عشق معظم الأطفال والمراهقين ألعاب الفيديو Video Games لما تقدمه لهم من عناصر الإثارة والتحدي، لكن البعض يفضلونها لدرجة قد تصل إلى حدود مرضية. حيث أظهرت دراسة جديدة صدرت في
شهر يناير (كانون الثاني) من مطلع العام الجاري أن الآباء قد يكون لديهم الحق في إبداء الانزعاج من الساعات الطويلة التي يقضيها الأولاد في متابعة ألعاب الفيديو، سواء على الكومبيوتر أو في جهاز ألعاب «بلاي ستيشن»، والتعلق بها إلى حد الإدمان.
* إدمان ألعاب الفيديو
* وأوضحت الدراسة التي قام بها فريق طبي عالمي بجانب علماء النفس من جامعة أيوا الأميركية أنه يوجد فعلا ما يمكن تعريفة بـ«إدمان» ألعاب الفيديو بين الأطفال والمراهقين على مستوى العالم كله، وأشارت إلى أنه كلما زادت كمية الوقت الذي يقضيه الطفل أو المراهق أمام الألعاب، وكذلك كلما زادت عزلته الاجتماعية، كان تأثير هذه الألعاب يكاد يصل إلى حد إمكانية وصفها بأنها ألعاب تسبب المرض Pathological Gamers.
وفى دراسة طويلة، قامت بها وزارة التعليم في سنغافورة بمساعدة فريق من أطباء نفسيين من كوريا واستمرت لمدة عامين، أجريت على 3 آلاف طفل من 12 مدرسة مختلفة من المدارس في سنغافورة منها 5 مدارس للأولاد، لاستبيان مدى تعلقهم بألعاب الفيديو والوقت الذي يقضونه أمامها، مع ملاحظة أي تغير سلوكي يطرأ عليهم.
* سلوكيات الإدمان
* وقد أجريت هذه الدراسة بمساعدة المدرسين الذين تم تدريبهم بواسطة فريق البحث، وأظهرت أن نحو 9% من هؤلاء الأطفال يعانون ما يمكن وصفه بـ«الإدمان»، حسب مواصفات مشابهة لما تم تعريفه من قبل رابطة أطباء النفس الأميركيين American Psychiatrics Association لتشخيص الإدمان كسلوك، وهو يعتمد على عاملين أساسيين: الأول هو احتياج المدمن بشكل متصاعد لمادة أو شيء أو سلوك معين كي يستطيع الاستمرار في حياته. والثاني أنه في حالة عدم حصوله على هذه المادة أو الشيء تتوتر حياته ويشعر بالتعاسة.
والمثير أن 84% من الأطفال أظهروا نفس التعلق أو السلوك الإدماني في الدراسة، مما يعطي احتمالية أن يتحول هذا السلوك إلى سلوك عام مستقبلا. إلى جانب ملاحظة أن هؤلاء الأطفال يعانون من القلق والاكتئاب والمخاوف الاجتماعية، وكذلك مشكلات في التحصيل الدراسي التي أرجعتها الدراسة في الأغلب إلى هذه الألعاب.
وحسب هذه الدراسة فإن نسبة الأطفال المدمنين على ألعاب الفيديو في سنغافورة تكاد تكون مماثلة لنسبة الأطفال في البلدان الأخرى، فالنسبة في الولايات المتحدة تبلغ نحو 8.5%، وفي الصين 10%، وفي ألمانيا 11.9%، وفي أستراليا 8%، وفي تايوان 7.5%.
وأشار دكتور دوغلاس جنتل Douglas Gentile، الأستاذ المساعد في الطب النفسي بجامعة أيوا الأميركية، إلى أن الدراسات المختلفة من جميع بلدان العالم (من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا) توضح أن نسبة تتراوح بين 7 إلى 11% من الأطفال والمراهقين يعانون من إدمان ألعاب الفيديو للحد الذي يمثل عائقا في تواصلهم الاجتماعي وتحصيلهم الدراسي.
ويذكر أن الدكتور دوغلاس من أوائل الأطباء النفسيين الذين حذروا من التأثير النفسي السيئ للإفراط في ألعاب الفيديو من خلال دراسة نشرت في دورية Journal Of Psychological Science في مايو (أيار) 2009.
وحسب تصريح للدكتور أنجيلين كو Angeline Khoo، وهو أحد أستاذة الطب النفسي في سنغافورة، فإن هذه الدراسة شديدة الأهمية، لأننا لا نعرف إذا كان هناك أطفال عرضة أكثر من غيرهم لإدمان هذه الألعاب، ولأي مدى سوف تستمر هذه الحالة من الإدمان، وهل تقتصر على مجرد إدمان ألعاب الفيديو أم أنها مجرد عرض لمرض آخر مثل الاكتئاب أو القلق.
* مخاطر الإدمان
* وخلص الباحثون من خلال هذه الدراسة إلى أن إدمان ألعاب الفيديو هو مشكلة سلوكية خطيرة وكبيرة في حد ذاتها، بغض النظر عن بقية الأمراض المتعلقة بها، حيث إنه على عكس الاعتقاد السائد بأن ذلك النوع من الإدمان يمكن أن يكون مجرد «عرض» للاكتئاب أو القلق أو الانعزال الاجتماعي أو المخاوف المختلفة التي تسبب ضعف التحصيل الدراسي ولكنه «مرض» في حد ذاته، تصحبه تلك الأعراض التي تخف حدتها مع التخلص التدريجي من إدمان هذه الألعاب.
وأوضح دكتور جنتل أن أطفال العينة التي شملتها الدراسة، الذين يمكن اعتبارهم مدمنين، يقضون نحو 31 ساعة أسبوعيا في ممارسة ألعاب الفيديو مقارنة بأقرانهم الذين يقضون نحو 19 ساعة فقط. ولكنه اعتبر أن هذا المؤشر غير كاف في كل الثقافات، حيث إنه في بعض البلدان لا يمكن معرفة ما هو الوقت المناسب للعب، بجانب أن مجرد قضاء الطفل لمدة طويلة في اللعب لا يعتبر سلوكا إدمانيا إلا إذا اقترن بمشكلات اجتماعية ونفسية، مثل التفكير في ألعاب الفيديو حينما يمارس نشاطا آخر أو أثناء الأكل. وكذلك إذا تحولت الألعاب إلى ملاذ من التوترات أو هروب من مشكلات حقيقية قد تواجه الطفل في المدرسة، وكذلك القلق والتوتر الشديد في حالة امتناع الطفل عن اللعب.
ومن مخاطر إدمان ألعاب الفيديو أنها تؤثر بشكل طفيف على معدلات النوم لدى الطفل أو المراهق وقد يصيبه ببعض الأرق، حيث يحتاج لوقت أطول من الطفل العادي للدخول في مرحلة النوم بمتوسط فرق نحو 4 دقائق.
وختاما، يجب التركيز على أن ألعاب الفيديو هي ألعاب العصر ولا يمكن حرمان الأطفال من ممارستها، ولكن يجب فقط الاعتدال في الوقت الذي يقضيه الطفل في ممارستها بالتوازي مع بقية الأنشطة الأخرى رياضية كانت أو اجتماعية.