{ وثيقة أمريكية : جمال مبارك مارس ضغوطاً علي والده للإطاحة بطنطاوي من الحكومة عام 2008 { السفير الأمريكي كتب بخط يده: الجيش المصري سيكون العائق الأكبر أمام مشروع التوريث
في زحمة الأحداث التي شهدتها مصر منذ 25 يناير كانت قد تسربت وثائق عديدة تخص المشير محمد حسين طنطاوي،وهي وثائق في النهاية تكشف التصورات الأمريكية عن الرجل وعن أفكاره وإتجاهاته، فالذين كتبوا البرقيات هم الدبلوماسيون الأمريكان.... وأعتقد أن مصير هذه الوثائق لم يكن يتوقف عند الخارجية الأمريكة فقط،بحكم أن من يكتبون البرقيات ينتمون إليها، ولكنها كانت تصل إلي المخابرات الأمريكية التي كانت تتابع كل كبيرة وصغير في مصر.
لا يوجد حصر معلن أو محدد للبرقيات التي تناولت أمورا تخص المشير طنطاوي،لكننا أمام مجموعة من الوثائق المهمة التي ترسم بعضا من ملامح الرجل الذي يحكم مصر الآن،بعد ثورة أطاحت بنظام الرئيس مبارك وأعوانه ورجاله،مخلفة مصر في أصعب لحظات تاريخها.
وهذا بعض مما قيل عن الرجل ....ومن واقع البرقيات.
البرقية الأولي أشارت إلي أن المشير طنطاوي كان يضيق وبشدة من جمال مبارك ومجموعته، وأنه أعلن خوفه العميق أكثر من مرة لمن حوله علي مستقبل مصر،في ظل ممارسات سياسية مريبة تمارسها هذه المجموعة.
البرقية التي خرجت من مصر في 4 ابريل 2007 أشارت كذلك إلي موقف جمال مبارك من كل من المشير طنطاوي واللواء عمر سليمان،حيث كان يراهما العقبة الأكبر في طريق طموحاته الرئاسية،ولذلك - وطبقا للبرقية - فإن جمال ومجموعته الذين باتوا أكثر ثقة بأن نجل الرئيس سيرث والده حتما،يعملون علي إزالة العوائق الباقية أمام الوراثة،وهذه العوائق تتمثل في كل من عمر سليمان والمشير طنطاوي.
الدبلوماسي الأمريكي الذي كتب هذه البرقية استند فيها إلي ما قاله له النائب السابق محمد أنور السادات،وكشف السادات عن توقعات بالإطاحة بسليمان وطنطاوي من الحكومة عبر ضغوط من جمال مبارك علي والده،وكان مقررا أن تتم هذه الإطاحة في مايو أو يونيو 2007، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ربما لأن لعبة السياسة الخفية في مصر،كانت تخضع للمد والجذر ،فرغم أن مجموعة جمال كانت قوية ومؤثرة وقادرة،إلا أننا لا يمكن ان نتجاهل قوة وتأثير ونفوذ الجبهات الأخري، والتي لم يكن متصورا أن تسلم بسهولة.
السادات نقل للدبلوماسي الأمريكي ما قال له المشير طنطاوي نصا:قال:"لم أعد أحتمل جمال وجماعته وفسادهم"،لقد أبدي السادات معرفة وثيقة بالمشير، ونقل عنه أنه تقريبا لا ينام بسبب ما يفعله جمال وشلته في البلد، ولذلك رجح السادات أن يكون الخيار الوحيد المطروح لإنقاذ مصر هو الإنقلاب العسكري، دون أن يقول متي ولا أين .
البرقية الثانية أرسلت إلي الخارجية الأمريكية في إبريل 2008 ،وتشير إلي وضعية المشير طنطاوي في الشأن الداخلي المصري، ومن بين ما تؤكده أنه:لا يزال يمتلك نفوذا كبيرا، وهو يعارض كلاً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يري أنها تأكل من قوة الحكومة،إنه قلق جداً حيال الوحدة الوطنية، وسبق له أن عارض سياسات ومبادرات وجد فيها ما يشجع الخلافات السياسية والطائفية داخل المجتمع، ويري أن إحدي مهمات الجيش هي حماية الشرعية الدستورية للنظام والاستقرار الداخلي.
أرسلت هذه البرقية إلي الخارجية الأمريكية بمناسبة زيارة طنطاوي للولايات المتحدة،وكان من شأنها أن تظهر آراءه ليست العسكرية فقط،ولكن السياسية والإقتصادية أيضا، والتي كان منها أنه يري أن الخطة الإصلاحية للحكومة تهدد الاستقرار من خلال خفض سيطرة الحكومة علي الأسعار، وهو يرفض رفضا قاطعا أي ربط للمساعدات العسكرية الأمريكية بتعزيز حقوق الإنسان،أو بأي شروط أخري.
البرقية وضعت ما يشبه خريطة الطريق للمسئولين الأمريكيين للتعامل مع طنطاوي، فقد وصفته بأنه رجل حاسم وعنيد،وقالت نصا:"علي المسئولين في واشنطن أن يستعدوا للتعاطي مع رجل يمانع في التغيير،إنه شخص ساحر ولائق، غير أنه منخرط في المسار العسكري لما بعد اتفاق كامب ديفيد الذي خدم المصالح الضيقة لجماعته طيلة العقود الثلاثة الماضية".
ملمح آخر مهم وضعته البرقية للمشير طنطاوي، فهو بالنسبة لكاتبها:"شارك في 5 حروب ضد إسرائيل، ملتزم بعدم حصول حرب جديدة معها، لكنه يشعر ببرودة إزاء مسار اتفاقيات كامب ديفيد، وهو غير مرتاح إزاء الحرب العالمية ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001".
البرقية الثالثة تؤكد أن المسئولين الأمريكان يئسوا من أن يتجاوب المشير طنطاوي معهم،في رغبتهم بتحديث الجيش المصري وفقا للرؤية الأمريكية،تقول البرقية أن طنطاوي رفض هو ومساعدوه جميع العروض الأمريكية لتغيير هيكلة الجيش المصري وعقيدته القتالية وطرق تدريبه وتجهيزاته.
البرقية الرابعة أرسلت إلي الخارجية الأمريكية في 21 أغسطس 2005، وهي تغوص أكثر في التكوين النفسي للمشير طنطاوي،فهو بالنسبة للأمريكان رجل صعب المراس، ومن المهم بالنسبة لهم عدم إغضابه أو إشعاره بأن الولايات المتحدة تتدخل في الشئون الداخلية المصرية،كاتب البرقية يقول نصا:"من المهم بالنسبة الي طنطاوي أن يسمع دائما أن واشنطن لا تنوي التدخل في تفاصيل المسار الانتخابي، لكنها ستراقب عن كثب عدالة الانتخابات وشفافيتها وانفتاحها فقط".
البرقية الخامسة كانت في 14 مايو 2007 وكتبها السفير الأمريكي -وقتها - بنفسه ريتشارد دوني تأكيد علي أن الجيش المصري سيكون العائق الأكبر أمام مشروع التوريث الذي يمضي الرئيس مبارك قدما في تنفيذه، ويصف دوني الموقف قائلا:"إن أيا من رؤساء مصر منذ العام 1952 لم يأت من خارج صفوف الجيش فهو الحامي المطلق
يخصص السفير فرانك ريتشارديوني، برقيّة بتاريخ 14 مايو 2007 رقمها 07cairo1417، لمحاولة استقراء وضع مصر ما بعد حسني مبارك والسيناريوهات المحتملة لخلافة "الفرعون". وتجزم بأن الجيش سيكون العائق الأكبر أمام مشاريع توريث الحكم، لأن أياً من رؤساء مصر منذ 1952 لم يأت من خارج صفوف هذا الجيش الذي هو الحامي المطلَق لنظام جميع الرؤساء".
البرقية السادسة تأخذنا مع المشير طنطاوي إلي منطقة مختلفة بعض الشئ،فهي مكتوبة في العام 2009،وتشير إلي أن اسرائيل تعتبر أن المشير طنطاوي يقف عقبة أمام عملية إحباط التهريب عبر أنفاق غزة،وفي البرقية أن أوساط أمنية اسرائيلية ادعت أن المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري يشكل عقبة أمام احباط التهريب عبر الأنفاق في غزة، البرقية السابعة حملت مقارنة بين المشير طنطاوي واللواء عمر سليمان،فهي تشير إلي أن المشير طنطاوي عرقل الجهود الأمنية خلال حكم الرئيس مبارك لمنع تدفق الأسلحة إلي حماس علي عكس مدير المخابرات الذي رأي أنه في منع السلاح عن حركة حماس مصلحة أمنية مصرية،وأن اسرائيل تحمست لسيطرة حماس في قطاع غزة،وحاولت من خلال إجراءاتها أحادية الجانب أن تشحن حكم حماس بالقوة،حتي تتمكن من فرض سيطرتها علي التنظيمات الفلسطنية المسلحة وتضمن منعها من اطلاق الصواريخ بإتجاه البلدات الإسرائيلية.
البرقية الثامنة كانت تفصل الأحوال في مصر قبل ثورة 25 يناير، وفيه تفاصيل إجتماع بين شخصيات أمريكية بارزة وأحد القيادات في البرلمان المصري ،وخلاصتها أنه كان هناك موقفا واحد ومتفقا عليه بين المشير طنطاوي واللواء عمر سليمان علي رفض توريث حكم مصر لجمال مبارك.
الإجتماع الذي أشارت إليه الوثيقة يسجل إجتماع ناقش إمكانية تولي جمال مبارك حكم مصر خلفا لوالده، ومن بين ما تردد في الإجتماع علي لسان النائب البرلماني أن جمال مبارك كان يري أن كلا من المشير حسين طنطاوي وعمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية يمثلان خطرا علي طموحه الرئاسي.
نقلت البرقية ما قاله البرلماني المصري (وأغلب الظن أنه أيضا محمد أنور السادات..لأنه كان يتحرك في هذه المنطقة كثيرا) من أن المشير طنطاوي نقل له شعوره بالإحباط الشديد تجاه جمال مبارك وما يفعله في البلد هو ومجموعته،وأكد البرلماني علي أن حزمة التعديلات الدستورية التي تم التصديق عليها في البرلمان تهدف وبشكل واسع إلي ضمان تولي جمال مبارك الرئاسة خلفا لوالده،كما يتضح أن جمال وزمرته لديهم الكثير من الثقة بحتمية خلافته للرئاسة ويحاولون الآن إزالة كل أحجار العثرة الممكنة.
وفي إشارة لا تخطئها العين،فقد أكد النائب البرلماني أن المشير طنطاوي علق له في أحد الإجتماعات السرية قائلا: لا يمكن أن أتقبل الموقف أكثر من ذلك مع جمال مبارك وأعوانه والفساد الهائل الذي يسيرونه،...إنني لا أستطيع النوم ...ولا يمكن أن أتحمل ما يحدث للدولة أمامي".
وتشير البرقية كذلك إلي أن جمال مبارك يعرف جيدا أنه في حالة وفاة والده،فإنه لا يمكن أن يصل إلي الحكم في مصر،ولذلك فإن إجراءات تثبيته في حكم مصر تجري علي قدم وساق في حياة والده،ولذلك فقد كان هناك تفكير لأن يجري الرئيس مبارك تعديلا وزاريا بضغوط واضحة من جمال وشلته للتخلص من اثنين بالتحديد هما المشير طنطاوي واللواء عمر سليمان لأنهما كانا عقبة واضحة وحقيقية أمام وصول جمال مبارك للحكم.
هذه فقط بعض الوثائق التي تم تسريبها عبر موقع ويكليكس،وهي ترسم ضمن ما ترسم ملامح لشخصية المشير طنطاوي، وكان من أهم ما قالته إحدي البرقيات أن الرجل ليس طامحا إلي منصب الرئاسة في مصر، وهو ما يمكن أن نفهمه في ضوء تأكيد المجلس العسكري من أنهم يعملون من أجل تسليم البلاد لحكومة مدنية،وأنهم لا يريدون الاستمرار ...فهذه عقيدة المشير الأساسية، التي يبدو أنه لم يتراجع عنها حتي بعد أن دانت له الأمور، وأصبح هو بالفعل الحاكم للبلاد.
إن ما تكشفه الوثائق عن أداء وموقف المشير حسين طنطاوي من جمال مبارك وملف التوريث،يجعلنا نتفهم موقف الجيش الحامي للثورة،فلم يكن الموقف يحتمل الانحياز لنظام مبارك،وهو النظام الذي لم يكن يعمل إلا من أجل توريث الحكم لجمال،وهو ما كان يرفضه الجيش،ولذلك لم يلتفت طنطاوي إلي ما طلبه مبارك،سواء في أن يصبح نائبا له أو أن يضرب الثوار منهيا الثورة من الأساس.
إن إنحياز الجيش المصري للثورة، لم يكن وليد موقف،ولكنه كان ترجمة لعقيدة،لم يكن يرضي أصحابها عما يحدث في مصر خلال سنوات مبارك الأخيرة.