رغم أن معظم الناس يعتقدون إن العناكب منفرة وأنها حيوانات سامة خطرة تعيش في أماكن قذرة إلا أن العلم اثبت أن هذا التعميم ليس في محلة وان لها فوائد لم تكن يوما تخطر على بال بشر حيث أصبحت هذه العناكب أداة من أدوات البحث الجنائي استطاع من خلالها أن يتوصل إلى المجرمين الحقيقيين وأيضا كانت هذه العناكب دليل براءة لكثير من المتهمين كانوا في طريقهم إلى السجون بل إن هناك دراسة حديثة بالمركز القومي للبحوث أثبتت ذلك علميا وأكدت إمكانية استخدام العناكب في مجال البحث الجنائي, وإنه عن طريق تحليل بعض أنواع العناكب التي تعيش بشكل تكافلي مع الذباب الأزرق وغيره من الحشرات التي تتغذى على الجثة أمكن معرفة وقت وأسباب ومكان الوفاة. حول هذا البحث وأهميته في الكشف عن الكثير من الجرائم يقول صاحب الدراسة الدكتور على رسمي أستاذ علم الحشرات بالمركز القومي للبحوث وأمين عام الجمعية المصرية لعلم العناكب: علم الحشرات هو علم مستخدم في الطب الشرعي ويعرف الآن بعلم الحشرات الجنائي أما بخصوص العناكب فقد أصبحنا نعتمد في النظرية الحديثة على أنواع منها غير مرئية وتعيش بشكل تكافلي على الجثة مع بعض أنواع الحشرات,والتي بتحليلها أمكن الكشف عن أسباب الوفاة إذا ما كانت أسبابها تعود إلى سموم أو جرعات زائدة من تعاطي المخدرات خاصة وان هذا العلم يستخدم كدليل نفي أو إثبات الجريمة على المتهم, وكذلك كشف جرائم القتل ومرتكبيها وأماكن وقوعها والوقت الذي ارتكبت فيه وغير ذلك من الملابسات التي تساعد الشرطة في القبض على الجناة الحقيقيين وأيضا تبرئة متهمين أبرياء. تحديد الوفاة وعن كيفية تحديد زمن الوفاة يقول الدكتور رسمي: عقب الوفاة تبدأ الحشرات في إفراز إنزيمات معينة بهدف إجراء عمليات التحلل, ونتيجة لذلك تحدث انتفاخات في الجثة ولكل مرحلة حشرة معينة تتغذى على الجثة من دون تعارض ومن هنا يمكن تحديد موعد وقوع جريمة القتل, أما فيما يتعلق باستخدام الحشرات في الكشف الجنائي فهذا يمكن توضيحه بالقول بأن هناك أربع أنواع من الحشرات تنمو على الجثة وتتغذى عليها منها الذباب الأزرق والعناكب غير المرئية التي توجد على الجلد والتي تعتمد في تواجدها على درجة حرارة الجسم ومن خلالها نحدد وقت الوفاة, فمثلا في خلال ساعة من الوفاة يسارع الذباب الأزرق بالهجوم على الجثة نتيجة امتلاكه حاسة شم قوية ويختار الفتحات الطبيعية مثل العينين والفم والأنف لوضع بيضه حولها, وبعد ساعات يتحول البيض الى دود صغير ثم يكتمل نموه حتى يصبح حشرة كاملة من الذباب الأزرق ومن خلال قيام خبير الحشرات الجنائي بقياس حجم أكبر دودة ثم تتابع الحشرات حسب أجيالها يستطيع بدقة تحديد موعد الوفاة, ومع بداية تحلل الجثة تدخل انواع أخرى من الحشرات المختلفة بالتتابع كما تدخل العناكب بنوعيها المرئي وغير المرئي وتضع بيضها هي الأخرى لتكتمل دورة حياتها فيما تتلوها الخنافس وغيرها من الحشرات.. ومن خلال هذا التتابع يمكن أيضا تحديد موعد ارتكاب الجريمة وزمن الوفاة, ولعل من أهم القضايا التي حسمتها العناكب قضية اتهام زوجين في شهر العسل بجريمة قتل لطفل وجد مدفونا في منزلهما إلا أن علم العناكب الجنائي أثبت أن الجثة قد قتلت وتحللت منذ وقت طويل قبل شراء الزوجين للمنزل فلعبت العناكب بذلك دوراً مهماً في تبرئتهما, وعلى النقيض أدانت العناكب زوجة قتلت زوجها ودفنته وأكدت اختفاءه منذ وقت قصير إلا أن تحليل العناكب أثبت أن الوفاة تمت منذ وقت أطول وثبت كذب الزوجة وبتضييق الخناق عليها اعترفت بالجريمة, وكذلك يمكن استخدام العناكب في اكتشاف أماكن وقوع الجرائم فالأنواع تختلف باختلاف المكان, فعناكب أسوان مثلا تختلف عن عناكب الوجه البحري وذباب الوادي الجديد الأزرق, غير الموجود في الدلتا وهكذا فلو أن شخصا تم قتله في الاسكندرية وقام الجاني بدفنه في أسوان مثلا لتضليل المباحث الجنائية, فإنه بمعرفة نوع وشكل العناكب الموجودة بالجثة يمكن تحديد المنطقة التي ارتكبت فيها جريمة القتل. أقوى من الجامبو عن أنواع وخصائص حشرة العنكبوت توضح الدكتورة شادية السيد عبد العزيز أستاذ الحشرات بالمركز القومي للبحوث بأن هناك 30.000 نوع من العناكب في العالم منها 385 نوعا في مصر, معظمها غير سام بالنسبة للإنسان ماعدا بعض الأنواع القليلة التي تنتج السم من خلال زوج من الغدد يوجد بمنطقة الرأس ويتصل عن طريق قنوات دقيقة بأجزاء الفم التي تنتهي بأنياب تستخدمها في اللدغ ومن أشهرها" الأرملة البيضاء " التي تعيش في الصخور, وتم تسجيلها بمحمية نبق جنوب سيناء وفي الاسكندرية, والعناكب ليست كلها سامة وخطرة فالكثير منها غير مضر بل على العكس من ذلك هي حيوانات مفيدة تتغذى على الحشرات الضارة التي تدخل البيت مثل الذباب والبعوض الناقلين للأمراض, والحشرات التي تتلف المحاصيل الزراعية مثل الجراد, وقد لا يعرف الكثيرون أن خيوط العنكبوت تعد أقوى مادة بيولوجية عرفها الإنسان حتى الآن وتعتبر الخصلات الحريرية التي تكون نسيج العنكبوت أقوى من الفولاذ, ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور, ويتمدد الخيط الرفيع منه إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع, ولذلك أطلق العلماء عليه اسم "الفولاذ الحيوي" أو "الفولاذ البيولوجي" وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة, وتبلغ قوة احتماله 300.000 رطلا للبوصة المربعة, فإذا قدر جدلا وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت فسيُمْكِنه حَمل طائرة "جامبو" بكل سهولة. لا للتعميم ويعلق الدكتور فتحي عباس قناوي مستشار ورئيس قسم كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية على هذه الدراسة بقوله: علم العناكب الجنائي بالفعل علم جديد أسس وأنشئ للمرة الاولى في مصر على أيدي الدكتور علي رسمي ويعتبر استخدام العناكب في أدلة البحث الجنائي وسيلة إرشادية ترشد عن زمن ارتكاب الجريمة وكيفيه الوفاة عن طريق تحليل العناكب التي تتغذى على الجثة واك¯تشاف ما إذا كانت الوفاة نتيجة السم أو المخدر ولكني في نفس الوقت أرى بأن الوقت مازال مبكرا لتعميم هذا العلم وتطبيقاته كما هو الحال بالخارج خاصة وإننا مازلنا بحاجة إلى قاعدة بيانات كاملة وتجهيزات وخبراء في هذا المجال والمزيد من العمل لتفعيل استخدامه.