قد تختلف في الكثير من الأفكار والرؤى التي يقدّمها جلال بن بريك لكن لا يمكن الاختلاف في شأن صدقه النابع من نقاء ثوري كبير ،في هذا الحوار يقدّم بن بريك رؤية مغايرة تماما لكل الأطروحات والرؤى التي تتداولها الساحة السياسية منذ 14 جانفي .
بعد تسعة أشهر من الثورة، كيف تقيّم مسارها الى حدّ الآن؟
أوّلا لابد من التأكيد أنّ ماحدث هو ثورة حقيقية لا يمكن لأحد أو حزب أن يسرقها وحتىّ إذا نظرنا الى المسألة من زاوية إصطلاحية فإنّ الثورة تعني طرح مسألة السّلطة بشكل جدّي وهذا ما طرحه الشّعب التونسي بين 14 و17 جانفي وسقط رأس السّلطة ثمّ حل التجمّع رغم عودته بأشكال أخرى والاعتصام الأوّل والثاني في القصبة وهو ما أكّد أن الجماهير طرحت بجدّية مسألة الحكم وهذه هي الثورة.
هذا من جهة، الحكومة الأولى والثانية والثالثة والى حدّ الأن مازالت مطروحة مسألة الحكم ونحن في رابطة اليسار العمّالي نعتبر أنّ تونس تعيش حالة ثورية ،الشعب ثائر لكنّه لم يتحرّر إذ أن طلباته مازالت لم تتحقّق مثل التشغيل والكرامة وفي نفس الوقت يطمح الى حكومة ترضي طموحاته وقد جرّبنا الحكومة الأولى والثانية والثالثة ومازلنا نجرّب الى أن يجد الشعب حكومة ثورية شعبية أو يخسر طموحاته والى حدّ الأن رغم أننا بلد صغير وعليه ضغوطات من أوروبا وأمريكا فتقريبا برنامج الإصلاح الهيكلي حوّل تونس الى مستعمرة منذ سنة 1986والنّخب الحاكمة كانت ومازالت حارس للرأس مال العالمي وهم الآن سيحاولون تنويعها قليلا ببدائل قطرية أو غيرها.
نحن ندافع عن البديل الشّعبي ومادام الشّعب غير راض سيدافع عن استحقاقاته في العمل والصحّة والتعليم.
وفي هذا الأطار نحن نعتبر أن الحكومة التي تقود تونس منذ المسيرة المليونية هي حكومة الان جوبيه إذ تفطّن الفرنسيون بذكاء الى ضرورة الالتفاف على الثورة وذلك بالموافقة على المجلس التأسيسي والاحتفاظ بالسّلطة التنفيذية والسّلاح يضاف الى ذلك دور أتحاد الشّغل وقيادته أعني والأحزاب السياسية مثل النهضة الذين هرولوا من أجل المجلس التأسيسي.
كيف تقيّم أداء النهضة السياسي بعد 14 جانفي ؟
«النهضة» قدّمت تضحيات وضحايا في الثمانينات والتسعينات لكن مشكلة النهضة في قياداتها التي هربت من المعركة فراشد الغنوشي هرب الى لندن والشيخ مورو تملّص من الحركة التي ظلّت تسعى عن طريق نورالدين البحيري لعودته عن طريق التفاوض والاستنجاد بقطر والولايات المتحدة الأمريكية وصخر الماطري ولم نر لهم حضور حقيقي في الثورة .
كنّا ندافع عنهم كيسار ولم يبذلوا جهدا معنا ،صحيح أنّهم كانوا ضحايا لكنّهم كانوا ضحايا لإرادة سياسية في نفس يعقوب وبن علي أستعملهم لتقوية حكمه ،القيادة باعت القواعد التي زجّ بها بن علي في السجون وهم من أبناء الشّعب وحتى الصداقة مع صخر الماطري لا أعرف هل انتهت أم لا ؟
أعتبر أن حزب النهضة هو حزب سلفي في أطروحاته وغير صادق أمّا عن برنامجهم الأقتصادي والأجتماعي والسياسي فأفضل من عبّر عنه هو البوعبدلي رئيس الحزب الليبرالي المغاربي الذي قال أنّه يتبنّى برنامج النهضة !
فالنهضة لم تتحدّث عن الديون ولا عن الرأس المال العالمي على الطريقة الخليجية ثمّ مشكلة النهضة الأخرى هي العداء للمرأة وغير ذلك من المواقف السياسية التي تثير الكثير من الأسئلة ولا تتماشى مع تضحيات الشّعب التونسي
كيف ترى أنتخابات المجلس التأسيسي ؟
أنا أرى أن هذه الأنتخابات وقع الإعداد لها من طرف فرنسا أساسا ومن ورائها أوروبا حتى يتمّ القضاء على الشّرعية الثورية وخلق شرعية ملوّنة لإبقاء الحال على ما هي عليه ،في السّابق كان لنا البنفسجي والبوليس الأن ومن وراء الستار سيكون لنا البوليس وفسيفساء من الألوان ليبرالية سلفية وهي النهضة الى ليبرالية حداثية بين ظفرين الى ليبرالية قطرية الى ليبرالية وسطية وتركية وفرنسية وأمريكية.
نحن نقول بوضوح للشّعب التونسي لا للأوهام حول المجلس التأسيسي ويجب أن لا تتوقّف الثورة ولا الشرعية الثورية لأن الناس الذين نزلوا الى الشوارع وقدّموا الشهداء والجرحى من أساتذة ومعلمين وعاطلين عن العمل ونقابيين ونقابيات في المناطق الفقيرة والشعبية والمتوسطة هؤلاء النّاس يجب ان يتحّدوا ضد أعدائهممهما اختلفت الألوان لأن المجلس التأسيسي سيكون استمرارا للوضع السّابق في حين أن الثورة غير قانونية وقائمة على المحو ،محو كل ما سبق والتأسيس لشيء جديد لأن الثورة بطبيعتها غير قانونية مثل الحكومة الحالية لكن الفرق ان الحكومة معادية للجماهير ونحن نطالب بحكومة يختارها الشعب لتحقيق أحلامه وتكون حكومة شعبية عمّالية لذلك لابد من مواصلة الثورة .ومع ذلك قدّمنا قائمة رمزية مستقلة فيها المنسّق العام وسيّدة الزغلامي وفيها مجموعة من الشباب وشعارها لنواصل الثورة.
لماذا لم تُمنحوا الترخيص القانوني للحزب ؟
نحن ضدّ الحكومة نقولها بوضوح ومناضلينا مثل نزار عمامي وسيدة الزغلامي وانيس قريل واحلام بلحاج وقيادات سيدي بوزيد مثل عبدالسلام الحيدوري وميلاد وفي جهة الكاف مثل نور الدين وغيره من المساجين السياسيين كل مناضلينا وقفوا ضدّ الراس مال العالمي الذي يحكم في تونس ونحن لسنا مع الوفاق نحن مع الصراع مع الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمفقرّين ومع الحكومة العمّالية الشعبية الديمقراطية.
كيف ترى المشهد السياسي وخاصة الأحزاب ؟
هناك «شكارة» مليئة بالأحزاب الليبرالية والسلفية المقيتة الجبانة والليبرالية الفرنكفونية المتأمركة الى الإصلاحيين والدساترة.
ما هو موقفكم من التجمعيين؟
نحن طالبنا بحلّ التجمّع ومحاسبة قياداته الأمنية والسياسية المورطة في دماء شعبنا لابد من محاسبتها أما الشعب الكريم من القواعد فلا ذنب لهم.
واتحاد الشغل كيف ترون أداءه؟
في طرحنا للحكومة العمّالية الشعبية نعتمد على اتحاد الشغل ،نحن قدّمنا مشروعا واضحا اعترضت عليه حتّى أطراف يسارية بدعوى أننا نعيش فترة ديمقراطية ونحن نرى هذا قصرا في النظر وهناك تأثير ومسؤولية حقيقية للبيروقراطية النقابية التي يقودها عبد السلام جراد.
عندما قامت الثورة كان الاتحاد هو الجهة الوحيدة التي ناضلت رغم تغلغل الفساد والبيروقراطية فيه لكنّه كان ومازال يمثّل جزءا كبيرا من الطّبقة العاملة وطرحنا مجلسا لحماية الثورة يعيّن حكومة عمّالية شعبية قوامها الاتحاد العام التونسي للشّغل فما راعنا إلاّ الخيانة من جراد وعبد الرزاق الكيلاني عميد المحامين وهرول معهما جزء من اليسار وطبعا ارتمت قيادة النهضة وهذه الخيانة الحقيقية للثورة التي منحت المشروعية للسّلطة الفاسدة التي تمثّل تواصلا لبن علي في كل مؤسساتها ومن جهة اخرى دعاية متواصلة للفرنسيين وبعض الأمريكان الذين تخلّوا عن تونس لفرنسا لترتيب المشهد السياسي يضاف الى ذلك الخليج .
نحن طرحنا المجلس التأسيسي منذ الثمانينات عندما تأسس حزبنا بشرط ان تكون هناك حكومة عمّالية وقد تمّت سرقة محتوى المجلس التأسيسي الذي سيكون تحت حكومة مواصلة الفساد عندها يصبح بلا معنى والان هناك مشروع للالتفاف على هذا المطلب بأسم حكومة الوحدة الوطنية .
المال السياسي كيف تنظرون إليه في حزبكم ؟
رأس المال فاسد بطبيعته وخاصة الذين عملوا مع بن علي وهم معروفون للقاصي والداني وحتى الذين يقال إنّهم لم يتورطوا مع بن علي فلأنهم مرتطبين برأس المال العالمي وفي نفس الوقت هناك المال الخليجي الفاسد ...كل هذه الجهات تموّل الملتفين على الثورة.
الخليج له أموال ورعاية بريطانية وأمريكية يسعى الى تقديم نمط عيش لمجتمع لا يعمل يستهلك فقط ولا يحترم أبسط القيم حتى في النظر الى المرأة ،هؤلاء يريدوننا أن ننسج على منوالهم لذلك يدعمون السلفيين في كل مكان من العالم العربي .شعب محمد علي الحامي والطاهر الحداد وجانفي 78 وجانفي 84 وجانفي 2011 هذا الشعب طرح على العالم ثورة جديدة ابطالها شباب وشابات لن يهزمهم المال السياسي ولا الحكومة الفاسدة ولا الفرنسيين هؤلاء جميعا سيتحكمون في المجلس التأسيسي ونحن لذلك نقول لا للأوهام ولنواصل الثورة.
تعرّضت لمظلمة في عهد بن علي لكنّها تتواصل إلى حدّ الآن بحرمانك من مزاولة المحاماة لماذا؟
بن علي عانى مني حرمته من النوم ،عام 2001 قلت له «ديقاج» وفي 87 أنا اول من قال مع مجموعة الشيوعيين الثوريين ان بن علي جنرال نحن كعائلة حرمنا بن علي من النوم وحتى «عرفه»جاك شيراك حرمناه من النّوم الى حدّ ان سأل ماذا فعلت لجماعة بن بريك ولنجاة الزغلامي.
بن علي وعصابته قمعوا الشعب التونسي وليس عائلة بن بريك فقط نحن لنا ديون تجاه هذا الشعب العظيم ،أبناء الجبال والواحات والحلفاء والقمح والشمس الحارقة في الصحراء نحن نسدّد في ديوننا تجاه شعبنا ولذلك ندافع عن العاطلين عن العمل وحرية المرأة وكل القيم التي يحاول الراس مال الخليجي السلفي الفرنسي الامريكي نحن لسنا بضحايا وسنحرمهم النوم ونقولها بشكل واضح في رابطة اليسار العمّالي ومن معنا نحن مناضلون عماليون ثوريون ولا نلبس جبّة الضحيّة واقولها بشكل واضح من ينتظر شيئا من المجلس التأسيسي فهو مخطئ أما قضيتي الشخصية فهي جزء بسيط من نضال شعبنا ضد القمع والظلم فالقرار سياسي متعلّق باستقلالية المهنة وليس قرارا ضدّي ومثلما حرمنا بن علي من النوم سنواصل النضال والقادم أعظم.
عندما منعت من المهنة دافع عني الوزير الحالي وغيره من المحامين الوزراء الان نحن معركتنا شاملة ولن تتوقف،نحن أبناء الأحياء الشعبية وأبناء جبال الرصاص سندافع عن شعبنا حتى بدون «روبة كحلة»لأننا مثقفي الطبقة الكادحة وأقول لهم أنتظروا منا المزيد لن نصمت في الدفاع عن الفقراء ضدّ لصوص الثورة وضد من نسي دماء الشهداء.