ومع كل هذا فلا أحد يدخل الجنة بعمله وإنما برحمة الله فإن الله عز وجل ادخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها الناس يوم الحساب ورحمة واحدة وزعها على الأرض يتراحم الناس فيها ولهذا قال النبي (): ((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وأبشروا فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ))( ) لكن رحمة الله لمن عمل و أطاع لا لمن عصى وتكبر ومن بالله كفر .
- طلب الجنة لأهلها وطلبهم لها ، متى تقول الجنة اللهم أدخلهم الجنة فتطلبك ساكناً لها .
اجل، ستطلبكم ساكنين لها ولكن ليس قبل ان تطلبوها فالنبي () قال: ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ)) .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (): ((ما سأل الله عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة إن عبدك فلانا سألني فأدخلنيه ).
هل من مثيل لهذه الرحمة الإلهية، لهذا الخير العميم لنسأل الله الجنة من أجل أن تطلبنا .
أخوتي أحبتي أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فإنهما شافعتان مشفعتان وان العبد إذا أكثر مسألة الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألنيك فأسكنه أياي.
ولهذا كان الكثير من السلف يستحي أن يسأل الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا الله من النار فمنهم أبو الصهباء واسمه صلة بن أشيم صلى ليلة السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أوَ مثلي يجترىء أن يسألك الجنة؟ وعن عطاء أنه كان يقول: "كفاني أن يجيرني الله من النار".
وفي أحد الأيام جاء رجل يشتكي صلاة معاذ وتطويله بهم للنبي () فقال له النبي: ((كيف تصنع يا إبن أخي إذا صليت؟ قال: أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي (): إني ومعاذ حولها ندندن)).
وعن عبد الملك بن أبي بشير يرفع الحديث : ((ما من يوم إلا والجنة والنار تسألان تقول الجنة يا رب قد طابت ثماري واطَّردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلي بأهلي))( )،فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليها جذباً والنار كذلك.
- فلا ننسى طلَبنا للجنة فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله () يقول: (( أُطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة))( ).
- أسماء الجنة ومعانيها
وأما عن أسمائها فالكثير من الناس يحفظ اسماً أو اسمين للجنة لكن نريد أن نتعرف على جميع أسمائها وكيف لا نتعرف على أسماء منازلنا ومساكننا ، ولهذا نقول في الجنة اثني عشر اسماً معروفاً وهي:
الأول: وهو الاسم المشهور (الجنة) وأصل هذه اللفظة من الستر والتغطية أي إنها مخفية عن عيون بني البشر كما يخفى الجن والجنين والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة وهو مذكور في القرآن: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الحجر:45) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (الزخرف:70).
الثانية: دار السلام لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام:127) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (يونس:25) أي إنها دار سلامة من كل بلية وآفة ومكروه بل السلام من أسماء الله وهي تحيتهم يوم القيامة وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (يونس10).
الثالثة: دار الخلد أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا (الرعد: من الآية35) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (صّ:54). وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (الانفطار:16). هي خلود لمن يدخلها بل سيذبح فيها الموت ويقال حينئذ:"يا أهل الجنة أن لكم أن تحيوا فلا تبأسوا أبداً وأن تعيشوا فلا تموتوا أبداً".
رابعاً: دار المقامة وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (فاطر:35) . والإقامة من المُكث والبقاء يقال أقمت هنا، فالإقامة في الجنة هي اتخاذها داراً.
خامساً: جنة المأوى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (لنجم:15). والمأوى من أوى يأوي إذا أنظم للمكان واستقر به وقال ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل تأوى إليها أرواح الشهداء والأرجح هي الجنة وهذا اسم من أسمائها وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (النازعـات:40/41) .
سادساً: جنات عدن جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (مريم:61) . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (فاطر:33) وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ (الصف: من الآية12)،ويقال عَدَنَ بالمكان إذا أقام به فالعدن من الإقامة والدوام تقول عَدَنَتِ إلابلُ بمكان إذا لزمته فلم تبرح منه .
سابعاً: دار الحََيَوان: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (العنكبوت: من الآية64). والحيوان هنا أي الحياة التي لا موت فيها كما قال علماء الشرع واللغة، فهذه الدار لا تفنى ولا تنقطع ولا تبيد جعلنا الله من أهلها .
ثامناً: الفردوس قال تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (المؤمنون:10/11). إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (الكهف:107). وهو اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها واصل الفردوس البستان الذي فيه العنب وقيل هو الجنة ذات كروم يقال مُفردَس أي معرَّش وقيل هي الجنة الملتفة بالأشجار والأسم يشمل جميع المعنى، قال حسان بن ثابت:
وأن ثواب الله كل مخلدِّ جنان من الفردوس فيها يَخلُدُ
تاسعاً: جنات النعيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (لقمان:8) . فهي تحتوي على كل ما يتنعم بها من المأكول والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير هذا من النعيم .
عاشراً: المقام الأمين: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (الدخان:51). المقام من الإقامة أما الأمين فهو أمين من كل سوء ومكروه بل قد جمع كل صفات الأمن من زوال وخراب ونقص وهم آمنون من النغص والنكد.
الحادي عشر والثاني عشر: مقعد صدق – قدم صدق. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر ٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (القمر:54/55) . تقول مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن ومنه الصدق لأن فيه الخير والكلام الصدق وفيه الصداقة لصفاء المودة والأمر يشتمل على كل الأعمال المؤدية إلى الجنة، وحتى القدم (قِدَمُ الصدق) فكل حق ثابت المقصود الذي يرغب فيه هو طريق للجنة.
- هل يوجد في الجنة الكبيرة جنان أم هي جنة واحدة؟ اسمع لقول من قال:
وما ذاك إلا غيرة أن ينالها
وأن حجبت عنا كل كريهة
فلله ماضي حشوها من مسرة
ولله يرد العيش بين خيامها
ولله واديها الذي هو موعد المزيد
سوى كفئها والرب بالخلق أعلم
وحفت بما يؤدي النفوس ويؤلم
وأصناف لذات بها لتنعم
وروضاتها والثغر في الروض يبسم
لوفد الحب لو كنت منهم
ولكن قبل أن نجيب لا بد أن نعرّف الجنة ، فالجنة هي اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور ولذلك عندما تدخل لمكان اتصف بهذه الصفات تقول ما هذا إنه جنة الله في الأرض.
فالجنان على هذا الوصف كثيرة وليست جنة واحدة بل جنات كثيرة في داخل الجنة التي وعد الرحمن عباده.
وفي أحد الأيام كما روى الإمام البخاري عن أنس إبن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة أتت رسول الله () فقالت: ((يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى)).
ثم أن الله عز وجل ذكر أربع جنات حيث قال في سورة الرحمن: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن:46) . وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (الرحمن:62) . أي أدنى منها هاتان الجنتان الأخيرتان هي أدنى من الجنتين التي قبلها، ثم أن الله عز وجل يختار من كل شيء أعلاه وأفضله كما أختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمداً ومن السموات العليا ومن البلاد مكة ومن الأشهر المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام يوم الجمعة ومن الليل وسطه ومن الأوقات أوقات الصلاة إلى غير ذلك .
فكما أن الله يختار من كل شيء أفضله فانه اتخذ لنفسه جنة غرسها بيده وقربها من عرشه وهي سيدة الجنان كما قال العلماء أو سمَّوها، نعم بنى الله الفردوس بيده كما قال الإمام أنس بن مالك وأرضاه وقد روي ((أن الله خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث قالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث ؟ قال الذي يقر السوء في اهله))( ) وقيل غرس جنة عَدَن بيده سبحانه . وعن أنس عن كعب أن النبي () قال: (( غرس الله جنة عدن بيده ثم قال أنطقي قالت: (قد أفلح المؤمنون)( ) إنها جنات كثيرة نعم ...وغرست بعضها بيد الله جل في علاه.
وقد روى الإمام مسلم عن النبي (): (( سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ )).