بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه وتولاه ، واهتدى بهداه . أما بعد:
المقصود بالثوب الواحد هنا : أن يصلي المسلم او المسلمة في ثوب أو قميص واحد على لحم جسده دون أن يلبس تحته سروال ، أوأن يصلي في بيجاما النوم دون أن يتهيأ باللباس الحسن الذي يقابل به ربه جل وعلا فيدعوه ويناجيه . إلا أن يكون الانسان فقيرا لا يملك غيره فيصلي فيه دون حرج أو كراهة ، أو إذا كان في موضع لا يمكنه أن يلبس غير ثوب واحد كأن يكون قد فقد ثيابه مثلا أو قد أصابها شيء من النجاسة وليس لديه غير ثوب واحد ويخشى خروج وقت الصلاة فيصلي في ثوبه الواحد ولا حرج عليه.
ولكن كلامنا هنا ينصب على من يملكون خزائن مليئة بالثياب الفاخرة فإذا أراد أحدهم الخروج إلى السوق .. أو إلى العمل .. أو إلى زيارة .. أو إلى استقبال ضيوف .. أو استقبال رجل ذو منصب ومكانة، لبس أفخر ما عنده من الثياب ، ثم إذا أراد أن يقابل رب العالمين في صلاته استهان بذلك وصلى في أي شيء كان .
أخرج البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصّلاة في الثّوب الواحد ، فقال : "أوَ كلّكم يجد ثوبين" ؟! ثم سأل رجل عمر رضي الله عنه، فقال: إذا وسّع اللهُ فأوسعوا: صلّى رجل في إزارٍ ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تُبّان وقباء، في تُبّان وقميص [البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة في القميص والسراويل والتُبّان والقباء : (1/475) رقم (365) . ومالك في (( الموطأ )) : (1/140/31 ) ومسلم في ((الصحيح )) رقم (515) وأبو داود في ((السنن))]
ورأى عبد الله بن عمر نافعاً [مولاه وخادمه] يصلي في خلوته ، في ثوبٍ واحدٍ ، فقال له: يا نافع ! ألم أكسك ثوبين ؟ قال: بلى . قال : أفكنت تخرج إلى السوق في ثوبٍ واحد ؟ . قال : لا . قال : فالله أحق أن يتجمّل له [الطحاوي في شرح معاني الآثار: (1/377 و 378 ) وانظر: تفسير القرطبي : (15/239) والمغني: (1/621)] .
وكذلك مَنْ يصلّي في ملابس النوم، فإنه يستحيي أن يخرج بها إلى السوق، لرقّتها وشفافيتها وعدم ملاءمتها للقاء الناس، فكيف يلقى بها ربه جل جلاله؟ .
قال ابن عبد البر في التمهيد: (6/369) : "إن أهل العلم يستحبّون للواحد المطيق على الثياب ، أن يتجمّل في صلاته ما استطاع بثيابه ، وطيبه ، وسواكه" .
كما اتفق الفقهاء على أن الثوب الساتر للعورة يجب أن يكون كثيفاً، فلا يجزىء الساتر الرقيق، الذي يصف لون البشرة [انظر: الدّين الخالص ، للسبكي: (2/101-102)، المجموع للنووي: (3/170)، المغني لابن قدامة: (1/617) ، وانظر: (اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية ص 99) ، وتفسير القرطبي: (14/243-244)] .
وهذا في حق الذّكر و الأنثى ، سواء صلّى منفرداً أم جماعةً ، فكلّ مَنْ كشف عورته مع القدرة على سترها ،لا تصح صلاته ، ولو كان منفرداً في مكانٍ مظلم للإجماع على أنه فرض في الصلاة ، ولقوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : آية رقم (31 )] والمراد بالزّينة : محلها وهو الثّوب ، وبالمسجد الصّلاة ، أي: البسوا ما يواري عورتكم عند كلّ صلاة [انظر: الدّين الخالص للسبكي (2/101) ، التمهيد لابن عبد البر: (6/379 )]
وفي مقولة عمر السّابقة ، التي قدم فيها أكثر الملابس ستراً ، أو أكثرها استعمالاً ، وضمّ إلى كلّ واحدٍ واحداً ، ولم يقصد الحصر في ذلك ، بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه، دليلٌ على وجوب الصّلاة في الثياب الساترة، وأن الاقتصار على الثّوب الواحد ، كان لضيق الحال ، وفيه: أن الصّلاة في الثوبين ، أفضل من الثّوب الواحد ، وصرّح القاضي عياض بنفي الخلاف في ذلك [فتح الباري: (1/476) ، المجموع: (3/181) ، نيل الأوطار للشوكاني: (2/78 و 84)] .
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم (1/78): "وإن صلى في قميص يشف عنه ، لم تجزه الصّلاة" [قال الساعاتي في الفتح الرباني: (17/236) : "القميص مخيط له كمان وجيب [والمقصود بالجيب فتحة العنق] . وهو ما نسميه اليوم (بالجلابية) وهو الثوب الواسع ، الذي يعم جميع البدن من العنق إلى الكعبين ، أو إلى أنصاف الساقين ، وكان قديماً يُلبَس ملاصقاً للجسم تحت الثياب] .
وقال الشافعي أيضا: [3/2] "والمرأة في ذلك أشدّ حالاً من الرجل ، إذا صلّت في درع وخمار ، يصفها الدّرع ، وأحب إليّ أن تصلي في جلباب فوق ذلك ، وتجافيه عنها لئلا يصفها الدّرع" والمقصود بالدرع: القميص الرقيق الذي تلبسه المرأة ملاصقا لجسدها تحت الجلباب، بمعنى أنها كانت تلبس الدرع والسروال ، وفوق الدرع الجلباب ثم إذا خرجت لبست العباءة فوق الجلباب .
فعلى المرأة أن لا تصلي في الملابس الشفافة من (النّايلون) أو (الشيفون) ، أو حتى الملابس القطنية الرقيقة كــ (الكومبليزون) أو (الشلحة) أو (الروب) فإنها لا تزال بذلك كاسية عارية ، حتى ولو غطى ذلك بدنها كله ، و حتى لو كان فضفاضاً . ودليل ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات …" [مالك في الموطأ: (3/913) و مسلم في صحيحه رقم (2128)] .
قال ابن عبد البر: "أراد ــ صلى الله عليه وسلم ــ النساء اللواتي يلبسن من الثياب ، الشيء الخفيف ، الذي يصف ولا يستر ، فهن كاسيات بالاسم ، عاريات في الحقيقة" [تنوير الحوالك بشرح موطأ مالك: ( 3/103)] .
وعن هشام بن عروة : أن المنذر بن الزّبير قدم من العراق ، فأرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم بكسوة من ثياب مرويّة وقوهية – من نسيج (قوهستان) ناحية بخراسان – وهي ثياب رقاق عتاق ، وكان ذلك بعد أن كُفّ بصرها رضي الله عنها، قال: فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ، ردّوا عليه كسوته . قال: فشقّ ذلك عليه [على ابنها المنذر] ، وقال : يا أمّة ، إنه لايشف . قالت : إنها إن لم تشف ، فإنها تصف [أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: ( 8/184) بإسناد صحيح . وفي الباب كثير من الآثار ، انظرها في: حجاب المرأة المسلمة: (ص 56-59)] . الله أكبر ، رضي الله تعالى عن أسماء وعن أبيها .
قال السفاريني في: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: "إذا كان اللباس خفيفاً ، يبدي – لرقّته وعدم ستره – عورة لابسه ، من ذكر أو أنثى فذلك ممنوع ، محرّم على لابسه ، لعدم سترة العورة المأمور بسترها شرعاً ، بلا خلاف"
وإلى لقاء في تنبيه آخر ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه وتولاه ، واهتدى بهداه . أما بعد:
المقصود بالثوب الواحد هنا : أن يصلي المسلم او المسلمة في ثوب أو قميص واحد على لحم جسده دون أن يلبس تحته سروال ، أوأن يصلي في بيجاما النوم دون أن يتهيأ باللباس الحسن الذي يقابل به ربه جل وعلا فيدعوه ويناجيه . إلا أن يكون الانسان فقيرا لا يملك غيره فيصلي فيه دون حرج أو كراهة ، أو إذا كان في موضع لا يمكنه أن يلبس غير ثوب واحد كأن يكون قد فقد ثيابه مثلا أو قد أصابها شيء من النجاسة وليس لديه غير ثوب واحد ويخشى خروج وقت الصلاة فيصلي في ثوبه الواحد ولا حرج عليه.
ولكن كلامنا هنا ينصب على من يملكون خزائن مليئة بالثياب الفاخرة فإذا أراد أحدهم الخروج إلى السوق .. أو إلى العمل .. أو إلى زيارة .. أو إلى استقبال ضيوف .. أو استقبال رجل ذو منصب ومكانة، لبس أفخر ما عنده من الثياب ، ثم إذا أراد أن يقابل رب العالمين في صلاته استهان بذلك وصلى في أي شيء كان .
أخرج البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصّلاة في الثّوب الواحد ، فقال : "أوَ كلّكم يجد ثوبين" ؟! ثم سأل رجل عمر رضي الله عنه، فقال: إذا وسّع اللهُ فأوسعوا: صلّى رجل في إزارٍ ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تُبّان وقباء، في تُبّان وقميص [البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة في القميص والسراويل والتُبّان والقباء : (1/475) رقم (365) . ومالك في (( الموطأ )) : (1/140/31 ) ومسلم في ((الصحيح )) رقم (515) وأبو داود في ((السنن))]
ورأى عبد الله بن عمر نافعاً [مولاه وخادمه] يصلي في خلوته ، في ثوبٍ واحدٍ ، فقال له: يا نافع ! ألم أكسك ثوبين ؟ قال: بلى . قال : أفكنت تخرج إلى السوق في ثوبٍ واحد ؟ . قال : لا . قال : فالله أحق أن يتجمّل له [الطحاوي في شرح معاني الآثار: (1/377 و 378 ) وانظر: تفسير القرطبي : (15/239) والمغني: (1/621)] .
وكذلك مَنْ يصلّي في ملابس النوم، فإنه يستحيي أن يخرج بها إلى السوق، لرقّتها وشفافيتها وعدم ملاءمتها للقاء الناس، فكيف يلقى بها ربه جل جلاله؟ .
قال ابن عبد البر في التمهيد: (6/369) : "إن أهل العلم يستحبّون للواحد المطيق على الثياب ، أن يتجمّل في صلاته ما استطاع بثيابه ، وطيبه ، وسواكه" .
كما اتفق الفقهاء على أن الثوب الساتر للعورة يجب أن يكون كثيفاً، فلا يجزىء الساتر الرقيق، الذي يصف لون البشرة [انظر: الدّين الخالص ، للسبكي: (2/101-102)، المجموع للنووي: (3/170)، المغني لابن قدامة: (1/617) ، وانظر: (اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية ص 99) ، وتفسير القرطبي: (14/243-244)] .
وهذا في حق الذّكر و الأنثى ، سواء صلّى منفرداً أم جماعةً ، فكلّ مَنْ كشف عورته مع القدرة على سترها ،لا تصح صلاته ، ولو كان منفرداً في مكانٍ مظلم للإجماع على أنه فرض في الصلاة ، ولقوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : آية رقم (31 )] والمراد بالزّينة : محلها وهو الثّوب ، وبالمسجد الصّلاة ، أي: البسوا ما يواري عورتكم عند كلّ صلاة [انظر: الدّين الخالص للسبكي (2/101) ، التمهيد لابن عبد البر: (6/379 )]
وفي مقولة عمر السّابقة ، التي قدم فيها أكثر الملابس ستراً ، أو أكثرها استعمالاً ، وضمّ إلى كلّ واحدٍ واحداً ، ولم يقصد الحصر في ذلك ، بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه، دليلٌ على وجوب الصّلاة في الثياب الساترة، وأن الاقتصار على الثّوب الواحد ، كان لضيق الحال ، وفيه: أن الصّلاة في الثوبين ، أفضل من الثّوب الواحد ، وصرّح القاضي عياض بنفي الخلاف في ذلك [فتح الباري: (1/476) ، المجموع: (3/181) ، نيل الأوطار للشوكاني: (2/78 و 84)] .
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم (1/78): "وإن صلى في قميص يشف عنه ، لم تجزه الصّلاة" [قال الساعاتي في الفتح الرباني: (17/236) : "القميص مخيط له كمان وجيب [والمقصود بالجيب فتحة العنق] . وهو ما نسميه اليوم (بالجلابية) وهو الثوب الواسع ، الذي يعم جميع البدن من العنق إلى الكعبين ، أو إلى أنصاف الساقين ، وكان قديماً يُلبَس ملاصقاً للجسم تحت الثياب] .
وقال الشافعي أيضا: [3/2] "والمرأة في ذلك أشدّ حالاً من الرجل ، إذا صلّت في درع وخمار ، يصفها الدّرع ، وأحب إليّ أن تصلي في جلباب فوق ذلك ، وتجافيه عنها لئلا يصفها الدّرع" والمقصود بالدرع: القميص الرقيق الذي تلبسه المرأة ملاصقا لجسدها تحت الجلباب، بمعنى أنها كانت تلبس الدرع والسروال ، وفوق الدرع الجلباب ثم إذا خرجت لبست العباءة فوق الجلباب .
فعلى المرأة أن لا تصلي في الملابس الشفافة من (النّايلون) أو (الشيفون) ، أو حتى الملابس القطنية الرقيقة كــ (الكومبليزون) أو (الشلحة) أو (الروب) فإنها لا تزال بذلك كاسية عارية ، حتى ولو غطى ذلك بدنها كله ، و حتى لو كان فضفاضاً . ودليل ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات …" [مالك في الموطأ: (3/913) و مسلم في صحيحه رقم (2128)] .
قال ابن عبد البر: "أراد ــ صلى الله عليه وسلم ــ النساء اللواتي يلبسن من الثياب ، الشيء الخفيف ، الذي يصف ولا يستر ، فهن كاسيات بالاسم ، عاريات في الحقيقة" [تنوير الحوالك بشرح موطأ مالك: ( 3/103)] .
وعن هشام بن عروة : أن المنذر بن الزّبير قدم من العراق ، فأرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم بكسوة من ثياب مرويّة وقوهية – من نسيج (قوهستان) ناحية بخراسان – وهي ثياب رقاق عتاق ، وكان ذلك بعد أن كُفّ بصرها رضي الله عنها، قال: فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ، ردّوا عليه كسوته . قال: فشقّ ذلك عليه [على ابنها المنذر] ، وقال : يا أمّة ، إنه لايشف . قالت : إنها إن لم تشف ، فإنها تصف [أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: ( 8/184) بإسناد صحيح . وفي الباب كثير من الآثار ، انظرها في: حجاب المرأة المسلمة: (ص 56-59)] . الله أكبر ، رضي الله تعالى عن أسماء وعن أبيها .
قال السفاريني في: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: "إذا كان اللباس خفيفاً ، يبدي – لرقّته وعدم ستره – عورة لابسه ، من ذكر أو أنثى فذلك ممنوع ، محرّم على لابسه ، لعدم سترة العورة المأمور بسترها شرعاً ، بلا خلاف"
وإلى لقاء في تنبيه آخر ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .