يتابع المصريون بكثير من الحنق هذه الأيام الأنباء المتواترة عن فساد في تطبيق نظام العلاج على نفقة الدولة، خصوصاً أن شبهات استغلال النفوذ للتربح من وراء هذا النظام تحوم حول نواب يفترض أن مهمتهم هي مواجهة الفساد، كما أن المبالغ تقدر بنحو 1.5 بليون جنيه، علماً أن آلاف الطلبات لاستصدار قرارات علاج على نفقة الدولة لا تتجاوز قيمتها بضعة مئات الجنيهات، رفضت بسبب «ضعف الموازنة» وزيادة ديون وزارة الصحة.
وتفجر الجدل في شأن قضية العلاج على نفقة الدولة بعدما كشفت وسائل إعلام حصول نواب على قرارات علاج لمواطنين موتى بملايين الجنيهات بالاتفاق مع مستشفيات خاصة، ما دعا وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي إلى تحديد سقف لقرارات العلاج على نفقة الدولة وعدم حصول أي نائب على قرارات علاج إلا لأبناء دائرته فقط، وهو ما كان مدعاة لهجوم النواب عليه.
وقال مسؤول بارز في وزارة الصحة طلب عدم ذكر اسمه لـ «الحياة»، إن نواباً في البرلمان «تجاوزوا في الحصول على قرارات العلاج على نفقة الدولة»، مشيراً إلى أن بعضهم «حصل على قرارات علاج موجهة لمستشفيات خاصة تكلفتها أكبر بكثير من إمكانات هذه المستشفيات... فمن غير المعقول على سبيل المثال أن يوجه لمركز طبي في قرية أو مدينة نائية في الصعيد قرار علاج بآلاف الجنيهات لإجراء جراحة دقيقة لمريض، فيما هذا المركز غير مؤهل أصلاً لإجراء مثل هذه الجراحات». ولفت إلى أن بعض النواب ينظر إلى «التحري أو الاستفسار عن مثل هذه الأمور على أنه تعد على حقوقهم».
ووصلت قرارات العلاج على نفقة الدولة خلال العام الماضي إلى مليونين و115 ألف قرار تكلفت 3 بلايين و600 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 5.5 جنيه) وجهت نحو 10 في المئة منها إلى مستشفيات خاصة واستثمارية، كما صدر نحو 90 قراراً للعلاج على نفقة الدولة في الخارج. وبلغ إجمالي ديون وزارة الصحة للمستشفيات بسبب قرارات العلاج على نفقة الدولة بليوناً و600 مليون جنيه. ويفترض أن تقر لجنة ثلاثية حاجة المريض إلى علاج على نفقة الدولة، لكن ذلك لا يحدث، إذ يكفي التوقيع الذي يحصل عليه أي نائب لصرف الطلب.
وأحيل ملف الفساد في طلبات العلاج على النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود للتحقيق فيه وتولت مباحث الأموال العامة وأجهزة رقابية أخرى جمع المعلومات المتعلقة بالتجاوزات في هذا الأمر تمهيداً لإحالة المشتبه بهم على النيابة العامة. وفحص الجهاز المركزي للمحاسبات قرارات العلاج على نفقة الدولة في الداخل والخارج. وأكد رئيس البرلمان فتحي سرور أن «لا تستر على أي فاسد»، وأنه سيتم رفع الحصانة البرلمانية عن أي نائب يثبت تجاوزه أو يطلب النائب العام التحقيق معه.
وقال النائب مصطفى بكري إن «بعض النواب تسبب بإهدار المال العام عبر إساءة استخدام قرارات العلاج على نفقة الدولة والمتاجرة بآلام وأمراض المواطنين وإهدار حقوق الفقراء في العلاج والاتفاق مع عدد من المستشفيات الخاصة الكبرى والمراكز الطبية الخاصة على المتاجرة والسمسرة والحصول على مكاسب ضخمة وصلت في أربعة أشهر فقط إلى أكثر من 150 مليون جنيه».
وأضاف: «استطاع بعض النواب في الفترة من أول أيلول (سبتمبر) الماضي وحتى نهاية العام الماضي الحصول على قرارات علاج على نفقة الدولة بطريق التحايل بلغت قيمتها 253 مليون جنيه و740 ألفاً و372 جنيهاً... وهناك أمور تثير الشبهات».
وطالب وزارة الصحة بـ «أن تعلن أمام الرأي العام أسماء هؤلاء النواب والمستندات التي تثبت وتؤكد تجاوزاتهم خصوصاً أن الوزارة تمتلك الوثائق والدلائل التي تؤكد ذلك»، كما دعا البرلمان إلى «اتخاذ الإجراءات الضرورية تجاه السماسرة الذين أساؤوا إلى سمعته وارتكبوا جرائم خطيرة».
وزاد الحنق الشعبي أن هذه التجاوزات تأتي في وقت تشكو فيه الغالبية من عدم قدرتها على الاستفادة من قرارات العلاج على نفقة الدولة. ويروي المحاسب أحمد محمد عبدالعزيز (30 سنة) لـ «الحياة» أنه حصل على قرار علاج على نفقة الدولة لوالده الموظف في وزارة التربية والتعليم بمبلغ 10 آلاف جنيه فقط، على رغم أن علاجه تكلف 16 ألفاً، ومع ذلك أبلغته إدارة المستشفى بأنها لن تعتد بهذا القرار وطالبته بدفع المبلغ كاملاً ومطالبة الوزارة بصرف قيمة القرار. وبعد وفاة والده رفضوا الإفراج عن جثته، ما اضطره إلى دفع المبلغ، كما أنه لم يتمكن حتى الآن من صرف قيمة القرار من وزارة الصحة. وأقرت الحكومة بقصور في نظام العلاج على نفقة الدولة. وقال رئيس الوزراء أحمد نظيف إنه «نظام عدم النظام، لأنه نظام يمكن من يستطيع الوصول إلى نائب في البرلمان من الحصول على العلاج على نفقة الدولة، ويحرم الكثيرين».