "إن أزمة حوض النيل بدأت منذ تحرر دول الحوض من الاستعمار حيث قادت إثيوبيا تياراً يرفض التوقيع على أي اتفاق بشأن مياه النيل، لافتاً إلى أن إثيوبيا تستند إلى أن نحو 85% تقريباً من مياه النيل تأتي من أراضيها ولذلك فهي ترفض على الدوام التعاون والاتفاق مع مصر تحديداً وتصر على أن تحضر أية اجتماعات أو مشاورات لدول الحوض بصفة مراقب".
اضاف: "رغم أن هناك اتفاقيات كانت أديس أبابا طرفاً فيها منذ عام 1902 إلا أنها ترفض التعاون مع مصر، مشيراً إلى أنه تم توقيع اتفاق تعاون بين مصر وإثيوبيا عام 1993 ولم تلتزم الأخيرة به، مضيفاً أنه عندما أثيرت القضية في الأمم المتحدة عام 1997 رفضت إثيوبيا التوقيع على الاتفاق الإطاري".
وتابع: "رغم الانتعاش المصري في فترة السبعينات إلا أنه لم يتم الالتفات للتعاون مع إفريقيا في الوقت الذي بدأت فيه دول أخرى تتصارع على الوجود في القارة السمراء، وبدأ بالفعل تنفيذ مشروعات سدود خاصة في إثيوبيا حيث بدأ إنشاء أربعة سدود تستهدف حجز 73 مليار متر مكعب من المياه، وتصاعد الأمر تدريجياً مع اشتداد عود تلك الدول حتى وصل إلى التهديد باستبعاد مصر والسودان من اتفاقية مياه النيل.
مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة أن تدرك مصر أنها أمام تهديد حقيقي لأمنها القومي وأنه تجب مواجهة ذلك التهديد على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية، مشيراً إلى ضرورة أن يكون ملف المياه في يد جهة أخرى غير وزارة الري وأن يكون متصلاً بشكل مباشر برئاسة الدولة وأجهزة الأمن القومي فيها.
حرب مائية
في سياق متصل، أكد العديد من الخبراء والسياسيين المصريين أن هناك خطراً كبيرا بات يتهدد الأمن القومي المصري، واتفق هؤلاء في حديثهم لصحيفة "الخليج" الإماراتية، على أن هناك عوامل خارجية لعبت ومازالت، دوراً كبيراً في تأجيج الأزمة بين دول حوض النيل، ويأتي في مقدمتها التواجد الإسرائيلي في دول الحوض الذي يستهدف في المقام الأول إضعاف مصر، وتضييق الخناق عليها، إضافة إلى استهداف العمل على تقسيم السودان وتغذية مطالب الانفصال لدى عدد من أقاليمه.
فقد حذر مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير عبد الله الأشعل، من أن المنطقة مقبلة على حرب مائية حقيقية، مشيراً إلى أن ما حدث في اجتماعات شرم الشيخ يمثل تطوراً خطيراً في الموقف، بعد أن بات الحديث واضحاً عن فصل مصر والسودان عن بقية دول الحوض ولجوء دول المنابع إلى توقيع منفرد على اتفاقية لا تتضمن استجابة للمطالب المصرية والسودانية.
سد
وقال إن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية التقصير في المواجهة المبكرة للأخطار التي تحيط بأمن مصر المائي، حتى وصل الأمر بدول المنبع إلى أن تسعى إلى إقرار اتفاقية خاصة بها تستبعد منها مصر والسودان وتشكل تكتلاً ضدهما ما يعد تهديداً مباشراً لأمن الدولتين.
من جانبه، قال هاني رسلان رئيس وحدة الدراسات السودانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن موقف دول المنابع في شرم الشيخ كان عدائياً في مواجهة الموقفين المصري والسوداني ورافضاً لكل ما يصدر عنهما من اقتراحات، مشيرا إلى أن النقاط الخلافية الثلاث بين دولتي المصب ودول المنابع لم تكن فنية وإنما ذات طابع سياسي.
واضاف: "يجب أن تستمر مصر في استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية للدفاع عن مصالحها والحفاظ على حصتها من المياه، مشدداً على أن هذه المسألة لا يجب ولا يمكن التهاون في التعامل معها، مشيراً إلى أن مصر يجب أن تعمل من منطلق واحد هو أنه لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف التفاوض حول حقها في مياه النيل كما أقرتها الاتفاقيات السابقة وأن هذا الحق لا يملك أحد التنازل عنه أو التهاون بشأنه".
أما الخبير الاستشاري الدكتور ممدوح حمزة، فيقول إن موقف دول منابع النيل كان متوقعاً، مرجعاً ذلك إلى أن هذه الدول لا تتحرك بدافع من نفسها، لكن هناك من يقف وراءها ويحرضها ويقوي شوكتها من قبل دول الغرب وإسرائيل، مشيراً إلى أن ما يدعم موقف هذه الدول أيضاً ذلك الضعف الذي تعاني منه الدبلوماسية المصرية في تلك المنطقة المهمة من العالم.
وعبر حمزة عن تشاؤمه إزاء البدائل المطروحة أمام مصر في حال تفاقم الأزمة وتصاعدها مع دول حوض النيل، مشيراً إلى أن ما هو موجود في بحيرة ناصر من احتياطيات مائية لا يكفي مصر لأكثر من ثلاث سنوات، كما أن مصر تعاني من قلة الأمطار والمياه الجوفية معتبراً أن تفاقم الأزمة يهدد بحدوث "مجاعة" في مصر مثل تلك التي حدثت عام 1120 ميلادية بسبب نقص الفيضان.
في هذه الأثناء، شن اللواء مراد موافى، محافظ شمال سيناء، هجوما حادا على إسرائيل، وقال إنها تلعب دورا قذرا ضد مصر مع دول حوض النيل، وأكد أن "جهاز الموساد الإسرائيلى خطط لإنشاء خط أنابيب لنقل مياه النيل من الهضبة الإثيوبية إلى إسرائيل". مشددا على أن مصر "تعى تماما ما تخطط له إسرائيل".
وقال موافى ــ على هامش احتفالات بعيد تحرير سيناء ــ إن مصر "لن تسمح بالمساس بحصتها فى مياه النيل التى يجب زيادتها.. لقد حصلنا على حصة سنوية قدرها 55 مليار متر مكعب، وكان عدد سكان مصر وقتها 20 مليون نسمة.. الآن عدد السكان فاق الـ80 مليونا".
وأشار المحافظ إلى أنه "ليس بمقدور أى طرف إيقاف قوة اندفاع المياه التى يصل 10% من إجماليها بحوض النيل إلى السودان ومصر".