في حدود علمنا (1) ـ إيمان القدوسي
خرج الفتي من قريته في جوف الليل دون أن يعرف لنفسه وجهه ، هو ليس ابن القرية تماما فقد قضي الشطر الأكبر من وقته في المدينة حيث درس حتي أنهي الجامعة ، كان معروفا باهتماماته الأدبية والفكرية حتي حصل علي لقب ( شاعر كلية الآداب ) واليوم وهو يحتفل بحصوله علي الليسانس مع أسرته وفي عز فرحته فاجأه أباه بهدية النجاح كما قال ، شبكة ذهبية يقدمها لفاطمة ابنة عمه وتنازل من قبل الأب له عن إدارة أملاكه وأرضه الزراعية .
أثار رفض الفتي لتلك العروض السخية وحديثه عن طموحه الأدبي بعيدا عن الأرض والفلاحة ، غضب الأب وحسرة الأم وتحول الاحتفال إلي غم ونكد عندما انفعل الأب وطرد ابنه الذي خرج عن طوعه ، وما كان من الفتي إلا أن انطلق في الطريق بين الحقول والمزارع حتي هاجمه الليل واختلطت عليه السبل فلم يعد يعرف أين هو ولا ماذا يفعل .
توقف يلهث يتلفت يمينا ويسارا حتي لاح له من بعيد ضوء سيارة قادمة فأراد أن يستوقفها ليسأل كيف يصل لأقرب مدينة ليبيت عند صديقه وزميله ليلته والصباح رباح كما يقولون ، توقفت السيارة بمحاذاته وحدق فيه رجلا مهيبا ومخيفا بعض الشئ وبادره بقوله ( تعالي ، اطلع ، ونظر للسائق الذي فتح باب السيارة الخلفي أمامه ) غمغم الفتي شاكرا ولكن الرجل أشاح بوجهه عنه فلم يعطه فرصة للكلام .
فوجئ الفتي أنه جلس في السيارة بجوار سيدتين ، إحداهما في منتصف العمر وتجلس بجوار الباب الآخر أما التي بجانبه فكانت ( ست الحسن والجمال ) التي وصفتها الحواديت ، رغم الظلمة الحالكة وارتدائها السواد وجو الكآبة الذي يخيم علي السيارة ومن فيها ، إلا أن أنوار جمالها كانت تشع مخترقة كل شئ ، لم يكن من الذين ينبهرون بجمال الشكل سريعا وكان يؤمن بحوار وتفاهم الأرواح كمعبر للتوافق ولكن مع هذه الأميرة الأسطورية شعر أن كل الكلام قد قيل بالفعل ولم يعد هناك مجالا سوي للصمت المشحون بالفرحة.
لم يتكلم الفتي كان غارقا في خيال ساحر ولم يعد حتي متأكدا هل هو في حلم أم حقيقة ، كان للفتاة وقارا وثباتا يشي بعمق داخلي وطمأنينة آسرة ، فلم تلتفت يمينا أو يسارا حتي توقفت السيارة أمام بيت عريق تحيطه حديقة موالح صغيرة وسور حديدي يحمل بقايا عز قديم ،نزل الرجل المهيب من السيارة ، ونزلت الحسناء وتابعتها ليدخلا سريعا ، أفاق الفتي من حلمه وأراد أن يقدم الشكر وينصرف ولكن الرجل المهيب بادره بقوله ( أنت ضيفي علي العشاء ) تذكر الفتي وقتها أنه يشعر بالجوع فعلا وقبل الدعوة منساقا ومؤملا في فتح باب للحوار يعرف منه شيئا عن تلك الأسرة الغامضة وإذا وجد فرصة يطلب يد الفتاة لنفسه ويقنع أباه بأن هذه هي بالضبط التي يتمناها وليست فاطمة أبدا .
بعد تناول الطعام استدعي الرجل الفتاة قائلا ( تعالي يا أمل ) جاءت الفتاة تغطيها عباءتها السوداء ، فكشف الرجل عنها العباءة لتبدو عروسا بكامل زينتها ، توجه بحديثه للفتي سائلا إياه : ما رأيك يا … مااسمك ؟
قال الفتي ذاهلا ( أسامة .. اسمي … أسامة عبد الغفور)
قال الرجل وقد تغير وجهه وبدا عليه شيئا من الجنون ، ما رأيك يا أسامة هل تقبل أن تتزوج هذه الفتاة الآن ؟؟
دارت رأس الفتي وانعقد لسانه ولم يحر جوابا .
للقصة بقية .