** صفات الجنة وما تشتمل عليه **
بداية علينا قبل بيان صفات الجنة ذكر صفات أهلها فلأجلهم خلقت وتزينت وتجهزت .. وأهل الجنة هم الذين باعوا دنياهم باخرتهم فربحوا وغنموا وعن صفاتهم يقول () : في رواية أنس ابن مالك " يدخل أهل الجنة على طول أدم ستين ذراعا بذراع الملك وعلى حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنه وعلى لسان محمد () جرد مرد مكحولون )( ) وأهل الجنة لا ينامون لقوله () : " النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة " ( ) . كما أن العبد من أهل الجنة قد يرتقي في درجاتها من درجة إلى أخرى أعلى منها لقوله () :" إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة .. فيقول يا رب أنى لي هذه ؟! فيقول : باستغفار ولدك لك "( ) وبذا فإن ذرية المؤمن تلحق به في الدرجة ولو كانوا أقل منه في العمل حتى تقر بهم عينه .. كما أن أهل الجنة خالية قلوبهم من الأحقاد لقوله تعالى : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ " ( )
** وإن كانت الجنة موجودة الآن فما صفاتها وما تشتمل عليه إذن ؟
أولا: أبواب الجنة : للجنة أبواب ثمانية لقوله () : في الصحيحين عنه () أنه قال : في الجنة ثمانية أبواب باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون وقوله () : " وما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ويسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء " ( )
ثانيا : أين الجنة قال تعالى في سورة النجم (أية 12-15): "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى , عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى , عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى " وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها وما يصعد إليه وقد ثبت في الصحيحين عنه () أنه قال : " الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع وأعلى هذه الدرجات مرتبة الفردوس لقوله () في تكملة الحديث : فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة " رواه البخاري.
ثالثا ما تشتمل عليه الجنة : الجنة كما قال () : في رواية لأبي هريرة " الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وترابها الزعفران وطينها المسك وقي رواية اخرى لأبي هريرة عنه () أنه قال : " أرض الجنة بيضاء عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل فيها أنهار مطردة فيجتمع فيها أهل الجنة أدناهم وأخرهم فيتعارفون فيبعث الله ريح الرحمة فيهب عليهم ريح المسك فيرجع الرجل إلى زوجته وقد إزداد حسنا وطيبا فتقول له : لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة وأنا بك الان أشد إعجابا ( )
وفي سنن ابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المفاخري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة ابن زيد يقول : قال رسول الله () : " ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها . هي ورب الكعبة نورا يتلألأ وريحانه تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام أبدي في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال : قولوا إن شاء الله ( )
• أما عن غرف الجنة : فقال () أن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها .. فقام إعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيب الكلام , وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " ( ) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وعائشة أن جبريل قال للنبي () هذه خديجة أقرئها السلام من ربها , وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ( والقصب هنا هو قصب اللؤلؤ المجوف ) وسيعرف أهل الجنة غرفهم رغم أنهم لم يروها من قبل لقوله () في رواية أبي هريرة . قال () والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف أحوالكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم إذا دخلوا الجنة )( )
• أما عن بساتين وأشجار الجنة وظلالها قال () يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( السجدة آية 17 ) وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرءوا إن شئتم " فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ " ( آل عمران آية 185 ) ( )
• اما عن ثمار الجنة فيحدثنا ابن عقيل عن جابر قال بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله () فتقدمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضي الصلاة قال له ابي بن كعب يا رسول الله صنعت اليوم شيئا ما رأيناك كنت تصنعه قال " إني عرضت على الجنة ومافيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا من عنب لاتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه " ( )
• أما عن انهار الجنة ففيها نهر يسمى الكوثر وعد رب العزة سبحانه وتعالى به نبينا فقال () (بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه حبات اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر )( ) كما أن بها عيونا كثيرة لقوله تعالى " وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً , عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً " (سورة الإنسان آية 17,18 )
• وعن أهل الجنة قال () لرجل من اليهود جاء يسأل يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ؟ قال () والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع فقال له اليهودي فإن الذي يأكل ويشرب تكون له حاجة فقال له () حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر )( ) كما قال () في حديث اخر رواه ابن مسعود قال " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا " ( )
• وعن مراكب أهل الجنة ومطاياهم فالخيل لقوله () في رواية عن جابر بن عبد الله انه () قال إذا دخل أهل الجنة الجنة جاءتهم خيول من ياقوت أحمر لها أجنحة لا تبول ولا تروث فقعدوا عليها ثم طارت بهم في الجنة فيتجلى لهم الجبار فإذا رأوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار سبحانه وتعالى : ارفعوا رؤوسكم فإن هذا ليس يوم عمل إنما هو يوم نعيم وكرامة فيرفعون رؤوسهم فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا فيهيجها عليهم حتى أنهم ليرجعون إلى أهليهم وإنهم لشعث غبر " ( )
• وعن الطرب في الجنة وسماع الحور العين : يقول ( ) " إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرقصن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له " ( ) كما أن هناك رواية لأبي هريرة عنه () قال " إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها ريح فتصطفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه " ( )
• وعن خيام اهل الجنة وسررهم : فيقول () إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ( ) وأما السرر فيقول تعالى " مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ " . ( الطور اية : 20 ).
• وعن ملابسهم فيقول () من قرأ القران فقام به أناء الليل والنهار ويحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه وجعله رفيق السفرة الكرام البررة وإذا كان يوم القيامة كان القران له حجابا فقال يا رب كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا إلا فلانا كان يقوم أناء الليل وأطراف النهار فيحل حلالي ويحرم حرامي يقول يا رب أعطه فيتوجه الله تاج الملوك ويكسوه من حلة الكرامة ثم يقول هل رضيت ؟ فيقول : يا رب أرغب في أفضل من هذا فيعطيه الله الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقول له " هل رضيت ؟ فيقول نعم يا رب ويقول () عند تلاوته قوله تعالى " جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب " فقال إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " * كما أن فرش الجنة مبطنة بالإستبرق فإذا كانت هذه هي بطانتها فما بالك بظاهرها لقوله تعالى :" مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ " ( الرحمن اية 54) كما أن قارئي سورة البقرة وال عمران يرتدون تاج الوقار لقوله () تعلموا سورة البقرة وال عمران فإنهما الزهراوان وأنهما يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان والقران يقي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني ؟ فيقول له : ما أعرفك فيقول القران أنا الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك , وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسي والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بما كسبنا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكم القران , ثم يقال له اقرأه وأصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود مادام يقرأ هددا كان أو
ترتيلا " ( )
• أما عن لباس أهل الجنة : فلا تبلى لقوله () " من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه . في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( ) كما يقول () "تبلغ الحلية من الحلي من المؤمن حيث يبلغ الوضوء( ) " وعن ثيابهم قال () طوبى لمن رآني وأمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن أمن بي ولم يراني فقال له رجل وما طوبى يا رسول الله ؟ قال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ( ) وعن مناديلهم ورد بالصحيحين أنه أهدي لرسول الله () ثوب حرير فعجبوا من لينه! فقال رسول الله () تعجبون من هذا ؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ) . وكيف لا وسعد بن معاذ قد إهتز لموته العرش ( ) وفي ثيابهم قوله تعالى في سورة الكهف "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً , أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ " . ( الكهف آية 30,31 )
الحور العين
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال()"أن للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ثيابها من وراء الثياب ( ) كما أنه () قد أجاب على أم سلمة عندما سألته عن تفسير قوله تعالى (حور عين ) قال (حور ) بيض (عين ) أي بأعينهم حور .. ضخام العيون شقر – الحوراء بمنزلة جناح النسر " قلت أخبرني عن قوله عز وجل " كأنهن لؤلؤ مكنون " قال " صفاؤهن صفاء الدر في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " قالت يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل " فيهن خيرات حسان " قال " خيرا ت الأخلاق حسان الوجوه " قالت يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل " كأنهن بيض مكنون " ( الصافات آية 49) قال رقتهن كرقة الجلد الذي رأيته بداخل البيضة مما يلي القشرة وهو العزقاء " قالت يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل " عربا أترابا " قال " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا رمضا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عزارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميلاد واحد " قالت يا رسول الله نساء الدنيا أم حور العين" ؟ قال :" بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانه " قالت يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال :" بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله تعالى ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً .. وطوبى لمن كنا له وكان لنا .. قالت يا رسول الله . المرأة منا تتزوج زوجين أو ثلاثة أو أربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها .. قال يا أم سلمه إنها تخير فنختار أحسنهن خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمه ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة ( )
• وعن نكاح أهل الجنة ووطئهم والتلذذ بذلك دونما مذى أو مني أوحاجة إلى غسل من جنابة : يقول () في الإجابة على من سأله " هل ينكح أهل الجنة ؟ قال . أي والذي بعثني بالحق دحما دحما وأشار بيده ولكن لا مني ولا منية )( ) وأيضا رده () على من سأله " يا رسول الله " ألنا فيها أزواج أو منهن صالحات ؟ قال الصالحات للصالحين , تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أنه لا توالد "( )
• وفي ختام ما تقدم من هذا الوعد الجميل والثواب الحسن وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين لا يسعنا إلا أن نختم دراستنا للجنة بقوله تعالى في سورة الحديد "يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " " صدق الله العظيم " (آية 12 ) .....